قانون الانتخابات الفلسطيني: هل يجري التلاعب به لصالح ابقاء حالة التفرد ؟

فلسطين-غازي حمد  -أثار الخلاف حول قانون الانتخابات الفلسطيني ازمة عاصفة في الاوساط السياسية الفلسطينية , بحيث ان بعضها ذهب الى ان عملية تلاعب تجري بهدف تجيير الانتخابات لصالح جهة معينة او لصالح اشخاص يريدون الحفاظ على مقاعدهم .و قد بدا ان موقف كثير من القوى الفلسطينية غير راض عن محاولة العودة الى القانون القديم الذي اعتمد في العام 95 ,اضافة الى مسألة التردد بين سجل الناخبين و السجل المدنية كمرجعية لعدد الناخبين . قد و طرحت كثير من التصورات حول قانون معدل يمزج بين التمثيل النسبي و نظام الدوائر لكن للان لم يجر البت في هذا الجدال , الامر الذي حدا ببعض القوى الى مقاطعة كافة الانتخابات - بما فيها التشريعية و البلدية - اذا ما ظل القانون خاضعا لتفسيرات مصالح حزبية ضيقة .و يرى محللون ان قانون  الانتخابات الفلسطينية عكس صياغة المصالح داخل م.ت.ف وكرس لمظاهر الهيمنة واحتفظ بجوهر المؤسسات التقليدية القائمة علي السلطة الفردانية تضخيم دور العشائر والعائلات واضعاف العمل السياسي الحزبي وتدشين مبدا الكوتات السياسية داخل المجلس الوطني الفلسطيني داخل المنظمة لتصبح السلطة هي ورئيسة كل هذا عبر التقنين والتشريع لذلك .و قد  شكلت الاتفاقيات السياسية بين الطرفين الفلسطيني - الاسرائيلية المرجعية الرئيسة لقانون الانتخابات وفيما يسمي بالبرتوكول الانتخابات - اوسلوا2 الذي وضع بنية وصلاحية المجلس التشريعي والنظام ، وحدد مدته وحجم المجلس الذي يشكل 82 عضوا زيدا الي 88 عضوا لاحقا ويجيز تعيين مالا يتعدي 20% من مجمل الاعضاء مع الاحتفاظ بكوت محددة للاقليات النساء والمسيحيين والسامريين .

كما اشترطت تلك الاتفاقيات علي المجلس المنتخب عدم سن قوانين تتعارض مع الاتفاقيات الموقعة وسحبت منه اي صلاحيات او مسؤوليات في مجال العلاقات الدولية او الاتفاقيات الاقتصادية الدولية لذا جاء قانون الانتخابات ليضمن وجود نواب منتخبين لكنهم خاضعين كليا للاتفاقيات.

**مواقف رافضة

و قد عبرت حركة المقاومة الاسلامية حماس عن رغبتها في وجود قانون فلسطيني يتعاطى مع طبيعة التغيرات القائمة و يهدف الى ترسيخ النزاهة و منح حق المشاركة للجميع .و قال الدكتور محمود الزهار احد قيادي الحركة " أن حماس أرسلت رسالة الى رئيس و أعضاء المجلس التشريعي حول  القرارات الاخيرة التي صدرت عن التشريعي و الملابسات التي صاحبت هذه العملية منذ الاعلان عن الانتخابات، والتي جاءت استجابة لرغبات فئة معينة و أشخاص بذاتهم على حساب الاجماع الوطني "، و اضاف " ان شطب سجلات الناخبين التي أنفق الشعب عليها من ماله وجهده الكثير من المال والوقت أصبحت وللأسف غير ذي قيمة بأيدي المصوتين لصالح هذه القرارات ".

و أشار الى أن حماس طالبت قبل عدة اشهر ان يتم اعتماد السجل المدني  في مؤتمرات عامة  حتى يتسنى للجميع مراجعته واعتماده ولكن أصررتم وبعض الفصائل والسلطة على اعتماد سجل الناخبين وصيغت العديد من الحجج وعندما قبلنا ذلك على مضض ودعونا الجميع للتسجيل عدتم ومن خلال نواب فتح في المجلس التشريعي بالغاء كل ذلك في اجراء غير مسبوق للبرلمانات التي تحترم مشاعر شعبها وتطلعاته والتمدن بقانون جديد , معتبرا حالة المزج بين تسجيلين مقدمة لتزوير ارادة الشعب، وقاموا بتغيير قانون تمييز المرأة، على سائر الفئات لاعطائها أكثر مما أعطى القانون السابق . ولا نعرف ما هي القوانين التي سيتم تفصيلها حسب الطلب .و أوضح الزهار موقف حركته بالقول "نحن كنا مع استخدام السجل المدني لفترة طويلة حتي يتم مراجعة الوفيات والذين تم ترحيلهم والذين تركوا اماكن عملهم والذين خرجوا الى القطاع لكنهم أصروا على قضية التسجيل وحذرنا وقلنا ان هذا التسجيل بهذه الطريقة (سجل كي تنتخب ) لن يجلب العدد الكافي من المسجلين وتجارب الأمم تقول بذلك فأصروا عليها.

و قال " الآن ولم يبق إلا وقت قليل عادوا الى التسجيل المدني وهذا إشارة واضحة انه سيتم التزوير وبالتالي نحن لا نقبل بهذا ثم ان الحديث عن المزج بين منهجين قضية غير عملية ثم في الفترة الأخيرة حديث عن 30 ألف مخالفة في عملية التسجيل التي تمت فما بالكم بالتسجيل المدني الذي لا تملكه إلا السلطة والذي يمكن ان يتم التلاعب فيه عن طريق البطاقات والهويات وغير ذلك ، نحن لا نقبل ان تزور إرادة الشعب الفلسطيني خاصة في المرحلة القادمة ولذلك نحذر ونخشى ان يتم تقويض عملية الانتخابات بكاملها إذا شعر الشعب ان هذه الانتخابات سيتم التلاعب عليها ".

و اضاف الزهار أن حماس طالبت ان تكون الانتخابات بالدائرة فأصرت بعض الفصائل على التمثيل النسبي ، فوافقنا عليه ، ثم قالوا نمزج بين الاثنين فوافقنا بنسبة معنية بحيث تكون مناصفة ،  الآن وبطريقة غير مقبولة بشعة في استغلال غياب الرموز الاسلامية من حماس خاصة في القضية الغربية فهم إما معتقل و شهيد او مطارد ، يريدون ان يرفعوا نسبة الدوائر على حساب التمثيل النسبي وهذه قضية لا يقبل بها إنسان" . و قال جميل المجدلاوي عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية " نحن طالبنا بمبدأ التمثيل النسبي و جرت سلسلة من الحوارات و اللقاءات بين مختلف الفصائل و قيادات في السلطة و جرى الاتفاق على اعتماد الدمج بين نظام الدوائر و التمثيل النسبي مناصفة حتى تكون المنافسة على اساس البرامج و ليس على اساس المصالح الشخصيات و العائلية ", و اضاف المجدلاوي : لقد فوجئنا بالمحاولة الارتدادية من بعض قيادات فتح و العودة الى النظام الانتخابي القديم "وو اشار المجدلاوي الى ان بعض قادة فتح اعطوا وعودا بانهم سيدعمون القانون المعدل للانتخابات . و حذر المجدلاوي من انه اذا جرت العودة الى قانون رقم 13 للعام 95 فان ذلك يعني ابقاء حالة التفرد و سد مساحات واسعة من الالتقاء و الحوار ". وقال صالح زيدان عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية ان نظام التمثيل النسبي هو النظام الانتخابي الاكثر عدلا وانصافا والاكثر انسجاما مع الديمقراطية وحاجاتنا الوطنية موضحا انه وفقا لهذا النظام يعتبر الوطن دائرة انتخابية واحدة كما ان هذا النظام يضمن للقوائم المتنافسة التي تجتاز نسبة الحسم عددا من المقاعد في المجلس المنتخب يوازي نسبة ما حصلت عليه من اصوات الناخبين وقدم زيدان جملة من التعديلات اللازمة على قانون الانتخابات ومنها زيادة عدد اعضاء المجلس التشريعي الى 150 واعادة رسم حدود الدوائر وتوزيع مقاعدها وتخصيص مقاعد مضمونة للمرأة اضافة الى تخفيض سن الترشيح وتحديد المرجعية القانونية لقانون الانتخابات,  واقترح ان يستند القانون المعدل الى اعلان الاستقلال والقانون الاساس باعتبارهما يشكلان بالتكامل بينهما مرجعيته وخلفيته الدستورية. وفي استطلاع للرأي، قام به برنامج دراسات التنمية البشرية في جامعة بيرزيت اشار الى ان 35% من المواطنين الذين اخذت آرائهم، يؤيدون النظام المختلط، 20% يؤيدون التمثيل النسبي، 32% مع النظام الفردي.

**انظمة و تعقيدات

تتنوع النظم الانتخابية بين النظام الانتخابي المباشر الذي يقوم على درجة واحدة حيث يختار الناخب مرشحه مباشرة، والنظام الانتخابي غير المباشر، وهو يقوم على درجتين، أو أكثر، حيث يقوم الناخب باختيار مندوبين يتولون بدورهم انتخاب الحكام وأعضاء البرلمان. وبين نظام الانتخاب الفردي والانتخاب بالقائمة، حيث يعطي الناخب صوته لأحد المرشحين في النظام الأول، في حين يعطي صوته في الثاني لقائمة من المرشحين بحسب عدد النواب المخصص للدائرة الانتخابية. وبين نظام الانتخاب بالأغلبية ونظام التمثيل النسبي، ففي الأول يفوز في الانتخابات المرشح، أو المرشحون الذين يحصلون على أغلبية الأصوات، سواء أكانت أغلبية مطلقة أم بسيطة، وفي الثاني توزع المقاعد المخصصة للدائرة على القوائم الحزبية المتنافسة بنسب الأصوات التي حصلت عليها، مع وجود نسبة حسم (حد ادنى من الأصوات ينبغي لأي قائمة الحصول عليه كشرط للدخول في عملية توزيع الأصوات).

أما في فلسطين، فقد جرت الانتخابات العامة الأولى للمجلس التشريعي والانتخابات الرئاسية (عام 1996) وفقاً لقانون الانتخابات الفلسطيني رقم (13) لعام 1995. وقد أخذ هذا القانون بنظام انتخابي فريد من نوعه، جمع بين خصائص أنظمة انتخابية متعددة، حيث اعتمد نظام الأكثرية بحيث يفوز من يحصل على أكثرية الأصوات في الدائرة الانتخابية، كما اخذ بالنظام الفردي ونظام القائمة في آن واحد، بحيث يستطيع المرشحون خوض الانتخابات في قائمة أو بشكل فردي. كذلك فقد تم تقسيم الأراضي الفلسطينية إلى ست عشرة دائرة انتخابية غير متساوية، تراوحت بين مقعد واحد واثني عشر مقعداً.

 لقد وجهت للقانون المذكور سلسلة من الانتقادات، كان أبرزها أن النظام الانتخابي، الذي تضمنه القانون، لم ينتج نظاماً ديمقراطياً قائماً على التعددية السياسية والفكرية، لأنه أدى إلى استبعاد تمثيل معظم الأحزاب السياسية في المجلس التشريعي، وبخاصة الأحزاب الصغيرة منها. وشجع في المقابل على بروز الطابع الشخصي للمرشحين، وعلى الانتماءات العائلية والعشائرية، وليس الانتماء الحزبي. كما انعكس النظام الانتخابي الذي أخذ به قانون الانتخابات الفلسطيني لعام 1995 على تركيبة المجلس التشريعي، وعلى آليات عمله، وعلى علاقته بالسلطة التنفيذية؛ فعلى الرغم من ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية في التصويت، إلا أن ذلك لم ينعكس تمثيلا للقوى المجتمعية والحزبية داخل المجلس. وباستثناء حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، التي حصلت على نحو 75% من المقاعد، لم يتجاوز تمثيل القوى السياسية الأخرى المشاركة في الانتخابات مقعداً واحداً لكل منها.

وقد تضمن مشروع القانون المعدل مجموعة من التعديلات الجوهرية التي طالت جميع جوانب القانون السابق، ابتداء من النظام الانتخابي الذي يدعو إليه، وهو نظام التمثيل النسبي والقائمة الحزبية والدوائر المتساوية. ويقسم مشروع القانون المعدل البلاد إلى خمس دوائر انتخابية متساوية المقاعد، ويحصر حق الترشيح لعضوية المجلس التشريعي في الأحزاب السياسية التي تشكل وحدها القوائم الانتخابية. وينص مشروع القانون المعدل على زيادة عدد مقاعد المجلس التشريعي إلى مئة مقعد بدلا من ثمانية وثمانين مقعداً، هي مقاعد المجلس الحالي.

 و يرى بعض المحللين ان النظام الانتخابي الذي ينص عليه مشروع القانون المعدل، والذي يقوم على أساس التمثيل النسبي، من شأنه أن يعزز دور الأحزاب السياسية في المجتمع الفلسطيني، وأن يساعد على تنمية التعددية السياسية. كما أن من شأنه أن يقلص تأثير الولاءات المحلية والعائلية، ويشجع العملية الانتخابية الدورية التي يستطيع من خلالها الناخب اختيار ممثليه، ومحاسبتهم، على أساس برنامج انتخابي حزبي.

من جهة أخرى، يمكن تجاوز بعض السلبيات التي قد تنتج عن تبني نظام التمثيل النسبي، فمن المعلوم أن هذا النظام يسمح ببروز الأحزاب وتكاثرها. ومن شأن العدد الكبير للأحزاب تفتيت وحدة المجتمع وزيادة حدة الصراع بين فئاته، ، كما أن العدد الكبير من الأحزاب الممثلة في البرلمان قد يكون عقبة أمام تشكيل حكومة مستقرة بسبب الحاجة إلى الائتلافيات الحزبية؛ وهو ما يفتح المجال للمساومات الحزبية، وابتزاز الأحزاب الصغيرة للأحزاب الكبيرة. ولتجاوز هذه السلبيات، أو الحد منها، يلجأ هذا النظام الانتخابي إلى وضع نسبة حسم بحيث لا يفوز في الانتخابات إلا الأحزاب التي تنال نسبة معينة من أصوات الناخبين.

ومن العقبات الأخرى التي قد تبرز أمام تطبيق نظام التمثيل النسبي في الانتخابات الفلسطينية، عدم إقرار قانون الأحزاب الذي ينظم التعددية السياسية، رغم وجود مشروع هذا القانون لدى المجلس منذ عام 1997. ويعود ذلك إلى الظروف السياسية التي تمر بها الأراضي الفلسطينية، ونتيجة لعدم اكتمال المشروع الوطني المتمثل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

و قد  دعت اللجنتان (القانونية و السياسية) إلى الاستفادة من القانون الأساسي كمرجعية دستورية للقانون، وكذلك وثيقة الإصلاح التي أقرها المجلس التشريعي في أيار (مايو) 2002، بالإضافة إلى مشروع القانون المعدل الذي تقدم به الدكتور عزمي الشعيبي إلى المجلس. كما تبلور اتجاه عام لدى اللجنتين بتبني نظام انتخابي مختلط (50% على أساس الانتخاب الفردي والأكثرية، و 50% على أساس نظام التمثيل النسبي) مع تأكيدهما على مراعاة أن هذا النظام يمثل تجربة أولى إذ لم يسبق اختباره من قبل في فلسطين. وتحبذ نسبة كبيرة من أعضاء اللجنتين تقليص عدد الدوائر الانتخابية إلى ست دوائر بدلا من ست عشرة دائرة، وزيادة عدد أعضاء المجلس التشريعي على العدد الحالي. ولم يتم تحديد رقم معين حتى الآن.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع