عمر شعبان: الدعم العربي جيد لكنه أقل من المتوقع


* الجهود العربية حتى الآن لا تف بالمستوى المطلوب.
* الأزمة تكشف أن إصلاحات وزير المالية السابق كانت ذرا للرماد.
* بشكل موضوعي ومباشر تتحمل الحكومات السابقة مسؤولية الأزمة.
* نسبة كبيرة من الموظفين تتفهم طبيعة الأزمة.
غزة- الشبكة الإعلامية الفلسطينية
أكد عمر شعبان الخبير الاقتصادي الفلسطيني توفر بدائل لإيصال أموال الدعم العربي إلى السلطة الفلسطينية، موضحاً أن الجهود العربية لدعم الشعب الفلسطيني "جيدة، ولكنها أقل من المتوقع بكثير"، لافتاً إلى أن الجهود العربية -حتى الآن- لا تفي بالمستوى المطلوب.

وأوضح أن الأزمة الحالية كشفت أن الحديث عن إصلاحات قام بها وزير المالية السابق سلام فياض "كان ذرا للرماد، ولم يكن فيه أي رصيد من الواقع "، مشيرا إلى تفهم نسبة كبيرة من الموظفين بأن الأزمة ليست بسبب تولي حماس السلطة بقدر ما هو الأداء المالي للسلطة في السنوات الماضية والاشتراطات السياسية المربوطة بالتمويل الدولي.

جاء ذلك خلال حوار حي ومباشر بين الخبير الاقتصادي عمر شعبان وجمهور شبكة إسلام أونلاين.نت، وهذا نصه:

في نظركم، ما هو السيناريو المحتمل إذا ما لم تسدد رواتب الموظفين الفلسطينيين؟ وهل يتفهم الموظفون الأزمة المالية الخانقة لحكومة حماس في ظل المقاطعة المعلنة من الجانب الدولي؟ .
السيناريو المحتمل لعدم دفع رواتب الموظفين أن تقوم السلطة بإعطائهم سلفا بنسبة من رواتبهم للمساعدة على الوفاء بالحد الأدنى من متطلبات الحياة.

للحصول على المبلغ (السلف) هناك عدة بدائل ما زال المجال مفتوحا أمام الحكومة الحالية للاقتراض من بعض البنوك لمن لديها رؤية وطنية تراعي مصالح الشعب الفلسطيني، جمع الضرائب الداخلية من الممكن المساهمة في حل المشكلة.

بالنسبة للجزء الثاني من السؤال يتفهم نسبة كبيرة من الموظفين طبيعة الأزمة، وأن الحكومة ليست المسئولة، حيث إن السلطة تعيش أزمة مالية منذ عدة سنوات، وقد شهدت عدة مرات تأخيرا في دفع المرتبات حتى في ظل الأوضاع الاقتصادية المفترضة بالأفضل في ظل حياة الرئيس عرفات، وقد حدث أن استقطع من جميع موظفي السلطة شهرا كاملا من دون الحصول على مرتبات.

والموظفون يدركون أن الأزمة ليست بحماس بقدر ما هو الأداء المالي للسلطة في السنوات الماضية والاشتراطات السياسية المربوطة بالتمويل الدولي، وعلى العكس الحملة الدولية ضد الشعب الفلسطيني عقاب على خياره الديمقراطي تركت أثرا غير ما يريده المجتمع الدولي بتماسك المجتمع، وهناك تأييد من جهات ليست محسوبة على حركة حماس.

بعد قيام المصارف الإسرائيلية بوقف التعامل مع المصارف الفلسطينية، هل سيؤثر ذلك على الحركة المصرفية الفلسطينية؟، وهل يوجد بديل آخر؟، وهل الحساب الذي قام السيد عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية بفتحه في البنوك المصرية قادر على إيصال المال إلى الحكومة الفلسطينية؟.
من المعروف أن اتفاق باريس الاقتصادي الذي وقع عام 94 بباريس والذي نظم العلاقة بين السلطة وإسرائيل ربط أيضًا بين النظام المصرفي الفلسطيني بالإسرائيلي، بالرغم من أنه قد أعطيت للفلسطينيين الحق في تأسيس سلطة النقد، وهي تقوم بالرقابة على عمل البنوك داخل المجتمع الفلسطيني دون أن يكون لها الحق في إصدار عملة أو العمل كبنك مركزي.

وبالتالي قيام المصارف الإسرائيلية بعدم التعاون مع الفلسطينيين يشكل ضربة قاضية للنظام المصرفي الفلسطيني، حيث من المعروف أن المصارف الفلسطينية تودع بعض أموالها لدى المصارف الإسرائيلية، وحتى سلطة النقد الفلسطينية تودع جزءًا من أرصدتها لدى البنوك الإسرائيلية كنوع من الضمان والتي بموجبها يتم تعامل البنوك الإسرائيلية مع النظام المصرفي الفلسطيني.

بالرغم من ذلك، هناك بدائل أخرى قد لا تكون بنفس الكفاءة، حيث إن هناك بعض البنوك العربية العاملة في فلسطين، كالبنك العقاري المصري، وبنك الإسكان، وبنك الأردني، والبنك الإسلامي الفلسطيني، وهي خارج النظام المصرفي الفلسطيني.

وبالتالي يمكن للمعونات التي تودع في حساب التي فتحته جامعة الدول العربية يمكن أن تصل للفلسطينيين من خلال هذه البنوك العربية، إضافة إلى أن وسائل أخرى غير بنكية كالنقل الشخصي أو عبر التجار. هناك طرق أخرى خارج نظام المصرف التقليدي، أو عبر رجال الأعمال الذين لديهم حركة تجارية بين فلسطين والعالم الخارجي.
الدعم العربي
ما هو تقييمكم للجهود العربية لمساعدة السلطة الفلسطينية؟.
التقييم المبدئي للجهود العربية يمكن القول إنها جيدة ولكنها أقل من المتوقع بكثير، خاصة أن هذه المجهودات مازالت في إطار النوايا والإعلانات الصحفية أي لم يصل أي منها إلى فلسطين بعد، وقد لا يكون العائق في الطرف العربي بقدر ما تكون ظروف موضوعية أخرى.

بالجملة الجهود العربية حتى الآن لا تفي بالمستوى المطلوب، نحن نتحدث عن إيران وقطر والسعودية، والسعودية تعهدت بدفع التزاماتها السابقة للسلطة.

ومع تقدير الشعب الفلسطيني الدائم للمساعدات التي كانت هامة طوال الوقت منذ بدء الانتفاضة للآن إلا أن المجتمع الفلسطيني ينظر نحو مجهودات أكبر وبكفاءة أسرع، حيث إن هذه المرة الوضع لا يحتمل التأني ولا يحتمل البطء، والمجتمع الفلسطيني لا ينظر فقط إلى المساعدات المادية بل أيضا بالمواقف السياسية وتصريحات التضامن التي يمكن أن تعطي رسائل مهمة للمجتمع الإسرائيلي والغربي.

وبالتالي مجمل التقييم لا نستطيع الحكم عليه بشكل نهائي؛ لأنه ما زالت ردود الفعل في طور التكوين، ولم تصل هذه المبالغ إلى نهايتها، ونتوقع أن تكون مضاعفة في الأيام القادمة.

ما الدور الذي من الممكن أن تلعبه مؤسسات "NGOS" في حل الأزمة الاقتصادية؟
دائما كانت المؤسسات الأهلية لها دور مرموق في التنمية الاقتصادية والبشرية، ويمكن لهذه المؤسسات أن تعظم من دورها لكي تساهم في مواجهة الأزمة وتشكل إلى حد ما بديلا عن بعض الخدمات الحكومية.

والمؤسسات الأهلية الفلسطينية والدولية أصبح لديها خبرة متراكمة نوعية من خلال سنوات عملها الطويل في مجالات متعددة أهمها، التعليم، الخدمات الصحية، ورعاية الطفولة، والاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة، ولكن لكي نكون موضوعيين هناك بعض الجوانب التي لا تستطيع المؤسسات الأهلية أن تقوم بها، وهي أعمال لها علاقة بالقوانين والتشريعات وجمع الضرائب وتطوير القطاع الخاص وتطوير الصادرات والرقابة على الواردات؛ فهذه المهام ذات صبغة سيادية.

وبالتالي يجب أن نميز بين مستويين من العمل، مستوى عمل لمجتمعات تعيش في حالة إغاثة، وهنا يكون للمؤسسات دور هام، والوضع الآخر المتعلق بالتطوير وفيه يجب أن تكون الحكومة قائدة العمل التنموي.

فعلى سبيل المثال، لا يمكن للمؤسسات الأهلية بتوفير المرتبات أو تشكل بديلا لدفع مرتبات 150 ألف موظف لأسباب تقنية إدارية وأسباب تتعلق بقدرتها الإدارية على دفع مبالغ ضخمة.

ما مدى مسئولية وزير المالية السابق سلام فياض عما يجري الآن ؟
من المعروف أن الوزير سلام فياض قد جيء به كحامل راية الإصلاح التي فرضت على الرئيس الراحل ياسر عرفات من قبل المجتمع الدولي، وانعكست الضغوط على الرئيس الراحل عبر عدة إجراءات منها تعيين سلام فياض وزيرا للمالية ومنها توحيد بنود الصرف للسلطة، ومنها تجميع استثمارات السلطة الداخلية والخارجية المعروفة وغير المعروفة تحت فيما سمي بعد ذلك تحت اسم صندوق الاستثمار الفلسطيني.

ومن المعروف أن سلام فياض كان مستشارا لصندوق النقد الدولي، وقد قيل الكثير عن إجراءات سلام فياض الإصلاحية وكتب الكثير لتكشف الأزمة الحالية أن كل ما قيل كان ذرا للرماد، ولم يكن فيه أي رصيد من الواقع؛ فالموازنة تم تضخيمها وبعد أن استلم وزير المالية سلام فياض موازنة بدون عجز، أنهى موازنة 2005 بـأكثر من مليار دولار وأكثر من 40% من ميزانية 2005.

وبعد أن استلم صندوق الاستثمار الفلسطيني بأموال بلغت 1.5 مليار دولار سلم للسلطة الحالية بأقل من مليار، وبعد أن كان لدينا موازنة لا تعتمد بنسب كبيرة على الخارج أوصلنا إلى موازنة تعمد على الخارج بنسبة 65%؛ وهو ما جعل المجتمع الفلسطيني كاملا في مهب الريح.

وهناك الكثير من الخبراء وأنا من بينهم نرى أن سياسات وزير المالية سلام فياض مسئولة إلى حد كبير عن الأزمة الحالية التي نحن بصددها، حيث لم يتخذ أي إجراء إصلاح حقيقي، لم يتم مأسسة عمل وزارة المالية كما كان يزعم دائما، أبقى على استثمارات صندوق الاستثمار الفلسطيني في الخارج ولم يجلبها للداخل مما حرم المجتمع الفلسطيني من نتائج استثمارها، واتبع سياسة محاباة لمؤسسة الرئاسة والتشريعي وبعض المتنفذين في الأجهزة الأمنية مما أثقل الموازنة العامة بعجز كبير.

لم تعكس الموازنة منذ تولي سلام فياض أي نهج تنموي، ومن الأمثلة الكثيرة للسياسات الخاطئة المتعمدة تأسيس شركة الدفيئات الزراعية برأس مال 100 مليون دولار من صندوق الاستثمار الفلسطيني، والتي هدفت إلى استثمار الأراضي الزراعية المخلاة من قوات الاحتلال حيث تم تعيين أشخاص بشكل شخصي بدون مهنية وبرواتب عالية، وقد بلغت خسائرها حتى الآن 40 مليون دولار، دون أن تنجح في تصدير أي منتجات زراعية من تلك الدفيئات، ناهيك عن عقود الاحتكار التي أعطيت لشركة الغاز والتنقيب عنها، وشركات الكهرباء والاتصالات.
اتفاقية باريس
من المسئول عن تأزم الوضع المالي بالصورة الحالية ؟ وهل كان بالإمكان التوصل إلى وضع أفضل وكان هناك تقصير؟
المأزق الفلسطيني الحالي بدت ملامح مماثلة في الماضي من خلال سياسات إسرائيل التي تتحكم في المعابر والاقتصاد الفلسطيني. ولكن كان يغض الطرف عنها؛ لأنه من كان بالسلطة هم من وضع الاتفاقات التي خلقت مثل هذا الوضع.

لا يمكن فهم الأزمة الحالية بدون فهم سياقات الاتفاقات السياسية والاقتصادية التي وقعتها منظمة التحرير والتي نتج بموجبها السلطة الفلسطينية؛ فاتفاق أوسلو هي اتفاقية منقوصة لم تعط للفلسطينيين سوى سيادة محدودة من ناحية السياسات والصلاحيات وليس هناك سيادة على الأرض، فأبقت لإسرائيل سلطة التحكم في المعابر وحرية البضائع والأشخاص، السيطرة على البر والبحر والجو.

إضافة إلى اتفاق باريس الاقتصادي الذي نظم العلاقة الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث جعل من الأراضي الفلسطينية وإسرائيل ضمن نظام جمركي واحد كأنهم إقليم واحد، وبالتالي حرمت السلطة والشعب الفلسطيني بموجب الاتفاقية من صلاحية إقرار سياسته الخاصة به.

ودائما كان الاقتصاد الفلسطيني يمثل حديقة خلفية للاقتصاد الإسرائيلي ودائما سعت إسرائيل للإبقاء على علاقة التبعية فيما يتعلق بالاقتصاد الفلسطيني. فالاقتصاد الفلسطيني يشكل ثاني أكبر مستهلك بعد الولايات المتحدة الأمريكية للبضائع الإسرائيلية وهو يشكل فرصة ذهبية نظرا لعدم تمتع الفلسطينيين بصلاحيات تحديد أو تنظيم دخول البضائع الإسرائيلية إلى الأسواق الفلسطينية.

والخلل البنيوي والمنهجي أننا أعطينا انطباع للعالم أننا دولة، في حين أننا لم نكن سوى أراض خاضعة لإسرائيل بأشكال مختلفة، وهو ما يثبته الواقع اليوم، الفلسطينيون حتى اليوم لا يستطيعون استيراد أي سلعة من الخارج إلا عبر المرور بالنظام الجمركي الإسرائيلي.

ما هو حجم المسئولية التي تتحملها الحكومة السابقة وأخواتها في وصول الأمور إلى هذا المأزق الاقتصادي العميق؟
بشكل موضوعي ومباشر تتحمل الحكومات السابقة الأزمة التي نحن بها الآن، لسبب بسيط أن الدول الأوربية امتنعت عن الاستمرار في الدعم ولم تسحب دعمها في الماضي، مؤشرات الأزمة الحالية العجز الموجود والديون التي تزيد عن مليار دولار داخليا وخارجيا، والإرث الذي تركته الحكومة الماضية إرث كبير للسلطة الحالية وملامحه تتمثل فيما ذكرنا عن مليار دولار.

هذا على مستوى المؤشرات المالية إضافة إلى ركود اقتصادي ناتج عن عدم قيام الحكومات في الماضي بإتباع سياسات تنموية مستدامة تعزز من دور قطاع الصناعة والزراعة والسياحة، والحكومة الحالية ورثت أزمة ظهرت في عجز مالي وركود اقتصادي.

في ضوء ما ذكرت، ما هي البدائل المتوفرة أمام الحكومة الجديدة ؟، وهل الحكومة قادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي؟.
في ظل هذه المعطيات والاتفاقيات لا يوجد أمام الحكومة الحالية سوى تذكير العالم بالتزامات الاحتلال تجاه الأراضي المحتلة حسب اتفاقيات جنيف، والتأكيد للعالم أننا ما زلنا تحت احتلال، والاحتلال ملزم حسب اتفاقية "جنيف" بتوفير حياة كريمة أو أسسها للمواطنين والسكان الواقعين تحت سيطرة احتلاله، وهذا يؤكد أن الحكومة غير قادرة على الاكتفاء الذاتي في ظل علاقة التبعية المترسخة منذ بدء الاحتلال عام 67 وعلاقات التشابك المصلحي التي تربط بين الاقتصاد الإسرائيلي القوي والاقتصاد الفلسطيني الضعيف.


 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع