السلطة الفلسطينية.. بين احتمالات
الانهيار وحتمية الإصلاح
مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية
أخبار الخليج البحرينية 12/8/2004
أثار تفجر الأوضاع الأمنية في قطاع غزة على مدار الأيام القليلة
الماضية بشكل غير مسبوق، نتيجة مطالبة الفصائل الفلسطينية المختلفة
بضرورة إجراء إصلاحات جادة في جميع مؤسسات السلطة والتخلص من رموز
الفساد المنتشرة فيها، مستخدمة في ذلك أساليب جديدة تمثلت في القيام
بعمليات خطف لمسؤولين في السلطة اتهمتهم بالفساد، ومحاولات اغتيال،
والدخول في اشتباكات مسلحة مع عناصر جهاز الاستخبارات، واحتلال مقار
الأجهزة الأمنية بالقطاع، الجدل مجدداً حول مستقبل السلطة الفلسطينية
والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الذي بدا كأنه فقد السيطرة على الأوضاع
في الأراضي الفلسطينية، وطرح العديد من التساؤلات حول مدى قدرة السلطة
على الاستجابة لمطالب الإصلاح والتغيير.
ففي
واحدة من أسوأ الأزمات التي واجهتها السلطة الفلسطينية منذ مجيئها
بموجب اتفاق أوسلو عام 1993، شهد قطاع غزة مؤخراً انفلاتاً أمنياً
خطيراً، بدأ يوم 16/7/2004 بقيام حركة أطلقت على نفسها اسم «كتائب
شهداء جنين» باختطاف «غازي الجبالي» قائد الشرطة في قطاع غزة ولم تطلق
سراحه إلا بعد تعهد عرفات بإقالته، ومحاسبته على قضايا الفساد المتورط
فيها، وأكدت الحركة أن هذا الحادث هو بداية لحملة ضد الفساد في السلطة،
وبالفعل تلا ذلك اختطاف مسؤول آخر بالشرطة وهو «خالد أبو العلا« مسؤول
الارتباط بالقطاع، وأربعة فرنسيين يعملون في مجال الإغاثة.
ومن
جانبه حاول عرفات تخفيف حدة هذه الاضطرابات وحصرها، فأصدر قراراً
بتقليص الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى ثلاثة بدلاً من اثني عشر هي:
الأمن العام برئاسة ابن عمه «موسى عرفات»، والشرطة برئاسة اللواء «صائب
العاجز» والمخابرات برئاسة اللواء «أمين الهندي»، إلا أن تعيين «موسى»
أثار موجة استياء عارمة، خاصة داخل حركة فتح، حيث حذرت كتائب شهداء
الأقصى (الجناح العسكري للحركة) مما أسمته «فتنة داخلية»، معتبرة أن
هذا القرار يدخل ضمن إطار المحسوبية المنتشرة داخل السلطة الفلسطينية،
مما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين رجال الاستخبارات (التابعين لموسى
عرفات) وعناصر تابعة للحركة هاجموا مقر الاستخبارات بخان يونس مما أدى
إلى إصابة أكثر من 18 شخصاً، كما تظاهر آلاف الفلسطينيين رافضين
تعيينه، حيث اتهموه بأنه أكثر فساداً، وأن تعيينه يدخل ضمن «توريث
السلطة».
واحتجاجاً على هذا الانفلات، قدم رئيس الوزراء الفلسطيني «أحمد قريع»
استقالته، لأنه - بحسب قوله - «لا يريد أن يكون مجرد رئيس وزراء دون
صلاحيات»، الأمر الذي دفع عرفات إلى التراجع عن قراره وأعاد الفريق
«المجايدة» إلى منصبه كمدير عام للأمن العام في قطاع غزة واللواء
«إسماعيل جبر» مسؤولاً عن الأمن في الضفة الغربية، ورغم محاولات عرفات
تهدئة الأوضاع؛ إذ سارع بنفي وجود خلافات مع قريع، مؤكداً استمرار
الأخير في منصبه، فإن الاضطرابات تجددت مرة أخرى بعدما سيطر مسلحون
تابعون لكتائب شهداء الأقصى على مقر محافظة خان يونس لمدة خمس ساعات،
فيما أحرق مجهولون مقراً للشرطة في بلدة «الزوايدة» بالقطاع.
ومثلت هذه الأحداث بداية تحرك شعبي للمطالبة بضرورة القضاء على الفساد
والمحسوبية التي استشرت داخل أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية، حيث
طالبت «كتائب شهداء الأقصى» في بيان أصدرته يوم 17/7/2004 بإقالة من
أسمتهم «رموز الفساد في السلطة»، مشيرة إلى أن تراجع عرفات عن تعيين
«موسى» كمدير عام للأمن في الضفة والقطاع، ما هو إلا «ذر للرماد في
العيون»، محذرة من «أن غياب قوانين العدالة والنزاهة سيؤدي إلى مزيد من
التدهور في الأوضاع الأمنية مستقبلاً«، فيما طالب «زكريا الزبيدي» قائد
الحركة في الضفة الغربية قيادات السلطة الوطنية في الضفة والقطاع دون
استثناء بتقديم استقالاتهم لتورطهم بقضايا «الفساد والإفساد ولعدم
قدرتهم على حماية الشعب الفلسطيني من القتل والدمار والاحتلال».
كما
أكد ثلاثة عشر فصيلاً فلسطينياً بينهم: فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي
والجبهتان الشعبية والديمقراطية في بيان مشترك صدر يوم 18/7/2004 أن
الطريق الوحيد لحل الأزمة الفلسطينية - الفلسطينية الراهنة هو «الإصلاح
الشامل والجذري للوضع الفلسطيني بوقف جميع أشكال الانفلات الأمني
والفوضى ومحاربة الفساد ومحاسبة المسيئين باستخدام المال العام أو
استغلال المنصب وبما يكرس احترام سيادة القانون»، واعتبرت فصائل منظمة
التحرير الفلسطينية في بيروت أن ما يجري على الأراضي الفلسطينية هو
«صراع على السلطة يسيء للقضية الفلسطينية ويخدم مشاريع العدو الصهيوني
العنصرية»، محذرة من «اقتتال الأجهزة الأمنية تحت شعار الإصلاح ومحاربة
الفساد»، ودعت إلى «حوار وطني جاد وشامل تشارك فيه جميع القوى والفصائل
الفلسطينية للوصول إلى تشكيل قيادة وطنية موحدة للشعب الفلسطيني تقود
نضاله وتتمسك باستمرار الانتفاضة والمقاومة حتى التحرير والعودة»، كما
حذر النائب «عزام الهنيدي» الناطق الرسمي لحزب جبهة العمل الإسلامي من
«توسع الحالة وتحولها إلى صراع عام كان شارون قد سعى إليه عبر إعلاناته
المتكررة بنيته الانسحاب من قطاع غزة، وصولاً إلى ما يرمي إليه من
تفتيت الانتفاضة أو وقفها جراء الانشغال الداخلي بين الأطراف
الفلسطينية».
وفي
حركة فتح أكد «سمير مشهراوي» أحد قياديي الحركة أنه «لا يجوز أن نحارب
الفساد بمزيد من الفساد ولا يجوز أن نغير فاسداً بفاسد آخر»، واتفق معه
الدكتور «مصطفى البرغوثي» سكرتير عام المبادرة الوطنية، مؤكدا أن
الأحداث التي جرت في قطاع غزة تكشف عن وجود مشكلات خطيرة منها الفساد
الذي استشرى في جميع مؤسسات السلطة، وسوء الإدارة، والتسلط على مقدرات
الناس وممتلكاتهم، وهي أمور جميعها لا تخدم القضية الفلسطينية.
وقد
أثارت هذه الانقسامات والمواجهات الفلسطينية - الفلسطينية اهتمام
الدوائر الرسمية والإعلامية الدولية والعربية، حيث جددت الإدارة
الأمريكية موقفها الداعي إلى عزل عرفات، حيث قال الناطق باسم البيت
الأبيض «سكوت ماكليلان» يوم 19/7/2004: «لا بد أن تكون هناك قيادة
فلسطينية جادة في تشكيل مؤسسات أمنية ضرورية لقيام دولة فلسطينية قادرة
على محاربة الإرهاب»، واعتبر المتحدث باسم الخارجية «ريتشارد باوتشر»
أن بقاء عرفات في السلطة يعيق عملية إصلاح الأجهزة الأمنية الفلسطينية،
قائلاً: «لم نجد في الماضي أنه يلعب دوراً مفيداً، ولا أعتقد أن هذا
الأمر قد تغير». فيما اعتبر «كوفي عنان» الأمين العام للأمم المتحدة أن
الأوضاع الأمنية المتدهورة في قطاع غزة تؤكد صحة ما جاء في تقرير موفده
إلى الشرق الأوسط «تيري رود لارسن»، الذي انتقد فيه عرفات، معتبراً أنه
لم يبرهن على الإرادة السياسية لإصلاح حكومة السلطة التي تواجه خطر
الانهيار، وطالب عنان السلطة بضرورة الإسراع بإصلاح أجهزتها الأمنية
«إذا ما كانت تريد إنهاء الفوضى التي عمت قطاع غزة»، مشيراً إلى أن
«القيادة الفلسطينية تمر بأزمة عميقة تحتم عليها اتخاذ خطوات وإجراءات
للسيطرة على الأوضاع، لأنه بغير ذلك سيكون من الصعب للغاية تحقيق أي
تقدم». وطالب «خافيير سولانا» الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد
الأوروبي عرفات بضرورة منح رئيس وزرائه سلطات حقيقية، مضيفا أن الأحداث
الأخيرة تعد مؤشراً واضحاً على أن «الثقة في القيادة الفلسطينية مهزوزة
من قبل قطاع عريض في الشعب الفلسطيني».
وعلى الصعيد العربي أثارت هذه الأحداث موجة انتقادات واسعة، حيث طالبت
العديد من الدول العربية السلطة وجميع الفصائل الفلسطينية بإنهاء
الفوضى والانفلات الأمني والحفاظ على وحدة وتماسك الشعب الفلسطيني
وحماية مصالحه، فيما وجدت الحكومة الإسرائيلية في هذه الأحداث ما يدعم
موقفها الداعي إلى عزل عرفات، بل سعت إلى زيادة حدة الاقتتال الفلسطيني
- الفلسطيني، حيث أكد ديوان رئيس الوزراء يوم 18/7/2004 أن «انعدام
الاستقرار الأمني في قطاع غزة يعزز موقف شارون القاضي بضرورة تنفيذ خطة
الانفصال أحادية الجانب في أسرع وقت ممكن، وأن هذه الأحداث تقدم دليلاً
على عدم وجود شريك لعملية السلام في الجانب الفلسطيني»، كما أشار مكتب
وزير الخارجية «سليفان شالوم» إلى أن «الأوضاع الراهنة في السلطة
الوطنية الفلسطينية من شأنها أن تقود إلى حالة فوضى مطلقة»، واعتبر
«إيهود أولمرت» وزير التجارة والصناعة الإسرائيلية أن «الأراضي
الفلسطينية مسرح لصراع داخلي محتوم بين الفلسطينيين المعتدلين
والمتشددين، وأن هذا الصراع سيؤدي في النهاية إلى انتصار الفئة الأكثر
اعتدالاً المستعدة للتفاوض مع إسرائيل».
وأجمعت الصحف الغربية على أن اضطرابات غزة تمثل تحدياً للسلطة
الفلسطينية ممثلة في زعيمها ياسر عرفات، فقد اتفقت صحيفتا «لوس أنجلوس
تايمز» يوم 24/7/2004، و«واشنطن تايم» يوم 22/7/2004 على أن الأزمة
الأخيرة التي شهدها قطاع غزة قد تمثل «بداية النهاية لحقبة عرفات»،
وأشارت الأخيرة إلى قول رئيس الموساد الإسرائيلي السابق «إفرام
هاليفي»: «إن أحداث غزة أثبتت أن عرفات يفقد سلطته بشكل تدريجي»، موضحة
وجود العديد من الملفات التي قد تسرع بنهاية عرفات، مثل الاتهامات التي
وجهت إليه بتمرير 9 ملايين يورو إلى حساب زوجته «سها عرفات» بإحدى
البنوك الفرنسية، فيما أكدت صحيفة «نيويورك تايمز» يوم 22/7/2004 أن
«عرفات فشل في أن ينتقل من مرحلة الثورية وأن يصبح رجل دولة». ووصفت
صحيفة «الديلي تليجراف» يوم 20/7/2004 تراجع عرفات عن تعيين قريبه
«موسى عرفات» مديراً للأمن العام في القطاع وإعادة «المجايدة»، بأنه
«يتسم بالإذلال{، وأرجعت صحيفة «الجارديان{ يوم 21/7/2004 هذا الانفلات
الأمني إلى اقتراب موعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من القطاع،
الأمر الذي أدى إلى وجود صراع على السلطة بين الكوادر الفلسطينية
القديمة والجديدة، محذرة من أن هذا الانقسام الفلسطيني - الفلسطيني
سيقود إلى مزيد من الإرهاب، أما صحيفة «التايمز» فترى أن الانقسامات
الداخلية سوف «تفقد عرفات وضعه كزعيم ذي مصداقية على الصعيدين الداخلي
والدولي»، مشيرة إلى ان أهم العناصر المرشحة لخلافة عرفات تنحصر بين
حماس التي تتمتع بشعبية هائلة بين الفلسطينيين لما تقدمه لهم من
مساعدات، وبين المعتدلين في السلطة، فيما انتقدت صحيفة «الإندبندنت»
يوم 20/7/2004 انفراد عرفات بالسيطرة على الأجهزة الأمنية، الأمر الذي
فرض على قريع قيوداً - وفق رأي الصحيفة - حالت دون قيامه بمهامه
الأساسية، كما طالبت «الفايننشال تايمز» يوم 21/7/2004 عرفات بالتنحي
عن السلطة وأن يدع الفرصة للقيادات الجديدة كي تدير الشؤون الفلسطينية
بنزاهة وبعيداً عن الفساد الذي يمارسه. ويثير هذا الانفلات الأمني الذي
شهدته الأراضي الفلسطينية، على خلفية مطالبات العديد من قطاعات فصائل
الشعب الفلسطيني بإجراء إصلاحات شاملة في السلطة والقضاء على كل مظاهر
الفساد بداخلها، وهناك العديد من الملاحظات، منها:
أولاً: رغم أن ملف إصلاح مؤسسات السلطة الفلسطينية لا يعد أمراً
جديداً، إذ تصاعدت الأصوات الدولية والعربية خلال السنوات الثلاث
الماضية التي تطالب السلطة بإجراء إصلاحات هيكلية جادة والقضاء على
جميع أنواع الفساد الذي استشرى في أروقتها، فإنها برزت في الآونة
الأخيرة بعض المعطيات التي أعادت هذا الملف إلى السطح مرة أخرى، لعل
أهمها: تقرير «لارسن» مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى الشرق
الأوسط الذي قدمه إلى مجلس الأمن في الأسبوع الأول من يوليو الماضي
الذي أكد فيه: «أن السلطة الفلسطينية تتوجه تدريجياً نحو الفوضى، وأن
القيادة الفلسطينية لا تظهر رغبة في الإصلاح»، مشيراً إلى أن الانهيار
الذي تشهده السلطة الفلسطينية لا يمكن أن يكون سببه فقط عمليات التوغل
الإسرائيلية في المدن الفلسطينية بل لأن السلطة تواجه مصاعب داخلية
حقيقية قد تؤدي إلى انهيارها، وهو التقرير الذي أدى إلى توتر العلاقات
بين السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة، إلى حد اعتبار «لارسن» شخصاً
غير مرغوب فيه في الأراضي الفلسطينية. من ناحية أخرى، كشفت العديد من
وسائل الإعلام عن تفشي مظاهر الفساد بين مسؤولي السلطة، فقد أشارت
صحيفة «لو كانار أنشينيه» الأسبوعية الفرنسية في عددها الصادر يوم
11/2/2004 إلى أن النيابة العامة في باريس فتحت تحقيقًا أوليا بشأن
تحويلات بلغت 9 ملايين يورو (11.5 مليون دولار) إلى حسابين مصرفيين في
فرنسا باسم سها عرفات (زوجة ياسر عرفات) المقيمة في باريس، خلال الفترة
من يوليو 2002 إلى يوليو 2003، وذلك بناء على معلومات من بنك فرنسا
المركزي وهيئة مكافحة غسل الأموال... وتقدر بعض الدوائر الاستخباراتية
الغربية ثروة ياسر عرفات التي تخص منظمة التحرير الفلسطينية بمئات
الملايين من الدولارات، وذكرت أنه يمتلك شركات صناعية ومزارع وعقارات
في إفريقيا وعدد من دول العالم ومنها دول عربية، وأنه لا يمكن التصرف
في أي من أموال السلطة دون توقيع شخصي منه، كما كشفت النقاب في يونيو
الماضي عن أن أربع شركات فلسطينية، يملكها أعضاء بارزون في السلطة،
باعت كميات من الأسمنت المستورد من مصر لشركات إسرائيلية تستخدمه في
بناء مستوطنات على الأراضي المحتلة وبناء الجدار الفاصل، وأن «الجبالي»
الذي قامت كتائب شهداء جنين باختطافه استغل منصبه كقائد عام للشرطة
الفلسطينية واستولى على حوالي 26 مليون دولار من أموال السلطة، ولم يقف
الأمر عند حد الفساد المالي، بل تعداه ليشمل الفساد الإداري والأخلاقي،
وأن المحسوبية هي النهج المتبع في إدارة أمور السلطة، مما أدى إلى
استياء عام بين أوساط الشعب الفلسطيني، حيث نشرت صحيفة «وول ستريت
جورنال» نتائج استطلاع للرأي يوم 18/7/2004 أوضح أن 87% من الشعب
الفلسطيني يرى «أن جميع المؤسسات التابعة للسلطة فاسدة حتى النخاع».
ثانياً: تعاني مؤسسات السلطة الفلسطينية خللاً واضحاً في جميع هياكلها،
سواء القيادية أو الأمنية، فعرفات لا يرغب في التنازل عن أي من
صلاحياته، لرئيس الوزراء «قريع»، الذي يزعم أنه فشل في تحقيق برنامجه
الإصلاحي بسبب ذلك، ويشير مراقبون إلى أن قرار عرفات المنفرد بتقليص
أجهزة الأمن إلى ثلاثة يدل على أن قراراته فردية وبعيدة عن الأنظمة
واللوائح، من ناحية أخرى ترى المعارضة أن عرفات يعين أكثر من شخص في
نفس المنصب، وأعطت مثالاً على ذلك بـ «فاروق قدومي» و«نبيل شعث»
فكلاهما يتمتع بصلاحيات غامضة ومتشابكة، كما أن هناك أكثر من مستشار
أمني مثل هاني الحسن وجبريل الرجوب.
ثالثًا: رغم الأزمة التي تمر بها السلطة الفلسطينية، فإن مسألة بقاء
عرفات في السلطة أو صعود من يخلفه مازالت غير محددة بعد، بالرغم من
وجود تيارات قوية على الساحة الفلسطينية تنادي بتنحي عرفات وإعطاء
الفرصة لوجوه أخرى، فقد أوضحت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية يوم
18/7/2004 أن «محمد دحلان» - الذي شغل منصب وزير الدولة لشؤون الأمن
الداخلي في ظل حكومة أبومازن - يقف خلف الاضطرابات الأخيرة في القطاع،
وأنه السبب في سلسلة الاستقالات التي تمت في أجهزة السلطة، خاصة
استقالة «رشيد أبو شباك» قائد الأمن الوقائي، و«أمين الهندي» قائد
الاستخبارات العامة، والتظاهرات التي خرجت تندد بالفساد، كما لعبت
"إسرائيل" دوراً مهماً ولو بشكل غير مباشر في التوترات الفلسطينية
الداخلية، وزعمت الصحيفة أن دحلان يتمتع بتأييد أكثر من 70% من رجال
حركة فتح في غزة، وأنه يخطط لإحداث انقلاب على عرفات والعودة مجدداً
إلى السلطة، خاصة أنه يتمتع بتأييد أمريكي وإسرائيلي، ويأتي ذلك في
إطار الحملة الإسرائيلية لتلميع دحلان. من ناحية أخرى لعب شارون منذ
مجيئه إلى الحكم عام 2001 دوراً مهماً في النيل من «زعامة عرفات، إذ
عمل على محاصرته في مقره برام الله وعزله دولياً، كما عمل في الوقت
نفسه على زعزعة قيادته للسلطة سواء لجهة اختراقها بمد خطوط اتصال مع
بعض المحيطين بعرفات، أو لجهة إضعاف سيـطرته الأمنية على كامـل الأراضي
الفلسطينية.
رابعاً: إن التطورات والأحداث التي شهدتها الأراضي الفلسطينية مؤخراً
تضع السلطة الفلسطينية أمام أحد خيارين، إما الإسراع بخطى الإصلاح
الداخلي، الحقيقي وخاصة الفساد المستشري داخلها، أو الدخول في موجة من
العنف لن تؤدي فقط إلى انهيار السلطة الفلسطينية التي فشلت في تحقيق أي
من الأهداف التي وردت في اتفاق أوسلو، والذي جاءت بموجبه إلى السلطة
وإنما قد تدفع إلى خطر الانزلاق إلى حرب أهلية ، قد تطول في تداعياتها
الأمنية دولاً أخرى في المنطقة، وهو ما تسعى إليه "إسرائيل".
|