عباس و «حماس» إلى مواجهة

فزاعة الانتخابات

إبراهيم أبو الهيجاء

كاتب وباحث فلسطيني - جنين – فلسطين المحتلة

 4/7/2006

أنجز أبو مازن ما تمناه و استطاع بديناميكية الانتخابات الفلسطينية البلدية و التشريعية ووضع حد لكل الذين آذوه و خونوه إبان توليه الرئاسة الوزراء ؛ و اليوم تحول أبو مازن من رئيس هش إلى طوق النجاة لحركة تلملم جراحها بعد الهزيمة القاسية التي تلقتها في الانتخابات الأخيرة ؛ وأصبح أيضا أمل المتصارعين على سلطتها  والفاقدين لنفوذها وسطوتها ، ونستطيع القول أن  أبو مازن استطاع بكل وضوح أن يعزز شرعيته وقوته  قبالة هالة ميراث عرفات والمتورثين له ، لكن أبو مازن الذي أراد الاستنجاد بفزاعة " حماس " من خلال هذه الانتخابات للإستقواء و للنيل من النفوذ المتصارع والساخر من قدراته، لم يدر في خلده أن " حماس " يمكنها أن تحصد هذه النتائج وتصبح فزاعة له بدلاً أن تكون عنه  ، بل و تهدد ليس فقط المناكفين لرئاسته بل و تزلزل منهجه الذي آمن بإمكانية التسوية مع  " إسرائيل " ولتحصيل ما أمكنه أو يمكنه بأدوات التفاوض والمقاومة الشعبية أو" المعقمة " في أحسن الأحوال .

التحليل الخاطئ

ظن أبو مازن الذي بناء على استشارة مراكز الأبحاث والاستطلاع أن الانتخابات الفلسطينية لن تنتج سوى معارضة حمساوية مشاغبة و في أحسن أحوالها معارضة خانقة ، تؤدي إلى خلق توازن يجعل المتورثين الجدد من حركة " فتح "، و بقايا ورثة عرفات يلجؤون إليه بصفته الرئيس القادر على إنقاذهم و الانتصار لضعفهم في التشريعي ... خلال ذلك يجري حشر " حماس " في الزاوية و تدجينها رويداً رويداً تحت قبة البرلمان و لاحقاً تخييرها بين شرعية السلاح أو شرعية البرلمان ... وربما لاحقاً خلق هزات داخلية فيها من خلال استقطاب أفراد أو تغذية مدارس متشاكسة أو طامعة .

قناعات متلاقية

هذا التحليل الذي أقنع فيه أبو مازن " إسرائيل " و أمريكا أو ربما جرى تلاق للقناعات عليه قوّى خيار الانتخابات التي رأت فيها الولايات المتحدة الأمريكية فرصة لاختبار الإسلام الوسطي في الحكم، و لاسيما في أرض منزوعة السيادة كحال العراق التي أجريت فيها انتخابات مؤخراً ضمن فلسفة أميركية تؤمن باختبار الإسلاميين في (ديمقراطية تحت السيطرة)  لعلها تنجز برأيهم إسلاما يتوافق مع المصالح الأميركية أو على الأقل يمكن التعايش معه .

و تلاقى ذلك أيضا مع مدرسة صهيونية (وسطية) صاعدة تمثلها (كاديما) تؤمن بالحلول الأحادية و لا تثق بشراكة فلسطينية وتعتمد على قوتها وذاتيتها في تحقيق الأمن والتسوية و"النقاء " الديمغرافي  ؛ لكن ما أفزع الجميع هو أن تحصد " حماس " كل هذه النتائج ،في ضوء أن ذلك يسرع في اختبار الديمقراطية الفلسطينية  الوليدة  ويزج " حماس " والمجتمع الدولي في إجابات عاجلة نتاج التساؤلات السياسية الملّحة ... حول كيفية التعامل مع سلطة تمثلها حركة تصنف لدى الأميركان بـ " الإرهابية " والحاجة بالمقابل للحفاظ على بقاء هذه السلطة بالحد الأدنى خوفا من سقوط كل مكونات التسوية ،وبالمقابل سيعجل فوز "حماس" في انكشاف الوجه الـ "إسرائيلي" الذي ليست لديه حلول تسووية من جهة وينفذ انفصالاً عدوانيا يريده أن يبقى هادئاً وصامتاً .

أبو مازن يحرق المراحل

وعلى الصعيد الداخلي الفلسطيني فإن ذلك يهدد منهج أبو مازن ككل و ينقل وراثة السلطة من حركة "فتح" الغالبة بنفوذها ومالها إلى وراثة "حماس" المغايرة  بشعبيتها ومقاومتها  ..و هذا ما جعل فوز "حماس" انقلاباً للسحر على الساحر و على كل المعادلات و التوقعات ليس فقط في الأدوات والسلطات بل وحتى في المفاهيم و المناهج ، وهذا بالتالي سيفضح أوراق أبي مازن و يحرق مراحل خطته التي كان يراد لها أن تنضج على مهل ، ولذا رأينا تسارع المراسيم الرئاسية الجائرة على السلطات التشريعية في قضايا الأمن والمال والإعلام والقانون والعسكر ، والأخطر تسكين الآلاف من الوظائف كل ذلك لتفجير فوز "حماس" من داخله سياسياً واقتصادياً ، وبما يمنع من إحداث  أي تغييرات جدية ويعزز قبضة مؤسسة الرئاسة ومنظمة التحرير التي أصبحت فجأة لها اعتبار في القرار الفلسطيني الرسمي  ؛ و كان أبو مازن قد حاول من قبل الانتخابات بوقت قصير تمرير قرار يمكنه من حل البرلمان.. و لعله أدرك في آخر اللحظات أن "حماس" تقف على أبواب فوز محقق ولكن ..ولات حين مناص.

تمييع القضايا الجدية

وبالمقابل لم يسع أبو مازن فقط للمصادقة على الخطوات التي تنقلب على فوز " حماس " أو تعطل من قوتها بل سعى أيضا إلى تمييع القضايا الجدية ومصادرة الأوراق التي يمكن أن تستثمرها "حماس" و تتابعها بشكل جوهري ولاسيما ملفات الفساد والاعتقال السياسي فسمعنا أحاديث إعلامية عن ملايين المتورطين في الفساد وجرى إطلاق سراح معتقلي الجهاد الإسلامي في سجون السلطة ، وأخباراً  أخرى عن مصادرة السيارات الفارهة من المسئولين السابقين ، وبل و أصبحت حركة "فتح" تمارس مقاومة مظهرية ، وإلا لماذا فطنت مؤسسة الرئاسة الآن وبعد الانتخابات لإشهار ملفات الفساد وإطلاق سراح المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية نتاج الضغوط الإسرائيلية وتعطيلا للمقاومة الحقيقة .. ؟!

كل هذه الممارسات التي في ظاهرها الايجابية إلا أنها قصدت في الباطن إحراج "حماس" ومصادرة شعاراتها الانتخابية ، لكن رب ضارة نافعة ؛ عموماً كل هذه الممارسات كان أبو مازن شريكاً فيها بل و أعطاها سقف الشرعية بالإضافة إلى اشتراطه الواضح على حكومة "حماس" احترام اتفاقيات التسوية و نزع سلاح المقاومة و أكتمل ذلك بالاحتجاج الخجول على الاشتراطات الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية التي تحاول ابتزاز "حماس" و مقايضة نصرها بثوابتها .

استثمار فوز "حماس"

رغم أن أبو مازن و حركة "فتح" كان يمكنهما ولازال بإمكانهما أن يستثمرا فوز "حماس" في مواجهة الضغوط و ينشآ ثنائية واحدة تقاوم دون تفاوض و الأخرى تفاوض دون أن تقاوم ، إلا أن الواضح حتى اللحظة هو حرص "فتح"على تفجير فوز "حماس" من داخله وخارجه ، وهذا برأينا خطأ كبير ورؤية فئوية والمطلوب هو ارتفاع عن ذلك والانتصار لمصلحة الشعب الفلسطيني والعمل معا لمقاومة عدو لم تفلح معه منهج التسوية وحان تجريب منهج المقاومة .

وبرأينا ورغم حرص "حماس" الواضح على الحوار مع مؤسسة الرئاسة و مواجهة كل الخطوات الانقلابية بهدوء كبير ، إلا أن المواجهة مع مؤسسة الرئاسة سيكون لا بد منها في التشريعي أو على الأرض ، وخطابه في التشريعي الجديد لا يحمل سوى هذا الاحتمال .. لأن الرجل يتحمل مسؤولية داخلية فتحاوية تحملّه فوز "حماس" وضغوطاً خارجية لتقوية مؤسسة الرئاسة و المنظمة و بالتالي إفشال تجربة "حماس".

الأفق

كل ذلك سيجعل الرجل في قابل الأيام أما ضحية لحركة "فتح" التي لن تغفر له مصادرة سلطاتها و نفوذها أو هو سيكون ضحية للخارج الذي لن يتهاون معه إن تقاعس عن استخدام - ما يجوز أو لا يجوز - من صلاحيات وصولاً   إلى انتخابات جديدة تعيد السلطة إلى حركة "فتح"... و هذا برأينا ظن خاطئ ، لأن هذه اللعبة ستهدد ليس فقط نفوذ حركة "فتح" بل وستهدد وجود السلطة ككل  ، وهذا ما تحاول الأطراف الدولية الفاعلة تجنبه ، ولكن إن وقعت فيه فإن "حماس" ستكون هي أيضاً المستفيد الأكبر منه  ، لأن "حماس" ترى في السلطة وسيلة لتقوية مشروع المقاومة ، وليس العكس وبقاء السلطة بهذه الهيكلية و البنيوية ذات الإشكالية سيحد من مقاومة "حماس" في ضوء حجم الضغوط الخارجية و الإعاقات الداخلية  ، وسقوط السلطة حينئذ سيعزز خيار المقاومة بشكل منهجي وجلي وستخطو "إسرائيل" بشكل علني بخطوات عدوانية مكشوفة على الأرض وفي القدس وفي ضبط الحدود وإضعاف الوجود الفلسطيني ، كل ذلك لن يبقي لتسوية ولا لأبي مازن  أو لحركة "فتح" حجة في اختبار خيار التسوية ... هذا إن بقيت تسوية .

 

الى صفحة مقالات وآراء

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع