الرئيس عباس في واد وفلسطين في واد آخر
إبراهيم المدهون / باحث وكاتب سياسي
منذ الفوز المستحق لحركة حماس في الانتخابات التشريعية , والصدمة تعمّ جميع المسؤولين السابقين؛ من رئيس السلطة محمود عباس إلى أصغر ناطق في حركة فتح، هذه الصدمة تحولت مع الأيام إلى صناعة أزمة على مستوى الوطن . بدأت بالتهديد بأي شراكة مع حكومة تقيمها حماس مرورا بالفوضى الأمنية المنظمة , وبالحملات الإعلامية ضد الحكومة ورموزها وعرقلة أدائها، وليس انتهاءً بتحميل الحكومة مسؤولية الحصار والعدوان والتضييق التي تقوده الولايات المتحدة وإسرائيل .
فالرئيس عباس لا يترك محفلاً دولياً ولا اجتماعا مع الإسرائيليين أو الأوربيين إلا وأكد أن " الأزمة الحالية في الأراضي الفلسطينية ناتجة عن رفض حركة حماس منذ البداية قرارات الشرعية الدولية والمبادرة العربية وخارطة الطريق كما أنها كانت مطالبة بنبذ العنف"
متناسيا الرئيس عباس حجم الحصار والتضييق والمحاربة , متجاهلا المجازر اليومية التي يتقطع فيها الأطفال والنساء والشيوخ , كنا نأمل من الرئيس أن يُحمِّلَ المسؤولية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الذي لا يجد غضاضة من لقائه وعناقه رغم كمية المجازر ومتجاهلا آلام وعذابات الشعب الفلسطيني اليومية.
ألا يدرك السيد محمود عباس أنه رئيس لشعب يتعرض للموت على يد اولمرت ؟ ألا يدرك أن هذا السلوك يلاقي الرفض والاستنكار من الشعب الفلسطيني وهم يُشيِّعون الشهداء والأطفال في اللحظة نفسها التي تعقد فيه الاجتماعات بين عباس وأولمرت .
بمنتهى الصراحة، فإنّ تحرّكات رئيس السلطة الفلسطينية تحتاج إلى وقفة . فأين هو مِنَ الحصار ؟ وأين هو من المجازر , وأين هو من أزمة الرواتب لماذا فقط تتحمل الحكومة المسؤولية وحدها وتعمل ليل نهار , ونجدها تبتكر الوسائل الرسمية وغير الرسمية لتوفير لقمة العيش الكريمة من غير تفريط بأي ثابت وأي حق لشعب والقضية، في المقابل السيد الرئيس ومؤسسته الكريمة وجهازه الإعلامي الضخم لا يكلف نفسه أن يعمل شيئاً عملياً واحداً وحتى لو دعماً معنوياً , أو أن يقف مع الشعب ويحمل سياسة أولمرت التجويعية المسؤولية والتي تتبناها اليوم أمريكا .
هل من صلاحيات الرئاسة فقط الإذاعة والتلفزيون ؟, والأمن والمعابر والحج والعمرة والسلطات المختلفة ؟ في حين أن الرواتب هذا لا تتحمل الرئاسة ولو جزءاً بسيطاً من توفيرها .
ألم تدرك الرئاسة أن الحكومة استلمت خزائن منهوبة ومسروقة وفارغة . وأن مَنْ سبقوها لم يشيدوا اقتصاداً , ولم يهتموا بإنشاء المصانع والمزارع، بل حصروا جهدهم بتشييد السجون والمعتقلات وبناء المنتجعات السياحية كمنتجع الواحة وكزينو أريحا .
كان الأولى لرئيس عباس ولمؤسسته الإعلامية بدل أن تحمل الحكومة المسؤولية أن تجتهد وتقوم على التدخل السريع عن طريق علاقاته الدولية , وعن طريق مؤسسة النقد الفلسطينية , أو على الأقل أن يعلن للعالم أن الحصار لا مبرر له ولا هو أسلوب لابتزاز السلام والاعتراف بإسرائيل .
لماذا هذا التجاهل من الرئيس محمود عباس ومؤسسته في تحمل تبعات السلطة وتبعات الحكم , لماذا هو مهتم فقط بتوفير الأمن للإسرائيليين , وغير عابئ بعشرات الشهداء والجرحى، وصبّ اهتمامه وجهده فقط في اعتراف حماس بإسرائيل.
ألم يعترف هو والسلطة بإسرائيل ؟ ماذا جلب لشعب الفلسطيني الاعتراف , لماذا يريد السيد عباس أن يكرس هذا الاعتراف ويطالب بكل فلسطيني أن يقر لإسرائيل بشرعيتها، ألا يكفيه ما وقَّعه باسم الشعب من معاهدات واتفاقيات زورا وبهتانا؟ , ألم تعلمه التجربة أن الاعتراف لن يفيد الشعب الفلسطيني،وإنما أدى لتأخر , والحصار والتبعية والتفريط من غير أي نتيجة مع تكبيل الشعب الفلسطيني باتفاقيات اقتصادية وأمنية ما زال يعاني من تبعاتها الشعب إلى اليوم .
المتأمل من رئيس سلطة منتخب , أن يكون أول المطالبين بالحقوق والثوابت , وأن ينحاز لحكومته المنتخبة والمؤهلة دستوريا وشعبيا وقانونيا ونضاليا لتخوض المعارك ضد المجتمع الظالم , فلا يجوز أن تقوم مؤسسة الرئاسة بدور محايد لا مع هذا ولا مع ذاك .
كل يوم جديد يمر، يؤكد أن السيد محمود عباس ذكي جدا , ويستحق أن يكون رئيس لسلطة , إلا أنه للأسف لا يستخدم هذا الذكاء وهذه الخبرة الكبيرة والطويلة في دعم الشعب وفك حصاره , ولم يضع هدفه الأول تعزيز الصمود بقدر ما يعمل من أجل تسوية ولو على حساب الثوابت والحقوق
|