لا يحقّ لرئيس السلطة الدعوة إلى استفتاءٍ.. والتصرّف المسؤول عند الخلاف هو التفاهم
 

غزة – المركز الفلسطينيّ للإعلام

أكّد وزير العدل السابق وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح"، المستشار ناهض الريس، أنّه لا يحقّ لرئيس السلطة الفلسطينية الدعوة إلى استفتاءٍ عام، عادّاً التصرّف المسؤول عند الخلافات هو أنْ يستدعي التفاهم بين الرئيس والحكومة، ولا بديل عن هذا التفاهم إطلاقاً لأنّ التصرّف بطريقةٍ مغايرة يفتح الباب لتداعيات لا تحمد عقباها؛ بينها الاشتباكات المسلحة على نطاق واسع.

وقال المستشار الريس خلال كلمةٍ له في ندوةٍ بغزة: "إنّ أسباباً عديدة تؤكّد أنه ليس من حقّ رئيس السلطة الفلسطينية الدعوة إلى إجراء استفتاءٍ عام؛ أبرزها أنْ تمتّع الرئيس بهذه الصلاحية لا يجوز دون نصّ صريحٍ في القانون الأساسيّ، كما هو الحال مثلاً في الدستور المصري الذي نصّ في سياق صلاحيات الرئيس على حقّه في الدعوة للاستفتاء العام بموجب المادة 74. وكذلك فعل الدستور السوري في المادة 112 والدستور اليمني في المادة 119 والدستور التونسي في المادة 47 والدستور الجزائري في المادة 77.. فإجراء الاستفتاء إذنْ ليس بالأمر الذي يصحّ تركه لإرادة الرئيس دون أنْ ينص عليه القانون الأساسي نصاً صريحاً واضحاً في سياق تعداد الصلاحيات الأخرى للرئيس".

وأوضح أنّ الاستفتاء العام الذي يجري الحديث عنه يأتي في معرض حدوث خلافٍ خطيرٍ بين الرئيس وبين الحكومة لأسبابٍ متعددة وفي ظروف بالغة الحساسية، مؤكّداً أنّ التصرف المسؤول في هذه الظروف يستدعي التفاهم بين الرئيس والحكومة، ولا بديل عن هذا التفاهم إطلاقاً، مشدداً على أن التصرّف بطريقة مغايرة يفتح الباب لتداعيات لا تحمد عقباها، ويفاقم حالة الاستقطاب في الشارع وربما يؤدّي إلى ما نحذر منه جميعاً؛ وهو الاشتباكات المسلحة على نطاق واسع.

ويرى الريس أنّ الاستفتاء على فرض حدوثه لن يكون منتجاً، فليس من شأنه حكماً أنْ يفرض على الحكومة أنْ تلتزم بما تتمخّض عنه النتيجة، مستدركاً بالقول: "يستطيع الرئيس أنْ يقيل رئيس الوزراء وبالتالي مجلس الوزراء، وذلك أيضاً غير منتجٍ في حالتنا الراهنة لأنّ السيناريو المتصوّر في تلك الحالة هو امتناع المجلس التشريعي عن منح الثقة لأية حكومة أخرى وبالتالي دخول البلاد في حالة فراغٍ حكومي وأزمة دستورية".

وأكد المستشار الريس على أنّه ليس من حقّ الرئيس الفلسطيني دستورياً أنْ يدعو إلى استفتاءٍ عام، لأنّه لا سبيل إلى مخالفة القاعدة الدستورية الراسخة الدارجة التي تؤكّد أنّ حقّ أيّما رئيسٍ في نظام ديمقراطي بإجراء الاستفتاء العام يجب أنْ يكون منصوصاً عليه ضمن قائمة صلاحياته في دستور البلاد (القانون الأساسيّ)، فصلاحية اتخاذ القرار بإجراء الاستفتاءات العامة وتنظيمها ليست من المسائل التي يجوز أخذها بالإرادة المنفردة أو بالاجتهاد الشخصي.

وقال: إنّ هذه القاعدة دارجة ومطّردة في جميع دساتير الأنظمة الجمهورية في منطقتنا العربية، وأول مثالٍ على ذلك ما جاء في دستور جمهورية مصر العربية في الفصل الأول من الباب الخامس الخاص بنظام الحكم تحت عنوان رئيس الدولة، ويتحدّث هذا الباب في ثلاث عشرة مادة (من المادة رقم 73 إلى المادة رقم 85) عن صلاحيات الرئيس. ويأتي الكلام عن حقّ الرئيس في إجراء الاستفتاء في المادة الثانية مباشرة من هذه المواد. ويتحدّد موضوع الاستفتاء وفقاً لهذه المادة بمسألة الموافقة أو عدم الموافقة على ما اتخذه الرئيس من إجراءات استثنائية عاجلة إذا قام خطرٌ يهدّد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري.

وأضاف "كذلك الحال في دستور الجمهورية العربية السورية حيث جاء في المادة مائة واثنتي عشرة نصّ أعمّ وأكثر إطلاقاً، إذْ يمنح رئيس الجمهورية الحقّ في (أنْ يستفتي الشعب في القضايا الهامة التي تتصل بمصالح البلاد العليا).. كما يترتّب آثاراً إلزامية ونافذة لنتيجة الاستفتاء".

وتابع: "لا تشذّ جمهورية اليمن عن قاعدة ضرورة النص على صلاحية إجراء الاستفتاء، وذلك بنصّ المادة رقم 119 في فقرتها الثالثة وهي مادة مختصرة ذات صيغة عامة تقول (يتولى رئيس الجمهورية.. الدعوة إلى الاستفتاء العام "الفقرة الثالثة")".

واستطرد بالقول: "تبعاً لدستور الجمهورية التونسية فإنّ لرئيس الجمهورية (بما لا يخالف الدستور) أنْ "يستفتي الشعب مباشرة في مشاريع القوانين ذات الأهمية الوطنية أو في المسائل الهامة التي تتصل بالمصلحة العليا للبلاد". وتضيف المادة (ويعبّر الدستور التونسي عن المادة بلفظة الفصل) أنّ صيغ الاستفتاء والإعلان عن نتائجه مسألة ينظّمها قانون الانتخابات.

وقال الريس: "أمّا دولة الجزائر فينصّ دستورها أيضاً في مادته رقم 77 التي تحصي اختصاصات رئيس الجمهورية المختلفة على أنّه (بنص الفقرة8 يمكنه أنْ يستشير الشعب في كلّ قضية ذات أهمية وطنية عن طريق الاستفتاء)".

ويؤكّد وزير العدل السابق أنّ الدساتير المختلفة لم تغفلْ عن النصّ على هذا الاختصاص، فلا صلاحية دون نص، وسواءً أكان النصّ مطلقاً وعاماً وموجزاً، كما في أمثلة الدستور اليمني والدستور التونسي والدستور الجزائري، أو كان مفصّلاً أو مقيّداً كما في الدستور المصري والدستور السوريّ، فإنّ القاعدة الدستورية كما أسلفنا هي وجوب النص على تمتّع الرئيس بهذا الحق في صلب الدستور.

وقال: إنّ الحقّ في إجراء الاستفتاء شأن غيره من الحقوق التي يتمتّع بها رئيس الجمهورية لا يثبت للرئيس لمجرد نجاحه في الانتخابات، وإنما يهبه إياه نص الدستور.

وقال: إنّ ذكر الاختصاصات والصلاحيات في الدستور يأتي مستنداً إلى عملية (توزيع) السلطات في إطار شركاء السلطة المتعددين، وذلك ما تقوم به السلطة التشريعية التي تختصّ دون غيرها بوظيفة التشريع، موضّحاً أنّه من الخطأ والخلط الواضح أنْ يقول أحد: إنّ للرئيس الحقّ بوجهٍ عام أنْ يتصرف حسبما يراه ضرورياً ما دام أنّ القانون لم يحرِِّم ذلك، وهذا القول يخلط بين القاعدة التي تقول: إنّ الأصل في الأشياء الإباحة إلا إذا حرَّمها نصّ زاجر وبين ما يجوز ولا يجوز دستورياً, فالقاعدة الأولى مجالها قانون العقوبات وليس اختصاص فرقاء الدستور.

وقال: "إننا بهذا التوضيح القانوني نذكّر بالقانون ولا نتحدث في السياسة، فإذا انتقلنا إلى السياسة لم نستطعْ إلا أنْ نناشد الجميع عدم دفع الأمور إلى الصدام المحتوم. وإذا كان التفاوض مع (الإسرائيليين) ممكناً فما الذي يجعل الحوار مع شركاء الدم مستحيلاً أو متعسّراً ؟" حسب تعبيره.

وأضاف وزير العدل السابق أنّ الصلاحيات التي تنصّ المادة 46 على ممارسة الرئيس إياها بمساعدة مجلس الوزراء هي ما يلي: (بموجب نص المادة 39) هو القائد الأعلى للقوات الفلسطينية وهي صفة إشرافية رمزية أكثر منها صفة إدارية عملية، وله (بموجب المادة 40) صلاحية تعيين ممثلي السلطة الوطنية لدى الدول والمنظمات الدولية والهيئات الأجنبية وإنهاء مهامهم، وهو الذي يعتمد ممثلي هذه الجهات لدى السلطة الوطنية، وله (بموجب المادة 41) صلاحية إصدار القوانين بعد إقرارها من المجلس التشريعيّ، وله أنْ يعيدها إلى المجلس مشفوعة بملاحظاته وفي جميع الأحوال فالكلمة الفصل في التشريع للمجلس لأنّ القانون يصبح قانوناً وينشر في الجريدة الرسمية فوراً إذا أصرّ المجلس على وجهة نظره، وللرئيس (بموجب المادة 42) حقّ العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، وللرئيس (بموجب المادة 43) صلاحية إصدار مراسيم لها قوة القانون مؤقّتاً في غير أدوار انعقاد المجلس وذلك فقط في حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير، فإذا انعقد المجلس تُعرَض عليه هذه المراسيم فإذا لم يقرّها زال ما كان لها من قوة القانون، وللرئيس (بموجب المادة 45) صلاحية اختيار رئيس الوزراء وحقّ إقالته وحقّ قبول استقالته والطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع