مصير منظمة التحرير
بقلم :احمد عمرابي\البيان
المسار الطويل لحركة النضال الوطني الفلسطيني يتطابق تماماً مع المسار
الشخصي لسيرة ياسر عرفات وكأنهما شيء واحد. هذا ما يحسبه التاريخ
لعرفات ايجابا.. ويحسبه عليه في الوقت نفسه سلباً. لن يختلف فلسطينيان
أو عربيان في ان ولوج طريق «أوسلو» يجسد أكبر انتكاسة في مسار الحركة
الوطنية الفلسطينية. لكن هذه السقطة العظمى كانت نتيجة طبيعية لنهج
«الشخصنة» الذي زين لعرفات أسلوب التفاوض السري المعزول مع مجموعة من
الشخصيات اليهودية الاميركية ذات النفوذ في العاصمة النرويجية في عام
1993.
الآن يقول المحللون ان غياب عرفات عن المشهد الفلسطيني نهائياً سوف
يتيح الفرصة للشخصيات الفلسطينية المتذمرة ضد هذا النهج للافصاح عن
معارضتها والمطالبة بالتغيير. لكن هذه العناصر المتمردة كانت تعبر عن
تذمرها من حين لآخر منذ عهد بعيد.
في
عام 1989 عندما كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس، عقد اجتماع
عاصف للمؤتمر العام لمنظمة «فتح» الذي يضم أكثر من ألف عضو. كان هذا
التجمع الذي ترأسه عرفات، الأول من نوعه خلال تسع سنوات، للكوادر
المقاتلة وغيرهم. لقد واجه عرفات في ذلك الاجتماع عاصفة من النقد
لأسلوبه القيادي بما في ذلك نهجه الدكتاتوري والتنازلات التي كان
يعرضها آنذاك للولايات المتحدة واسرائيل دون ان يحصل على شيء في
المقابل والتخلي عن الكفاح المسلح.
وفي
البيان الختامي قرر المجتمعون الدعوة الى «استمرار وتصعيد المقاومة
المسلحة من اجل انهاء الاحتلال الاسرائيلي لأرضنا الفلسطينية».وتمثلت
ذروة المواجهة مع عرفات في ذلك الاجتماع في ان المجتمعين رفضوا العديد
من الترشيحات التي تقدم بها الزعيم لملء المناصب الرئيسية في منظمة
فتح.
ان
هذا المشهد العاصف هو الذي سوف نرى مثيلاً له ـ بصورة أو بأخرى ـ في
حالة غياب عرفات، خاصة ان تداعيات اوسلو على الصعيد التطبيقي داخل
الأراضي المحتلة أدت من ناحية الى خلق هوة بين الرئيس عرفات وقاعدته
الجماهيرية العريضة، ومن ناحية أخرى أدت الى توسيع وتصاعد التذمر
الشعبي ضد رجال الرئيس المتهمين بالفساد.
ويمكن القول إن أبرز تداعيات أوسلو هي ان منظمة التحرير الفلسطينية
كتنظيم نضالي على وشك ان تنتهي عملياً بحيث لم يبق منها سوى الرمز
المتمثل في شخص عرفات. فإذا ذهب الرمز فإن منظمة التحرير سوف تذهب
نهائياً.
لقد
رأينا الآن وبعد مغادرة أبو عمار الى فرنسا للعلاج كيف سارع رجال
الرئيس الى محاولة سد الفراغ القيادي باقتسام العبء بين قريع
وأبومازن.. الأول يتولى شأن الحكم من خلال السلطة الفلسطينية والثاني
يتولى الشأن السياسي من خلال ترؤسه منظمة التحرير.لكن من المحتم ان
تذهب كل من السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير في ذمة التاريخ اذا انتهت
زعامة عرفات لسبب أو آخر.
وتقول لنا سجلات التاريخ القريب انه لمدى عقود متصلة ظل الرئيس عرفات
يحيط نفسه بمجموعة من الخلصاء الموالين له تماماً الذين يقولون له ما
يريد أن يسمع عوضا عن اعطائه نصحاً موضوعياً، ومن أجل ضمان استمرار
هيمنته الانفرادية على الأمور فإنه يعمد أحياناً الى تشجيع التنافس
الشرس بين مستشاريه.
وعلى هذا المنوال كانت تصدر القرارات الخاطئة التي أدت بالتراكم الزمني
الى طريق أوسلو.ان مثل هذه البيئة هي التي تغري بممارسات الفساد.
وبينما لم يعرف عن عرفات نفسه ممارسات فساد إلا أنه ظل يغض البصر عن
مسلك رجاله.
لقد
تحولت منظمة التحرير الفلسطينية على مدى السنين الطوال الى مؤسسة
بيروقراطية تتدفق الى خزائنها أموال من حكومات ومنظمات.. لتنتقل بعد
ذلك الى أيدي مسئولين إما لتدخل في حساباتهم المصرفية الشخصية مباشرة
او تستخدم في صفقات مريبة بهدف الثراء الشخصي غير المشروع. وإذا كان
وجود عرفات على رأس هذه المؤسسة هو الضمانة الوحيدة لبقائها فإن من
الطبيعي ألا تستطيع الصمود لمرحلة ما بعد عرفات.
|