توافق أوروبي أمريكي على أبو مازن وأبو علاء ودحلان"
فرسان مرحلة ما بعد عرفات
باريس: عبدالكريم أبو النصر8\11 صحيفة الوطن
تم التوصل خلال مشاروات سرية بين إدارة الرئيس بوش وعدد من الدول
الأوروبية البارزة والجهات الدولية المعنية بشؤون الشرق الأوسط إلى
تفاهم حول مرحلة ما بعد الرئيس ياسر عرفات يشمل العمل على مساندة تسلم
"الثنائي" محمود عباس (أبو مازن) وأحمد قريع (أبو علاء) المسؤوليات
القيادية في الساحة الفلسطينية مدعومين من العقيد محمد دحلان "رجل غزة
القوى", على أساس أن هؤلاء الثلاثة يعارضون استمرار الانتفاضة المسلحة
ويؤيدون استئناف الحوار والتفاوض مع إسرائيل, في الوقت الذي أبدت
الإدارة الأمريكية استعدادها لدعوة أبو مازن وأبو علاء إلى واشنطن
للتشاور مع بوش والمسؤولين الأمريكيين حول المرحلة المقبلة المهمة
والحساسة, وكذلك للإشراف على عقد اجتماعات بينهما وبين أرييل شارون
رئيس الحكومة الإسرائيلية.
هذا ما كشفته لـ"الوطن" مصادر دبلوماسية أوروبية وثيقة الاطلاع أوضحت
أن هذا التوافق الأمريكي - الأوروبي حول مرحلة ما بعد عرفات يتضمن
ثلاثة أمور رئيسة هي:
أولاً: ضرورة دعم وتشجيع بروز قيادة فلسطينية جديدة "معتدلة وواقعية"
يلعب فيها "الثنائي" أبو مازن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير
الفلسطينية وأبو علاء رئيس الحكومة الفلسطينية الدور السياسي
والدبلوماسي والتوجيهي الأساسي ويلعب فيها المسؤولون الأمنيون
الفلسطينيون وعلى رأسهم محمد دحلان الوزير السابق مسؤول الأمن الوقائي
الفلسطيني سابقاً في غزة أدواراً رئيسة وفعالة.
ثانياً:ضرورة إعطاء الأولوية لتأمين نجاح تطبيق خطة شارون القاضية
بالانسحاب المدني والعسكري والاستيطاني الإسرائيلي من غزة من خلال
الإشراف على إقامة علاقة سلمية جديدة بين المسؤولين الفلسطينيين
والإسرائيليين.
ثالثاً: ضرورة الامتناع عن اتخاذ أي موقف علني أمريكي أو أوروبي أو
دولي داعم صراحة لـ"أبو مازن وأبو علاء ودحلان" لعدم إعطاء الانطباع
بأن الدول الكبرى هي التي تفرض على الفلسطينيين قيادتهم الجديدة مما
سيعرقل مهمة هؤلاء المسؤولين الفلسطينيين في المرحلة المقبلة.
وأوضحت المصادر أن "مرحلة ما بعد عرفات" بدأت فعلاً بالنسبة إلى أمريكا
والدول الكبرى المؤثرة حتى قبل الإعلان عن وفاته رسمياً لأن الرئيس
الفلسطيني, سواء تمكن من البقاء حياً لفترة أخرى أو توفي خلال أيام, لن
يستطيع أن يلعب أداوراً في الساحة الفلسطينية وهو ما يدركه سائر
المسؤولين الفلسطينيين من دون أن يعترفوا بذلك صراحة, وكشفت هذه
المصادر لـ"الوطن" أن إدارة بوش أبلغت جهات أوروبية ودولية أنها ستوجه
الدعوة إلى "أبو مازن وأبو علاء" لزيارة واشنطن بعد بدئهما رسمياً
ممارسة مهامهما الجديدة, الأول رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية
والثاني رئيساً للحكومة خلال الفترة الانتقالية المقبلة التي ستسبق
إجراء الانتخابات وهي فترة قد تطول لأن الأمريكيين والإسرائيليين ليسوا
متحمسين للموافقة على إجراء انتخابات في المناطق الفلسطينية بعد 60
يوماً من موعد الإعلان عن وفاة عرفات, خوفاً من حصول حماس والجهاد
الإسلامي والتنظيمات الفلسطينية المسلحة المعارضة لعملية السلام على
حصة مهمة في تركيبة المجلس التشريعي الفلسطيني والقيادة الفلسطينية
الجديدة. والهدف من دعوة "أبو مازن وأبو علاء" إلى واشنطن التباحث مع
بوش وأركان إدارته والتأكيد أن مرحلة جديدة بدأت في العلاقات
الفلسطينية - الأمريكية بعد رحيل عرفات.
ويمكن أن يترافق ذلك مع دعوات توجهها دول أوروبية بارزة إلى هذين
المسؤولين الفلسطينيين لإظهار الاهتمام الأمريكي - الأوروبي بالقيادة
الفلسطينية الجديدة. وأكدت المصادر أن إدارة بوش مستعدة, أيضاً, لرعاية
عقد مفاوضات بين شارون وبين أبو مازن وأبو علاء تتناول خصوصاً ثلاث
قضايا رئيسية هي:
أولاً: كيفية تأمين تطبيق خطة شارون بنجاح بما يؤدي إلى الانسحاب
الإسرائيلي المدني والعسكري والاستيطاني من غزة في موعد أقصاه سبتمبر
المقبل وإلى وقف كل الهجمات الفلسطينية على إسرائيل. وتنوي إدارة بوش
"دفع" شارون إلى التشاور والتنسيق مع القيادة الفلسطينية الجديدة حول
كل ما يتعلق بخطة الانسحاب من غزة بدلاً من تنفيذ هذه الخطة من طرف
واحد.
ثانياً: كيفية استئناف التعاون الأمني والاستخباراتي بين الأجهزة
المختصة الفلسطينية والإسرائيلية بإشراف أمريكي إذا لزم الأمر للتفاهم
على خطوات وإجراءات محددة تنفذ تدريجياً لوقف القتال والعمليات
العسكرية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.
ثالثاً: كيفية تقليص وتخفيض حدة العداء بين الفلسطينيين والإسرائيليين
مما يساعد خلال فترة زمنية غير محددة على إطلاق عملية تفاوضية جديدة
بين الطرفين برعاية أمريكية ومساندة دولية. وفي حال خيمت "الأجواء
السلمية" على العلاقات الفلسطينية - الإسرائيلية فإن أمريكا والدول
الأوروبية والجهات الدولية المعنية بالأمر مستعدة لتقديم دعم مالي كبير
ومساعدات في مختلف المجالات لإعادة إعمار قطاع غزة وتطويره.
وأكدت المصادر الأوروبية المطلعة لـ"الوطن" أن الهاجس الكبير للمسؤولين
الأمريكيين والأوروبيين هو منع حماس والتنظيمات الفلسطينية المسلحة
المعارضة لعملية السلام من السيطرة على مسار الأوضاع في غزة بعد رحيل
عرفات رسمياً أو من لعب دور مؤثر كبير في الساحة الفلسطينية عموماً,
لأن مثل هذا الاحتمال سيؤدي إلى توسيع رقعة المواجهة المسلحة بين
الفلسطينيين والإسرائيليين في سائر المناطق الجديدة من ممارسة مهامها
ومسؤولياتها. وعلى هذا الأساس يتفق الأمريكيون والأوروبيون على ضرورة
أن يلعب المسؤولون الأمنيون الفلسطينيون المعارضون لاستمرار الكفاح
المسلح أمثال محمد دحلان أدواراً رئيسة في المرحلة الجديدة المقبلة
لدعم "الثنائي" أبو مازن وأبو علاء, إذ إن هذا "الثنائي" غير قادر على
التحكم بمسار الأمور في المناطق الفلسطينية فعلاً من دون توحيد الأجهزة
الأمنية الفلسطينية بإشرافه والاعتماد بشكل كبيرعلى دحلان وأمثاله لأن
"أبو مازن وأبو علاء" يفتقدان إلى سلطة وهيبة عرفات" على حد قول
دبلوماسي أمريكي مطلع.
وأوضحت مصادر فلسطينية وثيقة الاطلاع لـ"الوطن" أن "ما يجمع فعلاً بين
"أبو مازن وأبو علاء ودحلان" هو أن الثلاثة يعارضون استمرار الانتفاضة
المسلحة ويؤيدون العودة إلى الحوار والتفاوض والتفاهم مع الإسرائيليين,
لكن بإشراف أمريكي وأوروبي ودولي. وذكرت هذه المصادر أن هؤلاء الثلاثة
لن يختلفوا فيما بينهم في مرحلة ما بعد عرفات بل سيتم التوصل إلى
تفاهمات بين الثلاثة على توزيع المهام والمسؤوليات والأدوار, لأنهم
يدركون تماماً مدى خطورة المرحلة المقبلة كما أنهم مقتنعون كلياً
بضرورة تنشيط وتقوية العلاقات مع واشنطن وإعطاء الأولوية للخيار السلمي
والدبلوماسي في التعامل مع إسرائيل ولأن ذلك سيدعم مواقع الفلسطينيين
في الساحة الدولية ويحقق لهم مكاسب سياسية حرموا منها خلال السنوات
الأربع المنصرمة.
وذكر مسؤول فلسطيني بارز لـ"الوطن" أن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد
القائد التاريخي عرفات يحتاجون إلى قيادة تحدد لهم استراتيجية الخروج
من مأزقهم الكبير الحالي وتؤمن لهم مكاسب سياسية ودبلوماسية تقود إلى
استعادة مطالبهم وحقوقهم الأساسية تدريجيا من خلال إحياء عملية التفاوض
مع الإسرائيليين وتقوية العلاقات مع سائر الدول الكبرى المؤثرة".
|