تصريح للموت



استيقظ من نومه قلقا فزعا لقد عاوده الألم ثانية, حاول كبت أنينه هذه المرة حتى لا يزعج زوجته المتعبة

والمنهكة من أعمال المنزل.أما
ابنه الرضيع فينام كالملاك في سريره!!
تنهد بصوت خفيف ومشى بخطوات بطيئة وبحذر شديد. تسلل إلى غرفة الجلوس المجاورة
بدأ يتمتم بالدعاء لله بأن يخلصه من تلك الآلام الرهيبة, شعر بدموعه تستعد من جديد للخروج من مقلتيه رغما عنه مرة أخرى لتمر على ذلك الأخدود المحفور على وجنيته عبر تلك السنين الماضية.

شعر بالدوامة نفسها تستعد للتغلغل في أعماقه لتسيطر عليه ولكن بقوة أكثر هذه المرة, يحاول التنفس بعمق لعله يجتاز الأزمة في هذه الليلة الباردة
فكر بالخروج إلى الهواء الطلق ولكنه تعثر بشيء ما مرمي على الأرض, كومة من الأوراق التي كانت على رف المكتبة فربما تنهدا ته المتلاحقة من شده الألم هي من أسقطتها.
رفعها بين يديه إنها مجموعة التحاليل الطبية التي طلبت منه, أثارت حفيظته, حاول تمزيقها والتخلص منها

لقد غرقت بديوني!!
قالها وقد اغرورقت عينيه
تنهد من جديد, هل سأبقى في عملي وبمجهودي هذا المتواضع في العمل

لم يبق سوى الثلاجة, ولكن لالا لا نستطيع بيعها أيضا من من اجل يقولها وهو مضطرب من اجل حليب ذلك المسكين الصغير الذي لا ذنب له !!
قدره أن أكون أنا والده, يا الله
إلى متى ستحتمل زوجتي هذه الحياة لقد جردها مرضي اللعين من مجوهراتها وغرفة نومها و وكل ذكرياتها العالقة بتلك الأشياء.

بدأت خيوط الشمس الذهبية بإرسال أشعتها عبر زجاج النافذة المكسور أما ديك الجيران فملأ الأجواء بصوته الشجي.
تسللت أشعة الشمس لتعود به إلى الوراء لتذكره برائحة تراب الأرض عندما كان يصحو باكرا للعمل فيها
تلك الأرض التي ارتوت بدمائهم الطاهرة وهم يدافعون بكل قوتهم في وجه الاحتلال الجاثم على صدورهم

لقد تزاحمت الأفكار في مخيلته وانبثقت مع خيوط الفجر, ولكن كيف سأنفذ ما نويت عليه والطريق مغلقة والاجتياحات على الأبواب.
يريد فنجانا من القهوة لعله يحاول التركيز بكيفية الوصول إلى ذلك المسؤول فقد وعده بالمساعدة, ولكن لم يعد احتساء القهوة صباحا ممتعا مع الآلام اليومية الدائمة, حتى الجلوس مع أصحابه في( القهوة)و تدخين (النرجيلة) بعد انتهائه من عمله في المساء تخلى عنه بسبب مصاريفه.............

أفاق من غيبوبته بتلك الأفكار على صوت بكاء طفله الرضيع, شعر بالسعادة تغمره, أخيرا سيكون صباحه (عسلا) مثلما يحلو له أن يسميه عندما يستيقظ كل يوم على نغماته وتغريدا ته كالعاصفير.

نظر إليه بسعادة وارتياح شعر بأنه نسي كل همومه وكأن جبالا قد أزيحت من على هامته.
حمله بين يديه وضمه إلى صدره النحيل, يداهمه الوقت فينتبه أن عليه أن يهرع إلى باب المنزل ليجر قدميه المتعبتين ويخطو بخطوات واثقة من ذلك المسؤول الذي وعده بالمساعدة.

في المساء

هل استطعت العبور هذه المرة, تسأله زوجته لتطمأن عليه بعد عودته في المساء ؟؟
يحاول إجابتها ولكن ترتسم ابتسامة على وجنتيه لم تعهدها منذ زمن
ماذا هل حصلت على التصريح وهل أكملت كل أوراقك استعدادا للسفر ؟؟
ان هذه هي المرة الوحيدة التي أستطيع العبور فيها بهذه السهولة ! ولكن.. يجيبها وهو يحاول كبت ضحكته المشوبة بالسخرية !

ولكن ماذا ؟
علي تأمين مبلغ كما كنت متوقعا الم اقل لك ؟
نعم نعم فهمت لقد أصبح الشك حقيقة وتوقعاتك في محلها الآن, تقول زوجته وقد بدت على تقاسيم وجهها الحسرة والانكسار.
لقد قام عامل التنظيفات بأخذ ضغط الدم لي هذه المرة أيضا وبعض التحاليل كالعادة يقولها ليبتعد قليلا عن موضوع ذلك المبلغ.......
تضحك زوجته بصوت مرتفع قليلا ( الم يطلب منك دخول غرفة العمليات هذه المرة أيضا لإحضار المقص ) !!!
بعد عدة أيام

تفاجئه زوجته بقرارها وتباغته بتصميمها على العمل من اجل تأمين ذلك المبلغ
يحاول ثنيها على نسيان ذلك الموضوع فهو لا يحبذ عمل النساء وخاصة بسبب ظروف التنقلات في ظل الاغتيالات والهدم والحواجز !!
سأعمل وسأوفر لك المبلغ وستسافر للعلاج وستشفى بإذن الله, تقول كلماتها بلهجة حادة لم يعتد عليها من قبل.
تتقلب الأفكار من جديد في رأسه حتى يقهره النوم بقوته.


*************



الم اقل لك أنها ستفرج؟ وكنت متفائلة بذلك العمل ولو انه أبعدني عن طفلي وبيتي
تفاجئه بكلماتها وهي تمد يدها بحفنة من النقود
يمد يده ليأخذ المبلغ والألم يعتصره جسديا ونفسيا فهو لم يرد قهر زوجته بذلك العمل وبعدها عن ابنها وبيتها
يزداد الألم بقسوته ووحشيته وهو يأكل سنين شبابه و ينتظر الفرج والتصريح والأوراق التي يجب استكمالها وتطلب فقط من( الدراويش) أمثالي أما هؤلاء فليسوا بحاجة إلى تلك التعقيدات فهم هم........ يحاول وصفهم ولكن يتراجع ويقول بتمتمة خفيفة بينه وبين نفسه( لنا الله ومنهم لله !!)

في صباح يوم أخر من حياته

استيقظ وشرب قهوته استعدادا للسفر, حزمت زوجته تلك الحقيبة الصغيرة
انتبه لنفسك جيدا وتغطى جيدا أثناء الليل تقول زوجته كلماتها وهي ما تزال منهمكة بحزم حاجياته !

موعد السفر اقترب ! تنادي زوجته
أين أنت أما تزال ترتدي ملابسك ؟؟

بعد خمس دقائق يسمع بكاء يدوي في الأرجاء ونحيبا سيهز سكون هذه الليلة السوداء كسواد قلوبهم.

ميرفت شرقاوي
السويد

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع