المجلس التشريعي يجهض محاولات إعادة بناء وتجديد النظام السياسي الفلسطيني

د.احمد مجدلاني

 

تابع كافة الديمقراطيون الفلسطينيون والمعنيون بتجديد وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بقلق شديد الحوارات التي دارت خلال الأسبوع الماضي في أروقة المجلس التشريعي لفلسطيني ، خاصة وان هذه الحوارات كانت قد سبقتها سلسلة كبيرة من النشاطات والتحركات واللقاءت مابين قوى وفصائل العمل الوطني الفلسطيني والمجتمع المدني والأهلي ورئاسة المجلس التشريعي وأعضاء منه بهدف إدارة حوار بناء وايجابي للتوصل لقناعات مشتركة حول أهمية وضرورة تغيير قانون الانتخابات الذي جرت عليه الانتخابات السابقة .

ولم تقتصر اللقاءات فقط في إطار المجلس بل أنها عقدت على مستوى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية المؤقت السيد روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي حاليا وكذلك الرئيس محمود عباس بصفته رئيس الجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومرشح حركة فتح آنذاك أيضا لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية ، وقد تمخضت كافة هذه اللقاءات على توافق عام بأهمية وضرورة تغيير قانون الانتخابات أولا واعتماد النظام المختلط ثانيا ، وكذلك اعتبار المناصفة مابين الدوائر الفردية والقائمة النسبية على المستوى الوطني .

بيد أن الحوارات والنقاشات الني كانت تدور مع أقطاب العمل الوطني والسياسي كانت في جهة وحسابات الربح والخسارة والعودة لمقاعد المجلس التشريعي القادم كانت في جهة أخرى لدى العديد من أعضاء المجلس الذين غلبوا طيلة النقاشات السابقة إلى إن اقر القانون بالقراءة الاولى النظرة والمصلحة الشخصية الانتخابية على المصلحة التنظيمية أولا، ومصلحة إعادة بناء وتجديد النظام السياسي الفلسطيني في ظل التطورات الجارية والطارئة عليه ، وخصوصا بعد ما أفرزته الانتخابات البلدية في كلا من الضفة الغربية وقطاع غزة في مرحلتها الاولى من نتائج تقتضى القراءة المعمقة والجدية للمتغيرات الحاصلة في نسبة القوى داخل المجتمع الفلسطيني ، علاوة على أن احد الأسباب الرئيسية لما أفرزته الانتخابات البلدية من نتائج هو النظام الانتخابي ذاته الذي جرت على أساسه الانتخابات التشريعية السابقة عام 1996 والذي يتمسك به البعض واهما بأنه سوف يتيح له العودة مجددا لمقعده المضمون في المجلس القادم.

بداية لابد من الإشارة إلى أن إقرار القانون بالقراءة الاولى من قبل المجلس التشريعي وبالتعديلات التي أدخلت عليه تشكل خطوة عملية ايجابية من حيث الشكل قياسا على ما كانت عليه المواقف السابقة ، فقد اقر مبدأ النظام المختلط ، وزيادة عدد أعضاء المجلس في حين تم تجاهل المطالب الأخرى المقدمة من قبل القوى السياسية والمجتمعية وهذه القضايا لا تقل أهمية عن القضايا التي تم الأخذ بها .

لكن وكما هو واضح لكل ذي عين بصيرة إن ما اخذ من تعديلات لم تكن سوى محاولة التفافية لإجهاض أي تغيير حقيقي يمكن أن تحدثه هذه التعديلات في النظام الانتخابي .

فقد تم الاحتفاظ بعدد المقاعد الفردية للدوائر الانتخابية السابقة أي 88  مقعدا للدوائر الفردية ووفقا لنظام الأكثرية النسبية مع الاحتفاظ بنفس تقسيمة الدوائر باعتبار أن الإبقاء على الصيغة السابقة من حيث العدد ونظام الانتخاب سوف يوفر الفرصة لأصحاب هذه الرؤية بالعودة مظفرين إلى مقاعدهم في المجلس القادم ، في حين أن البعض حاول تغليف موقفه بطريقة ديماغوجية اكبر حيث اعتبر أنها الطريقة الوحيدة لمحاسبة النائب من قبل ناخبية وكأنه لا توجد إلا هذه الطريقة للمحاسبة ، لكن أيا كان الأمر فإن التذاكي تواصل من حيث اعتبار المقاعد الإضافية التي أضيفت لعدد أعضاء المجلس أي 44 مقعدا وهي تشكل الثلث من العدد العام ،اعتبرت للقوائم النسبية على المستوى الوطني لتتنافس عليها الأحزاب والقوى السياسية مجتمعة .

إن المنطق الذي حكم البعض في المجلس التشريعي عند إقرار هذا القانون غلبت عليه المصلحة الخاصة وأصبح واضحا ما يعرف بتضارب مصالح فعلي مابين المشرعين باعتبارهم يسنون قوانين لعموم الشعب وليس لفئات محددة أو أصحاب مصالح خاصة ، وليس بالأمر الجديد في تجارب العمل التشريعي ليس في بلادنا فحسب بل وفي كل العالم نشوء ما يسمى بمجموعات الضغط للتأثير على المشرعين لسن قوانين تخدم فئات بعينها فقد جرى ذلك عندنا مثلا عند إقرار قانون الجمعيات وكذلك قانون العمل .

 إلا انه رغم الضغوط التي تمارسها القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني منذ أكثر من عامين فإن النتائج كما يبدوا لغاية الآن لم تثمر. مما يستدعي إعادة النظر في أشكال ووسائل الضغوط المستخدمة بما في ذلك تطوير حملة شعبية واسعة  للضغط على المجلس ، واعدة طرح الموضوع على المستوى السياسي مع قيادة حركة فتح التي تستحوذ على الكتلة الأكبر بالمجلس التشريعي ، خاصة وان إقرار مثل هكذا قانون له أبعاده السياسية والمجتمعية ولا يترك لاجتهادات ومصالح فردية، بل تؤخذ فيه المصالح العامة بالحسبان ، وكما بادر نواب كتلة الحركة لتعديل قانون الانتخابات الساري المفعول وأضافت السجل المدني إلى جانب سجل الناخبين لاعتبارات سياسية وفئوية لم تكن بخافية على احد ، فإن مسؤولية قيادة حركة فتح الآن باتخاذ قرار ملزم لكتلتها بإقرار قانون يقوم على مبدأ المناصفة أولا ، وزيادة عدد الأعضاء ثانيا ل 150 عضوا ليشكل النصف المنتخب من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الذي تجري النقاشات لإعادة تشكيلة ، إن قضية إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني ينبغي أن تتم بشمولية ورؤية وطنية عامة فنحن لا نعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني فقط لشعبنا وقوانا في الضفة والقطاع والقدس وإنما لعموم الشعب الفلسطيني الذي تزداد غربة الجزء منه الذين يعيشون في الشتات عن نظامهم السياسي وبالتالي تقتضي المصلحة الوطنية النظرة الشاملة وليست الضيقة للمسالة ، في سياق إعادة البناء هذه الحفاظ على اكبر قدر ممكن من المشاركة السياسية والحفاظ على الطابع التعددي الذي اتسمت به الحركة الوطنية الفلسطينية ، ولن يتم ذلك إلا من خلال عملية سياسية يسهم قانون الانتخابات بشكل رئيس في هذه العملية التنموية وليس في عملية إقصاء وتهميش للقوى الوطنية والديمقراطية والتذرع أحيانا أخرى أن قانون المناصفة وتخفيض نسبة الحسم لمصلحة الأحزاب والقوى الصغيرة ، ومع ما قد يقال عن هذه المصلحة وان كانت موجودة وهي ليست مطعنة في هذه القوى وإنما مكسبا للتعددية السياسية ، وهي في مصلحة حركة فتح بالدرجة الاولى أيضا في نظام موازي أو مختلط يقوم على أساس المناصفة ونسبة حسم معقولة لا تزيد عن 1.5%  . إن ما يلفت الانتباه من جملة ما اقره المجلس التشريعي في القراءة الاولى للقانون اعتبار نسبة الحسم 2% لعدد من المقاعد يساوي ثلث عدد مقاعد المجلس المفترضة ، وهذا يعني بعملية حسابية بسيطة إن نسبة عدد المصوتين مقسمة على عدد المقاعد للقائمة النسبية تفوق 2% على كل الأحوال مهما كانت نسبة المشاركة ، مما يدخل العملية في جدل وإشكال  قانوني ، فإذا تجاوزت القائمة نسبة الحسم وكانت أصواتها اقل مما يتطلبه المقعد من أصوات فكيف سيعالج الأمر وهل ستعتبر فائزة أم  لا . إن سمة الاستعجال واتخاذ القرارات غير المدروسة هي من السمات التي رافقت إقرار القانون بقراءته الاولى والتي نأمل ونعمل أن لا تكون الأخيرة والتي نرى انه مازال هناك متسع من الوقت لتلافي جوانب القصور والخلل فيه .

كما وان تجاهل أكثر من نصف من يحق لهم الاقتراع في منصف تموز القادم من خلال الحفاظ على سن الترشيح لمن هو فوق 30 عاما يعتبر أيضا واحدة من القضايا الأخرى التي لم يدرسها الأخوة في المجلس ، ولا ندري ما هي الحكمة التي تحول أن يكون سن 25 عاما وهو بالمناسبة مقترح وسط مابين الثلاثين وسن الاقتراع باعتباره سن الترشح وهو ما تقوم عليه أغلبية دول العالم ،  إن تجاهل الإخوة في المجلس التشريعي لأهمية اجتذاب الشباب للمشاركة السياسية الفعالة من خلال إتاحة الفرصة لهم بالترشح هو محاولة أقصائية أخرى لقوى مجتمعية يعتقد البعض إنها منافسة له والحل هو بإبعادها في صيغة قانونية ، كما هو الحال في التشدد غير المبرر بعدم عودة موظفين القطاع العام لوظائفهم إذا ما ترشحوا ولم يحالفهم الحظ بالنجاح وكأنه إجراء عقابي مسبق وصارم، على تجرؤهم للترشح وذك من خلال التنكر على الأقل لحقوقهم التقاعدية، في حين أن المجلس اقر لأعضائه كل التسهيلات الضرورية لإعادة ترشيح أنفسهم بما في ذلك عدم الحاجة لجمع تواقيع من المواطنين ، وكذلك عدم تقديم المجلس استقالته قبل الانتخابات مثله مثل أي جهة حكومية أخرى ينبغي أن لا تستخدم نفوذها في الحملة الانتخابية ، إن خلو القانون من حل المجلس قبل الانتخابات يأتي أيضا من قبيل تضارب المصالح المشرعة بقانون من صاحب الصلاحية والتي تقتضي أيضا التوقف أمامها بالقراءة الثانية لمشروع القانون .

لقد فوجىء كل متتبع من قبل الرأي العام الفلسطيني وباستغراب الرفض المطلق وغير المبرر للتمييز الايجابي للمرأة الذي كان في المشروع المقدم جزء مكملا للقوائم النسبية بحيث تلتزم الأحزاب بالحد الأدنى بوضع امرأة وبمواقع مضمونة في قوائمها ، وبدلا من أن تتعزز نسبة المشاركة النسوية في المجلس من خلال استخلاص تجربة المجالس المحلية والتي اتيحت فيها الفرصة للمرأة للتنافس على المقاعد وأخذت بعضها بدون تمييز ايجابي ، فبدلا من تتعزز هذه الممارسة في قانون الانتخابات العامة نجد أنها تميل إلى التراجع وكان البعض اعتبر النجاح الذي حققته المرأة في البلديات مؤشر على تنافس معه على مقاعد التشريعي ، إن نظرة الإقصاء والتهميش بل وثقافة التهميش والإقصاء ولمصالح خاصة حكمت شطب التمييز الايجابي للمرأة كما هي حال شطب مشاركة الشباب من خلال رفض تخفيض سن الترشيح لهم .

إن الحملة الوطنية لتغيير قانون الانتخابات الفلسطينية والتي تشارك فيها القوى والأحزاب والفصائل الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني والأهلي سوف تواصل حملتها للضغط والتأثير بالوسائل الديمقراطية المتاحة وسوف تواصل اتصالاتها وحواراتها انطلاقا من احتكامها للمصلحة الوطنية العليا لشعبنا ، وتأمل أن لا تضطر لان تتوجه للرئيس محمود عباس أبو مازن لمطالبته باستخدام حقه الدستوري بإدخال التعديلات على النظام انتخابي وبما يحقق المصلحة الوطنية العليا ويستجيب لرأي الغالبية العظمى للشعب الفلسطيني وقواه السياسية والمجتمعية

رام الله

2005.2.8

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع