الانتخابات ومكانتها في المشروع السياسي الوطني

بقلم: أحمد سعدات*

منذ أن ارتفعت وتيره الدعوة للإصلاح، شكلت الانتخابات أحد أهم أركان ا لخطاب السياسي لأحزاب الحركة السياسية الفلسطينية، واليوم حيث تجري الإستعدادات التحضيرية لها، أصبحت الدعاية لبرامج الاحزاب والأفراد والجماعات العنوان الاول في أجندة وجداول الاعمال والنشاط السياسي والعملي.

ومع التأكيد على اهمية الانتخابات باعتبارها جزءا مع عملية النضال من اجل تحقيق الاستقلال الوطني والبناء الديمقراطي للوضع الداخلي الفلسطيني، فان تحويل هذه العملية الى اداة ورافعة لتحقيق اهداف شعبنا يتطلب تحديد مكانتها في اطار المشروع السياسي الوطني الفلسطيني الراهن، وقبل كل شيء تحديد عناصر هذا المشروع والتوافق الوطني عليه.

ليس بالامر غير المألوف تعددية المناهج والبرامج والاجتهادات السياسية، فما هو غير طبيعي وناشز وربما يكون مدمرا غياب التوافق على مساحه معقولة للقواسم المشتركة تشكل اساساً لبرنامج النضال الوطني الراهن، وسلاحا لتحشيد عناصر ومقومات القوة الداخلية لشعبنا واستنفارها في مواجهة التحديات التي تطرحها المعركة المفتوحة عليها من قبل الاحتلال ببعديها العسكري الهمجي والسياسي التصفوي.

وأي شعار وأي مهمة يجب بالضرورة إن تكون جزءا من هذا المشروع وأداة لدفعه خطوات للامام نحو تحقيق الاهداف الوطنية او حمايتها.

فلا يكفي ترديد الجمل والمصطلحات البليغة بكون الانتخابات احدى أهم أساليب النضال الراهنة لتحقيق الاستقلال الوطني وحق تقرير المصير لشعبنا، او انها تشكل ردا على محاولات التدخل الخارجي في الشأن الفلسطيني، واحدى وسائل تداول السلطة ومدخلا للاصلاح ... لكن السؤال الذي يجب إن يجاب عليه هو: كيف يمكن لهذه العملية أن تتحول الى اداة لتحقيق هذه المهمات او بعضها؟

فمن يتابع الاوضاع الوطنية والاقليمية والدولية الراهنة في محطة انتظار نتائج الانتخابات الامريكية، ويحاول استقراء ما يمكن أن تؤول اليه الاوضاع بعد اعلان هذه النتائج، بالافق المنظور، يجد أن شارون لا زال اللاعب الرئيسي في الميدان والأكثر قدرة على التأثير فيها وعليها وتحديد مسار الحركة لو بقي الوضع راكدا، والمشروع السياسي الوطني مشوشا يفتقد للوضوح.

فما ينتظرنا في بداية العام القادم إن بقي الحال الفلسطيني ثابتا يراوح في مكانه هو مشروع شارون بالفصل والضم العنصري، وربما تكييف خارطة الطريق لتستوعب هذا المشروع وتكرس فرض رؤية شارون بالحل الانتقالي طويل الامد، وفي أحسن الاحوال العودة للحديث عن "خارطة الطريق" في حال سقوط خطة شارون في مؤسسات القرار الاسرائيلي، مع رفع وتيرة المطالب بقيام السلطة بجهود في مكافحة المقاومة تحت مسمى "الارهاب"، أي تخليد الحلول الانتقالية والمدخل الامني في التعاطي مع القضية الوطنية ومشاريع حلول الصراع العربي الاسرائيلي.

فهل هذا قدر لا يمكن الخلاص من محدداته؟ وهل مطلوب من شعبنا بعد كل التضحيات التي قدمها ولا زال دون إن يكسر او يهزم او تنال كل اشكال الحرب الوحشية من صموده أن يستدخل المشاريع السياسية التي سبق وان جربت وأخفقت؟؟

واذا كان الهدف من رفع هذا الشعار الحصول على لقب شريك لشارون في مفاوضاته السياسية باجتياز امتحان الكفاءة لاجتياز مساقات الاصلاح المفروضة علينا من امريكا واسرائيل .. او شعارا استخداميا للهرب من استحقاقات راهنة مطلوبة وملحة حول عنوان الاصلاح؟؟ فان كل الرنين العالي حول مكانة الانتخابات لن يكون اكثر من استعراض فئوي للفصائل والقوى.

اذن المطلوب اولا ابراز حروف المشروع السياسي الوطني الفلسطيني في مواجهة مشروع شارون السياسي، والعمل على تحقيق هذا الهدف المباشر اليوم قبل الغد. فالوقت من دم والقبض على الزمن عامل مهم في تحقيق التقدم السياسي ومراكمة مقدمات تحقيق اهداف النضال الوطني، خاصة واننا بتنا على اعتاب جوله جديدة للحوار الوطني مطلوب من الجميع انجاحها لتعطي الأمل لشعبنا ليقبل دون تردد او خوف من المستقبل ومن ممكنات جره الى نفس المائدة التي تمرد عليها في ايلول، واعلاء شأن الاجندة الوطنية الفلسطينية على الأجندة الأمريكية والإقليمية المرتبطة بها.

وليس من نافل القول أن ما نسعى للاتفاق عليه هو برنامج الحد الادنى لتحقيق الوفاق الوطني الفلسطيني وصياغة برنامج المجابهة.

فما هي أبرز عناوين هذا البرنامج التي يمكن أن تضع شعبنا في قارب محصن تعجز عن تحطيمه الامواج العاتية لحرب شارون الهمجية او محاولات فرض الوصاية عليه!! فالى جانب الثوابت الوطنية فإن العنوان الذي لا نرى ثمة خلاف او جدال حوله على الاقل على مستوى كافة الخطابات للقوى السياسية هو أن الانتفاضة والمقاومة وحمايتها وتصعيدها يشكلان استحقاقا يفرضة واقع استمرار الاحتلال وحربه المفتوحة على شعبنا من اجل تدمير كل مقومات وجوده الوطني واخضاعه، وهما وسائل دفاعية مفروضة علينا، وان هذا الاستحقاق سيظل خيارا ثابتا ما لم يجل الاحتلال عن كافة المناطق المحتلة عام 1967 او إن يطرح المجتمع الدولي مشروعا سياسيا متوازنا يضع اسرائيل امام تنفيذ التزاماتها تجاه القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تم التأكيد عليها في الجمعية العامة للامم المتحدة وخاصة القرار رقم 1544 وتبنى الرأي الاستشاري لمحكمة لاهاي الدولية. أي أن الانتفاضة ستظل ضرورة حتى يوضع جدول زمني واضح لجلاء الاحتلال والذي يبدأ عمليا بوقف بناء الجدار الفاصل العنصري.

وبالارتكاز على الإنتفاضة كأسلوب دفاعي وطني لا بد من بلورة رؤيه تكتيكية تعزز القرارات الدولية الاخيرة والمزاج الرسمي والشعبي الدولي الواسع المساند لنضالنا والمؤيد لهذه القرارات، بمطالبة المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته تجاه غطرسة حكومة الاحتلال وتحديها لإرادة الشرعية الدولية وقراراتها والدعم الامريكي غير المحدود لكل انماط سلوكها وسياساتها. بتوفير الحماية الدولية لشعبنا من خلال وضع الاراضي المحتلة عام 1967 تحت الاشراف الدولي المؤقت للامم المتحدة ولمدة محددة زمنيا، حتى نتمكن من بناء مؤسسات دولتنا الفلسطينية المستقلة من خلال الانتخابات السياسية كآلية لممارسة حقنا في تقرير المصير، وعلى أساس قانون ديمقراطي عصري يستند الى مبدأ التمثيل النسبي كأساس لإجرائها.

بهذا المعنى وفي اطار هذه الرؤية تصبح الانتخابات السياسية اسلوبا نضاليا ضد الاحتلال وترجح الخيارات الوطنية الفلسطينية على اية خيارات سياسية تضع الاحتياجات الأمنية للاحتلال اساسا ومضمونا لأي تسوية سياسية. فقدر شعبنا ليس بالعودة لمربع اتفاق اوسلو ومشروع الحكم الذاتي تحت أي مسمى جديد، او المطالبة بالانسحاب الى حدود 28 ايلول 2000، او غزة لتكريس المرحلة الانتقالية في الضفة وادارة غزة في القطاع وتعميق الفصل الجغرافي بين اجزاء الوطن الفلسطيني، مع اننا لن نعترض قوات الاحتلال او نترحم عليها في حال انسحابها من أي مدينة فلسطينية اواي جزء من ارضنا المحتله، لكننا لسنا مستعدين لدفع ثمن سياسي مقابل هذا الانسحاب. فالثمن قدمته جماهير شعبنا دماء وعذابا وتبديد مقومات حياتها كبشر بفعل عدوان جيش الاحتلال المستمر. هذا المشروع السياسي الذي نسعى من خلاله البناء على الانجازات الدولية التي حققها شعبنا بفعل نضاله ستظل حروفه ميته اذا لم نعمل بجد ونشاط لتجنيد كل الكتل السياسية الدولية لدعمه وتأييده وفق خطة منهجية تفعل كل جماهير شعبنا وانصاره في كافة اماكن تواجدها.

وفي الوقت نفسه يجب أن نوفر الاداة والمرجعية الفلسطينية الموحدة لحمل هذا البرنامج وبناء الوضع الداخلي الفلسطيني وتحقيق عملية الاصلاح الديمقراطي التي تشكل الانتخابات السياسية العامة ولباقي مؤسسات المجتمع الفلسطيني رافعتها الاساسية، وتوفير كل مستلزمات توظيف الدعوة للانتخابات في اطار دعم المشروع السياسي الوطني الموحد من خلال:

- الاتفاق على المرجعية السياسية لهذه العملية التي يمكن إن تشكل وثيقة الاستقلال أساسا يمكن إن يتقاطع حوله الجميع.
- تحديد القواعد التنظيمية التي يجب إن تشكل الاساس لصياغة النظام الانتخابي الذي يكرس مضمون المجتمع الديمقراطي الفلسطيني وصيانة كافة مظاهر الديمقراطية التي تؤسس لاشاعة الحريات العامة وحماية التعددية السياسية والفكرية، ويضمنها مبدأ التمثيل النسبي كقاعده تجري على أساسه الانتخابات.
- الربط الواضح غير الملتبس بين عملية انتخاب مؤسسات السلطة واعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل وانتخاب مجلسها الوطني ومؤسساتها، فهذا الربط ضروري اولا لحماية وحدة شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج وصيانة حق العودة، وثانيا من اجل وقف عملية تعويم مرجعيات القرار الوطني وتحقيق الانسجام بين وظيفة السلطة ووظيفة مرجعيتها منظمة التحرير.

واعتقد أن جزءا من هذه المسألة يمكن تحقيقة بشكل مباشر عبر اعتبار الاعضاء المنتخبين لعضوية المجلس التشريعي الفلسطيني النصاب لتمثيل الداخل في المجلس الوطني الفلسطيني، ووقف سياسة التعيين التي تضرب مبادئ القانون الأساسي للمنظمة ووضع تصور وخيارات ممكنة لاستكمال عضوية المجلس الوطني وفرز نصاب الخارج في عضويته.


والوثيقة التي اتفقت عليها بعض القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدني تشكل أساسا وحداً ادنى لتوفير المقومات الوطنية والديمقراطية للإجراء هذه الإنتخابات رغم ايه نواقص او ثغرات لا زالت تحيط بإطار الدعوة للإنتخابات، فان هذا يجب إن يضاعف من تمسك جماهير شعبنا بهذه المهمة، وان تشارك بفاعلية ونشاط حي في عملية التحضير لها. فالجماهير ومؤسسات المجتمع المدني وكافة فعاليات شعبنا ليست رقما سلبيا وجهاز استقبال وحسب، فكما حولت الشرارة الى لهب وحريق بتفجير الانتفاضة يجب إن تشارك بفاعلياتها ونشاطها غير المحدود لضمان حقها في المساهمة في عملية البناء الديمقراطي للبيت الفلسطيني، ودفع عملية الاصلاح الوطني خطوات الى الامام، وتحويل النواقص والتساؤلات الى عناوين لنضالها اليومي، وبهذا تضمن أن تحول هذه العملية الى خطة للتنفيذ وتخرجها من إطار الشعار المرفوع للهرب اماما، او غطاءا للقفز عن استحقاقات ضرورية وراهنة للاصلاح الداخلي.

ومع بدء الخطوة الاولى في اطار بلورة الموقف والتحضير لهذه المعركة بفتح صناديق التسجيل للناخبين فإن على جماهيرنا بكافة قطاعاتها المساهمة عبر التسجيل والتأكيد على حقها في ممارسة دورها في عملية التغيير عندما تصبح الانتخابات عملية واقعية ومشروعا للتنفيذ، كما أن من واجب ذوي الاسرى إن يبادروا لتأكيد حق هذا الجزء الطليعي من شعبنا في هذه العملية التي تشكل في اطارها دعوة للنضال من اجل تحقيق حريتهم.

في نفس الوقت فان التحضير لإعداد الأجندة الوطنية الفلسطينية في الداخل والنضال من اجل توفير ظروف ممارسة شعبنا للانتخابات كحق من حقوقة يستدعي من كافة جماهير شعبنا في الخارج وفي مقدمتهم اعضاء المجلسين الوطني والمركزي الفلسطيني واللجنة التنفيذية واعضاء المنظمات الشعبية، جميعهم مطالبون بالمبادرة لعقد ورشات حوار وبلورة اقتراحات ومشاريع عمل لتحقيق الربط بين الدعوة للانتخابات التشريعية في الداخل وضرورات تحقيق الوحدة العضوية لشعبنا في كافة اماكن تواجده عبر اعادة هيكلة وبناء م. ت. ف، هذا البناء الذي يشكل الخطوة الضرورية لخروجها من دائرة الشلل والترهل وتفعيل مؤسساتها وتصدي جماهير شعبنا في كافة مواقعهم ومكان تواجدهم النضال من اجل تحقيق مهام المشروع الوطني والديمقراطي الفلسطيني.

واخيرا، لا بد من إعادة التأكيد بأن الضجيج حول الانتخابات التشريعية يجب إن لا يؤدي الى تعطيل تنفيذ مهام الإصلاح المباشرة والضرورية والراهنة، فان كل ما هو ممكن وقابل للتنفيذ يجب الشروع فيه، فالانتخابات للمجالس البلدية والمحلية يجب إن تبدأ وتستكمل وفق جدول زمني واضح لا يخضع للمزاج او للمصلحة الفئوية، وملفات الفساد يجب معالجتها باتخاذ القرارات الواضحة بشأنها وتقديم كل من تورط فيها الى القضاء، وهذا يشكل معيارا لثقة جماهيرنا بجدية الحديث عن الاصلاح وفي اطارها الدعوة لاجراء الانتخابات التشريعية.

* الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي يحتجز في سجن أريحا

     

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع