السياسة إذ تكتب نهاية الإنتفاضة

بقلم : ياسر الزعاترة

 من المؤكد أن التاريخ الفلسطيني منذ الانتداب البريطاني ولغاية اليوم لم يشهد مرحلة أكثر روعة وأهمية من انتفاضة الأقصى التي بدأت عملياً في الثامن والعشرين من شهر أيلول من العام ،2000 ولم تتوقف حتى الآن، فيما يتوقع لها أن تنتهي بصيغتها المعروفة وزخمها الكبير خلال الأيام أو الأسابيع، إن لم تكن قد انتهت واقعياًمنذ أعلن فوز محمود عباس بمنصب رئيس السلطة الفلسطينية.

جاءت انتفاضة الأقصى بعد سلسلة من الانتفاضات المشابهة التي سبقتها منذ نهاية الثمانينات، والتي كانت تنتهي بسيف السياسة لا بسيف القوة الإسرائيلية، فقد بدأت الانتفاضة الأولى نهاية العام ،1987 ولم تعمر طويلاً كانتفاضة حجارة، إذ ما لبثت أن تحولت بعد عام إلى انتفاضة سكاكين، ثم انتفاضة مسلحة جاء اتفاق أوسلو في أيلول من العام 1993 ليكتب نهايتها، وإن بقيت راية المقاومة مرفوعة على نحو ما.

في العام 1994 جاءت انتفاضة الحرم الإبراهيمي إثر المذبحة الشهيرة، ثم توقفت بعد ذلك بتفاهمات سياسية. ثم جاءت انتفاضة النفق (1996) كما عرفت في ذلك الوقت، وبالطبع كرد على حفر نفق تحت المسجد الأقصى، ولم تعمر طويلاً هي الأخرى في ظل تقدم مسيرة أوسلو وتفاهماتها المتوالية. ثم جاءت انتفاضة أبو غنيم (1997) كرد على بناء مستوطنة أبو غنيم، وانتهت هي الأخرى باتفاق واي ريفر الشهير، وأخيراً جاءت انتفاضة الأسرى في نيسان من العام ،2000 ولتتوقف هي الأخرى على مشارف قمة كامب ديفيد المخصصة لمناقشة مفاوضات الوضع النهائي.

نعود إلى القول إن انتفاضة الأقصى ستبقى الأروع والأهم، لأسباب عديدة من بينها المدى الزمني الذي استغرقته، وحجم الالتفاف حول رايتها في الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي، ومن ثم التضحيات التي قدمتها، لكن الأهم من ذلك كله هو حجم تأثيراتها على العدو الذي خسر خلالها ما لم يخسره في حروبه مع العرب طوال عقود طويلة باعتراف قادته وكما تؤكد الأرقام المنشورة لعدد القتلى والجرحى، فضلاً عن تأثيراتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعنوية على الإسرائيليين والصهاينة في العالم أجمع.

لكن ذلك لم يحل بين السياسة وبين السعي إلى وضع حد لها، تماماً كما فعلت بسابقاتها، وبالطبع في ظل أوضاع عربية ودولية في منتهى السوء من زاوية النظر الفلسطينية والعربية. لكن ما ينبغي التأكيد عليه هنا هو أن الشعب الفلسطيني لم يهزم ولم يطلب الرحمة من جلاديه، بل لم يطلب قسطاً من الراحة، ولو أراد ذلك لكف عن إرسال أبنائه إلى ميادين الشهادة.

هي حقبة سياسية بالغة السوء تريد تخليص دولة العدو من أهم تهديد وجودي واجهته منذ تأسيسها، فيما لا تملك ما تقدمه للفلسطينيين أفضل مما عرض عليهم ورفضوه نهاية أوسلو في قمة كامب ديفيد في العام ،2000 ولما كان الوضع كذلك، فيما لا يمكن أن تستمر الأوضاع البائسة القائمة عربياً ودولياً، وتحديداً بسبب الورطة الأمريكية في العراق، فإن انتفاضة أخرى لا بد أن تأتي، بصرف النظر عن اسمها، مع أننا لن نعدم الأمل في أن تتواصل انتفاضة الأقصى الحالية بسبب تعثر اللعبة السياسية الجديدة من بدايتها، وإن بدا ذلك الأمل بعيداً بشكل من الأشكال.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع