صراع
"البرغوثي"-"أبو مازن".. هل يشق العصا
الفلسطينية؟
محمد جمال عرفة
**
02/12/2004
من
حسنات الموقف الفلسطيني أن جميع القوى تضافرت عقب وفاة الرئيس ياسر
عرفات من أجل إخراج عملية خلافة عرفات بطريقة سلسة وسلمية، بحيث تمت
الخلافة بهدوء في 24 ساعة دون أن يعكر صفوها شيء. وكشف الجميع للعالم
أن "فلسطين" دولة مؤسسات أيضا وليست الدولة العبرية فقط.
ولكن لأن الخلافات لا تزال في القلب، وجرى فقط "تبريدها" لظروف الحداد
على عرفات، بين فريق يسعى لإنجاز أي تسوية للقضية بالشروط الأمريكية
والإسرائيلية، وأبرزها وقف الانتفاضة، وفريق يرى أن الرضوخ للشروط
الصهيونية معناه الرضوخ والتضحية بمكاسب الانتفاضة، والاعتراف بخطأ
المقاومة طوال أكثر من 5 سنوات -فقد كان من الطبيعي أن تظهر الخلافات
للعلن في أقرب فرصة، خصوصا مع بوادر تنازلات "خليفة عرفات".
ولهذا كان من الطبيعي أن يعلن أحد أنصار المقاومة داخل حركة فتح -وهو
مروان البرغوثي أمين سر اللجنة الحركية العليا لحركة فتح في الضفة
الغربية، والمعتقل لدى إسرائيل- ترشيحه لانتخابات الرئاسة الفلسطينية
في مواجهة أحد أنصار التسوية بالشروط الأمريكية- الإسرائيلية (محمود
عباس)، متراجعا عن موقف سابق له بعدم الترشح حفاظا على الموقف
الفلسطيني الواحد، وكان من الطبيعي أيضا أن تعلن حماس موقفها "المتوقع"
بمقاطعة هذه الانتخابات وعدم المشاركة فيها لعدة أسباب، بمجرد ظهور
بوادر تنازلات من أبو مازن خليفة عرفات.
بوادر التنازلات
ففي
أعقاب توليه رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير كخليفة لعرفات،
استجاب أبو مازن لشروط شارون بوقف ما أسماه "التحريض ضد الإسرائيليين"،
وأمر مسئولي هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بمنع بث أي مواد
إعلامية يمكن أن تعتبرها سلطات الاحتلال الإسرائيلي تحريضية ضدها، وقال
رضوان أبو عياش رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية: إن عباس أصدر
تعليماته للتأكد من خلو البرامج من أي مواد قد يفهم منها أنها مواد
تحريضية.
كذلك عاد عباس للمطالبة مجددا بوجود "سلاح فلسطيني شرعي واحد" في إشارة
لنزع سلاح المقاومة، وهي الدعوة التي أطلقها خلال رئاسته للحكومة
الفلسطينية قبل أكثر من عام مضى، وأحدثت قلقا واسعا في الشارع
الفلسطيني، وقال: "نريد سلطة واحدة وحكومة واحدة وسلاحا شرعيا واحدا
على الساحة الفلسطينية".
وقبل هذه التصريحات، كانت كوادر السلطة ومركزية فتح قد أقنعت مروان
البرغوثي بعدم ترشيح نفسه بشكل مستقل لانتخابات الرئاسة الفلسطينية في
مواجهة عباس كنوع من توحيد الصف، ولكن بوادر التنازلات التي قدمها عباس
لشارون قبل أن يتولى فعليا السلطة أثارت المخاوف، وأعادت إظهار
الخلافات داخل فتح، ونفس الشيء حدث مع حماس التي انتظرت مواقف إيجابية
من عباس بخصوص الحرص على خيار المقاومة، والسعي لإشراك كافة القوى بما
فيها حماس في السلطة، فوجدت تهميشا من عباس أثار مخاوفها ودفعها
لمقاطعة الانتخابات.
والخطورة في كل الأحوال في أن تتحول الانتخابات الرئاسية لبداية صراع
حقيقي داخل الصف الفلسطيني عقب وفاة عرفات كما توقع مراقبون في البداية
وخابت توقعاتهم بسبب حالة النضج السياسي التي أبدتها كل الفصائل
الفلسطينية، الأمر الذي يضع على كاهل أبو عباس وقيادة المنظمة وفتح
عبئا ثقيلا، يتمثل في تفهم مطالب كل القوى الفلسطينية، وإدراك أن
المقاومة من جهة وميراث كل فصيل فلسطيني من جهة أخرى هو عون لها في
المفاوضات المقبلة مع الحكومة الإسرائيلية.
بعبارة أخرى، يجب ألا يكرر أبو مازن أخطاءه عندما تولى رئاسة الوزراء
منذ عام بحيث يتصور أن كل مفاتيح اللعب أصبحت في يده (في حالة انتخابه
رئيسا للسلطة)، وأنه مسنود من أمريكا وإسرائيل؛ فيعادي بقية فصائل
المقاومة داخل فتح وحماس والجهاد والشعبية وغيرها، فيخسر حينها "بلح"
الوحدة الوطنية الفلسطينية المنشودة، ولا ينال مع ذلك "عنب" السلام مع
الصهاينة بفقدانه أوراق التفاوض القوية وأبرزها "المقاومة".
وتبقى المشكلة الحقيقية التي يطرحها ترشيح البرغوثي ومقاطعة حماس، في
أن ترشيح الأول ربما يقسم منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح بصورة
خطيرة وجدية -والأهم علنيا- بعدما ظلت الخلافات "مكتومة" و"محكومة" من
قبل، وفي ظل وجود الرئيس الفلسطيني عرفات كرمز وعنصر توحيد للطرفين وله
الصوت الأعلى على الجناحين المتنافسين.
أيضا ترشيح البرغوثي (43 سنة) يجدد على الساحة الفلسطينية فكرة التغيير
والإصلاح واستبدال الوجوه، وتسليم الراية لجيل الشباب بدلا من جيل
الكهول وأسرى الضغوط والشروط الأمريكية والإسرائيلية، ويفتح الجدل على
مصراعيه بشأن خطورة هذا الصراع الداخلي داخل فتح على استقرار السلطة،
وربما يزيده أزمة وقوف الأمريكان والصهاينة وحكومات عربية خلف أبو
مازن؛ ما قد يحفز الشباب الفلسطيني وقوى التغيير والمقاومة على اختيار
البرغوثي.
ويجب ألا ننسى هنا أن هناك دعوات بدأت تتصاعد مؤخرا في الشارع
الفلسطيني تفرق بين جناح عباس والقيادات الفلسطينية التي قدمت من
الخارج أو ما يسمى "فريق تونس"، وبين جناح البرغوثي وفتح أو ما يسمى
"فريق الداخل" من القيادات الفلسطينية التي عانت الاحتلال منذ عام
1967، واعتبرت أن كل مزايا أوسلو ذهبت لفريق تونس على حساب غالبية
الشعب الفلسطيني.
صحيح أن أحد الاستطلاعات التي أجرتها جامعة نابلس عقب وفاة عرفات أظهر
أن 27% من الأصوات الفلسطينية قد تذهب لعباس مقابل 15% فقط للبرغوثي،
ولكن العبرة هنا ليست بهذا الاستطلاع الذي جرى في وقت كان البرغوثي
يفكر فقط في الترشح، ولكن بـ "الضرر" الذي سينتج عن "انقسام" فتح
والمنظمة بين الرجلين اللذين يمثلان جيلين مختلفين.
ومع
ذلك يجب ألا نغفل أن هناك مزايا لترشيح البرغوثي ومقاطعة حماس
للانتخابات، ربما يكون أهمها تحفيز شارون والإسرائيليين على تقديم
تنازلات لعباس، وتحفيز واشنطن على الضغط على تل أبيب لمزيد من
التنازلات، والربط بين خطة الانسحاب من غزة و"خارطة الطريق"؛ لأن فوز
عباس هناك يعني هزيمة أنصار المقاومة، وانتصار فكرة جمع سلاح المقاومة،
ووقف "عسكرة الانتفاضة".
أما
فوز البرغوثي فيعني العكس تماما، ويعطي مؤشرا على أن خيار الشعب
الفلسطيني المتزايد هو المقاومة والعمل العسكري؛ مما قد يفسح الطريق
أمام شارون لتنفيذ خططه السابقة في غزة والجدار العازل بلا تعديل،
وربما يكون هو نفسه (شارون) راغبا في تنفيذ هذه الخطط، وإفشال خارطة
الطريق ورفض الضغوط الأمريكية، فيسعى لخذلان أبو مازن كما فعل معه قبل
عام، بحيث يكرر سياسة عدم مد اليد له ليبرر بالتالي خطواته الاستعمارية
اللاحقة.
محلل الشؤون السياسية بإسلام أون لاين
|