العهد العباسي الفلسطيني

2004/12/03

عبد الباري عطوان
بعد مقاطعة حركتي حماس والجهاد الاسلامي، لانتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية المقرر اجراؤها في كانون الثاني (يناير) المقبل، ودخول السيد مروان البرغوثي الي حلبة المنافسة من داخل زنزانته في احد السجون الاسرائيلية، باتت هذه الانتخابات ونتائجها لا تفي بالغرض، وربما تؤدي الي خلق العديد من الازمات دون ان تنجح في حل ازمة واحدة.


نشرح اكثر ونقول ان اصرار السيد البرغوثي علي ترشيح نفسه كمستقل في الانتخابات، والحملة الشرسة التي بدأت تشن ضده من قبل الحرس القديم المستوزر في حركة فتح ، سيؤديان الي شق هذه الحركة، وانقسامها الي معسكرين اساسيين، معسكر الشباب الذي يطالب باستمرار الانتفاضة ويتزعمه البرغوثي، ومعسكر عواجيز اللجنة المركزية والمجلس الثوري الذي يؤيد السيد محمود عباس و الترويكا التي تسانده ومن ضمنها رئيس الوزراء احمد قريع، والمجلس التشريعي روحي فتوح، ورئيسا جهازي الامن الوقائي السابقان العميد جبريل الرجوب والعقيد محمد دحلان.


وهذا يعني ان السيد عباس في حال فوزه في هذه الانتخابات، سيكون منتخبا من قبل نصف تنظيم حركة فتح فقط في احسن الاحوال، ويـــواجه مقاطعة حركـــتي حماس والجــهاد والجبهة الشعبية والنصف او الثلث او حتي الربع المتبقي من تنظيمه، اي حركة فتح .


النتائج التي ستتمخض عنها الانتخابات في هذه الحالة لن تعكس تمثيلا حقيقيا للشعب الفلسطيني ورغباته، وانما تجاوبا مع خطة امريكية ـ اسرائيلية ـ مصرية تريد وقف الانتفاضة الفلسطينية، ونزع سلاح المقاومة واستئناف مفاوضات السلام وفق الشروط الاسرائيلية.


فلم يكن من قبيل الصدفة ان يعلن الرئيس حسني مبارك تأييده الكامل للسيد عباس، ويتجاوب شارون مع طلبات الاخير في تسهيل مشاركة ابناء القدس الشرقية المحتلة في الانتخابات، وترصد الادارة الامريكية ثلاثين مليون دولار لتمويلها.


السيد عباس من جانبه بدأ التصرف وكأنه رئيس منتخب فعلا، وقبل الانتخابات بشهرين، عندما طالب المسؤولين عن الاعلام الفلسطيني بوقف التحريض الاعلامي تجاوبا مع طلبات شارون، واستعداده للقاء رئيس الوزراء الاسرئيلي في اي زمان ومكان، وتأكيده علي ضبط السلاح الفلسطيني غير الشرعي .
ولا نعرف كيف سيتعامل الاعلاميون الفلسطينيون مع طلبات رئيسهم غير المتوج بعد، فالتحريض وفق مفهوم شارون هو اغلاق محطات الاذاعة والتلفزة بالكامل، او ربطها بالمحطات الاسرائيلية المماثلة، بحيث تصبح اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للاعلام الفلسطيني.


فعرض صور جنازات الشهداء الفلسطينيين تحريض، وبث اغنية فيروز عن القدس زهرة المدائن هو تحريض من الدرجة الاولي، وتقديم تقارير عن تدمير البيوت فوق رؤوس اصحابها في رفح وجباليا وجنين هو قمة التحريض، بل قمة الارهاب، والقائمة تطول!


في زمن الرئيس محمود عباس مطلوب من الاعلام الفلسطيني ان يتبني خطاب العقبة الذي ألقاه السيد عباس اثناء قمة العقبة الثلاثية في حضور الرئيس بوش والشريك الاوثق في العملية السلمية آرييل شارون، اي ان يتحدث عن معاناة اليهود (يا حرام) في افران النازية، وان يؤكد علي الوجه الحضاري لدولتهم في فلسطين، والخدمات الجليلة التي قدمتها علي مدي خمسين عاما للشعب الفلسطيني حيث نقلتهم من مزارعهم ومدنهم الي مخيمات اللاجئين المكيفة الهواء، الواسعة الشوارع، والمحاطة بالحدائق الغناء.


مطلوب من الاعلام الفلسطيني في العهد العباسي الجديد، عهد ما بعد عرفات الارهابي ، ان يجرّم المقاومة، ويلعن الانتفاضة باعتبارها خطأ تاريخيا، ويشيد بالاجراءات الاسرائيلية الدموية لوقفها، بل ويطالب باستخدام المزيد من القوة في هذا الصدد حتي يتم وضع حد وبأقصي درجات السرعة الممكنة لهذا الارهاب الفلسطيني البشع ضد الاشقاء الاسرائيليين المسالمين مثل الحملان الوديعة، ومن المتوقع ان تكون تعليمات الرئيس الفلسطيني الجديد في مرحلة ما بعد وقف التحريض الاعلامي، هي عدم الحديث عن حق العودة الا من زاوية انه حق غير شرعي، وغير واقعي ولا يتناغم مع لغة العصر، ونوايا السلام، وتجنب اي اشارة الي القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية. فالاعلام الفلسطيني الجديد يجب ان يكون عقلانيا براغماتيا موضوعيا، لا مكان فيه لثوابت عرفات او غيره، لانها ثوابت تنتمي الي عصور الظلام، علاوة علي كون ذكرها يزعج شركاء السلام الاسرائيليين.


وبعد الانتهاء من ترتيب البيت الاعلامي الفلسطيني سيتم الانتقال الي البيت التعليمي والتربوي، حيث ستنقي المناهج الفلسطينية من كل الشوائب التي علقت بها علي مدي الخمسين عاما الماضية، مثل الحديث عن اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، وتمجيد الثورة الفلسطينية، وترديد الاشعار والاناشيد الوطنية التي تحض علي المقاومة، ولا مانع من التعريج علي القرآن الكريم وحذف كل الآيات القرآنية التي تذكر اليهود بأي سوء، فالمهـــم هو ارضـــاء شارون وصحبه المسالمين الطيبين.


واذا تم الانتهاء من كل هذه المهمات الاساسية والاستراتيجية لدفع عملية السلام، يتم الانتقال بعد ذلك الي الخطوة الاهم وهي ضبط فوضي السلاح ، ونـــزع الاسلحة غير الشرعية التي هي اسلحة حركات المقاومة مثل حماس والجهاد الاسلامي، وجز لحي عناصرها واحدا واحدا، تماما مثلما فعل رجال الامن الوقائي في الفترة الذهبية من تاريخ اتفاقات اوسلو، وبالتحديد في الفترة من 1996 وحتي العام الفين.


هذا هو، وباختصار شديد برنامج الرئيس الفلسطيني الجديد وصحابته، فالمقدمات (وقف التحريض الاعلامي) تقود الي هذه النتائج. وعلينا ان نتـــوقع انتقـــال الازمة الي الصف الفلسطيني، وان كل التصريحات التي اشادت بالانضباط الفلسطيني كانت سابقة لاوانها.


نحن نعيش اسوأ ايامنا، كأمة عربية، فرضاء شارون بات قمة المــني، فمـــن كان يتصور، ان يستــجدي النظام السوري التفــاوض معه، ويقابل بالصد، ومن كان يحلم ان يكون الوسيط المحايد حامل العرض السوري المهين هو رئيس جمهورية مصر العربية، وان تنتهي مبادرة الامير عبد الله التطبيعية في مقبرة النسيان؟


نحن، وباختصار شديد، نعيش زمن الكرازايات العرب!

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع