لا نشك في النوايا التي تكمن خلف مشروع رجل الاعمال الاماراتي محمد
العبار، مدير قسم التنمية الاقتصادية في امارة دبي، ورئيس مجلس ادارة
شركة اعمار العملاقة، الذي يتلخص في التقدم بعرض مالي لشراء بيوت
المستوطنات التي ستنسحب منها القوات الاسرائيلية في قطاع غزة في الاشهر
الستة المقبلة، ولكننا لا نعتقد ان هذه هي الطريقة المثلي للتعامل مع
هذه المسألة الحساسة، من الناحيتين القانونية والسياسية.
فشراء هذه المساكن، وبأموال عربية، هو مكافأة للاستيطان، ومكافأة
لارييل شارون نفسه، وتسجيل سابقة قانونية علي درجة كبيرة من الخطورة،
يمكن ان تطبق في المستقبل علي مستوطنات الضفة الغربية.
هذه المستوطنات غير شرعية، واقيمت علي ارض فلسطينية مغتصبة، واستغل
مستوطنوها هذه الارض ومياهها وهواءها وبحرها علي مدي خمسة وثلاثين عاما
علي الاقل، حيث اقاموا المشاريع الزراعية والصناعية وجنوا من جراء ذلك
مئات الملايين من الدولارات.
شارون قرر الانسحاب من هذه المستوطنات، ليس حبا في الشعب الفلسطيني، او
رغبة منه في تخفيف معاناته، وانما بفعل عمليات استشهادية وانتفاضة
مشروعة كلفت الفلسطينيين اكثر من اربعة آلاف شهيد. فعندما اصبحت هذه
المستوطنات عبئا ماليا وامنيا علي كاهل حكومته، وبات عاجزا عن توفير
الامن والحماية لها بفعل المقاومة، قرر الهروب بقواته ومستوطنيه، ولذلك
يجب ان لا يكافأ علي هروبه، بل يجب ان يدفع ثمن جرائمه واستغلاله
لارضنا، وسرقته لمياهنا وبحرنا وهوائنا.
مصيبتنا في سلطتنا الفلسطينية ومفاوضيها، انهم يتجاوبون فورا مع اي طلب
لشارون، ويرفضون ان يستخدموا المنطق والقانون في مفاوضاتهم، فبمجرد ان
هدد شارون بتدمير بيوت المستوطنات بعد اجلائها، بدأوا يفكرون في ايجاد
الحلول لارضائه، والتستر علي جريمته هذه، ومن ضمنها اعادة شراء هذه
المنازل والمزارع.
الحل الامثل، هو الحل القانوني، اي اللجوء الي خبراء قانونيين دوليين،
وليس الي الملياردير الاماراتي محمد العبار، من حيث مطالبة شارون
وحكومته بتعويضات مالية كاملة عن خمسة وثلاثين عاما من اغتصاب اراضي
المستوطنات واستغلالها، وان تكون المباني والمزارع جزءا من هذه
التعويضات.
ويمكن استخدام المنطق القانوني نفسه الذي يستخدمه شارون في تعويض
المستوطنين الذين سيتم اجلاؤهم من هذه المستوطنات، فكيف يعوض هؤلاء علي
اقامة مستوطنات غير قانونية ومغتصبة، ولا يعوض الشعب الفلسطيني، بل
والاكثر من ذلك يتم تدمير البيوت والمزارع نكاية بهذا الشعب واحتقارا
له؟!
اليهود طالبوا المانيا بتعويضات، ليس فقط علي ذهبهم الذي اغتصبه
النازيون، بل بالفوائد المترتبة علي الاموال وسبائك الذهب المصادرة علي
مدي اربعين عاما، واستجابت المانيا وسويسرا لمطالبهم بالكامل، فلماذا
لا نطبق هذه السابقة القانونية نفسها علي المستوطنات الاسرائيلية، التي
سيتم اخلاؤها في الضفة والقطاع، اي التعويض بالكامل عن استغلالها،
والفوائد المترتبة علي هذه التعويضات.
السيد محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية ومستشاروه، غير مستعدين
للتفكير بهذه المسألة بشكل قانوني وعلمي، لانهم علي عكس المواطن
الفلسطيني البسيط، يخافون من شارون ولا يريدون اغضابه، ولذلك رحبوا
بمشروع السيد العبار واعتبروه فتحا سياسيا واقتصاديا، وربما كانوا هم
اصحاب هذه الفكرة من اساسها، وهم الذين رتبوا له اللقاءات مع شارون
وبيريز وشالوم والمسؤولين الآخرين.
شارون لم يبن مستشفي واحدا في قطاع غزة، علي مدي خمسة وثلاثين عاما من
الاحتلال، والطرق التي شقها كانت لخدمة المستوطنات فقط، وهذا يتناقض
كليا مع التزامات الدولة العبرية كدولة محتلة للارض وسكانها. والطرق
والمستشفيات والمرافق المستخدمة في القطاع والضفة الغربية هي تلك التي
اقامها الانتداب البريطاني (في قطاع غزة) والحكومة الاردنية (في الضفة
الغربية).
الملياردير الاماراتي السيد العبار يمكن ان يساهم في تسارع اعادة
الاعمار، ولكن بعد الانسحاب الاسرائيلي، وحسم مسألة التعويضات
للفلسطينيين عن استغلال ارضهم. ومن الافضل حاليا عدم التقدم بأي
مبادرات بشأن شراء مباني المستوطنات قبل تسوية المسائل القانونية
بشأنها.
اننا نخشي ان تكون زيارة العبار هذه للاراضي المحتلة ولقاءاته مع اركان
السلطة الاسرائيلية، هي مقدمة لعمليات تطبيع اوسع بين دولة الامارات
العربية المتحدة والدولة العبرية، وما استخدام مسألة شراء مباني
المستوطنات الا غطاء لهذا التطبيع المتسارع، فرجال الاعمال العرب
مارسوا دوما دور البلدوزر للسياسيين، ومعظم الدول العربية بدأت
علاقاتها مع الدولة العبرية باقامة مكاتب اقتصادية، ولم تكن صدفة ان
المؤتمرات الاقتصادية، التي ابتدعها شمعون بيريز كانت البداية.
وهل هي صدفة ايضا ان تتسارع عملية التطبيع هذه مع عودة الثعلب العجوز
بيريز الي الحكومة؟
يبدو ان نبوءة شاـــلوم، وزير الخارجية التي اطلقـــها بعد قمة شرم
الشيخ الرباعية بان دولا عربية جديدة ستقيم علاقات دبلوماسية مع
اسرائيل بدأت تتحقق، او علي وشك التحقق.