قراءة في بيان المجلس الثوري لحركة "فتح"

يطالب "حماس" بالتخلي عن برنامجها الفائز لصالح برنامجه المهزوم

شاكر الجوهري

يكشف البيان الصادر عن دورة الإجتماعات الأخيرة للمجلس الثوري لحركة "فتح" عن حالة غير مسبوقة من التخبط والتناقض أنتجها اخفاق الحركة في الإحتفاظ بأغلبيتها في المجلس التشريعي الفلسطيني, الذي سيطرت عليه منذ قيام السلطة الفلسطينية عام 1994, وحتى الخامس والعشرين من كانون ثاني/يناير الماضي.

فالمجلس يقرر تأجيل عقد المؤتمر العام للحركة, الذي كان قد تقرر أصلا تأجيل انعقاده من آب/اغسطس 2005 إلى آذار/مارس الجاري, وذلك لمدة أدناها ثلاثة أشهر, في وقت يتحدث فيه عن الديمقراطية..!

وهو يطالب "حماس"، الفائزة في الإنتخابات، بالإنصياع للبرنامج السياسي لحركة "فتح", التي أخفقت فيها, لكنه وادراكا منه بأن الشعب الفلسطيني ملتف حول برنامج حركة المقاومة الإسلامية, بعد أن أفشلت اسرائيل برنامج "فتح" عبر عدم التجاوب معه, يقوم بمحاكاة برنامج "حماس", واقتباس جوهره, في محاولة لإقناع الشعب الفلسطيني أن "فتح" ليست أقل وطنية وصلابة من موقف "حماس"..!

وفي سياق التناقضات الصارخة التي يحفل بها بيان المجلس الثوري, فإنه يؤكد على وحدة الحركة عبر اعادة بناء التنظيم من القاعدة إلى القمة, والتأكيد على عقد اجتماع موسع للجنة المركزية في الخارج, ويقرر في ذات الوقت معاقبة اطراف داخل الحركة لأنها دعمت "حماس" في الإنتخابات الأخيرة, لعدم اقتناع هذه الأطراف ببرنامج "فتح" ومرشحيها سواء بسواء, وتغليبها المصلحة الوطنية العليا على مصالح قيادة الإستثمار والسمسرة التي باتت تمسك منذ زمن بمفاصل الحركة.

غير أن أكثر ما تتمثل فيه المفارقة والمغالطة هو ادانة تفرد "حماس" بالقرار, ليس فقط لأن حركة "فتح" تفردت بالقرار الفلسطيني لأربعين عاما, وإنما لأن البيان يرهن الحفاظ على الوحدة الوطنية بانصياع "حماس" لبرنامج "فتح".. وكذلك اعتبار عدم التزام "حماس" ببرنامج "فتح" مدخلا إلى صراع وانقسام وطني يلوح به..!!

مثل هكذا بيان لا يجوز أن نمر عليه مرور الكرام, بعد أن دخلت الساحة الفلسطينية أتون مخاطر غير مسبوقة جراء اصرار قادة الإستثمار والسمسرة على ابقاء سيطرتهم الكاملة والمطلقة على حركة "فتح", ومن خلالها على منظمة التحرير والسلطة ومقدرات الوطن, وهم الذين يتعاملون مع كل ذلك باعتباره مجرد بقرة حلوب تدرّ ذهبا ودولارات في حلوق لا تشبع, لا أدل على ذلك من امتناع روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي السابق عن تسليم السيارة المصفحة التي اشتريت لرئيس المجلس التشريعي من اموال الشعب الفلسطيني بمبلغ ربع مليون دولار, علها تقيه انتقام الشعب, بدلا من أن تحمي رئيس المجلس الجديد من التهديدات الإسرائيلية باغتياله وكل قادة "حماس"..!!

أحد أبرز الأسئلة التي يثيرها بيان المجلس الثوري هو كيف يمكن تصديق حكاية ديمقراطية حركة "فتح" وهي التي تغيب الديمقراطية داخلها..؟

المجلس الثوري, وفيه الكثير من الأعضاء المعينين غير المنتخبين, يقرر تأجيل موعد المؤتمر العام السادس للحركة عبر قراره "تشكيل 16 لجنة اشراف مؤقتة على الأقاليم الحركية داخل الوطن، بالتشاور والتفاهم مع التعبئة والتنظيم واللجنة المركزية, وتطبيق اللائحة الداخلية لحصر العضوية, وعقد المؤتمرات القاعدية".. "وانتخاب الأطر القيادية ومندوبي المؤتمر العام السادس".. "خلال ثلاثة أشهر".

السؤال الأول الذي يطرحه هذا القرار هو: وماذا فعلت اللجنة التحضيرية للمؤتمر منذ تقرر تشكيلها في اجتماع اللجنة المركزية الموسع الذي انعقد في عمان في تموز/يوليو الماضي, وقرر تأجيل انعقاد المؤتمر من آب/اغسطس 2005 إلى آذار/مارس الجاري بسبب عدم التحضير..؟!

إنها لم تفعل شيئا, ولم تتقدم خطوة واحدة إلى الأمام, باستثناء اقامة اعضائها في فندق عمرة الفاخر في العاصمة الأردنية, وتكبيد الشعب الفلسطيني نفقات الإقامة والسفر والسهر.. الخ..!

ثم أين هي الديمقراطية، إذا كان مطلوبا من الأطر القيادية المعينة, وغير المنتخبة, أن تشرف على حصر العضوية.. أي أن تقول فلان عضو في "فتح" وعلاّن ليس عضوا, ثم تشرف على انتخابات الفلانات دون العلانات لممثليهم في المؤتمر العام, الذي قررت اللجنة التحضيرية مسبقا, ومنذ أول اجتماعاتها, مصادرة غالبية ممثلي التنظيم عبر اعتماد تمثيل لجان الأقاليم المعينة وغير المنتخبة, في عضوية المؤتمر..؟!

هل تكفي ثلاثة أشهر لتأليف واخراج هذا السيناريو, فضلا عن امكانية اتفاق مختلف الأطراف المتصارعة داخل اللجنة المركزية عليه..؟

ليس هناك عاقل واحد يمكن أن يقتنع بذلك. وهذا يعني أن لا مؤتمرا عاما لـ"فتح" في المدى المنظور.

ولأن وحدة حركة "فتح" باتت تعاني اخطارا حقيقية, فإن المجلس يقرر:

1 ـ تشكيل لجنة تنظيمية من الرقابة الحركية (رئيسها محمد داود مقيم في دمشق ولا يسمح له بالعودة للأراضي الفلسطينية), وعدد من اعضاء المجلس لاتخاذ الإجراءات التأديبية وفق النظام الداخلي, بحق كل عضو في الحركة عمل للقوائم الأخرى أو ضد قائمة الحركة"..!

نعم هناك كوادر عديدة من "فتح" عملت لصالح قائمة "حماس" الإنتخابية. وتؤكد الأرقام أن قرابة 30 بالمئة من العاملين في الأجهزة الأمنية بالذات صوتوا لصالح مرشحي "حماس"..!

2 ـ تشكيل محكمة حركية دائمة من رجال القانون من بين اعضاء المجلس وأبناء الحركة لتعزيز الوحدة الداخلية والإنضباط والإلتزام الداخلي.

وللغرابة, فإن القرار يواصل قائلا "وتأمين الحماية الكاملة لأعضاء الحركة, ومحاسبة كل من يسيء للشعب أو يشوه صورة ورسالة "فتح" أمام شعبنا الفلسطيني".

أي أن العقوبات التنظيمية لا تكفي ولا بد من محكمة حركية لعلها تنجح في الزام الفتحاويين بحركتهم. وحين يكون الأمر كذلك يحق السؤال: وكيف يمكن الزام الفتحاويين بالقضية الوطنية, وبمصالح الشعب الفلسطيني..؟!

ومع ذلك يؤكد المجلس الثوري, استنادا إلى المخاوف السابقة "أن فتح رقم لا يقبل القسمة". ولأنها كذلك "يرفض المجلس الثوري كافة الإجتهادات الخاطئة, وقيام التكتلات الذي ألحق بحركة "فتح" هذا التراجع الخطير في انتخابات المجلس التشريعي".. أي أن التنظيم الذي لا يقبل القسمة هو منقسم فعلا على نفسه. ولأنه كذلك, يقرر المجلس الثوري:

3 ـ دعوة اللجنة المركزية إلى عقد اجتماع كامل لجميع اعضائها في الداخل والخارج وحل كافة الإشكالات والترسبات من المرحلة الماضية بما يعزز وحدة اللجنة المركزية ووحدة حركتنا فتح".

أي أن اشكالات وترسبات المرحلة الماضية تهدد وحدة الحركة التي لا تقبل القسمة, وسبق أن انقسمت عدة مرات من قبل, تمكن خلالها الجناح الذي يسيطر على المال, من مواصلة الإمساك بزمام الأمور.

ولعل أكثر ما يثير القلق بشأن وحدة "فتح" الآن هو ندرة المال بين ايدي قيادتها الراهنة, حيث اموال "فتح" توفيت مع ياسر عرفات, والصندوق القومي الفلسطيني جعله نواب "فتح" في المجلس التشريعي السابق مجرد بند في ميزانية السلطة, وذلك في اطار جهودهم الدؤوبة لتهميش وإلغاء منظمة التحرير الفلسطينية, التي اضطرتهم نتائج الإنتخابات الأخيرة لتذكر وجودها وامكانية توظيفها ضد سلطة "حماس".. وسيطرة "حماس" على ميزانية السلطة عبر تشكيلها للحكومة المقبلة, والتزامها بعدم الخلط بين ميزانية السلطة, وميزانية "حماس", فما بالك بميزانية "فتح", التي قد تفتح لها ابواب خزائن دول المشروع السياسي التفريطي.

ولأن المال مركزي جدا في بناء تنظيم "فتح", بغض النظر عن مصدره ومشروعيته, لم يقرر المجلس الثوري معاقبة الذين مارسوا الفساد..!

وتقول النكتة الشعبية الفلسطينية لأنه لا يوجد غير قلة قليلة من غير الفاسدين, ستتحول معها حركة "فتح" إلى تنظيم مجهري..!!

ما العمل إذا من أجل استعادة مكانة "فتح" السياسية, دون الإضرار البالغ ببنيتها التنظيمية عبر محاسبة الفاسدين..؟

يقرر المجلس الثوري خلط اوراق "فتح" بأوراق "حماس". فها هو يتجاهل مؤقتا خطاب محمود عباس الذي افتتح به أعمال المجلس التشريعي الجديد, وكذلك كتاب التكليف السري الذي وجهه لإسماعيل هنية, طالبا منه تشكيل حكومة جديدة.

يقول المجلس تحت عنوان "الوضع السياسي": "فشعبنا الذي ارتضى خيار السلام والمفاوضات, وقبل قرارات الشرعية الدولية، وخطة خارطة الطريق, لا يمكن أن يصبر طويلا ويواصل ضبط النفس أمام هذه السياسة الإسرائيلية التي لا تقيم وزنا للشرعية الدولية ولاتفاق الهدنة والتهدئة".

لكن هذا المجلس الذي فقد ثوريته منذ زمن, يرفض بالمطلق اشتراط "حماس" التزام اسرائيل بالإتفاقات والمواثيق, والإعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني مقابل اعتراف "حماس" بها..!

وها هو تحت عنوان "تعزيز الوحدة الوطنية", يضع شروطا عملية مناقضة للرؤية السياسية التي استعارها من "حماس" لفظا, للحفاظ على الوحدة الوطنية, معتبرا عدم التزام "حماس" بهذه الشروط "نقل للصراع من مكانة الحقيقي مع الإحتلال والإستيطان، إلى صراع داخلي, يدفع الشعب الفلسطيني كله ثمنا باهظا له".. متجاهلا (البيان) أنه يلوح بالصراع الداخلي في حال استمرار "حماس" في صراعها مع اسرائيل..!!

والشروط التي وضعها المجلس هي:

1 ـ التزام "حماس" بالشراكة السياسية القائمة على القواسم الوطنية المشتركة التي أقرتها المجالس الوطنية المتعاقبة, وخاصة قرار المجلس الوطني عام 1988 بقيام دولة فلسطين المستقلة, واعلان الإستقلال الوطني.

2 ـ الإلتزام بالإتفاقات ذات الطبيعة الدولية مع حكومة اسرائيل وقرارات الشرعية الدولية وخطة خارطة الطريق, التي توفر لشعبنا الإعتراف والدعم الدوليين.

3 ـ اعتبار "الخطاب التاريخي والهام الذي ألقاه الرئيس أبو مازن في افتتاح جلسة المجلس التشريعي في 18/2/2006 القاعدة والأساس السليم للكفاح الوطني الفلسطيني لتحقيق اهداف شعبنا في الحرية والإستقلال والعودة وتحرير اسرانا من سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي".. أي الخطاب الذي يكرس المفاوضات وسيلة وحيدة لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني, والمتناقض مع ما ورد تحت عنوان الوضع السياسي في ذات البيان من تلويح بعدم امكانية الصبر طويلا على التجاوزات الإسرائيلية..!

وهو يؤكد تحت عنوان تعزيز الوحدة الوطنية وتمسك "فتح".. "بخيار السلام وبالمفاوضات, وبكافة الإتفاقات الدولية بين حكومة اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية, وبقرارات الشرعية الدولية, وبحل الدولتين, وبخطة خارطة الطريق, وترفض حركة "فتح" أية محاولة لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء (أي إلى شعارات المقاومة), واعادة قضية شعبنا إلى المجهول والضياع".

4 ـ دعم البيان الرئاسي لمحمود عباس بقوة, "وخطاب التكليف بتشكيل الحكومة الجديدة"، وهو الكتاب السري غير المنشور، لأن عباس لا يريد للشعب الفلسطيني أن يطلع على ما كلف به الحكومة الجديدة. ومطلوب من الشعب في ذات الآن اعتبار البيان وخطاب التكليف "أساسا قويا واضحا لسياسات السلطة الوطنية ينبغي على الجميع احترامه والإلتزام به".

ولا يستطيع البيان تجاهل الحوار الوطني, لكنه يقرر أن هذا الحوار يجب أن يقود إلى تسليم "حماس" ببرنامج "فتح", لا التوصل إلى قواسم مشتركة معها, وتوقف "حماس" عن ممارسة قناعاتها باعتبارها حزب الأغلبية, ما دام ذلك من وجهة نظر البيان "تفرد واضح بالسلطة"..! وكأن "فتح" لم تفعل ذلك طوال اربعين عاما، وهي التي تواصل محاولة تفردها بقياد منظمة التحرير الفلسطينية حتى بعد فوز غيرها بالإنتخابات التشريعية.

وإذ يرفض بيان المجلس الثوري الشراكة مع "حماس" دون تخليها عن برنامجها الفائز لصالح البرنامج المهزوم, فإنه لا ينسى كذلك أن يرفض تحالف "حماس" مع اصحاب ذات البرنامج في سوريا وايران دون أن يسميهما, اللتان تخاصمهما واشنطن راعية وقابرة خارطة الطريق.. فتوطد العلاقات مع الحلفاء هو من قبيل "سياسة المحاور (المرفوضة) والحاق قضيتنا بهذا المحور أو ذاك, مما يؤدي إلى اسقاط الوجه الوطني لقضية شعبنا العادلة", دون أي اشارة إلى المحور.. بل التحالف الإستراتيجي الإسرائيلي ـ الأميركي, وتآمره على الشعب الفلسطيني وقضيته..!

ومع أن عباس ظل يصر على "حماس" وجميع فصائل المقاومة الفلسطينية اعلان هدنة دائمة, فإن البيان لا يتردد في القول "إن الحديث عن الهدنة الطويلة ورفض فك الإرتباط مع الأردن يشكل خروجا على قرارات الإجماع الوطني", متجاهلا أن الهدنة الطويلة أقل زمنا من الهدنة الدائمة, وأنها مشروطة بالإنسحاب الإسرائيلي حتى خطوط 1967, في حين أن عباس و"فتح" تعاملا ايجابا مع الإنسحاب الإسرائيلي المنفرد من قطاع غزة, دون اتفاقات منظمة..!

ومتجاهلا كذلك أن إلغاء فك الإرتباط مع الأردن يقوي الموقف القانوني والتفاوضي, حيث أنه يلزم اسرائيل بالإنسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 1967 من الأردن, بدلا من تحويل هذه الأراضي, بموجب فك الإرتباط, من أراض محتلة إلى أراض متنازع عليها..!!

هذا الموقف الفتحاوي الغريب يتجاهل ثلاث حقائق رئيسة:

أولا: أن "حماس" لم تشارك في صياغة واصدار القرارات الوطنية الفلسطنية الني تطالب الآن بالإلتزام بها.

ثانيا: أن اسرائيل لم تلتزم بالإتفاقات ذات الطبيعة الدولية.

ثالثا: أن "حماس" فازت في الإنتخابات على أساس برنامج سياسي مختلف, وأن العالم, بما في ذلك دولة عظمى في حجم روسيا, بدأ يتعامل معها على اساس هذا البرنامج.

ثم أين هي الإتهامات التي تواصلت خلال الفترة الماضية بأن "حماس" أخذت تسير على خطى "فتح"..؟

أما دعوة المجلس الثوري لاستئناف حوار القاهرة, فإنها لا تفهم إلا باعتبارها تنصلا من التوافق والإتفاق الذي تم التوصل إليه في القاهرة قبل عام..!

كان مفترضا بحركة "فتح" ومجلسها الثوري أن يستخلصا الدروس والعبر من نتائج الإنتخابات التشريعية, فإذا بهما يحاولان فقط مخادعة الرأي العام الفلسطيني, وابقاء سيطرتهما, وفرض برنامجهما الذي اجهضته اسرائيل, ولم يعد يقبل به الفلسطينيون..!!!

إن الذي يتوجب أن يراجع برنامجه وسياساته هو الطرف الذي خسر الإنتخابات, لا الطرف الذي ربحها, وأصبح حزب الأغلبية.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع