لا يوجد نص قانوني علي القيادة الجماعية... والترويكا غير شرعية

 خلافة ياسر عرفات: رؤية قانونية

د. أنيس مصطفي القاسم

بمناسبة مرض الرئيس الفلسطيني، شفاه الله، كثر الحديث وكثرت التكهنات حول خلافته، بل وشاع خبر تعيين لجنة ثلاثية تمارس اختصاصاته، ووجه اليه اللوم بأنه لم يعين نائبا عنه أو يعد شخصا يقوم مقامه اذا حل قضاء الله وقدره. وقد انطلق هذا كله قياسا علي أن الوضع الدستوري الفلسطيني يشابه السائد في الأقطار العربية من حيث أن الرئيس هو الذي يعد خلفه أو يعينه، وعلي الشعب أن يقبل ذلك بطريقة من الطرق، أو أنه ليس هنك نظام محدد مسبقا لمواجهة حالة كهذه، بحيث تنتقل السلطة وفقا لذلك النظام. ولا شك في أن الأسلوب الذي مارس به الرئيس الفلسطيني سلطاته، وهو أسلوب الانفراد بالقرار وجمع السلطة كلها في يده، خلافا للنظام الدستوري الفلسطيني، قد ساهم بشكل مؤثر في هذه التكهنات. فالنظام الدستوري الفلسطيني لا يركز علي شخص الرئيس، ولا يجعل منه شخصا ينفرد بسلطة اتخاذ القرار. وانما مارس الرئيس الفلسطيني ما مارسه من شبه سلطة مطلقة لأن المؤسسات الدستورية الفلسطينية الأخري لم تمارس سلطاتها علي الوجه السليم أو أن هذه المؤسسات قد حرمتها الظروف التي يعاني منها الشعب الفلسطيني من ممارسات اختصاصاتها.


ودخلت الصحف الاسرائيلية علي الخط وبدأت تذكر أسماء من يكون مقبولا لاسرائيل وأمريكا ومن لا يكون، وكأنما الشعب الفلسطيني ومؤسساته لا وجود لهما، وأن الذي يسد الفراغ هو قيادة ترضي عنها اسرائيل وأمريكا، وليس قيادة يثق فيها هذا الشعب ويطمئن اليها ويختارها هو وفقا لنظمه الدستورية. . والصحافة الاسرائيلية لها عذرها فيما تكتب، فهي تبحث عن مصلحة اسرائيل، وقد رأت لدي الأسماء التي تروج لها استعدادا في ما مضي للخروج علي بعض الثوابت الفلسطينية باجتهاد منها خلافا لما قررته المراجع الدستورية الفلسطينية. فقد رأت من كان مستعدا للتنازل عن القدس في اطار خدعة اسرائيلية بضم قري فلسطينية لما تسميه بالقدس الكبري واعلان قرية من القري التي تضمها علي أنها هي القدس العاصمة لفلسطين، ورأت من هو مستعد للتهاون في حق العودة ومن هو مستعد لاستعمال القوة للقضاء علي المقاومة، ومن هو مستعد للاعتداء علي الحريات والحقوق التي كفلها اعلان الاستقلال الفلسطيني والنظام الاساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. وفي المقابل فان صحفا اسرائيلية أخري رأت أن رحيل عرفات، أو استمراره في القيادة وهو مريض عاجز عن القيام بواجباته، سيخلق فوضي داخل المجتمع الفلسطيني، واقتتالا علي السلطة. ولا بد من تعيين شخص ثبت أن له القدرة علي كبت الحريات وخنق المقاومة لضمان الاستقرار الذي تطلبه..


وقبل الخوض في موضوع الخلافة، الذي نتحدث فيه من منطلق قانوني بحت لا علاقة له بالأشخاص، لا بد من التأكيد علي أن واجب كل فلسطيني، وخاصة الأهل في أرض الوطن، أن يثبتوا للعالم أن الشعب الفلسطيني قد بلغ من النضج ما يجعله يتحرك وفق نظمه الدستورية، وأن غياب القائد أو مرضه يفرض المزيد من واجب الالتزام بهذه النظم والمزيد من التمسك بالثوابت الفلسطينية المستقرة التي أكدتها المؤسسات الدستورية الفلسطينية. فرحيل الرئيس أو عجزه عن القيام بواجباته لا يلغي هذه النظم ولا يعطلها ولا يؤثر في هذه الثوابت. بل العكس هو الصحيح. فان هذه النظم لم توضع وتلك الثوابت لم تقرر الا لضمان الاستمرارية بغض النظر عمن يقود المسيرة. ولذا يجب أن تستمر المؤسسات في عملها وفي تحسين أدائها واصلاح ما اختل في ذلك الأداء، بالرغم من ظروف الاحتلال القاسية. ومن واجب الجميع أن يثبتوا أن غياب الرئيس سيكون نقطة انطلاق لمزيد من التلاحم والتقدم والالتزام في بناء الدولة. ونحن في هذا الحديث لا نريد أن نقيم أداء الرئيس، فلهذا مناسبته، ولكننا نريد أن نرد الأمور الي نصابها من الناحية القانونية في هذا الخضم من التساؤلات وحملات التشكيك.


ان ما يغيب عن ذهن الكثيرين أن منظمة التحرير الفلسطينية تختلف اختلافا جذريا عن العديد من حركات التحرير الأخري في أنها منذ البداية قد قامت ولها نظام يحكمها، ويتمثل هذا النظام في الميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، ثم جاء اعلان الاستقلال فالقانون الأساسي للسلطة الوطنية، ووفقا لهذا كله قامت المؤسسات الدستورية الفلسطينية من مجلس وطني ولجنة تنفيذية ورئيس للسلطة الوطنية ومجلس تشريعي. وجميع هذه المؤسسات تخضع للنظم التي قامت بناء عليها، وأنه لا شرعية لغير هذا النوع من المؤسسات. فاتفاق فصائل المقاومة مثلا، وهو ما روج له البعض كثيرا، لا يلزم سوي هذه الفصائل وليس له أي الزام علي الشعب الفلسطيني الا اذا نال الاقرار من جانب الجهة الدستورية المختصة. ولقد حاولت الفصائل فيما مضي أن تفرض ما اتفقت عليه، فرفضت اللجنة القانونية في المجلس الوطني ذلك، وأقرها المجلس علي رفضها، لأن الفصائل لا تمثل الا نفسها، أما الشعب الفلسطيني فتمثله مؤسساته التي تضم الشعب الفلسطيني بفصائله ومستقليه ومؤسسات المجتمع المدني التي أقامها وانخرطت في المؤسسات الدستورية الفلسطينية.


ان منظمة التحرير الفلسطينية ما زالت قائمة بمؤسساتها، ولم تلغها أو تحل محلها أية منظمة أو سلطة أخري، كالسلطة الوطنية والمجلس التشريعي. فالمنظمة لها اختصاصاتها، وهذه المؤسسات لها اختصاصاتها، ومن المؤكد أن قيادة الشعب الفلسطيني هي للمنظمة وليس للسلطة الوطنية أو للمجلس التشريعي. فهاتان السلطتان أدني مرتبة في النظام الدستوري الفلسطيني من منظمة التحرير والمجلس الوطني واللجنة التنفيذية التي ينتخبها هذا المجلس، ولا تملكان السلطات والاختصاصات التي تملكها منظمة التحرير ومؤسساتها من تمثيل الشعب الفلسطيني كله في الوطن وفي الشتات. والي هذه، وهذه فقط، يحتكم في ايجاد خليفة للرئيس الفلسطيني كممثل للشعب الفلسطيني يتكلم باسمه. فالرئيس الفلسطيني الحالي، الأخ ياسر عرفات، عندما يتكلم في القضية الفلسطينية لا يستمد اختصاصه هذا من كونه رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية وانما يستمده من كونه رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو اختصاص دستوري لا يستطيع التنازل عنه لغيره كرئيس وزراء السلطة الوطنية مثلا.


وفيما يتعلق بموضوع الخلافة، فانه مطروح منذ زمن، وطرح بشكل مباشر في أعقاب حادث الطائرة الذي نجا منه الرئيس الفلسطيني. ووفقا للنظام الدستوري الفلسطيني فأن الموضوع ليس موضوع خلافة شخصية بمعني أن يقوم الرئيس بتعيين خليفة له أو نائب عنه يحل محله لأي سبب يعيقه عن القيام بواجباته. هذا منظور خاطئ للوضع الفلسطيني والقيم الدستورية الفلسطينية. فالرئيس الفلسطيني لم يصبح قائدا بانقلاب عسكري علي المؤسسات الدستورية الفلسطينية، وانما جاء بالانتخاب من المجلس الوطني الفلسطيني، أعلي مؤسسة دستورية تمثل الشعب الفلسطيني. وكان بالامكان تغييره، لو أن القوي السياسية في الساحة الفلسطينية استطاعت أن تحشد داخل المجلس الوطني الأغلبية اللازمة لذلك. وهذا هو الوضع في جميع النظم الديمقراطية. ولكن ذلك لم يحصل لأن غالبية أعضاء المجلس الوطني كانت تصوت الي جانبه. ثم جاءت انتخابات رئيس السلطة الوطنية، فرشح نفسه في انتخابات شهد لها العالم بأنها كانت نزيهة وسليمة، ففاز علي منافسته، السيدة المناضلة سميحة الخليل، رحمها الله، لا بالأغلبية المألوفة في الوطن العربي، وانما بأغلبية لا يرضاها واحد من الزعماء العرب الذين يلجأون للاستفتاء أو الانتخاب. وهكذا ففي الحالتين، في رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وفي رئاسة السلطة الوطنية، فقد وصل الرئيس الي السلطة نتيجة انتخابات، وفقا للنظم الدستورية الفلسطينية. هذا هو الأسلوب الدستوري الفلسطيني، ولا أسلوب غيره يستطيع أن يعطي الشرعية لمن يخلفه، سواء تنحي هو عن السلطة أو جاءه قدره المحتوم، أو عقد المجلس الوطني الفلسطيني لانتخاب لجنة تنفيذية جديدة أو جرت انتخابات لانتخاب رئيس للسلطة الوطنية.


وفيما يتعلق بالعالم الخارجي، فان ما يجب التذكير به هو أن الذي يمثل الشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الجهة الوحيدة أقرها الشعب الفلسطيني واعترف بها دوليا بهذه الصفة. أما المؤسسات التي قامت بناء علي اتفاق أوسلو من سلطة وطنية ومجلس تشريعي فهي أدني في السلم الدستوري الفلسطيني، ولا تملك، كما ذكرنا سالفا، اختصاص التفاوض أو الالزام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فالسلطة الوطنية والمجلس التشريعي قد انبثقا عن انتخابات لم يشارك فيها سوي جزء من الشعب الفلسطيني، وهم الأهل المقيمون في فلسطين، في حين أن اللاجئين الفلسطينيين، وهم أغلبية الشعب الفلسطيني، قد حرموا من المشاركة في تلك الانتخابات. وبالتالي فان السلطة الوطنية وكذلك المجلس التشريعي لا يملكان حق الزام الشعب الفلسطيني بقرارات تمس حقوق هذا الشعب، كحق العودة مثلا أو تعيين حدود فلسطين الدولية أو البت في موضوع المستوطنات. وكل ما يملكانه هو ادارة شؤون الاراضي الفلسطينية وذلك الجزء من الشعب الفلسطيني الذي أتيحت له فرصة المشاركة في الانتخابات.

 اننا لا نطعن بأي شكل من الأشكال في وطنية الأخوة ولا في دورهم الحيوي في الحفاظ علي حقوق شعبهم ولا ننتقص من تضحياتهم. فهم يقفون في الصف الأول في المعركة. ولكننا نتحدث من الناحية القانونية البحتة بحيث تحدد الاختصاصات وتتضح الصورة في ضوء هذه البلبلة التي يحاول البعض اشاعتها والترشيحات التي تطرحها الصحافة الاسرائيلة أو يتطلع اليها البعض، خلافا لما تقتضيه الشرعية الفلسطينية.


والسلطة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية هي اللجنة التنفيذية التي يرأسها في الوقت الحاضر الرئيس الفلسطيني. وهو بهذه الصفة يتحدث باسم الشعب الفلسطيني، وليس بصفته رئيسا للسلطة الوطنية. ولعله كان من الأنسب لو أنه لم يرشح نفسه لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية، غير أنه لا يوجد في النظام الأساسي لمنظمة التحرير ما يفرض الفصل بين السلطتين. واللجنة التنفيذية ينتخبها المجلس الوطني الفلسطيني، وهي مسؤولة أمامه، هي ورئيسها وكل عضو من أعضائها. وليس في النظام الاساسي لمنظمة التحرير ما يعطي رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة اختيار خلف له يحل محله أو يمارس اختصاصاته. ومن الضروري أن نؤكد أن اللجنة التنفيذية، وفقا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير، تعمل كقيادة جماعية لا ينفرد فيها أحد باتخاذ القرار ولا بممارسة اختصاصاتها. رئيسها ينفذ قراراتها، وليست له سلطات فردية يتصرف بناء عليها دون قرار من اللجنة. واذا بدا أن الرئيس الحالي قد انفرد بالقيادة، فان ذلك يرجع أساسا الي أن اللجنة التنفيذية قد فشلت في التمسك بالقيادة الجماعية التي نص عليها النظام الأساسي لمنظمة التحرير.


ووفقا للنظام الأساسي لمنظمة التحرير فان المجلس الوطني هو الذي ينتخب اللجنة التنفيذية، وتقوم اللجنة ذاتها بانتخاب رئيس لها. ولذا قد يتبادر للذهن أن من حق اللجنة أن تختار من بين أعضائها من يخلف الرئيس، ويكون هذا الاختيار ملزما لمنظمة التحرير الفلسطينية . غير أن العرف الدستوري الفلسطيني الذي استقر بعد تعديل النظام الأساسي بالنص علي القيادة الجماعية للمنظمة والعدول عن انتخاب رئيس للمنظمة علي استقلال من انتخاب اللجنة ذاتها، هو أن اللجنة تختار رئيسها، بعد الاتفاق عليها، ويقر المجلس الوطني هذا الاختيار في القرار الذي يصدر بشأن اللجنة التنفيذية، وذلك ليحظي الرئيس بموافقة اللجنة والمجلس معا. هذا العرف الدستوري قد استقر ولم يخالف مرة واحدة، فأصبح بذلك عرفا ملزما لا يصح تجاوزه، خاصة وأنه لا يتعارض مع النص وانما هو مكمل له، ويحقق مصلحة عامة في أنه يعبر في هذا الأمر الهام عن اجماع المجلس الوطني والقوي السياسية الفلسطينية المشاركة فيه من مستقلين وممثلي تنظيمات ومؤسسات للمجتمع المدني الفلسطيني، كالنقابات والاتحادات، وهي جميعا ممثلة في المجلس الوطني.

 أما أمين سر اللجنة التنفيذية فلا يتدخل المجلس الوطني في اختياره، وانما هو منصب أنشأته اللجنة التنفيذية لترتيب أمورها الداخلية، كما هو شأن أي لجنة من اللجان، وهو لا يحل محل الرئيس في ممارسة اختصاصاته في حالة غيابه أو عجزه أو وفاته.


وبالمثل فان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني هو، كرئيس أي مجلس، لا يملك من الاختصاصات الا ما ينص عليها النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية وما يقرر المجلس ذاته أن يمنح له من اختصاصات مؤقتة. والنظام الاساسي لمنظمة التحرير لا يمنح لرئيس المجلس صلاحية مباشرة اي من اختصاصات اللجنة التنفيذية التي هي السلطة التنفيذية للمنظمة ولا صلاحيات رئيس اللجنة التنفيذية. المجلس الوطني هو السلطة العليا في المنظمة وهو الذي يحاسب اللجنة التنفيذية علي تصرفاتها، ولذا لا يصح لرئيس المجلس أن يباشر أي اختصاص من اختصاصات اللجنة التنفيذية. وعلي هذا فانه من الخطأ الفادح الزج باسمه في سياق الحديث عن خلف قانوني لرئيس اللجنة التفيذية سواء بمفرده أو كجزء من تركيبة لا يوجد لها سند دستوري وفق النظام الدستوري الفلسطيني، كما لا يجوز له هو أن يزج بنفسه في ما يدخل في اختصاص السلطة التنفيذية.


بناء علي ما تقدم فان ما تناقلته الأنباء عن تشكيل ترويكا فلسطينية تضم رئيس وزراء السلطة الوطنية الفلسطينية وأمين سر اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني كحل لملء فراغ غياب رئيس اللجنة التنفيذية، أو حلول أي منهم محله لا يوجد له أدني سند وفقا للنظام الدستوري الفلسطيني، وبالتالي لا يستطيع أحد منهم الادعاء بأن له الحق في اتخاذ قرارات ملزمة للشعب الفلسطيني. أما من تتكرر أسماؤهم من رجال الأمن الفلسطيني، من عاملين وغير عاملين، فلا محل لهم لا بصفاتهم ولا كأفراد في سياق النظام الدستوري الفلسطيني، واذا تولوا السلطة خلافا لهذا النظام فانهم يكونون قد اغتصبوها ولا قيمة ولا الزام لما يقررونه أو يوقعون عليه من الناحية الدستورية.


وعلي هذا ماذا يكون الوضع فيما لو حل قضاء الله وامتدت يد المنون للرئيس الفلسطيني أو أصبح عاجزا عن القيام بمهامه، بصفتيه كرئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس للسلطة الوطنية؟


بالنسبة لرئاسة السلطة الوطنية، فقد نص القانون الأساسي لهذه السلطة علي أن يتولي رئيس المجلس التشريعي مهام رئيس السلطة علي أن تجري انتخابات عامة خلال ستة أشهر علي الأكثر لانتخاب الرئيس. وواضح من هذا أن رئيس الوزراء لا يخلف رئيس السلطة الوطنية، كما لا يخلفه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ولا أي رجل من رجال الأمن العاملين أو غير العاملين. والعقبة الوحيدة أمام تطبيق هذا النص هو الاحتلال اذا حالت سلطاته دون اجراء انتخابات عامة. ولكن علي أي حال لا يكون هناك فراغ دستوري وتستطيع السلطة الوطنية الاستمرار في تسيير امورها. ولكن ليس من بين هذه الأمور الدخول في مفاوضات ذات طابع دولي يمس حقوق الشعب الفلسطيني وتلزمه بما تتخذه هذه السلطة من مواقف أو قرارات. والصراع الذي نشأ بين رئيس السلطة الوطنية ورئيس الوزراء هو صراع داخل السلطة الوطنية حول الاختصاصات في اطار تلك السلطة، وليس صراعا حول من يمثل الشعب الفلسطيني، فالذي يمثل الشعب الفلسطيني هو منظمة التحرير الفلسطينية ولجنتها التنفيذية، وفي هذا لا صراع علي اختصاصات. والذين يعلقون الآمال علي أن يكون رئيس وزراء السلطة أكثر مرونة فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، انما ينعقون خارج الشرعية الفلسطينية، حتي لو صحت آمالهم.


أما بخصوص رئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فان أمين السر لا يخلف رئيسها، كما لا يخلفه بطبيعة الحال رئيس المجلس الوطني أو أية ترويكا قد يحبذ البعض قيامها. ولكن للجنة أن تنتخب رئيسا لها لتسيير أمورها والتحدث باسمها، ولكن لكي يكسب هذا الوضع دستورية تلزم الشعب الفلسطيني ومصداقية يطمئن اليها، فان مما لا مفر منه هو دعوة المجلس الوطني للانعقاد لينال ذلك الاختيار موافقته، أو ليتصرف المجلس في الموضوع كما يري. ولا يغني في هذا الشأن عقد اجتماع للمجلس المركزي حيث أن الموضوع خارج عن اختصاص هذا المجلس بموجب قرار انشائه.


والحقيقة التي لا يصح التهرب منها هي أن المجلس الوطني لم ينعقد منذ مدة. ولا مفر من انعقاده في هذا المنعطف التاريخي. فالرئيس الحالي لم يأت انتخابه من فراغ، وانما كان عليه، عند انتخابه، اجماع وطني، وهذا الاجماع يجب أن يتحقق حول خلفه لضمان سلامة المسيرة. وكما قلنا سابقا، فان اجماع الفصائل والتنظيمات علي خلف ليس له أية صفة دستورية ولا يعطي شرعية. المؤسسات الدستورية الفلسطينية هي وحدها صاحبة الحق. لقد حان الوقت لايجاد وسيلة لانعقاد المجلس الوطني انعقادا سليما في احدي الدول العربية أو في الخارج، اذا اقتضي الأمر، وليس في ظل قوات الاحتلال. فاللجنة التنفيذية في حد ذاتها أصبحت في حاجة ماسة لاعادة تشكيلها بعد هذه السنوات التي مرت عليها وبعد أن فقدت من أعضائها من فقدت، ولا يملك أحد سوي المجلس الوطني سلطة تغييرها أو تعيين أعضاء جدد محل من فقدوا. ومن رأينا أنه يقع علي الرئيس الفلسطيني، اذا عافاه الله، واجب تاريخي، وهذا الواجب هو دعوة المجلس الوطني لمراجعة المسيرة من جهة وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة برئيسها من جهة أخري لتكمل المشوار.

 ان انتخاب لجنة تنفيذية جديدة بدماء جديدة تستطيع أن تعمل وأن تتحرك وأن تفاوض دون أن يكون رئيسها بالضرورة رئيسا للسلطة الوطنية أصبح أمرا ملحا. بل ولعل من الأنسب الفصل بين الرئاستين ليتفرغ كل رئيس لما هو مكلف به وتجنبا للاقتتال علي الاختصاصات والتعيينات وما شابه ذلك من أمور ورافقه من فساد أساء كثيرا لسمعة الشعب الفلسطيني وجعل الكثير من الكفاءات الفلسطينية تمتنع عن المشاركة الفاعلة في السلطة الوطنية أو اللجنة التنفيذية أو اعمار البلاد.

 رئيس اللجنة القانونية للمجلس الوطني الفلسطيني سابقا

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع