قريع
والبضاعة المغشوشة
بقلم: أحمد عمرابي
صحيفة البيان الإماراتية 18/5/2004
لم
يعد غريباً أن يعرض مسئول أميركي بضاعة مغشوشة على زعيم فلسطيني. لكن
المؤسف أن يقبل الزعيم الفلسطيني مثل هذه البضاعة وكأنها أصيلة. كانت
البضاعة المغشوشة التي عرضها وزير الخارجية الأميركي كولن باول على
رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد قريع هذا الأسبوع تتكون من عنصرين هما:
-
أن الولايات المتحدة لاتزال تدعم قيام دولة فلسطينية مستقلة بحلول عام
2005 وأن الرئيس بوش ملتزم برؤيته نحو إنشاء هذه الدولة وأنه «لم
يتراجع خطوة واحدة» عن رؤيته.
-
أن قضايا «الوضع النهائي» ستكون موضع تفاوض بين الجانبين الفلسطيني
والإسرائيلي - أي أن حلول هذه القضايا لن تقرر بواسطة الطرف الإسرائيلي
وحده وبشروط إسرائيلية.
وإذا كانت قيادة منظمة «حماس» اعتبرت أن لقاء باول - قريع «مضيعة
للوقت» فإنها لم تتجاوز الحقيقة لكنها انتقصت منها، فاللقاء كان مضيعة
للوقت لأن ما قاله الوزير الأميركي للزعيم الفلسطيني كان كلاماً فارغاً
من أي مضمون رغم السبك اللفظي البراق.
وهنا نستعيد إلى الأذهان أن الولايات المتحدة تستخدم أسلوبين مختلفين
مع طرفي الصراع. فبينما تقدم لإسرائيل وعوداً محددة في مسائل ملموسة
باليد فإنها تستخدم مع المسئولين الفلسطينيين أسلوب التعميم الذي لا
ينطوي على نقاط محددة ويقبل ألف تأويل وتفسير ويشتمل على خطوط رجعة.
وإلا فما معنى «التزام» الرئيس بوش بقيام دولة فلسطينية وفقاً
«لرؤيته»؟ ما هي حدود هذه الدولة؟
لقد تفادى الوزير الأميركي في لقائه مع رئيس الحكومة الفلسطينية
الإشارة إلى اجتماع الشهر الماضي بين الرئيس بوش ورئيس الحكومة
الإسرائيلية أرييل شارون. حينذاك أبلغ الرئيس الأميركي مضيفه والعالم
موافقة الولايات المتحدة على عدم العودة إلى حدود عام 67 وعلى بقاء
الكتل الاستيطانية اليهودية الكبرى في أرض الضفة الغربية الفلسطينية
وبالتالي ضم المساحة التي تقوم عليها المستوطنات إلى السيادة
الإسرائيلية.
بكلمات أخرى تبنت الولايات المتحدة رسمياً خطة إسرائيلية لاقتطاع نصف
مساحة الأرض الفلسطينية في الضفة على حساب الرقعة الأرضية للدولة
الفلسطينية - إذا قامت فعلاً.
وماذا يعني قول الوزير الأميركي أن حلول قضايا «الوضع النهائي» ستكون
موضع تفاوض بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إذا كانت هذه الحلول قد
وضعت فعلاً وفقاً لتصور إسرائيلي يسانده تواطؤ أميركي تجسده «رسالة
ضمان» خطية رسمية من الإدارة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية وافقت
واشنطن بموجبها على الغاء «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم
في فلسطين 1948.
وماذا سيعني التفاوض إذا كانت "إسرائيل" ماضية بدعم أميركي في استكمال
بناء «الجدار الفاصل» الذي يلغي مساره الخط الحدودي لعام 1967 بضم
رقعات من الأراضي الفلسطينية إلى "إسرائيل"؟
ولكن لماذا قبل رئيس الحكومة الفلسطينية البضاعة المغشوشة التي قدمها
إليه الوزير باول؟ لماذا لم يرفضها لماذا لم يقل للوزير الأميركي إنها
بضاعة مغشوشة طالما أن التعهدات التي قدمها بوش إلى شارون تبقى سارية
المفعول؟
على العكس.. فبعد أن انتهى اللقاء بين قريع وباول أعرب رئيس الحكومة
الفلسطينية علنا عن «ارتياحه لنتائج المباحثات».
والسؤال الذي يطرح هو: ألا يعلم هذا القيادي الفلسطيني الكبير أن وزير
الخارجية الأميركي باعه وهماً؟
في
تقديري أنه يعلم ذلك علم اليقين. فالتعهدات التي قدمها الرئيس الأميركي
إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الشهر الماضي والتي وصفت على نطاق واسع
بأنها «وعد بلفور» جديد لم تكن سرية.. فقد أعلنها الرئيس بوش على
العالم إذ هو يواجه كاميرات الفضائيات العالمية.
والتفسير هو أن رئيس السلطة الفلسطينية يعزف عمداً عن مواجهة الحقيقة..
حقيقة أنه لم يعد هناك معنى للتفاوض السلمي بعد أن قررت "إسرائيل"
مسبقاًصورة الوضع النهائي بالشروط الإسرائيلية. وإذا لم يعد هناك معنى
للتفاوض فما هو الخيار البديل؟
إنه بالطبع خيار المقاومة المسلحة.. أي الخيار الصعب الذي لا تعارضه
قيادة السلطة الفلسطينية فحسب بل أيضاً تعارض من هم على استعداد للأخذ
به عملياً
|