عبّاس
ومنظمة التحرير، إصلاح أم تدمير |
د.ابراهيم حمامي
29/11/2005
في اليوم الثالث عشر من أيلول/سبتمبر من عام 1993، وفي حديقة الزهور
التابعة للبيت الأبيض، وقّع محمود عبّاس إمضاءه الشخصي على إتفاق أوسلو
وبالتالي على ميلاد "السلطة الفلسطينية"، لكنه في الوقت ذاته كان يوقّع
على مرحلة جديدة من التنازلات والتفريط، وخرق المحرمات والمحظورات،
والأهم من ذلك إقصاء منظمة التحرير الفلسطينية وبشكل شبه كامل عن دائرة
صنع القرار تمهيداً لإصدار شهادة وفاتها رسمياً، وهو ما يبدو الآن أقرب
من أي وقت مضى وفي انتظار توقيع عبّاس الشخصي أيضاً.
عبّاس الذي كان عرّاب اتفاق أوسلو ومهندسه مع شمعون بيريز، كان المنظّر
والمبشر بعصر التنازلات منذ السبعينيات من القرن الماضي، ورغم خرقه لكل
المحرمات آنذاك، فقد كان دائماً يكافأ على أفعاله بالترقي في مناصب منظمة
التحرير، وبمباركة ياسر عرفات، ليقود ومن وراء الكواليس تيار "تصفية
القضية الفلسطينية" ومن خلال مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية نفسها،
والتي استمر انخفاض سقف الحقوق والثوابت لديها، حتى بات التفريط سياسة
ثابتة للمنظمة، وصولاً إلى ما نحن فيه من انهيار للمباديء والانقياد وراء
شعارات فارغة لامعنى لها.
لست بصدد تناول أداء منظمة التحرير الفلسطينية، وشرعية تمثيلها للشعب
الفلسطيني بشكلها الحالي، ولا حجم التفريط الذي تم باسم مؤسساتها
التشريعية والقانونية، ولا تمرير الاتفاقات المشبوهة وإلغاء بنود الميثاق
وغيره، لكن سأقبل كغيري أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع
والتكوين السياسي للحركة الفلسطينية، وهي التي شكلت نوعاً من الوطن
المعنوي لأبناء فلسطين أينما وجدوا، وهي التي تبناها الشعب الفلسطيني
وحماها ودافع عنها بالدماء والتضحيات، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي التي
وافق الجميع دون استثناء على تفعيلها واعتبارها الإطار الجامع الشامل لكل
أطياف الشعب الفلسطيني وهو ما تم التأكيد عليه في إعلان القاهرة الصادر
عن الجولة الثالثة من الحوار الفلسطيني الفلسطيني في شهر مارس/آذار من
هذا العام، لكن ما سأتناوله هو محاولات الشطب التدريجي الحثيثة، بل
محاولات قتل وقبر منظمة التحرير الفلسطينية كشرط وهدف وُضع أمام عبّاس
وشركاؤه لتنفيذه، وهو ما ارتضاه ويقوم به منذ عقود من الزمن.
منظمة التحرير الفلسطينية التي يلتف حولها الجميع هي التي تتمسك بالحقوق
والثوابت والمباديء، فالتنازل عن هذه الحقوق هو ضرب وطعن في شرعية هذه
المنظمة وتمثيلها للشعب الفلسطيني، وهذه الحقيقة يجب أن تكون حاضرة
دائماً عند التحدث عن المراحل اللاحقة.
مرت عملية خلخلة منظمة التحرير الفلسطينية بمراحل عدة، كان عبّاس الحاضر
الدائم فيها، وبعد غض الطرف كلياً عن دور وقيادة ياسر عرفات لمنظمة
التحرير الفلسطينية والتي لولاها لما تسنى لعبّاس أو غيره الوصول لمرحلة
الإعداد لإصدار شهادة وفاتها، فعرفات رحل وترك ورثته لإكمال ما بدأوه،
ولنركز على تلك المراحل وطبيعة دور عبّاس ومن كان معه أو انضم إليه
لاحقاً فيها، لتوضيح التدرج في القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية.
مرحلة خرق المحرمات:
· بدأ عبّاس إتصالاته بالصهاينة منذ أوائل السبعينيات تحت مبدأ "إعرف
عدوك!" وذلك في ذروة وأوج المقاومة حيث قام بإتصالات علنية مع "ماتيتياهو
بيليد" أسفرت عن إعلان "مباديء السلام" في الأول من يناير 1977 والغريب
أن ذلك مر مرور الكرام داخل أروقة منظمة التحرير الفلسطينية التي ثارت
ثائرتها على الرئيس المصري أنور السادات في نفس العام بسبب إتصالاته مع
الكيان!
كان عباس أول من طرح فكرة الإتصال بالقوى اليهودية والإسرائيلية المحبة
للسلام داخل وخارج" إسرائيل" في إطار حركة فتح..
فقد بلْوَر محمود عباس آراءه التي قوبلت بانزعاج كبير في كثير من أوساط
المنظمة، رغم أنها تحولت بسرعة إلى وصفة معتمدة من قبل صانعي القرار
فيها. فتحت العنوان المثير "الصهيونية بداية ونهاية"، صدر لأبي مازن كتاب
موسع في سنة 1977، ضمّنه تأسيساً لهذه الفلسفة؛ التي ستمسك في ما بعد
بخطا منظمة التحرير باتجاه "اختراق" المجتمع الصهيوني.
ففي كتابه الذي صدّره آنذاك ياسر عرفات، بمقدمة تبجيلية لمن سيصبح خليفته
في قيادة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعد ربع قرن من ذلك التاريخ؛
تطرّق أبو مازن إلى معالم رؤيته المثيرة للجدل. فالصهيونية قائمة على
العنصرية، وهي تحمل بذور إخفاقها في ذاتها، أما الأهم؛ فهو أنّ المجتمع
الصهيوني في فلسطين المحتلة قائم على تهميش اليهود الشرقيين "السفارديم"
لحساب النخبة الغربية "الأشكناز".
ويسرد أبو مازن في كتابه الذي طواه النسيان وتجاوزه الزمن اليوم، واختفى
من المكتبات أيضاً؛ قائمة بالحركات والمنظمات الناشئة في المجتمع
الصهيوني التي يعلوها السخط من سياسات الدولة، إما بدوافع مبدئية تتناقض
مع الفكرة الصهيونية، أو بمبررات واقعية ناجمة عن التهميش والإقصاء
الاجتماعي.
كان عرض "الصهيونية بداية ونهاية" من محمود عباس آنذاك، وقبل أفول الثورة
الفلسطينية بشكلها الكلاسيكي؛ لازماً لطرح الفكرة التي اخترقت حاجزاً
منيعاً في أدبيات منظمة التحرير. فقد تبنى أبو مازن في الكتاب ذاته وفي
الكثير من المنتديات تبعاً لذلك فكرة مدِّ الجسور مع القوى الرافضة
والمهمشة في المجتمع الصهيوني، لتعزيز مواقفها، وتوسيع الهوة الداخلية في
الكيان الصهيوني.
كانت هذه الرؤية هي الفلسفة التي قامت عليها مساعي اللقاء مع القوى
اليسارية الصهيونية والشخصيات المناهضة للسياسة الرسمية "للطغمة الحاكمة
في تل أبيب" من (الإسرائيليين) أنفسهم. كان الأمر يجري ابتداءً في
ملتقيات سرية هادئة في عواصم أوروبية شرقية وغربية، قبل أن تطفو أنباؤها
إلى السطح بالتدريج.
· ساهم بفعالية في تبني المجلس الوطني عام 1977 لقرار حركة فتح بالحوار
مع القوى اليهودية والإسرائيلية. لم تتوقف إتصالاته منذ ذلك الوقت بمعرفة
ومباركة قيادة منظمة التحرير وياسر عرفات وبدلا من محاسبته عينه عرفات
عام 1980 مسؤول قسم العلاقات الدولية في منظمة التحرير الفلسطينية فأخذت
إتصالاته الطابع الرسمي.
· تولى أبو مازن منصب عضو اللجنة الاقتصادية لمنظمة التحرير الفلسطينية
منذ نيسان 1981، وتولى حقيبة الأراضي المحتلة بعد اغتيال خليل الوزير
(أبو جهاد) في أبريل من عام 1988 ثم مسؤولا عن ملف الأراضي المحتلة في
مايو من نفس العام. بعد إطلاق المجلس الوطني لمبادرة السلام الفلسطينية
عام 1988 أشرفت دائرته على كافة الندوات واللقاءات التي تمت مع القوى
الإسرائيلية واليهودية في أوروبا وأمريكا وغيرها.
مرحلة أوسلو:
· بعد مؤتمر مدريد أدار محمود عباس مفاوضات أوسلو السرية - مسددا طعنة
للفريق المفاوض برئاسة حيدر عبد الشافي - وصولا لإتفاق أوسلو المشؤوم
والذي وقع عليه بنفسه يوم 13-09-1993.
كان ذلك يحدث بعد أكثر من خمس سنوات من الانتفاضة الشعبية في دار فاخرة
في النرويج في سنة 1993، قبل أن يُباح السرّ الذي أحيط بتكتم شديد عن
المفاوضات التي لم يكن سوى عدد محدود، يقل عن أصابع اليد الواحدة، من
قيادة منظمة التحرير على دراية بوقوعها.
إنها جولات أوسلو السرية التي ستفضي لاحقاً لأن تصبح عملية تسوية سياسية
ولدت بنضارة في وسائل الإعلام وحدها، بينما كانت شاحبة الوجه في واقع
الأمر، نجحت في الصمود سبع سنوات بسبب سياسة الإنعاش المستمر التي
اتبعتها معها إدارة بيل كلينتون حتى الرمق الأخير من عهده، قبل الانفجار
المدوي المتمثل في انتفاضة الأقصى.
· بعد هذا التوقيع توالت سلسلة تصريحاته الغريبة والمستهجنة في آن معا
حيث علق على التوقيع قائلا: " أشعر بأنني أنجزت شيئا مهما في حياتي-وليس
أهم شيء- وكان نتيجته أن رفع العلم الفلسطيني لأول مرة على جزء من فلسطين
ويمكن أن يمتد هذا العلم إلى أجزاء أخرى من الوطن"
و في كلمة له يوم 10-10-1993
في إجتماع المجلس المركزي قال: " ما تم التوصل إليه يحمل في بطنه دولة أو
قد يكرس الإحتلال وهذا يتوقف على أسلوبنا في التعامل معه، عقل الثورة غير
عقل الدولة، علينا أن نلبس ثوبا جديدا". ترى أية مقامرة وتلاعب بمصير هذا
الشعب عندما يعلن عراب إتفاق أوسلو أن هذا الإتفاق "قد" يكرس الإحتلال؟
· ترأس إدارة شؤون المفاوضات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية منذ
نشأتها عام 1994، ثم وقع ما عرف بإتفاقية أوسلو-2 في شهر 9-1995 وعاد إلى
فلسطين في نفس الشهر ليبدأ رحلة أخرى من معاداته لشعبه وكان أول ما قام
به نشر كتابه عن مفاوضات أوسلو السرية تحت عنوان: قنوات سرية-الطريق إلى
أوسلو متبجحا فيه بإنجازاته العظيمة وحنكته الفائقة! (له أيضا 11 مؤلف
منشور في تاريخ الصراع العربي الصهيوني إضافةً إلى العديد من المقالات..و
يعمل على إعداد يوميات القضية الفلسطينية من وجهة نظره الغريبة عن شعبنا
عادة وقد أنجز منها ما يزيد على 40 مجلد بمعدل 300 صفحة ولم ينشر منها
شيء إلى الآن!!)
· لم يتوقف مسلسل التفريط الذي يقوده محمود عباس بل وصل إلى حد المساس
بكل الحقوق والثوابت من لاجئين وقدس وغيرها في وثيقة صاغها مع بيلين
وعرفت بوثيقة أبو مازن-بيلين وذلك قبل مقتل رابين بـ4 أيام في شهر 10 من
عام 1995 (أي بعد شهر واحد فقط من عودته إلى فلسطين) وكشف النقاب عنها في
شهر 02-1996 رغم إنكاره لوجودها كذباً لأكثر من 5 سنوات (نشرت تفاصيلها
في 09-2000).
· بعد الكشف عن هذه الوثيقة ومكافأة له كما جرت العادة من قبل قيادة
منظمة التحرير وعلى رأسها ياسر عرفات تم تعيين أبو مازن مسؤولا عن لجنة
الإنتخابات (التي أوصلت عرفات ليصبح رئيسا لسلطة أوسلو) وأخيرا تم
اختياره أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤولا
عن العلاقات الخارجية عام 1996 مما جعله الرجل الثاني عملياً في تركيبة
منظمة التحرير الفلسطينية.
· في عام 1997 نشرت الصحف العبرية رسالة وجهها عبّاس لشارون، وكان حينها
وزيراً للبنى التحتية في حكومة الإحتلال، يشكره فيها على إخراج منظمة
التحرير الفلسطينية من لبنان!!، ورغم التساؤلات التي طرحت في حينها حول
صحة الرسالة، بما فيها ما نُشر على صفحات صحيفة الرسالة، إلا أن نفياً لم
يصدر عن عبّاس حول هذا الموضوع!
مما سبق يظهر جليا أن محمود
عباس كان يرتقي المناصب بسرعة توازي سرعة وحجم تنازلاته بمباركة كاملة
وعلنية من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في إنسجام تام ومدروس
وصولا لأهدافهم المعلنة والغير معلنة.
صدق أبو مازن أكذوبة أوسلو وأقنع نفسه بها رغم الفشل الذريع والمأساة
التي سببها لشعبنا، فبعد 5 سنوات من توقيعه ورغم الإجماع الوطني أن أوسلو
فشلت صرح أبو مازن عام 1998 قائلا: " إن إتفاق أوسلو كان التتويج الأهم
لنضال الشعب الفلسطيني على مدى القرن العشرين لأن هذا الإتفاق هو الذي
ثبت الشعب الفلسطيني على الخارطة السياسية بعدما تقرر شطبه منذ مطلع
القرن، إن أهمية أوسلو أنها كرست وجود الشعب الفلسطيني على أرضه وفرضت
على أمريكا وإسرائيل الإعتراف به وبمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل
الشرعي والوحيد لهذا الشعب".
لم يكتف عباس بذلك بل حاول الترويج لقادة الإحتلال حتى أنه قال (بعد
إتفاق واي بلانتيشن 10-1998) في وصف السفاح شارون بـ " شارون الطيب الذي
تغير ولم يعد ذلك الرجل الذي عرفناه في صبرا وشاتيلا " وأن " الرجل عادي
وخارج المفاوضات يصبح أقرب إلى الفلاح منه إلى العسكري وأنه أي شارون
:عبر عن تقديره للإنسان الفلسطيني"
مع أفول أول صائفة في القرن الجديد، كان أبو مازن يشاهد وقائع الحدث غير
الممتع بالنسبة إليه. فـ"مسيرة السلام" التي دفعها جاهداً عبر السنين
كانت آنذاك ترتطم بفظاعة بالصخور، لتحين ساعة الحقيقة بالنسبة للمشروع
الذي كان هو شخصياً الشريك الفلسطيني الأول في هندسته.
وهكذا يتضح أيضاً أنه وعبر عقد من الزمن تقريباً؛ أخذ خط أبي مازن في
منظمة التحرير يتعزّز في تجاوز ما كان يُعدّ من محظورات الأمس، وباتت
الملتقيات تصبح حدثاً اعتياداً و"نصراً للدبلوماسية الفلسطينية" التي
نجحت في تشجيع شخصيات صهيونية على الضرب بالقانون الصهيوني الذي يقضي
بمنع الاتصال بمنظمة التحرير الفلسطينية عرض الحائط.
وعملياً، كانت هذه المباحثات بمثابة قنطرة لها ما بعدها. فقد تبيّن
لاحقاً أنّ سياسة "اختراق" المجتمع الصهيوني لم تؤدِّ في واقع الأمر إلى
ثورة جدِّية على الصهيونية أو إلى زعزعة لأسس "الدولة"، وإنما إلى خوض
أشواط أخرى مع صانعي القرار الصهيوني أنفسهم، من فريق إسحاق رابين، وعلى
رأسهم شمعون بيريز.
عبّاس كبديل لعرفات
مثلت الإنتفاضة بانطلاقتها في شهر 09 من عام 2000 صدمة وضربة لطموحات
محمود عباس في تمرير إتفاقات مشبوهة لا تخدم إلا الإحتلال ومفاجأة غير
سارة له ولزمرة أوسلو فانبرى منذ أيامها الأولى للتشكيك بجدواها فبعد
أيام فقط من إنطلاقتها قال: الإنتفاضة الفلسطينية لن تحقق نصرا بل هي
رسالة للإسرائيليين بأنهم لا يجب أن يفكروا بهذه الصورة في رفض تطبييق
الشرعية الدولية.
لم يترك بعدها أبو مازن فرصة للتشكيك في الإنتفاضة إلا وانتهزها فبإيعاز
مفضوح من شارون عقد أبو مازن أو بالأحرى سمح له بعقد إجتماع في بيته برام
الله مع "قادة" حركة فتح يوم 24-09-2002 أثناء فترة حصار عرفات في مبنى
المقاطعة كان أهم ما صدر عنه: وقف "العنف" والإمتناع عن كل مظاهره بما
فيها المظاهرات الضخمة. بعد أيام من هذا الإجتماع نشر إستطلاع للرأي
(مؤسسة الشقاقي) أظهر أن أبو مازن يحظى بتأييد 3% فقط ممن شاركوا في
الإستطلاع، مما يفسر الأنباء التي شاعت حينها ونشرت في عدة صحف من بينها
الوطن وهآرتز يوم 27-10-2002 بأن أبو مازن يفكر ويخطط للإنتقال إلى عمان
ليقود معارضة ضد عرفات!!
كان عباس يأمل في نهاية سريعة للإنتفاضة حتى يتسنى له الإستمرار في مخططه
ولكن بعد مرور عامين على إنطلاقتها كشر أبو مازن عن أنيابه وقرر إسقاط
القناع الأخير فشن هجومه الشهير على الإنتفاضة مبتدعا تعبير "عسكرة
الإنتفاضة" لتبرير هجومه القبيح على شعبه، ففي محاضرة بدعوة من اللجان
الشعبية بقطاع غزة نشرت تفاصيلها يوم 02-12-2002 لم يترك محمود عباس في
قاموسه وصفا يدين الإنتفاضة إلا واستخدمه وكانت هذه المحاضرة بمثابة حجر
الأساس في طريق توليه المنصب التالي كما جرت العادة بمكافأته كلما أظهر
العداء لشعبه. أهم النقاط التي وردت في تلك المحاضرة كانت ) نشرت
التفاصيل في أكثر من صحيفة وموقع - راجع الحياة والقدس العربي وهآرتس
02-12-2002)
- تربيت على هذه الأمور (يقصد الصراحة) ولا أحب اللف والدوران ورغم أنني
إشتغلت في السياسة طويلا وكان علي أن أتعلم شيئا من الدبلوماسية ولكن في
وضعنا الدبلوماسية لا تنفع ولابد من قدر كبير من الصراحة والوضوح مع
النفس والآخرين
- الإنتفاضة دمرت كل ما بنيناه في أوسلو وكل ما بني قبل ذلك
- علينا أن نقول كفى للإنتفاضة-أن نسأل ماذا حققنا في هذين العامين
- حصلنا في هذه الإنتفاضة فقط
على الدمار المطلق
- الإنتفاضة سببت هروب رأس المال والإستثمارات من مناطق السلطة
- الشعب الفلسطيني بات على خط الفقر بسبب الإنتفاضة
- ظاهرة الفلسطيني التائه إنتهت بعد أوسلو
- لم يفت أبو مازن أن يثني على شارون واصفا إياه بـ" الزعيم الصهيوني
الأهم منذ هرتزل"
- لم يسلم فلسطينيو الداخل (عرب 1948 كما يحلو له تسميتهم) من هجوم محمود
عباس حيث قال: " لقد أضروا بحق العودة على وجه الخصوص فالإسرائيلييون
سيقولون مثل هؤلاء العرب لا نريد المزيد عندنا"
رغم ردة الفعل العنيفة على ما ورد في تلك المحاضرة من جميع مؤسسات وفئات
الشعب الفلسطيني والإنتقاد الرهيب الذي وصل إلى حد إتهامه بخيانة الشعب
الفلسطيني وقضيته إلا أن ذلك لم يثن عرفات وزمرته من تشجيع أبو مازن
ودعمه حيث ترأس في الاشهر الاخيرة وفد حركة فتح في المفاوضات التي رعتها
المخابرات المصرية بين الفصائل الفلسطينية في القاهرة، والتي دعا فيها
حركتي حماس والجهاد الى الموافقة على هدنة لمدة عام.
بمجرّد أن أصرّ جورج بوش، في سنة 2002، على "تغيير قواعد اللعبة" في
السلطة الفلسطينية. أراد بوش، بما يشبه تعبيرات عباس إبان السبعينيات؛
"اختراق" الساحة الفلسطينية، و"توسيع الهوة الداخلية" داخل السلطة، لصالح
"رئيس وزراء معتدل" بدلاً من الرئيس عرفات، الذي تحوّل بين عشية وضحاها
في نظر الإدارة في واشنطن العاصمة إلى زعيم "مثير للمتاعب"، و"غير جدير
بالثقة" الأمريكية.
خلال أشهر معدودة؛ نجح سيد البيت الأبيض في الإلحاح على "الإصلاحات" التي
أكثر من المطالبة بها في خطابات ممزوجة بالتصفيق، وعلى ضوء جهوده تم
استحداث وزارات للداخلية والأمن والمالية، والبحث عن رؤساء وزارة
"معتدلين" أيضاً في السلطة الفلسطينية.
تم تعديل "الدستور" وإستحداث منصب تم تفصيله على مقاس أبو مازن وتسميته
كمرشح "القيادة" لمنصب رئيس الوزراء في سلطة أوسلو يوم 07-03-2003 وقبوله
الترشيح يوم 19-03-2003 ومن ثم إعلان تشكيلته الوزارية في 23-04-2003،
وهكذا حصل محمود عباس على الجائزة الكبرى بعد مشوار طويل من خرق المحرمات
وخلخلة منظمة التحرير الفلسطينية، وعين رسميا "رئيسا للوزراء" يوم
29-04-2003 وسط ترحيب وتهليل أمريكي أوروبي وعربي.
من هنا؛ تقلد محمود عباس منصب أول رئيس وزراء في السلطة الفلسطينية.
وسرعان ما بدأ تحركاته آنذاك، ففي قمتي شرم الشيخ والعقبة المتعاقبتين في
سنة 2003؛ ظهر محمود عباس على المنصة بدلاً من الرئيس عرفات الذي اعتاد
اعتلاءها. كان المشهد، غير المألوف فلسطينياً وإقليمياً ودولياً حتى ذلك
الحين؛ يحمل في طياته الكثير من التداعيات، طالما أنّ الرئيس عرفات ذاته
كان محاصراً في مقرِّه المتداعي في رام الله المحتلة، بينما يعرب رئيس
وزرائه بثقة بالغة عن عزمه على مكافحة "الإرهاب"، في إشارة إلى المقاومة
الفلسطينية.
أما عندما تحدث أبو مازن عن ضرورة إنهاء معاناة اليهود عبر العصور، في
خطاب العقبة المثير لامتعاض الشارع الفلسطيني؛ فلم يكن يقوم سوى بالتكفير
عن "خطيئة" إصدار كتاب له في الثمانينيات، خصّصه لرواية أفران الغاز في
معسكرات الاعتقال النازية، وأكد فيه تعاون الحركة الصهيونية مع النازيين
آنذاك، وهو الكتاب الذي هو في الأصل رسالته للدكتوراه من موسكو. فالإشارة
المحشورة عنوة إلى معاناة اليهود، وليس الفلسطينيين، كانت عملياً مسعى
للهرولة إلى الأمام تملّصاً من مطالب الاعتذار عن إنكار المحرقة والإقرار
بالهولوكوست التي أخذت تتداعى آنذاك في الجانب الصهيوني.
عندما تولى محمود عباس "أبو مازن" منصب رئاسة الوزراء في السلطة
الفلسطينية، في نيسان 2003؛ كان يدشن عهد حكومة مأزومة منذ أيامها
الأولى، نجحت بصعوبة في إكمال مائة يوم قبل أن يستقيل. فالرجل الثاني في
حركة "فتح" ومهندس اتفاقات أوسلو من الجانب الفلسطيني؛ تولى منصب
أول رئيس وزراء في السلطة، بعد
إلحاح أمريكي باستحداث هذا المنصب، وفي ظل انزعاج واضح من الرئيس الراحل
ياسر عرفات.
وفي باكورة الاتصالات الأولى من نوعها آنذاك؛ عقد رئيس الحكومة الصهيونية
آرائيل شارون ونظيره من جانب السلطة الفلسطينية محمود عباس قمة لبحث
"خارطة الطريق" في السابع عشر من أيار 2003، وتجدّد اللقاء بينهما في
مكتب شارون في التاسع والعشرين من ذلك الشهر.
وأظهرت الإدارة الأمريكية ترحيبها المبالغ فيه بعباس، الذي جاء إلى
المنصب بضغوط أمريكية على السلطة. وقد تحدث الرئيس جورج بوش إليه لأول
مرة في العشرين من أيار 2003، بينما رفض بوش لقاء عرفات ولو لمرة واحدة.
وسرعان ما أخذ محمود عباس آنذاك بالبروز دولياً وعربياً على حساب الوجه
التاريخي ياسر عرفات. فبينما بقي "أبو عمار" الراحل محاصراً في مقر
المقاطعة في رام الله، كان يجري استقبال عباس بحفاوة بالغة من جانب
الأمريكيين والصهاينة في شرم الشيخ والعقبة.
فبُعيْد قمة شرم الشيخ "العربية الأمريكية" التي شارك فيها عباس عن
السلطة الفلسطينية؛ إذا ببوش وشارون وعباس يجتمعون في العقبة بالأردن في
الرابع من حزيران 2003، لإطلاق خارطة الطريق. وبينما تحدث بوش عن دولة
يهودية؛ فقد هاجم عباس ما يسميه "الإرهاب" و"عسكرة الانتفاضة"؛ ليثير
حفيظة الفلسطينيين، خاصة وأنه تحدث عن "مظالم اليهود عبر التاريخ" دون أن
يشير إلى معاناة شعبه الرازح تحت الاحتلال.
مرحلة ما بعد عرفات
رغم معارضة عبّاس القوية لعرفات بشأن الجمع بين منصبي رئيس السلطة ورئيس
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنه تناسى تلك المعارضة
وأصر على الجمع بين المنصبين لتحقيق وتطبيق باقي المشروع التصفوي لمنظمة
التحرير الفلسطينية، وهكذا كان، فقد عُيّن عباس رئيساً للجنة التنفيذية
للمنظمة بعد ساعات من إعلان وفاة عرفات، وأصبح رئسياً للسلطة في التاسع
من شهر يناير/كانون الثاني 2005 بعد انتخابات كان فيها المرشح الأوحد
لفتح، والفائز المضمون، والذي تصرف على هذا الأساس حتى قبل موعد
الانتخابات، ليبدأ الفصل الأكثر خطورة في تصفية منظمة التحرير
الفلسطينية.
يعرف الجميع أنه بعد ولادة السلطة الفلسطينية أُبقي على في الخارج
"للمحافظة على المنظمة خشية أن تفشل التسوية"على 6مؤسسات هي: الدائرة
السياسية، ودائرة العائدين، وهيئة أركان الجيش الفلسطيني التي يرأسها أبو
المعتصم (في تونس)، ورئاسة المجلس الوطني وسكرتاريته (في عمان)، وفرعان
للصندوق القومي في كل من تونس والأردن، ومكتب التعبئة والتنظيم لحركة
"فتح" الذي يقوده محمود غنيم (أبو ماهر)، إضافة للمجلس الوطني الفلسطيني،
وكان لابد من القضاء على هذه المؤسسات الواحدة تلو الأخرى، وتجاوز
صلاحياتها وأعمالها وأيضاً ثوابتها إن دعت الضرورة، إضافة لباقي مؤسسات
المنظمة، لإنهاء دورها تماماً وإحلال السلطة الفلسطينية مكانها، وهي رغبة
غير خفية للإحتلال والولايات المتحدة، ولنستعرض سوياً الخطوات التي
اتخذها عبّاس وفريقه المنفذ وعلى رأسه دحلان وخلال أقل من عام لتنفيذ
ذلك:
الصندوق القومي الفلسطيني:
لعب الصندوق دوراً مركزياً في حياة المنظمة، وكان يديره مطلع التسعينات
عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة جويد الغصين الذي اختلف مع عرفات قبل
وفاته، وحل محله نزار أبو غزالة الذي توفي بدوره، ثم أحيلت إدارته لاحقاً
على مدير مكتب عرفات رمزي خوري الذي انتدب للإشراف على الصندوق من عمان
رغم اتهامه بالإسم بقضايا فساد مالي، وقد أصدر خوري قراراً بإغلاق مكتب
الصندوق في تونس في خطوة إضافية نحو إنهاء دور المنظمة في الخارج بناءاً
على أوامر مباشرة من عبّاس، وهو ما أكده مدير مكتبه رفيق الحسيني في
إطارتبريره لاجراء عبّاس باغلاق فرع الصندق في تونس في لقاء مع صحيفة
الحياة الجديدة بتاريخ 02/11/2005، حيث قال "ان القرار باغلاق الفرع مرده
عدم الحاجة لوجوده هناك بعد انتقال كافة القيادات والمسؤولين من تونس الى
الاراضي الفلسطينية وبالتالي لم يعد هناك وجود للثورة الفلسطينية يبرر
استمرار عمل فرع الصندوق"
ففي حين اعتبــر البعض أن القرار إجرائي يهدف إلى تكريس آلية جديدة لصرف
الرواتب في إطار التخفيف من الأعباء وترشيد النفقات، رأى آخرون أنه خطوة
إضافية نحو إنهاء دور منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج بما يتيح
للرئيس محمود عباس، إحكام قبضته على المؤسسات الفلسطينية في الداخل
والخارج. واعتبــر مراقبون أن الخطوة تهدف إلى جعل مؤسسات السلطة في رام
الله "المرجع الوحيد للفلسطينيين أينما كانوا".
الدائرة السياسية:
لا يخفى على أحد الصراع الدائر
بين تيار عبّاس والقدومي حول الصلاحيات، فيما يختص بمكاتب و"سفارات"
و"ممثليات" فلسطين في الخارج، وهو الصراع الذي أخذ شكلاً جديداً بتحييد
القدومي وبالتالي الدائرة السياسية لصالح ناصر القدوة وزير خارجية
السلطة، رغم أن اتفاقات أوسلو نفسها تنص أنه ليس من صلاحيات السلطة
ممارسة العمل الدبلوماسي، وذلك في إطار تفريغ منظمة التحرير الفلسطينية
وإنهاء دورها، وهو ما عبّر عنه السفير في منظمة التحرير جمعة ناجي في
مقابلة مع صحيفة الحياة بدايات هذا الشهر بقوله: إن الدائرة "باتت اليوم
هيكلاً فارغاً بلا دورة دموية"، وكان القدومي نفسه انتقد في تصريحات أدلى
بها أخيراً انفس الصحيفة التدخلات التي قال إن السلطة "تقوم بها من دون
وجه حق، والتي زادت من إضعاف منظمة التحرير، بعدما غيبتها في الداخل،
خصوصاً إثر تشكيل مؤسسات شبيهة بها في الأراضي الفلسطينية".
دائرة اللاجئين:
هي أيضاً تراجع دورها في الفترة الأخيرة، بسبب وجود رئيسها زكريا الآغا
(وهو عضو في قيادة فتح أيضاً) في رام الله على الرغم أن مقرها الرسمي في
تونس، وهي تهتم أساساً بشؤون اللاجئين الذين هجروا من فلسطين خلال النكبة
(1948) وبعدها، والذين يرفض الإحتلال السماح لهم بالعودة إلى مناطقهم.
الجدير بالذكر أن عبّاس وشخصياً أخذ على عاتقه تصفية قضية اللاجئين في
الشتات، حيث يشكل هؤلاء الرافعة الرئيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية،
والعقبة الكأداء في وجه تصفيتها لمصلحة تمرير المخطط المرسوم، وهذه أهم
مواقفه في هذا الشأن والتي تناولتها بالتفصيل في موضوعي "سموم محمود
عبّاس" ورسالتي الموجهة له رداً على كلمته أمام التشريعي والتي تعرض لي
شخصياً بها في شهر تموز/يوليو الماضي::
· كان من أوائل من إجتمع معهم عباس بعد تعيينه رئيساً للجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير الفلسطينية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2004، "مبادرو"
وثيقة جنيف التي يجمع الشعب بأكمله تقريبا على إنحطاط مستوى الموقعين
عليها وعلى حجم التنازلات الهائلة فيها عن الثوابت والمباديء خاصة
النتعلقة بحق العودة، وقام بتقريب ياسر عبد ربه عرّاب الوثيقة.
· في لقاء مع صحيفة المصور المصرية بتاريخ 03/12/2004 قال عبّاس: "انني
لا اريد ان اغير ديموغرافيا الدولة “الاسرائيلية” ولكننا نطلب التوصل الى
"حل" لمشكلة اللاجئين"، وتحقيق حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق
القرار 194 وعلى أساس قرارات قمة بيروت عام 2002."
· في شهر يناير/كانون الثاني 2005 أعلن عبّاس أنه على استعداد لتقديم
"تنازلات مؤلمة" بالنسبة لموضوع اللاجئين! ليضيف في حديث مع البي بي سي
البريطانية بتاريخ 02/01/2005 أن الحل العادل لمشكلة اللاجئين هو
بالتفاوض حول القرار 194.
· في حديث نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية يوم الإثنين 21/02/2005 قال
عبّاس فيما قال: "أنه مستعد للتفاوض بشأن المكان الذي سيعود إليه
اللاجئون، مضيفاً: هناك 5 ملايين لاجئ نعرف أنهم لن يعودوا جميعاً،
مشيرًا إلى أن كثيرين منهم لا يريدون العودة لأنهم يعيشون حياة كريمة في
الولايات المتحدة أو سعداء في الأردن ولكن يجب تعويضهم ، على حد وصفه"،
وأضاف "اننا واقعيون وقد تعلمنا من تجربة قمة كامب ديفيد الفاشلة بأنه لا
يمكن حل مشكلة كهذه ، عمرها قرن خلال 16 يوما ، فقد يحتاج الأمر سبعة إلى
ثمانية أشهر وربما سنة كاملة للوصول إلى حل شامل"
· واستمر عبّاس في نفس النهج التفريطي ليعلن وبإصرار وعناد غريبين رداً
على الإعتراضات التي انهالت عليه من كل حدب وصوب، وبتاريخ 23/07/2005 في
رسالة سرية لشارون نشرت تفاصيلها عدة صحف، ليعلن: "نحن مقتنعون انه لا
يمكن تحقيق عودة اللاجئين"، وليكرر نفس طروحاته المشبوهة في كلمة
التشريعي المذكورة بتاريخ 09/08/2005
· في زيارته الأخيرة للبنان
وفي تصريح نشر في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 09/07/2005 قال عبّاس "انا
امثل الشعب الفلسطيني وأنا منتخب في الداخل من الشعب الفلسطيني، لكنني
رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ايضاً. وعندما اتكلم، فإن ذلك يكون باسم
جميع الفلسطينيين"، مطالباً بفتح سفارة تكون مرجعية للفلسطينيين في
لبنان، وهو ما سيتم الرد عليه بالتفصيل في جزء لاحق، ليبرر قوله لاحقاً
بأن اللاجئين الفلسطينيين"ضيوف مؤقتون والقانون يطبق عليهم"، ليضيف انه
"في حال قررت الدولة (اللبنانية) سحب سلاح المخيمات فان حركة فتح وكل
الفصائل الفلسطينية ستلتزم"، متجاهلاً حقيقة أن سلاح المخيمات هو جزء من
معادلة اقليمية أكبر تشمل تطبيقات وتداعيات القرار 1559، ليقدم تنازلاً
مجانياً آخر دون مقابل، وفي اطار محاولات التوطين الحثيثة التي تجري
الآن.
· نسي، أو بالأحرى تناسى، محمود عبّاس تصريحه السابق بأن اللاجئين في
لبنان ضيوف مؤقتون ليطالب الدول العربية بتجنيس الفلسطينيين المقيمين على
أراضيها قائلاً انه يوافق على منح الدول العربية جنسيات للاجئين
الفلسطينيين "اذا احبت"، معتبرا ان ذلك "لا يعني التوطين"، كما جاء في
حديث لقناة دبي الفضائية بثته الأحد10/07/2005 وقال عباس "ارجو اي دولة
عربية تريد ان تعطي الجنسية (للفلسطينيين) ان تعطيهم، فما الذي يمنع؟"
واضاف "هذا لا يعني التوطين. وعندما تتاح للفلسطيني العودة الى وطنه،
سيعود سواء اكان يحمل جنسية عربية او اجنبية". وقال "ان فلسطينيا من
الجيل الخامس يعيش في تشيلي يحب ان يعود عندما يسمح له (…) انها مسألة
عاطفية لا علاقة لها بالجنسية"، محولاً الحق المقدس المشروع إلى موضوع
عاطفي عندما يسمح له!!!!
إن موقف (م. ت. ف.) من حق العودة وتقرير المصير كما عبرت عنه في الممارسة
العملية منذ أوسلو وحتى الآن خاصة بعد استلام عبّاس زمام الأمور، لم يؤد
سوى إلى التلاعب بالإطار القانوني للحقوق الفلسطينية التي ضمنها القانون
الدولي وأكدتها قرارات الأمم المتحدة، فضلاً عن أنه قد انتهك "الميثاق
الوطني" الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني، ووحدة أهدافه الوطنية التاريخية
على أرض آبائه وأجداده. وتعكس بعض المواقف والتصريحات "الإسرائيلية"
والأمريكية فداحة الضرر الذي أصاب النضال الوطني الفلسطيني جرّاء تلك
الممارسة، فقد وصف شمعون بيريز تعديل الميثاق الوطني الفلسطيني بأنه
"التغيير الأيديولوجي الأهم خلال القرن الحالي". كما اعتبرت مادلين
أولبرايت (سبتمبر/ أيلول 1994) قرارات الأمم المتحدة بشأن القضية
الفلسطينية "مثيرة للنزاع وقد عفا عليها الزمن".
المجلس الوطني الفلسطيني:
يقول عبد الله الحوراني عضو المجلس الوطني تحت عنوان: "منظمة التحرير
الفلسطينية..أين صارت وكيف تعود"، المجلس الوطني الفلسطيني أصبح عدده
يتجاوز الـ750 عضواً لكثرة ما أضيف إليه من أشخاص دون أي اعتبار لموضوع
الكفاءَة أو الاختصاص، فبات أقرب إلى صيغة المهرجانات الجماهيرية
الخطابية، ولم يعقد أي اجتماع له من إبريل (نيسان) 1996، مع أن النظام
الأساسي ينص على ضرورة انعقاده سنوياً، كما ينص على ضرورة تجديد العضوية
(إعادة النظر في الأعضاء) كل ثلاث سنوات. والمجلس المركزي أيضاً، الذي
ينص النظام على تجديده مع تجديد المجلس الوطني مضت عليه المدة نفسها دون
تغيير، كما أنه لم يجتمع خلال السنوات التسع الماضية أكثر من أربع أو خمس
مرات، مع أن نظامه ينص على ضرورة انعقاده كل ثلاثة أشهر، هذا فضلاً عن أن
كثيرا من قراراته، إن لم نقل كلها، لم ينفذ، خاصة تلك التي تتعلق بإصلاح
واقع المنظمة وتأكيد مرجعيتها، وتعزيز الوحدة الوطنية.
لم توفر السلطة الفلسطينية جهداً أو طريقة لتعطيل انعقاد المجلس الوطني
الفلسطيني إلا وسلكتها، وتحت مسميات ومبررات عديدة، ورغم عقد ورش عمل
ولقاءات وندوات إلا أن المجلس لم ينعقد، وحول هذا الموضوع تحديداً يقول
سليم الزعنون رئيس المجلس في ندوة عقد عام 2000 في رام الله ونظمها منتدى
الفكر والحوار الوطني :
· ان القيادة اتخذت قرارا بتشكيل لجنة رئاسية ولجان اخرى منها، لاتخاذ
الاستعدادات، ولكن هذه اللجان لم تجتمع ولم تتعامل بجدية مع ما اوكل لها
من مهمات
· اللجان التي شكلت في اعقاب
اجتماع المركزي، قال ابو الاديب ان هناك تعقيدا اخر في هذا المجال، اذ
كان من المفترض ان تشكل هذه اللجان خلال 10 ايام من انتهاء الاجتماع،
ولكننا مكثنا شهراً، وبعد ذلك بدأنا التشكيل، وبعدها لم تبدأ هذه اللجان
بالعمل اذ ان غالبيتها لم يستكمل، وهذا نقد نوجهه إلى انفسنا، لانه لا
يجوز باي شكل من الاشكال ان يسجل على انفسنا اننا كنا نريد عقد المجلس
المركزي لنصل به إلى غرض معين، فاذا لم نحصل عليه ننسى استعدادات
المستقبل.
· لجنة الوحدة الوطنية التي اوكلت اليه مهمة رئاستها لم تجتمع بسبب سفره
في مهمتين للمشاركة في اتحاد البرلمانات الاسلامية في طهران والمشاركة في
اتحاد البرلمان العربي في دمشق!
· وحول تساؤلات عن فاعلية المجلس الوطني قال ابو الاديب ان اسرائيل، اصرت
على ان يقوم هذا الاطار الذي يمثل مختلف فئات الشعب في الداخل والخارج
بتعديل الميثاق في عام 1996، نظرا لاهميته، مقابل ان تعترف به وبمنظمة
التحرير، وان توجهنا كان ان يقوم هذا الاطار بدوره الحقيقي في تقديم
القيادة والسلطة، ولكن وصول اعضائه إلى 750 منهم 650 يشغلون وظائف مدنية
وعسكرية في السلطة لا يجعله يقوم بدور المحاسبة والمساءلة، وهذا شكل ازمة
لنا.
· ان المجلس الوطني حرص على ان لا يحصل هذا الامر، واعتبر ان اعضاء
التشريعي هم شريحة يمثلون الداخل وطبقا للمادة السادسة من نظام منظمة
التحرير، اصبحوا بالانتخابات اعضاء في المجلس الوطني.
ومن المعلوم أن آخر جلسة عقدها المجلس الوطني الفلسطيني كانت في شهر
أبريل/نيسان من عام 1996 لإلغاء بنود وتعديل بنود أخرى من الميثاق الوطني
الفلسطيني، وهو ما يرفضه أغلبية الشعب الفلسطيني.
اللجنة التنفيذية:
سيطر عبّاس على رئاسة اللجنة بعد ساعات من وفاة عرفات، وأصر على عقدها
كلما كان ذلك لمصلحته ولتمرير مشاريع واتفاقات مشبوهة.
يضيف عبد الل الحوراني في مقاله السابق: حال اللجنة التنفيذية للمنظمة،
وهي أعلى هيئة قيادية سياسية للشعب الفلسطيني، هو انعكاس لحال المجلسين،
الوطني والمركزي. فهي لم يجر تجديد انتخابها منذ تسع سنوات، رغم ما جرى
لها وعليها من أحداث. فمن بين أعضائها الثمانية عشر، هناك أربعة
استشهدوا، وأحد الأخوة الأعضاء معتقل في سجون الاحتلال، وبعض الأعضاء ترك
أو جمّد عضويته، وبعضهم غير متفرغ لعمله في اللجنة التنفيذية حيث يمارس
مهمات وظيفية خارجها، رغم ما في ذلك من مخالفة صريحة للنظام الأساسي
للمنظمة. وآخرون لا يتولون أية مهمات، ولا يقومون بأية أعمال غير حضور
اجتماعات اللجنة التنفيذية. وبدلاً من معالجة هذا الوضع، وفق ما ينص عليه
النظام الأساسي، بما يعيد لها دورها وأهليتها ومكانتها القيادية، وشمولية
تمثيلها لكل التيارات السياسية، بما يضفي مصداقية أكبر على وحدة ووحدانية
تمثيلها للشعب الفلسطيني... جرى تعويمها أكثر، بفتح أبواب اجتماعاتها لكل
من رغب، أو تواجد في مبنى الاجتماع من ممثلي فصائل، أو وزراء في السلطة،
أو أعضاء في المجلس التشريعي أو حتى بعض موظفي المقر. لدرجة أن
اجتماعاتها باتت أقل انضباطاً ونظاماً من اجتماع أي مكتب سياسي أو أي
هيئة قيادية لأي فصيل من فصائلها. وهكذا تهلهل وضعها أكثر، ولم تعد
بياناتها أو قراراتها تحمل معنى أو موقفاً محدداً، أو تحظى باهتمام
واحترام الرأي العام.
ومن الناحية القانونية فإن اللجنة التنفيذية تعتبر بحكم المنتهية
واللاغية لفقدان النصاب القانوني بغياب ثلث أعضائها (اللجنة مكونة من 18
عضو) كالتالي:
1- ياسر عرفات– متوفى .
2- فاروق القدومي تعذر الحضور/ممتنع.
3- فيصل الحسيني – متوفي
4- ياسر عمرو – متوفي
5- سليمان النجاب – متوفي
6- اسعد عبد الرحمن – مستقيل
7- عبد الرحيم ملوح – أسير
و تنص المادة 14 (معدلة) من النظام الأساسي على ما يلي:
"إذا شغرت العضوية في اللجنة التنفيذية بين فترات انعقاد المجلس الوطني
لأي سبب من الأسباب، تملأ الحالات الشاغرة كما يلي:
أ. إذا كانت الحالات الشاغرة تقل عن الثلث، يؤجل ملؤها إلى أول انعقاد
للمجلس الوطني.
ب. إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث أعضاء اللجنة التنفيذية أو أكثر،
يتم ملؤها من قبل المجلس الوطني، في جلسة خاصة يدعى لها خلال مدة لا
تتجاوز ثلاثين يوما.
ج. في حالة القوة القاهرة التي يتعذر معها دعوة المجلس الوطني إلى
اجتماع غير عادي، يتم ملء الشواغر، لأي من الحالتين السابقتين من قبل
اللجنة التنفيذية، ومكتب المجلس، ومن يستطيع الحضور من أعضاء المجلس،
وذلك في اجتماع مشترك يتم لهذا الغرض، ويكون اختيار الأعضاء الجدد
بأغلبية أصوات الحاضرين".
وفي الحالة الراهنة التي تعيشها اللجنة التنفيذية فإن أكثر من ثلث
أعضائها، البالغ عددهم ثمانية عشر عضواً ، يعتبر شاغراً - بالوفاة، أو
الاعتقال، أو تجميد العضوية، أو التغيب-. وهذا يقتضي، كما ينص النظام،
على ضرورة الدعوة الفورية للمجلس الوطني لاجتماع غير عادي لملء هذه
الشواغر.
وإذا ما قيل بتعذر انعقاد المجلس نظراً لظروف الاحتلال القاهرة، ونظراً
لكثرة عدد أعضاء المجلس (أكثر من 750)، ووجود أعداد غير قليلة منهم خارج
الوطن ولا يسمح لهم بالدخول، ونظراً لانقطاع دورات المجلس عن الانعقاد
لمدة تجاوزت التسع سنوات (مع أن النظام ينص على انعقاده سنوياً، ويتم
تجديد المجلس أو تأكيد العضوية أو إعادة النظر فيها كل ثلاث سنوات)،
ونظراً لتراكم العديد من القضايا التي تتطلب البحث، بما في ذلك الأنظمة
والقوانين، وطريقة تركيب المجلس، واستيعاب القوى السياسية الموجودة خارج
المنظمة.... فإنه قد يكون من الصعب عقد المجلس في وقت قريب، أو عقد دورة
استثنائية لملء شواغر اللجنة التنفيذية فقط، وتأجيل بقية القضايا.
الإصلاح المزعوم:
بعد هذا السرد الموثق لمراحل قبر وقتل منظمة التحرير الفلسطينية من قبل
القيادة المتنفذة وعلى رأسها محمود عبّاس، تأتي دعوات الإصلاح من هؤلاء
لذر الرماد في العيون، وفي سياق البحث عن الدعم المطلوب في مراحل حساسة
تتطلب كسب الجماهير وتخديرها بشعارات برّاقة، ولنراجع دعوات عبّاس
الشخصية للإصلاح:
· برنامج عبّاس الإنتخابي لرئاسة السلطة فقد استهله بالتالي:
انطلاقا من الثوابت الوطنية، واستنادا لخطاب الرئيس الخالد أبو عمار أمام
المجلس التشريعي في 18 آب الماضي، والتزاما بمبدأ المصارحة مع شعبنا في
طرح مهماتنا وتحدياتنا، أطرح برنامج العمل الوطني التالي، إذا نال ثقة
جماهيرنا، دليل العمل الملزم لنا في المرحلة القادمة:
أولا- التمسك بالثوابت الوطنية:
نضالنا مستمر وسيتواصل لنيل حقوقنا الوطنية الثابتة كما أقرتها أطرنا
ومؤسساتنا لإنهاء الاحتلال عن جميع الأراضي الفلسطينية العام 67 وإقامة
دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف عليها، وتحقيق حل عادل لقضية
اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار 194 وعلى أساس قرارات قمة بيروت عام
2002.
ثانيا- تعزيز الوحدة الوطنية وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية:
إن تمتين أواصر الوحدة الوطنية لشعبنا وقواه وفصائله وتياراته هو الضمانة
الأكيدة لمواجهة التحديات، لذلك سنستمر بعزم وتصميم بالعمل على التواصل
إلى قواسم مشتركة لبرنامج عمل وطني يجند كل الطاقات خدمة لأهداف نضالنا.
ويرتبط بهذه المهمة تطوير الدور القائد لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل
الشرعي والوحيد لشعبنا في جميع أماكن تواجده، في العملية السياسية وفي
رعاية مصالح وحقوق أبناء شعبنا اللاجئين في المنافي والشتات. وسنعمل بلا
كلل من اجل مشاركة جميع القوى والفصائل والتيارات في صياغة قرارنا
الوطني، ضمن اطر منظمة التحرير والسلطة الوطنية.
وسنقوم بتفعيل مؤسسات ودوائر المنظمة، وتطوير عمل البعثات الدبلوماسية
الفلسطينية وهيئات الجاليات الفلسطينية في دول العالم.
· في حوار شامل أدلى به عباس بتاريخ 20/01/2005، لوكالة الأنباء
الفلسطينية "وفـا"، والصحف المحلية الثلاث: "القدس" و"الأيام" و"الحياة
الجديدة" أجاب على الأسئلة المتعلقة بالإصلاح وتفعيل دور منظمة التحرير
الفلسطينية وكما ورد في لقائه:
"وحول تفعيل دور منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ودوائرها، أعلن
الرئيس عباس عن تشكيل لجنة برئاسة السيد سليم الزعنون "ابوالاديب"، رئيس
المجلس الوطني، لوضع خطة لتفعيل دور م.ت.ف، المسؤولة عن شعبنا الفلسطيني
في الداخل والخارج، وتفعيل مؤسسات المنظمة والمجلس المركزي ودوائرها.
وأكد السيد الرئيس اهتمام المنظمة المستمر بشؤون الفلسطينيين في الخارج،
وأن هذه القضية كانت في عقل وذهن الاخ ابوعمار، واننا سوف نتابع هذا
النهج.
والدليل على ذلك أننا، عندما ذهبنا الى لبنان، طالبنا بإعادة فتح سفارتنا
وتحسين أوضاع أهلنا هناك، وقمنا بزيارة المخيمات وتحدثنا اليهم، وسوف
يتكرر هذا الأمر.
وحول مشاركة "حماس" في مؤسسسات م.ت.ف، قال السيد الرئيس: لقد طرحنا اكثر
من مرة امكانية مشاركة "حماس" في المؤسسات الوطنية، وان تدخل في هذا
الاطار، وانه لابد من ايجاد صيغة ما لذلك، شريطة ان نحافظ على قانونية
اللجنة التنفيذية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، موضحاً أنه لا يمكن أن
نهدم ما لدينا، بل يجب أن نبني عليه.
وحول فكرة انتخاب أعضاء المجلس الوطني، قال الرئيس عباس: إن هناك ظروفاً
موضوعية تحول دون انتخاب أعضاء المجلس الوطني. فهو يختلف عن المجلس
التشريعي، الذي يمثل شعبنا في الداخل، ويمكن اجراء انتخابات لاختيار
أعضائه.
وأضاف سيادته: ليست عملية انتخاب المجلس الوطني عملية سهلة، ولكن اعادة
تشكيله مطلب مشروع، وبامكان اللجنة التنفيذية وأعضاء المجلس الوطني أن
يحددوا أعضاء المجلس، وبالتالي إعادة تشكيله على الأسس السليمة السابقة
من خلال الفعاليات، أو الشخصيات، أو ممثلي المؤسسات والنقابات، وغير ذلك.
وتابع الرئيس عباس: إننا لا نستطيع أن نعد الناس بإجراء انتخابات للمجلس
الوطني في الخارج. أما في الداخل، فإن أعضاء المجلس التشريعي المنتخب هم
أعضاء في المجلس الوطني.
وقال سيادته: إن من صلاحيات المجلس الوطني، في حال انعقاده، إعادة تشكيل
اللجنة التنفيذية للمنظمة".
· في حوار مع صحيفة الحياة اللندنية بتاريخ 26/01/2005 أجاب عبّاس على
عدة أسئلة منها:
ماذا بشان الشق الاخر من
الحوار في ما يتعلق بالشراكة السياسية والانتخابات ودخول التنظيمات غير
المنضوية في اطار منظمة التحرير الى البيت الفلسطيني الرسمي؟
شكلنا لجنة من اللجنة التنفيذية برئاسة رئيس المجلس الوطني لاعادة تفعيل
منظمة التحرير الفلسطينية، بمعنى اعادة النظر في مؤسسات المنظمة لتفعيلها
اكثر فأكثر ولتقوم بواجباتها داخل الوطن وخارجه. هذه اللجنة اتمنى ان
يشارك فيها جميع المنظمات الموجودة داخل المنظمة وخارجها. نعم وجهنا دعوة
الى الجميع، الى حماس والجهاد. واي تنظيم يريد ان يشارك في عملية اعادة
تقويم منظمة التحرير الفلسطينية فليتفضل، ونحن مستعدون للمشاركة، وهذا
نوع من المبادرة من قبلنا حتى يكون الكل في البيت الفلسطيني.
هل صحيح انه سيتم تقليص اعضاء المجلس الوطني بحيث تتساوى نسبة التمثيل
بين فلسطينيين الشتات والداخل؟
اولا، المسألة ليست بهذه الميكانيكية الحادة: تقليص من اجل ان يحصل
تمثيل. لكن لا بد ان يكون تمثيل الداخل متساو مع تمثيل الخارج. الان
تغيير المجلس زيادة او نقصانا, هذا يعود الى الهيئة المختصة وهي اللجنة
التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني التي تستطيع ان تقرر عدد اعضاء المجلس
الوطني والنسب المختلفة هنا وهناك. الامر يعود لهذه الهيئة، لكن المنطق
يقضي بان يتوازن الداخل مع الخارج. وكما قلت جميع اعضاء المجلس التشريعي
هم اعضاء في المجلس الوطني. لا اعتقد انه سيرتفع لان عدد اعضاء المجلس
الوطني الان 740. ولا بد من تقليص هذا العدد.
· في الذكرى الأولى لوفاة عرفات في 11/11/2—5 وأمام قبره أكد عباس "عزمه
مواصلة ما بدأه من تفعيل وإصلاح لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية لكي
تنهض بدورها في قيادة نضال الشعب الفلسطيني وأن يبقى واحدا موحدا خلف
ممثله الشرعي والوحيد وهي المنظمة"!
السؤال هنا: هل تطابقت دعوات الإصلاح بالكلام المعسول مع حقائق التدمير
على أرض الواقع؟ الإجابة الواضحة الناصعة هي أن النهج الحالي لعبّاس ومن
معه هو تدمير منظمة التحرير الفلسطينية وإحلال السلطة مكانها.
يقول عامر راشد تحت عنوان "هل أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية لزوم ما لا
يلزم" بتاريخ 21/07/2005 تعليقاً على عملية الإحلال تلك: " وما كان من
الممكن تمرير خطة إحلال السلطة الفلسطينية مكان منظمة التحرير الفلسطينية
إلا بخلق تداخل واسع في الهياكل القيادية لكل من السلطة الوليدة ومنظمة
التحرير الفلسطينية، لتبدأ بعد
ذلك عملية إزاحة تدريجية لصالح السلطة الفلسطينية. فرئيس السلطة
الفلسطينية هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، ومعظم وزرائها هم من أعضاء
اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أو من أعضاء المجلس المركزي
الفلسطيني، بذلك نجحت التغطية على عملية سحب البساط من تحت منظمة التحرير
الفلسطينية ومؤسساتها الائتلافية".
" مما سبق يتضح لنا بأن إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية
يتطلب أولاً وقبل كل شيء إزالة التداخل، الذي يصل إلى حد التطابق، بين
مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وبين مؤسسات السلطة الفلسطينية، وسحب
الصلاحيات القيادية والتمثيلية التي أعطيت لمؤسسات السلطة على حساب
صلاحيات مؤسسات منظمة التحرير، وهذا جوهر ما نادى به إعلان القاهرة. لكن
ما يجري عملياً وعلى أرض الواقع هو المزيد من تكريس دور مؤسسات السلطة
الفلسطينية على حساب دور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية شبه المتلاشي".
هذا التداخل سبق وأن أوجده عرفات حيث كان يعمل انطلاقا من تسلمه لثلاثة
مناصب أساسية: فهو رئيس السلطة الفلسطينية، وهو رئيس منظمة التحرير
الفلسطينية، وهو رئيس الدولة الفلسطينية. وبقي عرفات محافظا على كون
منظمة التحرير هي المرجعية للسلطة الفلسطينية إنما انطلاقا من الداخل،
وسهل عليه الأمر أنه هو المناصب الثلاثة، فكان يجمع (السلطة) حين يريد
قرارا داخليا، وكان يجمع أعضاء اللجنة التنفيذية الموجودين في الداخل حين
يريد قرارا مرجعيا، وكان يشارك وزير خارجيته في قضايا السفارات في الخارج
من حيث التعيين ومن حيث صرف الميزانيات، مع أرجحية لصالحه بصفته الرئيس،
وبصفته صاحب القرار المالي، واستمر الأمر على هذا الحال أكثر من عشر
سنوات.
عبّاس يحاول من خلال هذا التداخل السيطرة المطلقة على كل شيء وفي هذا
الإطار يقول الكاتب نضال حمد تحت عنوان "مات الملك عاش الملك": عباس
يحاول التصرف وكأنه رئيس الشعب الفلسطيني كله وهذا هراء، فلا هو ولا لجنة
فتح المركزية ولا ما يسمى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية
وهذه اللجنة لم تعد شرعية وفقدت شرعيتها القانونية منذ رحيل عرفات ووفق
دستور منظمة التحرير الفلسطينية، يقررون من هو رئيس الشعب الفلسطيني
فالذين يقررون ذلك هم أبناء هذا الشعب في صناديق الاقتراع.وهم الذين
ينتخبون رئيس الشعب الفلسطيني، هؤلاء الذين قدموا الغالي والنفيس وحملوا
منظمة التحرير الفلسطينية على عظامهم وجماجم أهاليهم في المخيمات المبادة
والأخرى الصامدة والصابرة على خطوط المواجهة الكثيرة. هؤلاء هم أبناء هذا
الشعب الفلسطيني المتمسكون بجمر القضية رغم انه يحرق اياديهم يوميا..
الكلام عن الانتخابات للمجلس
الوطني الفلسطيني ومن اجل إعادة ترميم المنظمة وتصحيح مسارها واستردادها
من الأيدي التي تعبث بها، أخذ يتردد في الأوساط الفلسطينية وفي المخيمات
والتجعمات في دول الطوق والدول العربية الأخرى،وكذلك بدأت الجاليات
الفلسطينية في أوروبا والأمريكيتين واستراليا تتداوله بشكل عملي في
مؤتمرات ولقاءات شهدتها وتشهدها أوروبا.لذلك على رئيس السلطة عدم الخلط
والتصرف وكأنه يمثل الشعب الفلسطيني كله، وعدم الحديث عن توطين
الفلسطينيين.وكذلك عن نزع السلاح الفلسطيني في لبنان دون التوصل لانتزاع
موقف وقرار دستوري من البرلمان البرلماني اللبناني يلزم لبنان برلمانا
وحكومة وشعبا وطوائف بإعطاء الفلسطينيين حقوقهم كافة ويحميهم من الجزارين
والقتلة والمتربصين بهم في البلد. فالخوض في تلك الأمور والسباحة عكس
التيار والدخول في المنطقة المحرمة لا يرتد على أصحابه سوى بالوبال.
الخلاصة:
مخطط القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية أو ما بقي منها بدأ منذ سنوات
طويلة، وقد فُصّلت تلك المراحل بشكل دقيق في كتاب أصدره بروفيسور عبد
الستار قاسم تحت عنوان "الطريق إلى الهزيمة"، ودخل الآن الفصل الأخير
لإسقاط ما تبقى من حقوق وثوابت تحت مسميات عدة وتبريرات لا حصر لها من
قبيل إنتقال الثقل إلى الداخل الفلسطيني، ووجود قوى فاعلة خارج إطار
منظمة التحرير، ومرحلة بناء الدولة، ووحدانية المؤسسات.
أما إصلاح المنظمة فلا يمكن أن يمر هكذا دون المرور على موضوع الميثاق و
البنود الملغاة والمجلس الوطني وعدد أعضاءه في الداخل و الخارج و
التنفيذية وعدد أعضاءها و الرواتب و المزايا المالية.
إن عملية الإصلاح والتفعيل تلك تحتاج إضافة لما سبق إلى مرحلتين تناولهما
عبد الله الحوراني بالتفصيل في مقالته السابقة الذكر وهما: إعادة إحياء
مؤسسات المنظمة وخاصة المجلس الوطن والمركزي واللجنة التنفيذية، ومن ثم
إعادة بناء المنظمة بضم كل القوى إليها بما فيها فلسطينيو الشتات.
هذه هي أقوال متنفذو أوسلو ودعواتهم للإصلاح، وهذه هي أفعالهم على الأرض
لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، والمطلوب وإن كان معقداً ومتشابكاً كما
سبق ذكره، إلا أنه يتلخص في رفض الهيمنة والسيطرة الأوسلوية على مستقبل
الشعب الفلسطيني ومؤسساته التي التف حولها، والتمسك بالثوابت والحقوق
الوطنية، وبالميثاق الوطني الفلسطيني كما هو دون تعديل أو حذف، أما إن
تحولت منظمة التحرير الفلسطينية لأداة في يد عبّاس- دحلان وبشكل ممسوخ
مقيت، وبقيت حكراً على فتح المُسيطرة عليها دون باقي الفصائل والقوى
الفلسطينية، وبتهميش متعمد لثلثي الشعب الفلسطيني في الشتات، فهي وبكل
تأكيد لن تكون لا ممثلاً شرعياً ولا وحيداً للشعب الفلسطيني.
|