على رسلكم 

بقلم: حمدي فراج*

كتب الكثير عن انسحاب اسرائيل من غزة ـ كما يحب البعض تسمية ذلك ـ ، وسيكتب أكثر وأكثر، وعلى كتابات الكتاب يعول الكثير، وعليه يفترض ان يتوخوا الصحة ان لم نقل الدقة، حتى لا نخدع أنفسنا اكثر مما خدعناها. والخاسر ألاكبر ازاء خداع الذات، ان لم يكن الاوحد، هي هذه الذات.

أولا: ان لا نقلل من قيمة أسباب الانسحاب، المتمثلة في المقاومة الشعبية، و(حدايد القسام) كما كانت بعض الاوساط السلطوية تطلق عليها بما في ذلك الراحل عرفات. وهذا يعني أن لا انسحابات بدون نضال ومقاومة حتى لو كانت بالحدايد وما دونها كما الحجارة في الانتفاضة الاولى.

غني عن القول ان التفاوض المفتوح مع اسرائيل لم يثبت الا عقم هذه المفاوضات والمفاوض الفلسطيني معا.

ثانيا: أن لا نبالغ في مضمون الانسحاب من غزة على انها تحررت واستقلت ولا ينقصها سوى اعلان الاستقلال، وهي في حقيقة الأمر تتحول الى سجن أكبر، فقر مدقع، اقتصاد محطم، فساد يستشري اكثر وأكثر، تنازعات مسلحة بين فصيل وآخر، حينا، وبين الفصيل الواحد أحيانا، وهو ما اتفق على تسميته بالفلتان الامني، ووصل الأمر حد خطف موظفي وكالة الغوث، وبالقدومي ان يفصل الكاتب عدلي صادق، واليوم جهاز الأمن الوقائي كله من فتح.

ثالثا: من المفيد التذكير ان اسرائيل تنسحب من طرف واحد، وأمام الحاح السلطة لأسباب غير معلنة، دخلت على خط التفاوض، لكن ظل هذا التفاوض يدور حول قضايا شكلية، مثل ازالة الطمم، اما القضايا الجوهرية فقد تم حسمها مع مصر مثل حراسة المعبر، باقي القضايا تأتي قي صالح الاحتلال، الذي يرغب ان نقول له شكرا بعد احتلال عسكرتاري واستيطاني دام نحو اربعين سنة. او تعهدات ـ رغم انه انسحاب من طرف واحد ـ ان لا نضربهم بحجر، وأن لا نقاضيهم امام محاكم دولية ... الخ.

رابعا: علينا ادراك حقيقة دامغة، من ان هذا الانسحاب سيكون على حساب الضفة والقدس، وهو ما يقوله صناع الانسحاب بعظمة لسانهم، انهاء الاحتلال في غزة وتعميقه في الضفة، انهاء الاستيطان هناك ، وتعزيزه هنا. وسيمر من خمس سنوات الى عشره قبل ان يفكر شارون وليكوده المعتدل في التفكير ـ مجرد التفكير ـ في انسحاب او انحسار من الضفة، خاصة انه قام بذلك في اربعة مواقع في الشمال الضفاوي . لأنه لو فعل ذلك فلن يعود الى الحكم مرة أخرى، بل لربما يلحق بسلفه رابين. وها هو نتنياهو يبادر لذلك مبكرا، وقبل ان تتم الخطوة الاولى من هذا الانسحاب. وأما اقصى ما يتمناه الجانب السلطوي الفلسطيني، هو ان يمهد الانسحاب من غزة للبدء بتنفيذ خارطة الطريق، او اعتباره ـ الانسحاب ـ جزء من تلك الخارطة.

لدى عودته الى غزة عام 1994، قال الشاعر محمود درويش انه عاد من البوابة الخلفية للوطن، وان كل ما فعلته السلطه انها حررت الليل في غزة، لا أكثر.  لنكتشف بعد اقل من ست سنوات انها لم تحرر حتى الليل، حيث عاد الاحتلال ليحتلها من جديد، ويبطش بها كما لو انه لم يكن فيها من قبل.

* كاتب وصحافي فلسطيني يقيم في مخيم الدهيشة- بيت لحم.  hamdifarraj@yahoo.com       

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع