د/إبراهيم أبراش

تقصير المجلس التشريعي الفلسطيني

 بين القوة القاهرة والتواطؤ

 

أولا:      تعريف المؤسسة التشريعية ووظيفتها في النظام السياسي

قبل الحديث عن علاقة المجلس التشريعي بالسلطة التنفيذية في الحالة الفلسطينية ودوره في الحياة السياسية ،لا بد من إلقاء نظرة سريعة على تعريف المؤسسة التشريعية ودورها في الحياة السياسية في الحالة الطبيعية.فمن المعروف بأن من أهم مقومات أو عناصر النظام الديمقراطي ما يلي:

1:لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي في ظل غياب الحرية ،حرية الشعب وحرية الدولة،فالشعب غير الحر لا يؤسس نظاما ديمقراطيا .

2: لا يمكن الحديث عن نظام ديمقراطي ومؤسسات ديمقراطية على مستوى النظام السياسي للدولة في ظل غياب السيادة ،فانتقاص سيادة الدولة بسبب الاحتلال أو لأي سبب آخر يجعل أي حديث عن ممارسة ديمقراطية بما تعنيه من قيام المؤسسات أو السلطات العامة لدورها بحرية ،أمرا تشوبه شائبة .

3: روح الديمقراطية يقوم على أساس فصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .

4: ممارسة هذه السلطات الرقابة على بعضها البعض في إطار احترام الدستور وعدم التعدي على اختصاصات كل سلطة منها .

5: وحيث أن السلطة التشريعية هي أسمى هذه السلطات لأنها منتخبة مباشرة من الشعب وبالتالي تعبر عن إرادته ،فأن الشعب يعول عليها ليس فقط كمصدر للتشريع المنظم للحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية العامة ،بل لأنها ضامنة الحريات العامة والمعبرة عن إرادة الأمة والحامية للشعب من كل تعسف تمارسه السلطة التنفيذية .

6:ينتفي الطابع الديمقراطي لأي مؤسسة تشريعية إن فقدت صلتها بالشعب بغياب الانتخابات التشريعية المجددة لشريعة المجلس التشريعي أو بصيرورة السلطة التشريعية أداة بيد السلطة التنفيذية أو مؤسسة من مؤسسات الحزب الحاكم.

7- في الأنظمة الديمقراطية تشتغل كل السلطات في إطار الدستور او مرجعيات قومية ،بمعنى وجود استراتيجية عمل وطني تلزم الجميع ،فالاختلاف هو في إطار الوحدة وفي إطار الثوابت الوطنية.

 

 

ثانيا:لمجلس التشريعي الفلسطيني حالة خاصة

 

كما سبقت الإشارة فأن السلطة التشريعية - أو البرلمان – لا تأخذ صفتها  كأسمى سلطة معبرة عن إرادة الأمة إلا لأنها نتاج إرادة شعب حر وسيد نفسه .وعليه فأن أي تقييم أو دراسة موضوعية للمجلس التشريعي الفلسطيني يجب أن تنطلق من المرجعية القانونية والسياسية التي قام عليها المجلس وهي الانتخابات التي جرت  في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير1996 حيث توجه الفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس المحتلة، لأول مرة في تاريخهم الحديث، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في انتخابـات وصفت بأنها  (عامة ديمقراطية حرة ومباشرة) لاختيار رئيسهم للسلطة الوطنية الفلسطينية، واختيار ممثليهم في المجلس التشريعي الفلسطيني. وكانت نسبة المشاركة 79.9% .  

 

إلا أن كل حديث (الحرية والشفافية والمراقبة الدولية) التي صاحبت الانتخابات لا يغير من حقيقة أن الانتخابات جرت بناء على اتفاق إعلان المبادئ بشأن ترتيبات المرحلة الانتقالية المؤقتة في الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو)،الذي تم التوقيع عليه بالأحرف الأولى في العاصمة النرويجية يوم 19 أب 1993، ووقع رسمياً في العاصمة الأمريكية يوم 13 أيلول 1993، وبموجب الاتفاقية الانتقالية المؤقتة حول الضفة الغربية وقطاع غزة (أوسلو 2)، الموقعة في 28 أيلول 1995 والتي تضمنت فصلاً خاصاً عن تفـاصيل العملية الانتخابية وتركيبة المجلس ومهامه وولايته، واستناداً إلى قانون الانتخابات الذي صدر بموجب المرسوم الرئاسي رقم ( 13) لسنة 1995 في 7/12/1995. ،وكل ذلك جرى في ظل الاحتلال الإسرائيلي ،حيث لم يكن – وما زال- للفلسطينيين سيادة ولو على شبر من أرض فلسطين سواء التاريخية أو  فلسطين  الضفة والقطاع .

 

على كل حال تشكل المجلس من 88 عضوا وعكس توزيع المقاعد على المحافظات الفلسطينية الست عشرة العدد السكاني لكل محافظة، بحيث احتلت محافظات الضفة الغربية 51 مقعداً، في حين احتلت محافظات قطاع غزة 37 مقعداً، وحسب التمثيل الطائفي حيث نال المسلمون 81 مقعداً (90.9% من عدد المقاعد)، بينما نال المسيحيون 6 مقاعد (8% من عدد المقاعد)، أما الطائفة السامرية في نابلس فكان لها مقعد واحد (1.1% .). وحسب الجنس حاز الذكور  على 83 مقعداً (94.3%) في مقابل خمس نساء (5.7%) من أصل 25 امرأة خُضن العملية الانتخابية .

 إلا أن التمثيلية السياسية داخل المجلس التشريعي والسلطة بشكل عام عكست مؤشرات خطيرة ،  حيث شارك في الانتخابات ستة عشر حزباً وحركة سياسية، إضافة إلى عدد من المستقلين، إلا أن الذين تم تمثيلهم في المجلس أربعة أحزاب وحركات سياسية، إضافة إلى ممثلين عن المستقلين.. و الخطورة كمنت في عدم مشاركة المعارضة الإسلامية بالانتخابات وبالتالي بقائها خارج  المجلس وبالتالي خارج النظام السياسي .و تم تنصيب المجلس التشريعي الفلسطيني في آذار 1996 ، بحضور الرئيس أبو عمار وجميع أعضاء المجلس وشخصيات من 60 دولة.

من الناحية النظرية حدد المجلس التشريعي لنفسه خمس مهام رئيسية كان يأمل أن تمكنه من القيام بدور محوري في عملية بناء الدولة الفلسطينية وتجسيدها على الأرض، وبناء المجتمع المدني الديمقراطي الفلسطيني، إضافة إلى دوره في العملية السياسية من أجل إنجاز الاستقلال. وهذه المهام هي:

أولاً: في مجال التشريع:
كما هو مطلوب من كل المؤسسات التشريعية فقد سعى المجلس التشريعي الفلسطيني لبناء وتوحيد النظام القانوني في فلسطين، على طريق إرساء سلطة وسيادة القانون كشرط لا بد من تحققه للتحول الديمقراطي.
 
ثانياً: في مجال الرقابة والمحاسبة:
تطلع المجلس التشريعي لتكريس التقاليد ا لبرلمانية في المساءلة والشفافية، مع التأكيد على مبدأ الفصل بين السلطات واحترام سيادة القانون، ومساءلة الوزراء والمسؤولين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية.
 
ثالثاً: في مجال تعزيز الديمقراطية:
تطلعا من المجلس لتحديث النظام السياسي والدفع بعملية التحول الديمقراطي إلى الأمام حديد يوم السابع من آذار /مارس من كل عام يوماً للديمقراطية في فلسطين، ينظم خلالها المجلس، وبالتعاون مع المؤسسات الحكومية والأهلية، حملات شعبية واسعة تشمل فعاليات إعلامية وفكرية وسياسية ونشاطات اجتماعية ورياضية، تهدف جميعها إلى خلق تقاليد ديمقراطية حضارية في المجتمع الفلسطيني، والى ضمان حرية الرأي والتعبير.

رابعاً: الدبلوماسية البرلمانية:
بهدف حشد أوسع دعم وإسناد وتضامن عربي ودولي للمواقف السياسية الفلسطينية والأهداف الوطنية، وفي مقدمتها إنهاء الاحتلال وحق اللاجئين في العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وضع المجلس خطة للقيام بحملة دبلوماسية برلمانية واسعة لبناء روابط وعلاقات مباشرة مع جميع برلمانات العالم..

خامساً: العمل السياسي:
للمساهمة في عملية السلام والمفاوضات، أقام المجلس لجانا سياسية متخصصة، كل في مجال اختصاصها، لجنة القدس، لجنة الأراضي ومواجهة الاستيطان ولجنة شؤون اللاجئين، ولجنة الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، واللجنة السياسية واللجان الاقتصادية والمالية والشؤون الاجتماعية والقانونية.


ثالثا:تقييم أداء المجلس التشريعي

بعد ثمان سنوات من وجود المجلس وبالرغم من الأحداث الجسام التي مر بها القضية دوليا ووطنيا ،فأن المجلس التشريعي كان دون المستوى المطلوب ،بالرغم من وجود أعضاء بالمجلس يتميزون بالحس الوطني وصادقون في عملهم ،إلا أن هؤلاء لم يبلورا تيارا ضاغطا ومؤثرا.وبكل موضوعية يمكن القول بأن المجلس لم ينجز إلا القليل من المهام المشار إليها أعلاه .وبالرغم من النشاط الكثيف للمجلس خلال السنوات الأولى  الذي أسس على تفاؤل كبير من الشعب ومن السلطة بما فيها المجلس التشريعي على نجاح مسلسل التسوية ،وكون أعضاء المجلس  آنذاك كانوا أقرب للشعب ولم يتخموا بترف السلطة ويتبقرطوا ببروتوكولاتها ،إلا أن هذا النشاط خمد وتراجع ،ولم يتمكن المجلس من ان يكون عند حسن ظن الجمهور به. وبقي موقفه ضعيفاً لم يرق إلى مستوى طموحات الشارع الفلسطيني وفقد كثيرا من مصداقيته.

وحتى الظروف المأساوية التي تشهدها مناطق السلطة لم تستحث المجلس للارتقاء لمستوى المسؤولية.  فاللجنة الخاصة التي شكلها المجلس مؤخراً لبحث الوضع الفلسطيني السياسي والميداني والتي أوصت بالدعوة إلى حوار وطني شعبي شامل وتشكيل حكومة وحدة وطنية ومعالجة الوضع الأمني، وتحقيق الشراكة السياسية عبر انتخابات نزيهة وحقيقية، بالإضافة إلى مطالبة الرئيس ياسر عرفات بقبول استقالة رئيس الحكومة أحمد قريع وتشكيل حكومة جديدة.هذه اللجنة وتوصياتها وصلت لطريق مسدود وكان لسان حال المجلس يقول ما على الرسول إلا البلاغ ،أو اللهم قد بلغت !.ويتجاهل المجلس أنه ليس مجرد قائل(وليس فاعل) خير، بل هو سلطة عليا يمنحها القانون الأساسي صلاحيات مهمة ويعول عليها الشعب كثيرا.

ومع كامل الاحترام لكل المخلصين في المجلس ولمزيته الوطنية فإن حالته تدعو للرثاء والغضب معا ،الرثاء لحال النواب الصادقين غير القابلين بالوضع القائم والراغبين بالتغيير،والغضب على غالبية النواب الذين استمرؤوا المقاعد والرواتب والمرافقين- الذين تحولوا خدما للنواب- والمهام للخارج بما يصاحبها من تعويضات وفسح ،ويبدو أن اتفاقية ضمنية قائمة بين هؤلاء من جانب  والوضع الخطأ الذي يسببه الفاسدون والمفسدون في المجتمع ،بأن يسكت كل طرف على الآخر .ولا أدري إن كان النواب يتساءلون بينهم وبين أنفسهم ،لماذا نحن موجودين ؟ومَن نمثل ؟ وما هي المصالح الوطنية التي ندافع عنها ؟وما هو دورنا في الأحداث التي تجري على أرض الوطن؟.

ودون تجاهل للجنود المجهولين من أعضاء المجلس التشريعي ،فأن عددا من  أعضائه ينتمون لأحد النماذج التالية:1 -النائب المناضل المقهور2-النائب لازم تزبط  3 -النائب الغائب 4-النائب النائم 5 -النائب الحالم 6-النائب الرداح 7-النائب المناضل صوتيا8-النائب الوجه التلفزيوني 9-النائب المهرج 10 -النائب شاهد مشفش حاجة 11-النائب هزاز الرأس 12 -النائب الزئبقي13- النائب الوصولي.

 هذا الاستحضار لملابسات نشوء المجلس التشريعي والمهام التي تعهد بالقيام بها وواقع حاله اليوم ،أمر ضروري عند مناقشة دور المجلس التشريعي في النظام السياسي ، وحتى لا نظلم المجلس وحتى نضع الأمور في سياقها الحقيقي يجب التأكيد على ما يلي:

1-      إن المجلس التشريعي والسلطة التنفيذية وكل المؤسسات الأخرى هي نتاج لاتفاق أوسلو الذي يضع قيودا أمام السلطات وقيامها بمهامها.

2-      افتقار السلطة الفلسطينية – تشريعية وتنفيذية وقضائية- لعنصر السيادة ،مما يجعل قدرتها على التجاوب مع التطلعات الوطنية مقيدة بنصوص أوسلو-.

3-      القول بأن أعضاء المجلس التشريعي منتخبون من طرف الشعب - سكان الضفة وغزة –وبالتالي يتوفرون على (شرعية شعبية) ،لا ينفي القول بان شرعيتهم ناقصة ما داموا ملتزمين بقيود اتفاقية أوسلو.

4-      هناك تداخل في الصلاحيات والمرجعيات التشريعية ،ما بين المجلس التشريعي والمجلس الوطني الفلسطيني واللجنة المركزية.

5-      عدم تجديد المجلس بالانتخابات يبهت من  شرعيته القانونية ،مما يجعل وجوده هو اقرب إلى الديكور الذي يجمل المشهد السياسي الفلسطيني ويجعله قريب الشبه من الدولة .

6-      عدم مشاركة حماس والجهاد في الانتخابات واستمرارهم في رفض المشاركة في السلطة افقد المجلس التشريعي شيئا من صفته التمثيلية  وخصوصا في سنوات الانتفاضة .

7-      تمتع الرئيس أبو عمار والقيادة – السلطة التنفيذية- بشرعية ثورية وتاريخية جعل المجلس التشريعي يشعر بالدونية تجاه القيادة وبالتالي أعجز من أن يقوم بدوره في المساءلة.

8-      سيطرة حركة فتح – الحزب الحاكم-على غالبية مقاعد المجلس التشريعي ،يجعل هذا الأخير فاقدا للقدرة على احتواء معارضة حقيقية للسلطة التنفيذية وخصوصا ان المعارضة التقليدية في المجلس تعيش تاريخيا في جلباب حركة فتح .

9-      غياب استراتيجية عمل وطني عند السلطة التنفيذية وعلى المستوى الوطني بشكل عام ،يجعل المجلس التشريعي مترددا في التعاطي مع الشأن السياسي ،وعاجزا عن اتخاذ قرارات حاسمة في قضايا استراتيجية.

10-    محدودية القدرة على تفعيل الممارسة الديمقراطية ،يعود لكون غالبية أعضاء المجلس التشريعي ينتمون لتنظيمات غير ديمقراطية في بنيتها ،وبالتالي يكون عضو المجلس التشريعي أسيرا لانتمائه الحزبي وثقافته الحزبية أكثر مما هو متطلعا لممارسة الديمقراطية –فاقد الشيء لا يعطيه-.

11-    لا يشكل الديمقراطيون دعاة الإصلاح كتلة متماسكة داخل المجلس التشريعي ،بل يتصرفون كأفراد ،وأحيانا يلجأ بعضهم لممارسة النقد الحاد بطريقة استعراضية دون رؤية بعيدة المدى أو تصميم على متابعة القضية المنتقدة لآخر المطاف ،فيحقق عضو المجلس التشريعي نصرا شخصيا حيث يظهر أمام الجمهور وكأنه بطل يناضل ضد الفساد ومن أجل الديمقراطية،ولكن بعد إثارة الموضوع يتم لملمة الموضوع أو إسكات العضو (المشاغب ) بالرشوة أو بالمساومة .- مثلا الذين أثاروا قضايا الفساد – قضية الاسمنت وقضية الأدوية وغيرها- .

وخلاصة القول أن هناك الكثير مما يمكن أن يفعله المجلس التشريعي  حتى ضمن المعطيات الراهنة ،حيث لا يجوز التحجج بالظروف الاستثنائية أو القوة القاهرة لتبرير العجز ،فالمجلس جاء قبل أن يحسم الصراع مع العدو وجاء ليستكمل مع الشعب المشروع الوطني ،ولم يأت تتويجا لانتصار . أذن الظروف الراهنة لا تنفي أن أعضاءه  ما زالوا يتوفرون على أهم ورقة وهي الشرعية الانتخابية والدستورية-اللهم إلا إذا صرحوا بعكس ذلك بذلك علنا ،ولم نسمع أحدا منهم يقول بان المجلس فقد شرعيته وبالتالي يقرر الانسحاب منه-، كما أن بيدهم  صلاحية إضفاء الشرعية على الحكومة أو سحبها منها، وشرعيتهم هذه لا تقل عن شرعية السياسيين من قادة المنظمات والأحزاب . وبالتالي فأن  سكوتهم على ما يجري  هو جريمة و مسؤوليتهم أهم واخطر من مسؤولية غيرهم .

 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع