حول سؤال عبّاس
الموجه لي شخصياً:
الخلاف ليس بيني
وبينك يا سيادة الرئيس، ولست من يتنازل ويُفرّط!
لا أكتب حمية أو فزعة
شخصية لأن القضية أكبر من كل الأشخاص، ولا أكتب دفاعاً عن رأيي لأني
صاحب حق في أرضي ووطني، ولا أكتب مناكفة فمن يناكف هو الذي أراد
"شخصنة" الأمور، ولا أكتب رداً فمن كان يرد هو عبّاس، لكني أكتب
توضيحاً وتبياناً بعد أن عجز "سيادة الرئيس" عن فهم واستيعاب ما سبق
وطرحته سواءاً بالكتابة أو من خلال شاشات التلفزة، ليتساءل مستغرباً
وموجهاً سؤاله لي مباشرة في كلمته أمام التشريعي أمس، أو ربما هو يفهم
ويستغرب عن عمد، ترويجاً لفكرته التي ما زال يصر عليها لإسقاط حق
العودة بكل الطرق وبشتى الوسائل، ليصوّر الأمر وكأنه معارضة من شخص
واحد من ملايين ستة، وهو ما أرفضه تماماً، فالقضية ليست شخصية، وما
يطرحه يمس بالملايين، وهنا تسقط "الأنا" أمام "الجميع".
بعد طول دعاية وإعلان،
وتشويق وإثارة حول "الكلمة الهامة" التي سيلقيها "الرئيس" أمام المجلس
التشريعي، وبعد التغطية الإعلامية من كل الوسائل الإعلامية المحلية
والعالمية الداعمة لنهج عبّاس، جاءت تلك الكلمة خالية من أي مضمون
حقيقي، اللهم إلا التعدي على كل ما هو فلسطيني، وذر للرماد في العيون
من قبيل الوعود الفارغة بتحسين الأوضاع، والإنتعاش الإقتصادي والإصلاح،
وهي نفس الوعود السابقة التي سمعناها عندما كان "رئيساً للوزراء"، وفي
برنامجه الإنتخابي في شهر يناير/كانون الثاني 2005، وبعد اجتماعات
القاهرة، ليتحقق منها لا شيء!
كل ذلك تعودنا عليه
وأصبح من سمات العهد الأوسلوي عموماً، وعبّاس ودحلان خصوصاً، لكن ما
يلفت الإنتباه هذه المرة أن عبّاس في تلك الكلمة "التاريخية الهامة"
عقّب وبشكل مباشر وشخصي على العبد الفقير، مستغرباً ومندهشاً كوني أحمل
جواز سفر أجنبي، وكأن ذلك لا يعطيني الحق في أن أكون فلسطينيا أو أن
أعترض على "فخامته"، وهو ما يسعى إليه وزمرته من خلال محاولات التهميش
المستمرة لفلسطينيي الشتات، ليقوّلني ما لم أقل بأن الفلسطيني ينسى
بلده، ليقول وبالحرف:
"من
حقنا بل من واجبنا ان نضعه على الطاولة (يقصد القرار 194) و نبحث مصير
اللاجئين، هو لا يتم بالتجنس، والمستغرب الذي كان يهاجم هذه المسألة
هو فلسطيني في بريطانيا ويحمل جنسية
بريطانية!!
كيف تقول انه ينسى الفلسطيني بلده وانت تحمل جنسية بريطانية؟؟"
ودون
الإنجرار وراء مهاترات شخصية أترفع عنها وأنأى بنفسي من الإنزلاق فيها،
أُذكر هنا ببعض النقاط التي طرحتها وغابت عن "سيادته" عمداً أو سهواً،
مؤكداً أن الحديث عمّا يطرحه عبّاس وغيره من رموز أوسلو ليس تجريحاً أو
تهجماً شخصياً، بل هو حول شخصيات وآراء وأفكار عامة، تتدعي زوراً أنها
تُمثلنا وتنوب عنا، وبالتالي يحق لنا أن نتناولها ونعترض عليها بل
ونهاجمها خاصة عندما يتعلق الأمر بالحقوق والثوابت التي برعوا في
التنازل عنها، وما يلي هو إعادة لما كتبته بتاريخ 14/07/2005 تحت عنوان
"سموم محمود عبّاس" حول حق العودة تحديداً، دون ذكر التاريخ الحافل
لعبّاس في التنازلات وخرق المحرمات:
·
كان من أوائل من إجتمع معهم عباس بعد تعيينه رئيساً للجنة التنفيذية
لمنظمة التحرير الفلسطينية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2004، "مبادرو"
وثيقة جنيف التي يجمع الشعب بأكمله تقريبا على إنحطاط مستوى
الموقعين عليها وعلى حجم التنازلات الهائلة فيها عن الثوابت والمباديء،
وقام بتقريب ياسر عبد ربه.
·
في لقاء مع
صحيفة المصور المصرية بتاريخ 03/12/2004 قال عبّاس: "انني
لا اريد ان اغير ديموغرافيا الدولة “الاسرائيلية” ولكننا نطلب
التوصل الى "حل" لمشكلة اللاجئين"، وتحقيق حل عادل لقضية
اللاجئين الفلسطينيين، وفق القرار 194 وعلى أساس قرارات قمة بيروت عام
2002."
·
في شهر
يناير/كانون الثاني 2005 أعلن عبّاس أنه على استعداد لتقديم "تنازلات
مؤلمة" بالنسبة لموضوع اللاجئين! ليضيف في حديث مع البي بي سي
البريطانية بتاريخ 02/01/2005 أن الحل العادل لمشكلة اللاجئين هو
بالتفاوض حول القرار 194.
·
في حديث نشرته
صحيفة دير شبيغل الألمانية يوم الإثنين 21/02/2005 قال عبّاس فيما قال:
"أنه مستعد
للتفاوض بشأن
المكان الذي سيعود إليه اللاجئون، مضيفاً: هناك 5 ملايين لاجئ نعرف
أنهم
لن يعودوا
جميعاً، مشيرًا إلى أن كثيرين منهم لا يريدون العودة لأنهم
يعيشون حياة
كريمة في
الولايات المتحدة أو سعداء في الأردن
ولكن يجب
تعويضهم ، على حد
وصفه"، وأضاف "اننا
واقعيون وقد تعلمنا من تجربة قمة كامب ديفيد الفاشلة بأنه لا يمكن حل
مشكلة كهذه ، عمرها قرن خلال 16 يوما ، فقد يحتاج الأمر سبعة إلى
ثمانية أشهر وربما سنة كاملة للوصول إلى حل شامل"
واستمر عبّاس في نفس
النهج التفريطي ليعلن وبإصرار وعناد غريبين رداً على الإعتراضات التي
انهالت عليه من كل حدب وصوب، وبتاريخ 23/07/2005 في رسالة سرية لشارون
نشرت تفاصيلها عدة صحف، ليعلن: "نحن
مقتنعون انه لا يمكن تحقيق عودة اللاجئين"،
وليكرر نفس طروحاته المشبوهة في كلمة التشريعي المذكورة بتاريخ
09/08/2005
أنصح
عبّاس وباقي أركان سلطة الفساد والإفساد بمراجعة ما كُتب وقيل في هذا
الشأن، وفيه الرد ااشافي والوافي على استغرابهم الغريب، وأنصحهم
بمشاهدة الحلقة التي أثارت حفيظتهم مرة أخرى (الاتجاه المعاكس
19/07/2005)، لأن فيها تفنيد لكل إدعاءاتهم بالحرص على الشعب
الفلسطيني، والتباكي وذرف دموع التماسيح على معاناته، والفرق بين حق
الفلسطيني في العيش الكريم والتجنيس الجماعي الذي يدعو إليه عبّاس.
لن أكرر
نفسي أكثر من ذلك فقد كتبت كما كتب غيري الكثيرون، وقلت وقال معي
الكثيرون أيضاُ، وأوضحنا وفصّلنا تاريخ عبّاس ومحاولاته وسلطته التنازل
واسقاط حق العودة، وما محاولته تحويل الأمر وكأنه إعتراض من شخص واحد
فقط على ما يدعو إليه إلا تتفيه وتسفيه لملايين اللاجئين الذين يريد
إلغاء حقهم بجرة قلم، وهو وإن كان يقصد منه الإساءة، إلا أنه مدعاة
شخصية لي للفخر أني لست ممن يتنازلون عن حقوقهم ولست ممن يخافون
تهديدات أذناب سلطة أوسلو و زعرانها ممن حاولوا سابقاً وما زالوا
يحاولون بكل الأساليب الوضيعة المعروفة عنهم، فحتى إن صدق عبّاس وهو
ليس كذلك، بأن الإعتراض هو فردي بحت، فهذا لن يكون إلا حافز وقوة دفع
للإستمرار في فضح نهج الفساد والإفساد والتفريط والتنازل.
يبقى جزء
أخير، وهو الإفتراض رغم كل ماسبق أنهم، أي عبّاس ومن لف لفه، ذوو نوايا
حسنة، وفي تلك الحالة أتحداهم جميعاً دون استثناء، وحسماً لأي
شك، أن يعلنوا على الملأ وبشكل واضح لاغموض ولا لبس فيه أن حق
العودة هو حق مقدس ويعني العودة إلى الديار التي طرد منها الفلسطينيون
أي يافا وعكّا وحيفا وصفد وطبريا والناصرة والرملة واللد وكل مدينة
وقرية وبيارة في فلسطين.
إن أعلنوا
ذلك وحدّدوا تلك المدن فعهدٌ علي وقسم أن أتوقف وإلى الأبد عن ذكرهم أو
الحديث عنهم، وإن لم يفعلوا، ولن يفعلوا، فعهدٌ علي وقسم أن أستمر في
فضحهم وتعريتهم ما بقي في نفس
"كَذَلِكَ يَضْرِبُ
اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء
وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ
يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ" صدق الله العظيم
د.إبراهيم
حمّامي
10/08/2005
|