رسالة عاجلة إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس

احمِ الأربعة ألاف دونم المحررة من تحايل (USAID) وأصدقائها

د. فايز صلاح أبو شمالة

            إنها الأرض!! وأي شيء استوجب التضحية بالدم والروح غير الأرض، وهل هناك أغلى وأثمن لدى الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة من الأرض التي بلغ سعر (الدونم) في بعض مناطقها أكثر من مليون دولار أمريكي، إن هذه القيمة لتنطبق إلى حد ما على مساحة 46 ألف دونم من أرض قطاع غزة التي سيجلو عنها المستوطنون الغاصبون، بل إنها تزيد عن ذلك بقيمتها المعنوية، فمن هو المسئول في السلطة الفلسطينية الذي وافق على تسليم أجزاء من الأرض الفلسطينية المحررة بالدم والمقاومة إلى الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، المعروفة باسم: (USAID) لتشرف على توزيعها على أصحاب رؤوس الأموال، ولتتصرف بملكيتها كما تشاء؟ وتحدد أوجه الانتفاع بمرافقها وفق ما تراه مناسباً؟

            لقد قامت المنظمة الأمريكية المذكورة منذ منتصف يوليو بتوزيع بيانات، بمثابة دعوة، إلى أصحاب رؤوس الأموال في قطاع غزة، للمشاركة في تقديم عروض الانتفاع من الدفيئات الزراعية التي سيجلو عنها المستوطنون الغاصبون، بحجة تنمية الشراكة الإنتاجية الزراعية الفلسطينية، تحت إشراف خبراء أجانب، ومحليين متخصصين في قطاع الإنتاج الزراعي!

            إن المعلومات المتسللة من خلف السياج تقول: بأن المنظمة الأمريكية اشترت الدفيئات الزراعية من المستوطنين الغاصبين، وتقدر بأربعة ألاف دفيئة بمبلغ (51) مليون دولار أمريكي، وهذا ما يفرض على السلطة الفلسطينية الإجابة على عدد من التساؤلات:

            الأول:

            من المسئول في السلطة الفلسطينية الذي خول المنظمة(USAID) شراء دفيئات المستوطنين الغاصبين، لكي تتحكم في آلية التصرف بالأرض التي أقيمت عليها الدفيئات، ومن الذي قلب الحقائق أمام الحكومة الفلسطينية كي تبلغ الأمريكيين بأنها ستقبل الدفيئات عن طريق طرف ثالث، كما أشار بذلك وزير الاقتصاد الفلسطيني مازن سنقرط،
 
أما إذا أرادت أمريكا حل مشكلة تشكي الغاصبين من استحالة نقل مخلفاتهم، فهذا شأنها الذي يفترق في هذا المقام عن شأن الأغلبية المسحوقة من الشعب العربي الفلسطيني الذي حرر التراب بدم أبنائه، وتصبره على البطش اليهودي.

            الثاني:

            المنظمة الأمريكية دفعت قيمة (51 ملون دولار) من ثمن الدفيئات، وهذه قيمة دفيئات حديثة العهد، لم تستعمل بعد، وليست مستهلكة كالتي في المستوطنات المغتصبة، ومن البديهي أن لكل دفيئة عمر افتراضي، وبالتالي تتناقص قيمتها كلما عبرت السنين على الدفيئة، وبعض الدفيئات لدى المستوطنين قد استكملت زمنها الافتراضي المقدر بعشرين سنة، وليس لها غير المزبلة، فمن الذي مرر الصفقة لتحسب على شعبنا الجائع بقيمتها المرتفعة؟

            الثالث:

            قيمة الأرض التي تقام عليها الدفيئات تقدر بأربعة مليارات دولار أمريكي، وفق المساحة التي تقدر بأربعة ألاف دونم، أي دونم أرض لكل دفيئة، فكيف يتحكم (USAID) صاحب رأس المال المقدر بمبلغ (51) مليون دولار أمريكي قيمة الدفيئات، بصاحب الأرض التي يقدر رأس مالها بمبلغ (أربعة ألاف مليون دولار أمريكي)؟ بأي منطق التفافي سارت الأمور؟ أي شراكة ظالمة هذه التي تعطي لمنظمة (USAID) وكالة التنمية الأمريكية التصرف بالأرض التي سيجلو عنها المستوطنون؟ وفق الآلية التي ستخدم مصالح البعض، وتسمح بنقل ملكية الأرض إليهم بشكل شرعي، وقانوني، بحجة الاستثمار، وهل كتب على الشعب العربي الفلسطيني أن ينجو من دلف المستوطنين ليقع تحت مزراب الأمريكيين؟

            رابعاً:

            لم تقدم المنظمة الأمريكية على أمر شراء دفيئات المستوطنين الغاصبين دون التشاور مع بعض المسئولين الفلسطينيين، الذين قدموا الضمانات للمنظمة المذكورة بحماية الدفيئات اليهودية من غضب الشعب العربي الفلسطيني المبتهج بنصره على أعدائه، وليس من حق هذه المنظمة (USAID) أن تشتري وتبيع أرض محرره اشتراها أصحابها بالدم وشق الأنفس.

            إن في الموافقة الرسمية الفلسطينية إن صح ذلك، تعتيم على عين الشعب العربي الفلسطيني عن وعد بلفور من نوع جديد، يتم في القرن الواحد والعشرين، على ما تبقى من أرض حكومية في قطاع غزة البالغة فقط 4% من مجمل أرض فلسطين، في محاولة لتسريب ما تبقى منها إلى أسماء معينة، وشخصيات محترفة، وأصحاب رؤوس مال يخدمون مصالح شخصية، ومؤسسات أجنبية.

            خامساً:

            إذا أرادت منظمة (USAID) كما تقترح في نشرتها الاستثمار في البرنامج الإنتاجي الزراعي، تشجيع التنمية الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة، إذا أرادت المساعدة، فإن في قطاع غزة وحده يوجد عدد خمس عشرة ألف دفيئة (15000) تمتلك مواصفات الدفيئات التي أقامها المستوطنون، يمكن للمنظمة المذكورة العمل على تطوير الإنتاج فيها، وتنمية الاقتصاد الفلسطيني المدمر من خلالها، كما تقترح ذلك، وأن تترك الأرض ـ مجال الطمع والنهب ـ للشعب العربي الفلسطيني يقرر في مستقبلها وفق حاجاته الرئيسية، لا وفق انتفاع مجموعة تخطط للسيطرة على الأرض من خلال الدفيئات التي لن تنفع سكان قطاع غزة، وذلك للأسباب التالية:

1-         عدد الدفيئات في المستوطنات المغتصبة يقدر بأربعة ألاف دفيئة، تحتاج إلى أربعة ملايين كوب مياه في السنة الواحدة، بينما الطاقة الإنتاجية السنوية المسموح بها للآبار في المنطقة تقدر بمليوني كوب، هذا في حالة التقييد الصحيح بالكمية القانونية التي تضمن عدم تلوث المياه في زمن قياسي، وعدم تلويث البيئة.

2-         عدد الدفيئات في قطاع غزة تقدر بخمسة عشر ألف دفيئة، خدمها أصحابها بكل جد، ومسئولية، وأمانة، ولكنها فشلت في تأمين مصدر رزق لصحابها لسبب واحد وحيد، انغلاق الطرق، وانعدام طريق التصدير، فإن استطاعت السلطة توفير وسائل التصدير، فإن ما لدى المواطنين الفلسطينيين من دفيئات في قطاع غزة تكفي، وتفيض عن حاجة قطاع غزة الاستهلاكية، وتصدر للخارج الكميات التي توفر الرخاء لمن يعمل في هذا القطاع الحيوي، ومن جهة أخرى تتناسب إلى حد ما مع كمية المياه المتوفرة في جوف الأرض، فغزة ليست على نهر النيل.

3-         ما زال المزارع الفلسطيني يسدد ديونه إلى بنك التنمية والائتمان المصري من القروض التي أخذها لتطوير الدفيئات، وهو الجدير بالمساعدة، من خلال رفع قيمة الإنتاج الذي لا يغطي التكاليف، وللعلم فإن قيمة صندوق البندورة في قطاع غزة بنصف دولار، أقل بكثير من سعر التكلفة.

4-         لقد شكل تصدير الإنتاج الزراعي إلى إسرائيل مصدر الربح الوحيد للمستوطنين، فإذا عجز القرار السياسي عن توفير حرية التنقل على المعابر، فإن العمل في الدفيئات محكوم بغضب ورضا الإسرائيلي الذي سيتحكم بمصدر الرزق، وإمكانية تدمير المشروع، وفرض شروط نجاحه.

5-         إن احتياجات السكان في قطاع غزة لأوجه الانتفاع من الأرض أكثر من احتياجهم لدفيئات زراعية، أي حاجة السكان لتخطيط الأرض وفق المصلحة العامة أهم من التقييد بما خططه المستوطنون للانتفاع الزراعي السريع من المكان قبل مغادرته.

6-         الشعب العربي الفلسطيني بحاجة إلى مساحة الأربعة ألاف دونم لإقامة مدن سكنية حديثة، حيث يعيش في الغرفة الواحدة في مخيمات اللاجئين من خمسة إلى ثمانية أفراد، وهم بحاجة إلى مرافق عامة، وعيادات، ومستشفيات، ومتنزهات، وطرق، ومؤسسات تعليمية، وأندية رياضية، ومدارس ابتدائية وإعدادية، وثانوية، وجامعات، تكتظ بطلابها، وما أكثر أوجه الانتفاع الضروري للشعب الفلسطيني من الأرض بما يفوق قيمة الإنتاج الزراعي، الذي يقوم بتغطيته أصحاب الأراضي الزراعية الخاصة، وهم في أمس الحاجة للمساعدة، من أصحاب رؤوس أموال سيستثمرون في دفيئات زراعية بهدف وضع اليد على الأرض، بهدف تملكها وفق عقود تحرر لهم لعشرات السنوات، وتحرم باقي أفراد المجتمع الذي ضحى، والاستثمار في الفنادق والشاليهات، والمنتجعات، والمطاعم، نموذج تبكي له كل عين فلسطينية.

7-         إن بقاء الدفيئات في مكانها يشهد أمام العالم أن إسرائيل دولة حضارية وليست معتدية، وأنها تركت مصادر رزق المستوطنين اليهود المساكين من دفيئات بين يدي الفلسطينيين ينتفعون به، والحقيقة التي يدركها الجميع عكس ذلك تماماً.

8-         إن الموافقة على تسلم الدفيئات عبر طرف ثالث سيحول في المستقبل دون المطالبة القانونية من إسرائيل بالتعويض عن استنزاف الأرض لعشرات السنين.

      يا سيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لقد حملت الأمانة، فاحم الأرض من الطامعين، الذين يتحايلون للسيطرة عليها، فقد تسربت معلومات من داخل المستوطنات تفيد بأن المستوطنين قد باشروا في تسجيل أسماء العمال العرب في كشوف؛ كل وفق دوره الذي يقوم به في المستوطنة، بدءً من عامل الزراعة إلى المسئول عن إدارة العمل، وهذا ما يؤكد أن هناك جهات فلسطينية تقوم بالتنسيق والاتصال مع المستوطنين لترتيب بقاء الدفيئات كما هي، وإيهام المجتمع العربي، والفلسطيني، بأن بقاءها ثروة كبيرة، واستمرار عملها لمصلحة المجتمع، ورخاءه الاقتصادي.

       يا فخامة الرئيس، لقد وقع في فخ المبالغة بالانتفاع من دفيئات المستوطنين وزير الاقتصاد الفلسطيني مازن سنقرط؛ عندما قال: أن صفقة بيع الدفيئات ستعطي دفعة للاقتصاد الفلسطيني المدمر، وأن هذه البيوت الزراعية ستساعد الفلسطينيين اقتصاديا وستوفر لهم الوصول إلى تكنولوجيا الدفيئات الزراعية الجديدة عالية التقنية، ولم يكلف وزير الاقتصاد نفسه عناء سؤال زميله وزير الزراعة ما الأمر؟ ما الذي يميز دفيئات اليهود عن دفيئات العرب، ولم يكلف معالي وزير الاقتصاد نفسه عناء السؤال: كيف؟ وكم عدد الدفيئات؟، وما مصادر نجاحها؟، وما قيمة إنتاجها، وكمية المياه المستغلة في ذلك، ومدى توفرها، وكمية المياه التي كانت تصل إلى المستوطنات من إسرائيل، وآلية تصريف الإنتاج الزراعي، وما شابه ذلك من دراسة جدوى، لو دقق بها معالي وزير الاقتصاد لتغر رأيه كلياً.

      يا سيادة الرئيس محمود عباس، مثلما انتصر منطق هدم بيوت المستوطنين الغاصبين، نتمنى عليكم لمصلحة هذا الشعب ووحدته، وسلامة أجياله، أن تأمر بتشكيل لجنة حيادية مختصة، سياسية وفنية، تدرس جدوى بقاء أو إزالة مخلفات دفيئات المستوطنين، لجنة تضم خبراء من فلسطين، ومن أطرف مختصة محايدة من خارج فلسطين، ومن أهل الرأي، ومن التنظيمات الفلسطينية التي ساهمت في تحرير الأرض.

      إن الذي سيضع يده على الأرض عن طريق الدفيئات؛ سيتحكم بمصير الأجيال، وسيتصرف بمستقبلهم على هواه،  وسيؤسس للضغينة، وسيبني دفيئة الأحقاد.

 

صورة لكل من:

                              السيد/ أحمد قريع، رئيس مجلس الوزراء

                              السيد/ محمد دحلان، وزير الشئون المدنية، والوزير المكلف بمتابعة                                                         ملف الانسحاب من قطاع غزة.

                              السادة/ أعضاء مجلس الوزراء.

                              السادة/ رئيس، وأعضاء المجلس التشريعي

                              السادة/ الأمناء العامون لجميع فصائل المقاومة الفلسطينية

                              السادة/ أعضاء اللجنة التنفيذية في م. ت. ف.

                              السادة/ مسئولو وكوادر حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح.

                              السادة/ مسئولو وكوادر حركة المقاومة الإسلامية حماس

          

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع