محمود عباس
. . .
المعتدل!!
بعد موت عرفات خرج علينا الإرهابيون الدوليون
(الإدارة
الأميركية وابنتها غير الشرعية إسرائيل) بفكرة ظهور فرصة حقيقية للسلام
إذا خرج رئيس فلسطيني "معتدل" يضع حدأً للمقاومة الفلسطينية ويتفهم الموقف
الإسرائيلي أثناء محادثات سلام جديدة. وقام الرئيس بوش بالتصريح أن المجتمع
الدولي
يستطيع تأمين قيام دولة فلسطينية عام 2009 حال ظهور رئيس كهذا. كما أعلن
أنه خلال
ولايته الثانية سيجعل حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على رأس أولوياته.
بينما صرح
رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون أن عام 2005 سيشهد انفراجاً تاريخياً في
علاقات
إسرائيل مع الفلسطينيين. جاءت هذه التصريحات مبنية على آمال أن يخلف محمود
عباس
الرئيس عرفات في انتخابات شكلية ومرسومة لتعطي شرعية لأي قرار مستقبلي
يتخذه عباس.
كان محمود عباس (أبو مازن) من المؤسسين لحركة فتح
ولسنوات كثيرة كان مساعداً مقرباً للرئيس عرفات. كما يعتبر المهندس الرئيسي
لاتفاقية أوسلو التي لم تفد غير إسرائيل وقادة فتح على حساب الشعب
الفلسطيني، إذ
نقلت إسرائيل أعباء احتواء وتحكم الشعب الفلسطيني من الجيش الإسرائيلي الى
السلطة
الفلسطينية. بينما انتقل قادة فتح من انعزالهم في تونس الى الأراضي
الفلسطينية
معلنين انتصاراً عظيماً بينما هم جاءوا في الحقيقة لتأكيد احتكارهم للقضية
الفلسطينية وللقضاء على أية فرصة لخروج زعامة فلسطينية جديدة تنافسهم من
الداخل.
فقضوا على الانتفاضة الاولى التي كانت تهدد الكيان الصهيوني، وأعاشوا الشعب
الفلسطيني في أوهام التفاوض العقيم عدة سنوات معطين إسرائيل أمناً وفرص قضم
المزيد
من الأراضي والتخلص من قرارات مجلس الأمن الدولية عن طريق تنازلات جانبية
حصلتها من
السلطة الفلسطينية.
ولا ننسى أن محمود عباس هذا قد خرج علينا عام 1995
بما سُمي بتفاهمات أبو مازن/يوسي بيلين التي تنازل فيها عن حق عودة
اللاجئين
الفلسطينيين الى أراضيهم. فالبند الأول للفقرة السابعة من هذا التفاهم يقر
ما يلي:
"بينما
يعتبر الطرف الفلسطيني حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى بيوتهم عدالة
طبيعية وقانوناً دولياً مقدساً فإنه يعترف أن متطلبات السلام والتعايش في
هذه
الحقبة الجديدة، وكذلك الحقائق التي وُضعت على الأرض منذ عام 1948 ، تجعل
تطبيق حق
العودة هذا أمراً غير عملي." وبهذا ألغى محمود عباس فاعلية قرار مجلس الأمن
الدولي
رقم 194 الذي يعطي اللاجئين الفلسطينيين حق العودة الى بيوتهم في فلسطين
المحتلة،
كما أعطى شرعية للاحتلال الصهيوني لأراضي 1948. وسمحت هذه الاتفاقية
لإسرائيل
بالمحافظة على 130 مستعمرة بنتها على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية
وضمها
الى إسرائيل بدون مقابل. وتحايل عباس على حق الفلسطينيين في القدس كعاصمة
لهم حين
وافق على تسمية قرية أبو ديس "بالقدس العربية" التي ستكون عاصمة فلسطين.
كما أعطى
الجيش الإسرائيلي حق البقاء في وادي الأردن. وقد أظهر بيلين جحافة هذا
الاتفاق حين
قال "للفلسطينيين استعداد لقبول الاتفاقات التي تعطينا أرضاً كثيرة بدون
المطالبة
بتفكيك المستعمرات، وبدون العودة الى حدود 1967، ومع ترتيبات خاصة للوضع
النهائي
لمدينة القدس."
تحت ضغوط سياسية شديدة عين الرئيس الراحل عرفات
محمود عباس رئيساً للوزراء عام 2003. وفي خطابه في العقبة أكد عباس التزام
السلطة
الفلسطينية بإنهاء الانتفاضة الفلسطينية مشيراً اليها بالارهاب متغافلاً عن
الإرهاب
الإسرائيلي، ومعلناً تفهمه وتعاطفه مع معاناة اليهود بينما لم يذكر حقيقة
عدم
مسؤولية الفلسطينيين لهذه المعاناة، ولم يظهر أي تعاطف مع معاناة
الفلسطينيين التي
يسببها الإرهاب الأسرائيلي. وهكذا يكون عباس قد وافق على دور السلطة الذي
رسمته
الأدارة الأميركية وإسرائيل لها ألا وهو دور الشرطي المحافظ على أمن
إسرائيل عن
طريق ضبط الفلسطينيين وإنهاء مقاومتهم للإحتلال، تماماً كما فعل الاحتلال
الأميركي
بالهنود الحمر في أميركا حيث عين منهم سلطات تقمع المقاومة الشعبية وتحمي
أمن
الأميركيين المحتلين.
ومحمود عباس عضو رئيسي في السلطة الفلسطينية التي
هدفت بشكل رئيسي الى السيطرة على المناصب الحكومية للتحكم في مصير الشعب،
والى
احتكار المراكز الاقتصادية الفلسطينية عن طريق منح أنفسهم أو أقربائهم رخص
التصدير
والاستيراد. وقد ظهر هذا بوضوح في الثراء المفاجئ الذي تمتع به قيادات
السلطة
وأقربائهم بينما بقي عامة الشعب فقراء.
لم تدم رئاسة عباس للوزراء طويلاً، إذ سرعان ما
استقال من وظيفته لأنه وقع بين مطرقة المتطلبات الإسرائيلية للقضاء على
المقاومة
وبين سندان عرفات الرافض لهذه المطالب. ولكنه سارع للعودة الى الحلبة
السياسية بعد
موت عرفات متأملاً بالحصول على سلطة أكثر بعد غياب عرفات لتحقيق برنامجه
السياسي.
لم يضع عباس وقتاً لإعادة تأكيد مواقفه الرافضة لعسكرة الانتفاضة خاصة بعد
انسحاب
مروان برغوثي من الانتخابات الرئاسية. فقد أعرب لـ "جاك سترو" سكرتير
الخارجية
البريطانية عن أمله في أن تعلن السلطة الفلسطينية إنهاء كل العمليات
العسكرية
وإنهاء العنف من أجل تحقيق هدوء شامل في الضفة والقطاع. وصرح عباس أن عسكرة
الانتفاضة كان أمراً خاطئاً ويجب أن ينتهي لأنه لم يؤدي الى نتيجة، بل كان
سلبياً
على الفلسطينيين لإنه أعطى إسرائيل سبباً للقيام بعملياتها العسكرية ضد
المدن
والمخيمات الفلسطينية. وبهذا يكون عباس قد قدم استسلاماً لإسرائيل دون
مقابل. وقد
نسى عباس أن الانتفاضة بدأت بشكل سلمي الى أن بدأ الجيش الإسرائيلي بقنص
الأطفال
باستهداف رؤوسهم، ثم باستعمال الدبابات وطائرات الهليكوبتر الإسرائيلية.
فهل يتوقع
عباس من الفلسطينيين أن يراقبوا الجيش الإسرائيلي يستهدفهم بجميع أنواع
الأسلحة
ويدمر مدنهم وبيوتهم بدون أن يدافعوا عن أنفسهم؟ وكيف يتغاضى عباس عن حق
أي شعب في
الدفاع عن أنفسهم ضد الاحتلال العسكري في حين تشرع كل القوانين الدولية هذا
النوع
من المقاومة؟ ولماذا يتغاضى أيضاً عن النتائج الأيجابية لهذه المقاومة التي
أدت الى
هجرة يهودية معاكسة والى إدانة دولية للقمع الإسرائيلي خاصة في المجالات
الشعبية،
والى ضعف الاقتصاد الإسرائيلي، وأخيراً الى قرار إسرائيل بالانسحاب من قطاع
غزة؟
لم يتغير برنامج عباس السياسي عما كان عليه حين كان
رئيساً للوزراء. هذا البرنامج يظهر أن تعاطفه مع عذابات اليهود
الإسرائيليين أكثر
من تعاطفه مع عذابات الفلسطينيين. فهو لا يزال ينظر الى السلطة الفلسطينية
كأداة
ضبط للفلسطينيين وحماية لإسرائيل. ويظهر هذا جلياً في أحاديثه وفي خطبه
السياسية،
حيث يقول أن الاحتلال الإسرائيلي بدأ عام 1967 معطياً شرعية لوجود الكيان
الصهيوني
في أراضي 48 من فلسطين. ويدعي عباس أنه لا يوجد حل عسكري للصراع مع
إسرائيل، ويعد
ببذل كل الجهود لإنهاء الانتفاضة المسلحة عن طريق إدانة الإرهاب والعنف ضد
الإسرائيليين، ومحاربة كل تحريض على العنف والكراهية. وهو بذلك يتهم
المقاومة
الفلسطينية بالإرهاب، ويعد بقمع حرية الرأي وحرية الصحافة وتغيير كتب
التاريخ
الدراسية التي تظهر حقيقة الإرهاب الإسرائيلي. ويتناسى في نفس الوقت أن
إسرائيل
فرضت نفسها وحقوقها التي تدعيها على الفلسطينيين عن طريق البطش العسكري
والتمييز
العنصري والديني وغسيل دماغ أطفالهم في المدارس لزرع روح الكراهية في
نفوسهم ضد كل
ما هو عربي. ويحرص عباس على إرضاء الإسرائيليين والإدارة الأميركية ولذلك
فهو لا
يذم سياساتهما ويسرع الى تصليح أي "خطأ" قد يثير غضبهما مثل ما فعل مؤخراً
عندما
كان في غزة أثناء حملته الإنتخابية بعد أن قتلت دبابة إسرائيلية 7
فلسطينيين 6 منهم
من عائلة واحدة، ولم يكن في استطاعة عباس أمام الفلسطينيين إلا إدانة عملية
القتل
هذه واصفاً إسرائيل "بالعدو الصهيوني". ولكن بعد أن انتقدت إسرائيل تصريح
عباس هذا
أسرع بتصحيح هذا "الخطأ" في صحيفة إسرائيلية حيث ادعى أن هذا التصريح كان
"زلة
لسان" لم يعنيها.
مواقف محمود عباس الإستسلامية جعلته في نظر أميركا
وإسرائيل الرجل "المعتدل" الذي تستطيع إسرائيل التفاوض معه. ولإعطاء قرارات
عباس
الشرعية الضرورية قامت أميركا وإسرائيل "بتفصيل الانتخابات على مقاسه"، كما
أوضح
محمد نزال عضو المكتب السياسي لحماس. تأمل إسرائيل أن يقدم لها عباس كل
التنازلات
السياسية المطلوبة، وأن يقدم للإسرائيليين الأمن بالقضاء على المقاومة
وبإنهاء
الانتفاضة. ولذلك قدمت له كل التسهيلات للنجاح في الانتخابات بينما وضعت كل
العراقيل أمام بقية المرشحين. ويلاقي عباس أيضاً قبولاً من بقية الزعماء
العرب
الذين يأملون أن يعطي إسرائيل كل ما تريده من أجل إقامة كيانٍ فلسطيني، بغض
النظر
عن شكلة، له حدود جغرافية معترف بها دولياً تكون عازلاً قانونياً بين
إسرائيل
وبقية الدول العربية.
بعد نجاح محمود عباس (المؤكد) في الانتخابات
الفلسطينية ستقدم له إسرائيل طلباتها وشروطها والتي على رأسها القضاء على
الانتفاضة
والتخلص من رؤساء المقاومة. وقد سارع شارون بتقديم هذا الطلب، يوم السبت
1/8 حتى
قبل نجاح عباس في الأنتخابات، مصحوباً بالتهديد "بمحو مناطق كاملة من غزة"
إذا
استمر إطلاق صواريخ المقاومة بعد الانتخابات. وسيفشل عباس مرة ثانية في
تحقيق هذه
المطالب. في الماضي عارضة عرفات، أما الآن فسيقوم المقاومون الفلسطينيون
بإيقافة
!!!
د. إلياس عاقلة
كاتب ومحلل سياسي - أمريكا
1/9/2005
|