يا حماسُ، تَريَّثوا، ولا تَهِنوا!!

د. فايز صلاح أبو شمالة

            تريثوا يا حماس، لقد تطايرت عن بيتي في خان يونس عشرات قذائف الهاون، في طريقها إلى المستوطنات ومواقع الجيش الإسرائيلي، وعبرت ألاف الرصاصات الإسرائيلية الثقيلة أجواء بيتي وجدرانه، في الاتجاه الآخر، لقد اعترف بذلك الجيش الإسرائيلي الذي يراقب ويسجل، وينتظر اكتمال مسلسل الذرائع، حتى يخرج من عنق الزجاجة التي انحشر فيه، لاسيما بعد وقف إطلاق النار، نقول ذلك ونحن نراقب الساحة الإسرائيلية، ونجتهد في تقدير حجم الخلاف، والصراع الداخلي الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي، فقد توجعوا مثلما توجعنا، ويطلبون الراحة مثلما يطلبها المرتاحون منا، ولكنهم يراهنون على تمزقنا الداخلي، ويذكون ناراً لا بصيص لها، ولا نراهن على تمزقهم الذي بانت معالمه، وظهرت دلائله الكثيرة.

            تريثوا يا حماس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي (أرئيل شارون) في أزمة داخلية جدية، تضعه بين فكي الرضوخ لطلبات المستوطنين، والمتدينين، وكل أطراف التطرف، المطالبة بإجراء الاستفتاء غير مضمون النتائج بالنسبة لشارون، أو المواجهة العنيفة معهم إذا فكر بتنفيذ خطة الفصل عن غزة، لقد هلت طلائع المواجهة في أكثر من موقع استيطاني، وهي قابلة للتطور، ومن يتتبع مسلسل الأحداث في هذا الشأن باللغة العبرية، يتعرف على حجم التهديد الذي يصل إلى المسئولين الإسرائيليين، وكيف بات أمره مقلقاً لكل إسرائيل.

            ذلك يترك شارون في حيرة من أمر وقف إطلاق النار، الذي سيسمح لهذه الدمامل المحتقنة بسرعة التفجر في وجهه خطته، وعليه فقد يلجأ شارون إلى:

أولاً: الانتخابات المبكرة للكنيست، للهروب من ضغط المتطرفين، ولإظهار نفسه كمن قبل التحدي على طريقته هو، ولكن نتائج الانتخابات غير مضمونة، لاسيما أن المجتمع الإسرائيلي قد انجرف إلى التطرف، والأصولية اليهودية باتت تسيطر على جزء هام من المجتمع، وبالتالي فإن الانتخابات، أو الرضوخ وقبول الاستفتاء، سيعيق تنفيذ خطة الفصل، بينما السياسي المحنك شارون يدرك خطورة إفشال هذه الخطة على الوضع الإستراتيجي للسياسة العامة الدولة العبرية.

ثانياً: التهرب من وقف إطلاق النار، وخلق الذرائع التي تسمح له باستئناف الإرهاب ضد شعبنا ككل، أو تمزيق حالة التوازن الراهن بين الفصائل الفلسطينية، وقد خرجت فيها حماس ومن معها أقوياء، ويعمل لهم ألف حساب في كل المقاييس، إن قوة حماس وإخوانها المقاتلين على الأرض، وثباتهم على مواقفهم، وصمودهم المتوفز، يترك شارون غير آمنٍ ولا مستقر رغم وقف إطلاق النار، لذا سيجهد إلى هدم هذا التوازن، من خلال تصدير الأزمة الإسرائيلية الداخلية المتفجرة إلى الفلسطينيين.

            تريثوا يا حماس، عدداً من الشهور عجز زعماء العرب ورؤساؤها عن التريث، فتعجلوا أمرهم، وسعوا إلى إنقاذ شارون، وإنجاح خطته،  بينما يعرف كل عاقل أن لا هدف لها سوى تصفية القضية الفلسطينية، وإسدال الستار على صراع ما زال شعبنا يكتوي بناره.

            تريثوا يا حماس، رغم موافقة الكثير على مواقفكم التي تؤكد على عدم تحقيق شيء ينفع القضية السياسية الفلسطينية في مؤتمر شرم الشيخ، ورغم ثقتنا وفق التجربة؛ أن إسرائيل لن تقدم لنا دولة، ولا حكماً ذاتياً، ولا حتى تواصل جغرافي بين مدن الضفة الغربية، ومع كل ذلك، نتفق مع الرئيس محمود عباس على ضرورة التريث قليلاً، التريث لزمن محكوم بعدد من الشهور، نلتقط كشعب الأنفاس، وتلتقطون كقاعدة شموخ، وسائل مقاومة جديدة، تريثوا، وتحفزوا، لأن بنادقكم المشرعة ترفع رأس المفاوض الفلسطيني أمام شاؤول موفاز، وتسمحون لأول مرة بالتفاوض الندي، وتمسحون عن عين المفاوض قذى سنوات من الخضوع، ولا أظن مفاوضاً فلسطينياً، أو حتى عربياً يتجاهل ذلك، تريثوا ولا تهنوا، فإن ذبلت عيونكم أغمضت الأمة كلها عينها على المذلة، كمموا بنادقكم بالصلاة والصبر، ولا تعطوا الذريعة، ولا تسلموا أو تستسلموا لخداع المرحلة، تريثوا يا أهل حماس، واكتموا الأنفاس، وراقبوا وسجلوا، ونحن معكم، كل شعبنا معكم يعد الأيام، والشهور، ليحاكم مرحلة من الهدوء، لا يثق أحد بطاقة شارون على تحملها، دون أن ينفجر الإسرائيليون على أنفسهم.

            تريثوا يا حماس، إن خوفكم المشروع من التفاف شارون عليكم، وخداعه لكم، يتفهمه شعبنا، ولا يسلم معكم بتسليم البندقية المقاتلة، شعبنا يعرف أن قوة المقاومة التي لم يستطع جيش الدفاع الإسرائيلي أن يقهرها، أو يضعفها، لن تستطيع قوة أخرى في الشرق الأوسط أن تقترب من سياجها، فما دامت أقوى قوة في الشرق الأوسط وهي إسرائيل، قد عجزت عن تصفية المقاومين، فلن يحاول أحد مهما كانت صفته، ومهما كان، من التجرؤ على ذلك، بل ستحاول السلطة الفلسطينية ـ ممثلة برئيسها المنتخب أبو مازن ـ في مفاوضاتها مع إسرائيل، ستحاول إيصال الرسالة التي تقول للإسرائيليين: إن كنتم بطائراتكم، ودباباتكم، وصواريخكم الموجه، وأجهزة استطلاعاتكم، ووسائل حربكم التي لم يمتلكها بشر، ووسائل الرؤية الليلية، وقنابلكم النووية، وكل الذي تمتلكون؛ لم تستطيعوا تصفية المقاومة، فكيف تطالبون من سلطة تتسلم رواتب جيشها من المساعدات الخارجية، وتحصي عليها إسرائيل عدد الرصاصات، ونوع البنادق، وأرقامها، وعدد المركبات التي تستخدم، كيف تريدون من سلطة كهذه أن تقوم بعمل عجزت دولة إسرائيل عن القيام به!!!.

            تريثوا يا حماس، ودعوا الإسرائيليين يضجرون هذا الحال الذي فيه أنتم لا تخطئون، وفيه هم يتورطون. 

ملاحظة: حماس مصطلح سياسي لا تقف دلالته في هذا المقال عند حركة المقاومة الإسلامية حماس، وإنما للدلالة على كل أولئك الذين يحملون سلاح المقاومة، من سرايا القدس، وكتائب الأقصى، ولجان المقاومة الشعبية، وألوية الناصر صلاح الدين، وغيرهم من مجموعات المقاومة.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع