27/11/2004

قراءة في اسباب تنازل قائد الإنتفاضة لرافض المقاومة

شاكر الجوهري

ما الذي جعل المناضل مروان البرغوثي يعدل يوم الجمعة عن ترشيح نفسه لرئاسة السلطة الفلسطينية..؟ وما الذي جعله يقرر قبل ذلك بأربع وعشرين ساعة ترشيح نفسه لهذا الموقع..؟

الإجابة تمكن في الذي حدث ما بين اعلان قرار الترشح واعلان قرار العدول، وجعل البرغوثي يطلب من الناخبين دعم محمود عباس، بعد أن كان قرر منافسته وتحديه..!

السر تكمن كذلك لدى قدورة فارس، عضو اللجنة الحركية العليا في الضفة الغربية، ووزير الدولة في حكومة أحمد قريع.

قبيل توجهه لالتقاء البرغوثي في سجن "اوهلي كيدار" الإسرائيلي في النقب، أعلن قدورة فارس أنه غير معني بالتطرق لقرار البرغوثي الترشح لرئاسة السلطة. وبعد فقط بضعة ساعات أصبح فارس معنيا بإعلان قرار البرغوثي عدم ترشيح نفسه..!

لا أحد يعلم على وجه اليقين كامل تفاصيل ما جرى على مدى اربع ساعات بين البرغوثي وفارس، باستثناء البيان الذي اصدره البرغوثي، وقرأه فارس خلال مؤتمر صحفي حضرته كذلك زوجة البرغوثي وابنته، اللتان التزمتا الصمت التام. ولم يتح فارس للصحفيين توجيه أي سؤال من بين اسئلة كثيرة تدور في الذهن وتبحث عن اجابات شافية، مثل:

·          ما هي وجهة النظر التي عرضها على البرغوثي فجعلته يعدل عن قراره ترشيح نفسه..؟

·          ما حدود التعارض في وجهات النظر داخل اللجنة الحركية العليا في الضفة التي تجعل بعض اعضائها يدعون البرغوثي للترشح ممثلا للجيل الجديد، وتجعل فارس يدعوه للعدول عن قرار الترشح..؟

·          ما هو العرض الذي حمله فارس من محمود عباس، صاحب الموقف المعارض للإنتفاضة والمقاومة، إلى من يوصف بأنه قائد الإنتفاضة، فجعل قائد الإنتفاضة يتنازل لمناوىء الإنتفاضة، ويدعو قاعدة الإنتفاضة لانتخابه، ممثلة على وجه الخصوص في كتائب شهداء الأقصى، التي ما انفك عباس يعمل من أجل تفكيكها..؟

ولعل السؤال الأهم من بين الأسئلة التي تبحث عن اجابات هو:

·          ما الذي جعل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تسمح لفارس القيام بزيارة فورية للبرغوثي في سجنه، والبطء في السماح بالزيارت من أهم وأقسى ما يعاني منه الأسرى الفلسطينيين..؟

ثم، لم يكون البرغوثي مطلوبا لإسرائيل ولا يكون فارس مطلوبا لها، مع أن فارس عضو في ذات اللجنة الحركية العليا التي كان يقودها البرغوثي، وتتهمها اسرائيل بقيادة الإنتفاضة..؟

لا معلومات يقينية يمكن أن نجيب بها على هذه الأسئلة وغيرها، كما أنه ليس هناك ما يحول دون الإجتهاد..

نظن، وليس كل الظن إثم، بل فقط بعضه، أن "المناضل فارس" شرح للبرغوثي وجهة نظر تتضمن النقاط التالية:

·          لا وقت كافيا لإنجاز اجراءات الترشيح لرئاسة السلطة، خاصة وأن هذه الإجراءات تتطلب جمع تواقيع خمسة آلاف مواطن يؤيدون الترشيح، ودفع مبلغ ثلاثة آلاف دولار.

·          أن هناك من سيعمل على تعطيل وعرقلة انجاز جراءات الترشيح، بما في ذلك داخل اللجنة الحركية العليا، حيث أن هناك من هم غير متحمسين لترشيح البرغوثي، ابرزهم فارس نفسه.

·          لا جدوى انتخاب البرغوثي رئيساً، رغم أن كل استطلاعات الرأي تؤكد فوزه في حالة الترشح، لأنه سيظل سجينا، وهذا يضر بالقضية.. ذلك أن انتخاب رئيس سجين يؤدي فقط إلى توظيف القضية الفلسطينية في خدمة هذا الرئيس، بدلاً من أن يكون هو في خدمتها..!

·          أن "كتساب" رئيس الدولة العبرية اشترط للموافقة على اصدار عفو عن البرغوثي أن يتقدم له بطلب استرحام..!

طلب الإسترحام يعني بالطبع اعتراف البرغوثي بعدالة الحكم الذي صدر بحقه، وخسرانه كل الشعبية التي يتمتع بها، دون اغفال امكانية اطلاق سراحه.

يجب أن يوضع في الإعتبار أن الشرط الذي وضعه كتساب قد يكون خط شروع تفاوضي، وأنه قد يصدر قراره بالعفو عن البرغوثي إذا تلقى استرحاما من زوجته أو ابنته، أو ربما جيرانه..!

·          أن اطلاق سراح البرغوثي قد يكون مجرد خطوة تمهيدية لقتله واغتياله.

أما كتساب، فإنه يفتح الباب امام امكانية اصداره قراراً بالعفو، لأن خلافة البرغوثي لعرفات على رأس السلطة الفلسطينية تقدم خدمة كبرى لمخططات حزب الليكود الذي ينتمي إليه.. ذلك أنه ما أسهل على شارون أن يتذرع بعد ذلك بعدم الإعتراف بالبرغوثي رئيسا، والإمتناع عن التعامل معه..!

لكن شارون، كما يبدو، ليس في وارد حسابات كاتساب. ولهذا، فهو سمح لقدورة فارس القيام بزيارة فورية للبرغوثي، ما دام هدف هذه الزيارة اثناءه عن خوض الإنتخابات الرئاسية. ولشارون اسبابه وحساباته التي يمكن حوصلتها في:

اولا: تلافي الإحراج الذي يمكن أن يواجهه امام المجتمع الدولي، حين يطالبه بإطلاق سراح رئيس السلطة الفلسطينية المنتخب.

ثانيا: أن انتخاب البرغوثي يعني أن الشعب الفلسطيني يؤيد خط المقاومة والإنتفاضة، ولا يمكن أن يكون الشعب الفلسطيني المطالب بالحرية، في كليته ارهابيا. وهذا ما ينفي تهمة الإرهاب عن البرغوثي، وعن جميع المقاومين الفلسطينيين على تعدد انتماءاتهم الأيديولوجية والفصائلية.

ثالثا: ابطال الذريعة الإسرائيلية التي ترفض اطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، وأسرى عرب بدعوى مسؤوليتهم عن سفك دم يهودي.

رابعا: أن شارون في حالة فوز البرغوثي واضطراره لإطلاق سراحه، سيجد نفسه مضطراً كذلك للتفاوض مع الخط المقاوم المتمسك بالثوابت التي عبر عنها البرغوثي في بيانه الذي قرأه فارس.

خامسا: أن التفاوض مع عباس، الذي اسقط خيار المقاومة من حساباته مبكراً جداً، ولا يقيم وزنا لجماهير لا تدعمه، أفضل بكثير من التفاوض مع البرغوثي الذي افرزته الجماهير.

هنا بالذات يكمن الفارق بين اختيار مرشح "فتح" من قبل لجنتها المركزية، وعرض اسم المرشح على الهيئات القيادية الأدنى، وصولا إلى القاعدة التنظيمية والجماهيرية، واستمزاج رأي هذه القاعدة أولا، وعرض رؤاها على القيادات التنظيمية التي يتوجب عليها الأخذ برأي القاعدة وقرارها واختياراتها.. خاصة وأن اللجنة المركزية للحركة، وكذلك مجلسها الثوري، أصبحا فاقدي الصلاحية منذ زمن، حيث عقد آخر مؤتمر عام للحركة قبل 16 عاماً، وللمفارقة، فإن الأعضاء الفاعلين في اللجنة المركزية الآن أصبحوا هم المعينين، وليس المنتخبين، بمن في ذلك محمود عباس الذي حصل على الترتيب الأخير في المؤتمر العام الخامس، وسط تشكيك كبير  بأن المرحوم ياسر عرفات أوعز للقائمين على عملية عد الأصوات بواسطة الكمبيوتر أن يشملوه برعايتهم، لأنه كان يعتقد أن سقوط أي من اعضاء اللجنة المركزية يمثل لطمة شخصية له، باستثناء رفيق النتشة (أبو شاكر) الذي أوعز باستبدال اسمه باسم عباس، لكثرة انتقاداته العلنية للرئيس.

شارون الذي كان يرفض السماح بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية تجدد شرعية نواة الدولة والكيان الفلسطينيين ما لم يضمن عدم ترشح أو عدم فوز عرفات، أصبح موافقا على اجراء هذه الإنتخابات، وإنما على قاعدة عباس مرشح "فتح" الوحيد..!

مرة أخرى، ما الذي جعل البرغوثي يتراجع في غضون 24 ساعة عن قراره منافسة عباس، ليدعو الناخبين وكتائب شهداء الأقصى إلى دعم عباس..؟

قدورة فارس لم يكشف السر، غير أنه لا يخرج عن احتمال واحد لا ثاني له: تعهد عباس بالعمل الجاد لإطلاق سراحه، إن لم يكن بعث إليه بوعد من شارون بالعفو عنه، فور نجاحه في انتخابات المجلس التشريعي المقبلة.

ولكن، ما الذي يجعل البرغوثي يثق بتعهدات عباس..؟

مع أن البرغوثي كان أبرز الذين دافعوا بحماس بالغ عن اوسلو، وعرابها محمود عباس، إلا أنه ليس هناك ما يدعوه إلى الثقة بتعهدات رجل أثبتت الأيام، خلافاً لما كان معروفاً عنه، عدم التزامه بكلمة أو موقف يصدر عنه.

فالرجل الذي كان معروفاً عنه أنه يربط من لسانه، نسي أنه تقدم باستقالة مكتوبة من حركة "فتح"، وأعلن عبر أكثر من فضائية أنه لن يعود لها مطلقاً.

والرجل الذي كان يروج أنه يغلب المصلحة الوطنية على الحسابات الشخصية، وزهده بالمناصب، تراجع عن استقالته من "فتح" من أجل المناصب.

والرجل الذي يؤكد التزامه بالمؤسسة، فاوض في اوسلو من وراء ظهر كل المؤسسة..!

والرجل الذي كان ينتقد عرفات كونه يجمع كل المناصب في يده، استفاد من ذلك حين جعله يبارك له مفاوضات اوسلو من وراء ظهر المؤسسة، ثم ها هو يريد أن يجمع كل الصلاحيات وكل المناصب في يده، كما فعل الراحل.

كل الملاحظات السابقة نستعيرها من أحد اعضاء اللجنة المركزية قالها في معرض تبرير عدم تأييده ترشيح عباس لرئاسة السلطة.

وها هو التعهد الذي نقل إلى البرغوثي في سجنه الإسرائيلي يخرق ثلاث مرات لحظة اعلان عدوله عن منافسة عباس.

فإلى جانب اغفال وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" وصف قدورة فارس للبرغوثي في مؤتمره الصحفي بـ"القائد الكبير"، وتحدثها عنه فقط باعتباره عضوا في المجلس التشريعي، مع أنها حرصت على ايراد صفة  "الأخ المناضل" التي اطلقها البرغوثي على عباس، اسقطت من رسالة البرغوثي أمرين بالغي الدلالة والأهمية، وهي وكالة لا تنطق عن الهوى، حين امتنعت عن توزيع نص بيان البرغوثي:

الأول: اوردت دعوة البرغوثي لـ "العمل على تعزيز الوحدة الوطنية والمحافظة عليها والتمسك بالثوابت الوطنية وفي مقدمتها حق العودة والقدس عاصمة ابدية لدولة فلسطين، وهي الثوابت التي يجمع عليها الشعب الفلسطيني"، واسقطت أن هذه الدعوة وجهها البرغوثي لعباس بالذات، باعتبارها أحد شروط دعمه.

الثاني: اسقطت الوكالة بشكل كلي الشرط الآخر للبرغوثي وهو القاضي بـ"اجراء اصلاحات جذرية في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية ومحاسبة رموز الفساد الأمني والإداري والمالي والسياسي".. ذلك أن هؤلاء الرموز هم نقيض الخط المقاوم الذي يدعم البرغوثي، ويدعمون سواه.

وبعد، هل تستجيب كتائب شهداء الأقصى لنداء البرغوثي بدعم عباس، وهو الذي تعهد علنا لاسرائيل واميركا بتفكيك كل فصائل المقاومة، وفقا لما هو منصوص عليه في أول مراحل خارطة الطريق..؟

سؤال يفترض أنه لا يحتمل الإجتهاد..

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع