31/10/2004
تحليل سياسي
شاكر الجوهري كتب:
عرفات يكرر سابقة نيابة السادات لعبد الناصر
قيادة أبو مازن مرحلية والقدومي يحظى باحترام مركزية "فتح" وجميع
الفصائل
ـ
خصوم عباس في المركزية لن يقبلوا به وأبو عمار اختاره لحسابات جغرافية
وسياسية وسهولة استعادة الكرسي منه
ـ
الفاسدون يستعدون للهرب، فور وفاة الرئيس وعضو في المركزية يقول إن
عرفات أخذ زبالته معه..!
ـ
محمد رشيد تقدم باستقالته قبل اسبوعين ورافق عرفات لباريس وقد يفر من
هناك بمئات الملايين فور وفاته
عمان ـ شاكر الجوهري:
كرسي عرفات الفارغ الذي ظهر في صورة اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية السبت أبقي كذلك بموجب قرار، ولم يكن تصرفا عفويا
أقدم عليه المجتمعون لحظة دخولهم إلى مقر الإجتماع في المقاطعة، تماما
كما تم تقرير عقد اجتماعات القيادة الفلسطينية واللجنة المركزية لحركة
"فتح"، ومجلس الأمن القومي، وكل الهيئات الأخرى داخل المقر المحاصر.
هذه
القرارات لم تتخذ فقط من قبيل تأكيد التمسك بقيادة عرفات، والتمني على
الله أن يعيده سالما إلى مقر قيادته، ولكنه اتخذ كذلك آخذا في الإعتبار
عاملين رئيسين:
اولهما: أن عرفات لا يتساهل مطلقاً في حال عدم وفاته، كما كان دائما،
مع من يظن في أنه يفكر بالجلوس على كرسيه، أو بجواره، فكيف إذا جلس..؟
ثانيهما: أن مسألة خلافة عرفات لم تحسم، ولا يتصور أن تحسم في حياة
الرجل، وفي وجود ثلاث مجموعات من الخلافات والتباينات في المواقف
والسياسات، فضلا عن الخلافات الشخصية المتعددة المستحكمة بين عدد من
القادة الفلسطينيين.
وبذا، فإنه لم يتقرر بعد من الذي يمكنه، أو يحق له الجلوس على هذا
الكرسي، في وقت ظل الكرسي الفارغ موضع تركيز انظار عدد من الذين
شاركوا، أو سيشاركون في الإجتماعات القيادية الفلسطينية.
مجموعة الخلافات الأولى يمكن ادراجها تحت عنوان رئيس يتعلق بموقف حركتي
"حماس" والجهاد الإسلامي من القيادة الفلسطينية المقبلة، من حيث
الأشخاص والمواقف والسياسات.
"حماس" خاصة، تطرح منذ بعض الوقت ضرورة تشكيل قيادة فلسطينية موحدة،
لغايات ادماجها في هذه القيادة، وابتداع صيغة جديدة من صيغ الإتحاد
الفلسطيني في جبهة وطنية عريضة، تتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية، وإن
كان سبق لـ"حماس" أن اشترطت تفعيل واعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير من
أجل قبول الإنضمام إليها.
غير
أنه، حتى القيادة الفلسطينية الموحدة لا بد من أن يكون لها رأس، كما
كان الحال قبل مرض عرفات. وهذا الرأس حركة "فتح" هي من يقوم باختياره،
باعتبارها قائدة منظمة التحرير، والفصيل الأكبر فيها، وباعتبارها معترف
بها من قبل فصائل المنظمة الأخرى، حتى وإن كانت استطلاعات الرأي تؤهل
"حماس" للفوز بنسبة خمسين بالمئة، تقل أو تزيد قليلا في حالة اجراء
انتخابات لمجلس تشريعي جديد.
وعلى ذلك، فإن السؤال المركزي الآن هو، من الذي ستجمع عليه حركة "فتح"
قائدا معترفا به للمرحلة المقبلة في حالة وفاة عرفات..؟
مبدئيا، أمكن الإتفاق الآن، وبصفة انتقالية على شخص محمود عباس (أبو
مازن) بعد أن سحب استقالته سريعا من عضوية اللجنتين التنفيذية لمنظمة
التحرير الفلسطينية، والمركزية لحركة "فتح". وبذلك أمكنه ترؤس اجتماع
كل من اللجنتين بصفته أمين سر الأولى، والنائب الأول لأمين سر الثانية.
ولئن كان بالإمكان قبول حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي بأبي مازن،
والتعايش معه، ولو مرحليا، باعتباره الرجل الذي نجح في استبدال تصفية
وتفكيك الحركتين بهدنة مع اسرائيل، خلافا لما هو منصوص عليه في خارطة
الطريق، ولم يبد اندفاعا باتجاه الصدام معهما حين كان رئيسا للوزراء،
فإنه يصعب تصور أن يحظى أبو مازن بالقبول من قادة آخرين في حركة "فتح".
وقبل أن نستطرد، لم يتم اختيار أبو مازن فقط بسبب موقعه التنظيمي، ذلك
أن فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية لحركة "فتح" يقدم عليه لهذه
الجهة، إذ أن عوامل أخرى لعبت دوراً في ذلك يصعب فصل الجغرافي منها عن
السياسي.
لا
جدال في أن عرفات شخصيا هو الذي أوصى بالصيغة الراهنة، تماما كما غادر
جمال عبد الناصر الدنيا وله نائب واحد كان اسمه أنور السادات، حتى لا
نشبه الحالة الفلسطينية باختيار عبد الناصر لزكريا محي الدين لخلافته
حين قدم استقالته بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967.
فأبو مازن هو الوحيد ممن تبقى على قيد الحياة من كرادلة حركة "فتح"
الموجود داخل الأراضي الفلسطينية، حيث نواة مشروع الكيان الفلسطيني
الذي انتجها اتفاق اوسلو. ففاروق القدومي موجود في تونس، وسليم الزعنون
رئيس المجلس الوطني الفلسطيني موجود في الأردن، فضلا عن أن الزعنون
يقدم كلا من القدومي وأبو مازن على نفسه بروتوكوليا، ويحتفظ بعلاقات
وطيدة مع الاثنين، دون أن ندري من منهما يفضله للخلافة.
ثم
إن أبو مازن هو من قاد المفاوضات التي أدت إلى اتفاق اوسلو، وهو الرجل
الذي يمكن أن تقبل به اميركا واسرائيل، وإن كانتا لم تقدما شيئا لإنجاح
حكومته واعانتها على البقاء في الحكم لأكثر من مئة يوم فقط لا غير.
وهذه الحقيقة هي ما يمكن أن تشكل بداية النهاية لتعايش مؤقت بين أبو
مازن وكل من حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي.
ثم
إن أبو مازن رجل انطوائي لا يتمتع بشعبية تذكر، خاصة وأن عرفات نفسه
سوقه للرأي العام باعتباره قرضاي فلسطين عند اطاحته بحكومته. وبذا، فإن
عرفات يستطيع أن يستعيد منه القيادة فور عودته إلى رام الله.
أما
في حالة وفاة الرئيس، فإن قادة بارزين في حركة "فتح" لا يمكن أن يقبلوا
به خليفة دائما لعرفات. في مقدمة هؤلاء فاروق القدومي الذي ظل يعارض
اوسلو وسياسة التنازلات المجانية لقيادة عرفات، التي غالبا ما كان أبا
مازن عرابها.
والقدومي الذي كان استأنف اصدار التعميمات الحركية منذ تحركات محمد
الدحلان وانصاره العسكرية في قطاع غزة في تموز/يوليو الماضي، يحظى
باحترام ومحبة اغلبية اعضاء مركزية "فتح"، الذين يقرون له بالأقدمية،
والقدرة والكفاءة والحنكة. وهو بادر الآن لإصدار تعميم لجميع اعضاء
حركة "فتح"، بصفته أمين سر الحركة التي لا ينص نظامها الداخلي على وجود
منصب رئيس لها، يدعوهم فيه للتوقف عن اصدار التصريحات الإعلامية عن
الحالة الصحية لعرفات.
ثم
إن القدومي تربطه بأبي مازن قطيعة شخصية مؤسسة على الخلاف السياسي
وكذلك الشخصي..!
ولا
يفوق القدومي في الاختلاف مع أبي مازن غير هاني الحسن الذي يناصبه
العداء منذ سنوات طوال. وقد لعب الحسن دورا كبيرا في اطاحة حكومة أبي
مازن، الذي كان قد أبعده عن وزارة الداخلية التي كان على رأسها في عهد
آخر حكومات عرفات.
كذلك، فإن علاقات أبو مازن بالغة السوء مع محمد راتب غنيم (أبو ماهر)
مفوض مكتب التعبئة والتنظيم، على خلفية الموقف من اتفاق اوسلو. والود
يمكن اعتباره فاترا، حتى لا نقول مفقودا، بينه وبين كل من صخر حبش
وعباس زكي العضوان البارزان في اللجنة المركزية.
وفي
المجمل، فإن علاقات أبو مازن مع أعضاء اللجنة المركزية كانت غاية في
السوء خلال العام الماضي الذي أعقب اطاحة حكومته، إذ لعب حبش وزكي إلى
جانب الحسن دورا هو الأهم في اطاحة حكومته، بالتوافق مع عرفات. وهذا ما
دفع أبو مازن للإستقالة من عضوية اللجنة المركزية. وفي المقابل، فقد
اشترطت المركزية أن يعتذر لها علنا حين اراد سحب تلك الإستقالة فرفض
وظل خارجها، لكن مرض عرفات اعاده إليها دون اعتذار، وكذلك دون أن تصفى
القلوب.
لن
تكون مهمة أبو مازن سهلة. وكذلك، لن تكون مهمة اختيار الخليفة سهلة، ما
دام أبرز المنافسين موجود في الخارج، والمعني بذلك القدومي.
لكن
القدومي الذي يحظى بدعم واحترام غالبية أعضاء اللجنة المركزية، يحظى
كذلك بدعم واحترام جميع الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك "حماس" والجهاد
الإسلامي اللتان يلتقي قادتهما بانتظام خلال زياراته لدمشق.
ودون استباق للمستقبل، إن كان قرر تغييب عرفات للأبد، فإن اجتماع
مؤسسات منظمة التحرير عبر عقد اجتماعات للجنة التنفيذية للمنظمة،
بمشاركة صخر حبش باعتباره الرجل الذي يترأس اجتماعات لجنة المتابعة
للقوى الوطنية والإسلامية، كما لو كان عرفات لا يزال موجودا، وفقا
للصيغة المعلنة، يعني حقيقة وجود ادراك لضرورة تفعيل المؤسسات
الفلسطينية، كما لو كان عرفات لن يبقى على قيد الحياة، كما هو واقع
الحال، بعد أن ظل مصادرا لقرارات المؤسسات، منفردا بها دون بقية اخوانه
ورفاقه، بما في ذلك ترفيع من يشاء منهم والإطاحة بمن يشاء..!
وإذا كان أحد الكتاب الفلسطينيين نشر مقالا خص به صحبة عرفات في رحلة
الشفاء، أو الموت بعنوان "طائرة نوح"، في عملية اسقاط لماحة لقصة سفينة
نوح، فإن أحد اعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" لم يتردد في القول إن
عرفات اخذ "زبالته" معه إلى خارج الوطن، حين سؤل عن اسباب مرافقة محمد
دحلان ومحمد رشيد وغيرهما له إلى باريس، كاشفا عن أن رشيد كان قد تقدم
باستقالته من منصب المستشار الإقتصادي للرئيس قبل اسبوعين، مشيرا
التساؤل عن مصير مئات ملايين الدولارات التي كان يتصرف بها بمعرفة
عرفات دون سواه، وما إذا كان سيعود مع جثمان الرئيس في حالة وفاته، أم
تراه يقرر الفرار المبكر في هذه الحالة، بما يستأثر به من اموال الشعب
الفلسطيني..؟!
"طائرة نوح" التي فرغت الأراضي الفلسطينية من رموز الفساد والإرتباط مع
الإسرائيليين والأميركيين، تؤكد مصادر موثوقة أن اعداداً أكبر من
الفاسدين ستلحق بهم للخارج في حال وفاة الرئيس الذي كان يوفر لهم الدعم
والحماية. وخروج هؤلاء، إلى جانب التوحد السياسي للفصائل الفلسطينية
يقلل من امكانية حتى محاولة قادة هذا الجهاز الأمني أو ذاك القفز إلى
الكرسي الذي لا يزال خاليا حتى الآن، لسبب اضافي يتمثل كذلك في عدم
توفر الكريزما القيادية لمحمود عباس.
|