عمان – الحقائق – شاكر الجوهري

  7/24/2004  

رفيق النتشة الذي اطاحته ملفات الفساد من رئاسة "التشريعي" الفلسطيني لـ "الحقائق":

 

جاهز لمنافسة عرفات..سلطته دكتاتورية عصابات ومسخرة .. وشعاره من بعدي الطوفان..!
مليارات الدولارات  سائبة لا يراقبها أحد.. السلطة لا تحتاج مساعدات
عرفات يحمي جبهة الفساد.. نرفض المنهج الدكتاتوري ولا نقبل اساليب "الجلا جلا".
طلبت انعقاد "التشريعي" لمناقشة عدم تنفيذ قراراته.. إما أن يكون محترما أو يحل نفسه.
سأطلب التحقيق مع قريع بقضية اسمنت مستوطنة أبو غنيم وسأسأل وزير المالية عن تحويلات سها عرفات.
97%
من اموالنا كانت تأتي من السعودية تراجعت إلى 4 ملايين ريال.. لصوص اصبحوا سفراء.
سمعت أن الرئيِس دفع 12 مليون دولار لأعضاء في التشريعي لإطاحتي عن رئاسته.
سلطتنا غير محترمة لا يمكن أن يقبل بها الناس.. هي في واد وجماهير الشعب في واد.
هل يجوز أن يكون مع مناضلي كتائب الأقصى مرة ويبيعهم مرة..؟! يجب دعمهم أو استيعابهم.ِ
تحذيرات الإتحاد الأوروبي بشأن الإصلاح تصدر عن منطق سليم يتوافق مع النهج الفلسطيني.
نذبح بحجة أنه محاصر.. فليخرج ويتحرك.. يريد أن يحقق السلام..؟ فليتفضل.. يريد أن يقود مقاومة..؟ فليتفضل..

 

لم يكن رفيق النتشة يعتزم البوح بأسباب اطاحته من رئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني على إثر حواره السابق مع "الحقائق" الذي أبدى فيه استعداده لتشكيل لجنة تحقيق في قضية الأحد عشر مليون دولار التي حولت لحساب السيدة سها عرفات في باريس, لكنه لضطر تحت ضغط وابل اسئلتنا إلى البوح بأن هناك اجماع داخل "فتح" على أن اطاحته كانت ثمنا لفتحه ملفات الفساد في السلطة الفلسطينية.

وفي هذا الحوار يعلن أبو شاكر اعتزامه طلب فتح تحقيق في الإتهامات الموجهة لأحمد قريع رئيس وزراء السلطة بأنه يزود مستوطنة جبل أبو غنيم بالخلطات الإسمنتية الجاهزة, كما أنه سيطلب من الدكتور سلام فياض وزير المالية الكشف عما بحوزته من معلومات حول تحويلات السيدة سها عرفات.

الأهم من كل ذلك هو أن النتشة طلب من الرئيس الحالي للمجلس التشريعي عقد جلسة تخصص لبحث أسباب عدم تنفيذ قراراته وتوصياته من قبل الرئيس عرفات الذي يصفه بأنه حامي الفساد والمفسدين, كاشفاً عن أن السلطة الفلسطينية لا تحتاج إلى مساعدات خارجية, ذلك أن هناك مليارات الدولارات يجري تشغيلها عائدة للسلطة, لكن أحداً لا يعرف عنها شيئاً..!

ويعلن أبو شاكر أن جبهة الفساد هي التي اطاحت بحكومة أبو مازن لأنه أراد أن ينظم الأمور وينجز الإصلاحات, نافياً أن تكون هذه الحكومة قدمت تنازلات كتلك التي قدمها عرفات.

ويكشف الرئيس السابق للمجلس التشريعي الفلسطيني في هذا الحوار عن أن من سبقوه في موقع مدير مكتب "فتح" ثم سفارة فلسطين في السعودية كانوا يشغلون الأموال التي تجبى لصالح أبناء شهداء فلسطين لحسابهم الشخصي لعدة أشهر قبل أن يحولوها، وأن الذين عينوا سفراء من بعده كان قد فصلهم جراء ادانتهم في تحقيق باختلاس الأموال، فتقلصت تحويلات التبرعات التي تجنى في السعودية من 120 مليون ريال في عهده إلى فقط أربعة ملايين ريال..!

ويضع رفيق النتشة الذي أطاح به فساد السلطة من رئاسة المجلس التشريعي الفلسطيني مؤخراً النقاط فوق المزيد من الحروف، مبتدئا بعدم نفي المعلومات التي تؤكد أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات دفع 12 مليون دولار لأعضاء في المجلس التشريعي مقابل اطاحته طالما أنه جاهز للتحقيق في تحويلات الرئيس لزوجته التي بلغت 11 مليون دولار خلال أقل من عامين، ويقول أبو شاكر أنه سمع بهذه المعلومة.

ويعلن في خضم شرحه لصفحات من فساد السلطة الفلسطينية إن هذه السلطة غير محترمة ولا يمكن أن يقبل بها الناس. فهي في واد وجماهير الشعب في واد آخر.. ولا يتردد النتشة في الإلتقاء مع المطالب الأوروبية بإصلاح السلطة، والقول أن هذه المطالب والتحذيرات المترافقة معها تصدر عن منطق سليم لأنه يتوافق مع النهج الفلسطيني الذي طالب بالإصلاح قبل أن يطالب به المجتمع الدولي.

ويرفض أبو شاكر المنطق الذي يفسح المجال للرئيس الفلسطيني أن يدعم مناضلي كتائب شهداء الأقصى من جهة، ويسلمهم لإسرائيل من جهة أخرى..! ويكاد يصرخ وهو يقول إننا نذبح بحجة أن الرئيس محاصر ولا يملك أن يفعل شيئا. فليخرج ويتحرك.. إذا كان يريد أن يحقق السلام فليتفضل، وإذا كان يريد أن يقود مقاومة فليتفضل..!

وازاء هذا التقييم بالغ الصراحة للرئيس عرفات وسلطته، وهو الذي يصفها بأنها سلطة عصابات ومسخرة، فيما شعار عرفات ليكن من بعدي الطوفان، فلم لا يرشح رفيق النتشة نفسه لمنافسته على رئاسة السلطة حال اجراء انتخابات جديدة..؟

لم يتردد الرجل الذي عرف بصراحته بقبول ذلك في حال اجراء انتخابات، ومع أنه يشك في امكانية حدوثها، لكنه يشترط أن يجد الدعم والقبول من القوى الوطنية والإسلامية والمؤسسات القيادية الفلسطينية.

هنا نص الحوار البالغ السخونة والصراحة:
  
**
لنبدأ هذا الحوار من حيث انتهى حوارنا السابق معك قبل قرابة الستة أشهر. في حينه كنت رئيسا للمجلس التشريعي الفلسطيني، وقد أعلنت أنك إن تلقيت بلاغاً بشأن تحويلات مالية تقدر بأحد عشر مليون دولار، من ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية إلى زوجته السيدة سها في باريس، فإنك ستشكل لجنة برلمانية للتحقيق في هذا الأمر.
هل كانت لهذه الإجابة علاقة بالظروف التي تطورت لاحقا وأدت بك إلى عدم ترشيح نفسك لرئاسة الدورة الحالية للمجلس التشريعي الفلسطيني..؟
ـ أولا لا توجد قضية من هذا النوع تؤدي إلى مثل هذه النتائج. هذه قضية تدخل ضمن اطار منهج. المنهج الذي اتبعته في المجلس التشريعي، ولقي اجماعا من اعضائه, هو منهج محاربة الفساد. وقد اعلنت أكثر من مرة منذ البداية أنني لن أمنع أي أخ من اعضاء المجلس التشريعي، وخاصة اولئك الذين كانوا يشتكون من أنهم لا يستطيعون تقديم ملفات الفساد، من أن يتقدم بأي ملف فساد. وقد بدأت فعلا عملية تقديم الملفات، سواء اكان ذلك ملف البنوك، أو لوم الحكومة، أو الإسمنت، أو أي قضية فساد يوجد لها توثيق اساسي يمكن الإنطلاق منه لاستكمال المعلومات والتدقيق في مدى صحتها.
موضوع تحويلات مالية تمت من قبل الرئيس عرفات لزوجته لم يعرض علينا من قبل أي جهة من الجهات. هو مجرد تقارير صحفية، ولم نتلق من أي جهة من الجهات، بما في ذلك اعضاء المجلس التشريعي، أو أي مواطن، اشارة، أو طلبا بفتح هذا الملف.
قضية رئاسة المجلس التشريعي حسمت داخل الكتلة البرلمانية لحركة "فتح" التي قررت أن يكون لها مرشحاً واحداً. وأنا رفضت أن ارشح نفسي رغم المحاولات التي بذلها معي كثيرون من اعضاء المجلس، إذ قررت الإلتزام بقرار حركة "فتح".

** ولكن لم اتخذ هذا القرار. وقد علمنا أن كتلة "فتح" اتخذته لدى اجتماعها في مقر الرئيس عرفات، ومن ضمنه ترشيح الرئيس الحالي روحي فتوح..؟ وما علاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية..؟ وأين الفصل بين السلطات..؟
ـ اولا ارجو أن لا تخلط بين السلطة الفلسطينية، بسلطاتها المتعددة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وبين حركة "فتح". نحن نتحدث عن حركة "فتح" بصفتها الحزب القائد، الحاكم، صاحبة الأغلبية الساحقة في المجلس التشريعي. هذه لها شؤونها الخاصة بها، التي لا علاقة لها بالسلطة التنفيذية أو التشريعية.. ينطبق عليها نظام "فتح" الداخلي.
هناك اجراءات وتوجهات واسباب لا تخفى على أحد كانت وراء هذا الأمر بالنسبة لحركة "فتح"، ولا أريد أن ادخل فيها.

** لم لا تريد الدخول في الأسباب..؟
ـ لأنها مسألة حركية جعلت الحركة، لأسباب لا أريد ذكرها، ترشح الأخ روحي فتوح. وما دام قد اتفق على هذا، فقد رفضت أن ارشح نفسي لرئاسة المجلس التشريعي.

الفساد اطاحني

** لكن الفاصل الزمني بين ترشيحك في المرة الأولى، والإمتناع عن ترشيح نفسك في المرة الثانية لا يتجاوز الثلاثة أشهر. ما التغير الذي حدث في المعادلة الفتحاوية خلال هذه الثلاثة أشهر، وما اسباب هذا التحول..؟
ـ هذا سؤال كبير طرح من قبل الكثيرين، بما في ذلك داخل كتلة "فتح" وداخل الحركة. لكن هناك اجماع على أن هذا هو ثمن فتح ملفات الفساد في السلطة الفلسطينية.

** هذا ما بدأنا السؤال عنه.
تقول أنكم اجتمعتم كنواب حركة "فتح". ولكن هل نستطيع أن نفصل بين رئيس حركة "فتح"، ورئيس السلطة، ورئيس منظمة التحرير..؟
ـ حين تشغل عدة مواقع، فإنك أنت الذي تحدد موقعك، ومنه تنطلق. حين تريد أن تحاسب رئيس حركة "فتح"، فإنك ستحاسبه من خلال اجهزة الحركة، وحين تريد أن تنطلق من خلال رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، فإنك تنطلق من خلال المجلس التشريعي الفلسطيني والحكومة والسلطة القضائية. لكل مؤسساته، وهذا معروف. وحين نصل إلى المجلس التشريعي لا يجوز لأحد أن يتحدث بغير المجلس التشريعي، وبغير القانون والمنهج الحكومي الرسمي للسلطة.

** لكن الرئيس ياسر عرفات بإمساكه بكل هذه الخيوط والأوراق بيده يمارس نظاما ابويا لم يعد مقبولاً في هذا العصر..؟
ـ أنت تتحدث عن النظام الفلسطيني في السلطة الوطنية الفلسطينية، إذا فلنلتزم بالقانون الأساسي، والنظام الداخلي للمجلس التشريعي وسياسة السلطة الوطنية. من هنا نستطيع أن نتحدث عن رئيس السلطة في تصرفاته وسلوكه وعمله، هو وغيره من اعضاء السلطة التنفيذية.

** على كل حال فإن نتائج التحقيق الذي اجرته اللجنة البرلمانية، التي شكلت من رؤساء عدة لجان في المجلس التشريعي، توصلت إلى حقيقة هي أنه بتاريخ 9/11/2003 تلقى الرئيس ياسر عرفات مذكرة رسمية من جرار القدوة رئيس هيئة الرقابة، وهو خاله، يبلغه فيها بقضية الإسمنت وما توفر لدى الهيئة من معلومات تتعلق بتسريب اسمنت مصري عبر شركات فلسطينية إلى الجدار الإسرائيلي، فما كان منه إلا أن وضعها في الدرج ولم يحرك ساكنا..! ثم تختل المعادلة الفتحاوية ليتم ابعاد الرجل الذي عرف بمكافحته للفساد، ووافق على فتح ملفاته، والإتيان برجل مقرب جداً من الرئيس عرفات.

هذه لا يمكن أن تكون مجرد مصادفة..؟
ـ على كل حال، أنا أقول التالي: قدم السيد جرار القدوة بصفته رئيسا لهيئة الرقابة تقريرا، وبلغنا ما كتبته الصحف المصرية عن الموضوع، وأن هناك وثائق تشير لوجود تلاعب في الإسمنت المصري الذي يعطى للفلسطينيين بسعر مخفض في اطار كوتا محددة، وأنه يباع للإسرائيليين. وقد شكلت لجنة للتحقيق في هذا الأمر من رؤساء ثلاث لجان برلمانية. أنا الذي شكل هذه اللجنة، وطلبت اللجنة السفر للقاهرة لاستكمال هذا الأمر، حيث احضرت الوثائق اللازمة، ورجعت إلى تقرير السيد جرار القدوة، وإلىالشركات المتهمة، واجتمعت مع جميع الأطراف، وقدمت ملفاً بالقضية تضمن تقريراً نهائياً اعتمده المجلس التشريعي كما هو..

حل المجلس التشريعي لنفسه

** فكان أن كافأ الرئيس مدير عام في وزارة الإقتصاد على تورطه في القضية عبر تعيينه وكيلا مساعدا للوزارة..؟!
ـ سبق أن قلك لك في مقابلة سابقة أن هناك فسادا محميا من أعلى السلطات في السلطة الوطنية الفلسطينية. ومهمتنا أن نحارب هذا الفساد، وهذا مظهر من مظاهر الفساد الذي لاحقناه، وسنظل نلاحقه حيثما نكون، وفي أي موقع. لو كانت الأمور تسير بشكل قانوني وبشكل طبيعي لما كان هناك مبرر للحديث عن فساد، وفتح ملفات الفساد.
هذه التعيينات العشوائية التي لا تعتمد إلا على الواسطات والمزاج الشخصي من قبل القيادات العليا، والتي بدورها تحمي الفساد، وتمارسه، هي مبرر حديثنا عن الفساد، وفتح ملفاته في المجلس التشريعي.
ولعلمك، أنا أتحدى أن يستطيع أحد وقف فتح ملفات الفساد في المجلس التشريعي الآن. الملفات ستبقى مستمرة، وسنتصدى لهذا, مشكلتنا الأساسية هي أن قرارات المجلس التشريعي توضع على الرف من قبل السلطة التنفيذية على أعلى المستويات. مهمتنا أن نعمل على وضعها موضع التنفيذ، وإلا فإن المطلوب من المجلس التشريعي، وقد اعلنت ذلك داخل المجلس، هو عقد جلسة للمجلس نناقش فيها قرارات وتوصيات المجلس التي لم تنفذها السلطة التنفيذية.
إما أن يكون هذا المجلس محترما يمثل الشعب الفلسطيني وتطلعاته في دعم عملية الإصلاح، ومحاربة الفساد، ووضع القانون موضع التنفيذ، ووضع القرارات والتوصيات موضع التنفيذ، أو أن يتخذ قراراً يتعلق بحل نفسه، أو الإستقالة، أو الإضراب أو المظاهرة.. أن يتخذ الإجراء الذي يعبر فيه عن رفضه المطلق لهذه السياسة المرفوضة من كل جماهير شعبنا باستثناء المنتفعين من الفساد.

** ولكن الحاصل هو أن جميع القرارات التي يصدرها المجلس يتم "تطنيشها"..؟!
ـ ليس جميعها.

** المتعلق منها بالفساد على الأقل..؟
ـ نعم.

** قضية بنك فلسطين الدولي تم "تطنيش" القرار الذي اتخذه المجلس التشريعي بشأنها. وها هو القرار الخاص بقضية الإسمنت يأخذ طريقه هو الآخر إلى "التطنيش"..؟!
ألم تثيروا داخل المجلس التشريعي مسألة مكافأة "الفساد" الذي تجلى في تعيين أحد المتورطين في توريد الإسمنت المصري للجدار الإسرائيلي وكيلا مساعدا لوزارة الإقتصاد..؟!
ـ أكرر للمرة الثانية: لقد طلبت من رئيس المجلس أن يعقد جلسة خاصة لمناقشة عدم تنفيذ قرارات المجلس.

** متى تقدمت بهذا الطلب..؟
ـ قبل أكثر من شهر بقليل. وقد وافق رئيس المجلس عليه، وليس من حق أحد أن يرفض لأنني استطيع أن احصل على تواقيع نواب على مذكرة بفتح هذا الملف. العنوان الذي طلبت أن تعقد الجلسة الخاصة لبحثه هو لم لا تنفذ قرارات المجلس..؟ ومن المسؤول عن ذلك..؟ وطلبت أن يتخذ المجلس اجراء علنيا، ونحن نسعى الآن لعقد هذه الجلسة في أسرع وقت ممكن.

مواجهة دائمة

** في لقاء سابق مع الدكتور حسن الخريشا، رئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي، قال أنه سيطلب سحب الثقة من الحكومة في حالة الإمتناع عن تنفيذ مضمون قرار لجنة التحقيق في قضية الإسمنت، وأن هناك تأييد واسع لمثل هذا الطلب. لكن شيئا من هذا لم يحدث بعد..؟
ـ اجتماعات المجلس وطرح الثقة بالحكومة يحتاج إلى اجراءات وترتيبات. عدم حدوث ذلك خلال اسبوعين أو ثلاثة اسابيع ليس بالشيء الكثير. الأمر لا يزال جدياً، ولا يزال وارداً، وليس من حق أحد أن يمنع أي شخص أن يمنع المجلس التشريعي من اعلان محاربته للفساد ويعلن ضرورة تنفيذ خطة الإصلاح التي اعتمدها المجلس.

** أنت بالذات وجدت نفسك في مواجهة دائمة مع الرئيس ياسر عرفات طالما أنك تواجه الفساد. حدث ذلك حين كنت سفيرا في السعودية، وحين أصبحت عضوا في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، ثم ها هو يتكرر حين اصبحت رئيساً للمجلس التشريعي الفلسطيني.

هل تتوقف عند كل محطة من هذه المحطات على حدة..؟
ـ ليس من طبعي أن أفرض على السائل ما يسأل عنه. من حقك أن تسأل عما تريد.

** ها أنذا اسألك . لنبدأ بقضية سفارتك لدى السعودية. ما هي القضية الرئيسية التي أدت إلى خروجك من تلك السفارة..؟
ـ لا أعلم بوجود قضية رئيسية، ولا غير رئيسية. لقد استلمت السفارة، وأشرفت على اللجان الشعبية، وتستطيع أن تسأل عن ذلك ابناء شعبنا في السعودية، وكذلك الإخوة السعوديين والعرب، والحكومة السعودية عن نتائج عملي خلال تلك الفترة. لكنني أود أن أقول فقط للتاريخ أنني كنت أصر على أن تأتي ثلاث لجان تفتيش مالي سنويا، حيث أن أكثر من 98 بالمئة من تمويل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" والثورة الفلسطينية كان يأتي من السعودية، شعبيا ورسميا، وعلى جميع الأصعدة. والحمد لله أن تقارير اللجان كانت دائمة مشرفة، وكنت أتلقى كتب الشكر من الرئيس ياسر عرفات، وهي موجودة لدي. وكذلك من سمو الأمير سلمان، ومن لجان التفتيش التي كانت تأتي من حركة "فتح" ومنظمة التحرير.

توظيف أموال الشهداء

لا يوجد أي سبب لا شخصي أو غيره يتعلق بهذا الأمر. وكان مفاجئا جداً على الصعيد الرسمي والشعبي سحب السفارة مني.

** ألم يكن هنالك خلاف حول أين وفي أي الحسابات توضع هذه الأموال..؟
ـ مطلقاً، وكنت قد نظمت الأمر منذ البداية بطريقة لا يستطيع أحد معها أن يمس هذا المال، لا الرئيس ياسر عرفات، ولا أي عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ولا أي عضو في حركة "فتح" ولا أنا.

** ما هي هذه الطريقة..؟
ـ وضعنا نظاما ماليا..

** ما هو هذا النظام..؟
ـ اتفقت مع المالية المركزية لحركة "فتح"، لأن اللجان الشعبية تتبع لحركة "فتح" وأبناء الشهداء.. اتفقنا على أن كل وصل وكل نموذج مالي ولائحة مالية تصدر يجب أن تصدر بشكل مركزي، وأن تسلم لمسؤول المالية المركزية، وقد كان المسؤول المالي المركزي في السعودية في حينه الأخ محمد حسين كنعان، وهو من اشرف الناس.. من المقاتلين والمناضلين الشرفاء، وتوزع على المناطق، فإذا حدث خلل في ورقة واحدة في أي مكان فإننا كنا نعرف من استلمها، وما إذا كان فيها خطأ أم لا. وقد كشفنا حالتين، وعرف المتورطون فيهما، وقمت بفصلهما فوراً.

** حدث ذلك في السعودية..؟
ـ نعم.

** من كان المسؤول المالي المركزي لحركة "فتح" في حينه..؟
ـ كان الأخ محمود عباس (أبو مازن). وقد وضعنا نظاما بالإتفاق مع السعوديين، لأن كل هذه المسائل كان مسؤولا عنها الأمير سلمان بن عبد العزيز، وكذلك وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز.
الفلسطيني الذي كان يدفع التزاماته المالية، كان يحصل على ايصال ويودع المال في البنك في ذات اليوم، أو في اليوم التالي، فإن تأخر الإيداع ليوم واحد، كان المسؤول عن ذلك يتعرض للمساءلة والتحقيق والعقاب. وقد فعلنا ذلك لأن من سبقوني كانوا يستخدموا هذه الأموال لعدة شهور في شراء الأراضي والتجارة قبل تحويلها إلى مالية "فتح". وقد اوقفت هذا، وفصلت الذين كانوا يفعلون ذلك، ومن حسن حظهم أنهم عينوا سفراء من بعدي. فصلتهم باعتبارهم حرامية، فعينوا سفراء.

** أين عينوا..؟
ـ في السعودية.. في ذات المكان..!
هذا النظام المالي لا يوجد بموجبه شخص مخول بمساس المال، لا ممثل حركة "فتح"، أو منظمة التحرير، أو السفير الذي هو أنا، ولا الرئيس ياسر عرفات، أو أي أحد. المال كان يجري في سبيله، ويتم تحويله لحساب أبناء الشهداء لدى البنك الفلاني. وبعد ذلك تنتفي مسؤوليتي.
وعلى ضوء ذلك كانت لجان التفتيش لا تجد خطأ واحداً في مئات الألوف من المعاملات. ولذلك، كنت أتلقى كتب الشكر التي احتفظ بها حتى الآن، وأنا على استعداد لأن أناقش أي خطأ طالما أنني على قيد الحياة.

** بعد أن غادرت موقع السفارة، هل اختلف هذا النظام..؟ هل تغير..؟
ـ حين استلمت أنا المسؤولية، وجدت أن المسؤول الذي سبقني كان يحول من المال ما يراه مناسبا، بعد أن يصرف ما يريد. أما انا، فقد حددت موازنة المكتب، ثم السفارة، في ضوء الواقع. وكنت احول كل الأموال التي يتم جبايتها، ثم انتظر تحويل موازنة المكتب أو السفارة تأتيني من الخارج. وكانوا يتأخرون في التحويل..

أنا مع النظام.

كان آخر مبلغ حول للسفارة قبل مغادرتي السفارة هو بحدود اربعة ملايين ريال. أما آخر مبلغ حولته أنا فكان حوالي 120 مليون ريال. الآن لا تحول السفارة الفلسطينية في السعودية أكثر من اربعة ملايين ريال.

** ما الأسباب..؟
ـ هذا موضوع آخر. لكن اللافت للنظر هو أن من عين الآن كان مفصولاً عقب تحقيق رسمي، لأسباب مالية.
تسألني باعتباري مواجها للفساد..؟ نعم أنا في مواجهة دائمة مع الفساد. أنا أطرح نفسي للجمهور، للرقابة، ولشركات تدقيق الحسابات، ولوفود لجان التفتيش التي كنت أصر على حضورها، وتوقفت عن الحضور والتفتيش منذ أن غادرت السعودية وحتى الآن.
هذا موقع من المواقع، وهذا مشهد من المشاهد، وما عليك إلا أن تذهب إلى السعودية وتسأل الناس.

مليارات بلا رقابة

** الآن لا توجد عملية مراقبة ومتابعة، مع أن الحالة الفلسطينية تشكو من قلة المال، وندرة السيولة المالية.. ماذا يعني ذلك..؟ هل يعني أن الأموال التي لا تحول عبر قنواتها الرسمية والشرعية تذهب عبر قنوات أخرى من خلال قيادات أخرى خارج نطاق السفارة..؟
ـ لا. سوء التصرف المالي أولا، ثم سمعة الناس، والإجراءات التي تغيرت، واختلاف المسؤوليات. أما على الصعيد الكلي، من الذي يقول أن السلطة الفلسطينية تشكو من قلة المال..! السلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني يشكوان الفساد، واسأل وزير المالية الدكتور سلام فياض.
لو نفذت السلطة نظامنا المالي بشكل جيد، فإننا لا نحتاج إلى مساعدات، لكن الشركات التي تعمل بقوة السلاح، والتي يذهب جميع دخلها، وهو بعشرات الملايين.. بل بمليارات الدولارات، لا يوجد أحد يطلع عليه. وممنوع أن يطلع عليه أحد.. وهنا مكمن الفساد الأول في السلطة.

** من الذي يستأثر بالإشراف على هذه الأموال وتوظيفها..؟
ـ المسؤول الأول هو صاحب الصلاحيات الأولى.

** تعني رئيس السلطة..؟
ـ ليس رئيس السلطة لوحده، حتى لا نظلم الناس, لكنه هو المسؤول الأول بصفته صاحب الصلاحيات الأولى، وهو يرضى بهذا ويسكت عنه. كذلك، فإن من حوله يسيرون على ذات الطريق.

** المعروف أنه يستأثر بالإشراف على جميع اموال "فتح"، وجميع اموال منظمة التحرير.
ـ والشركات والمنظمات.. موازنات السلطة لا مشكلة بشأنها.. واضحة. دخل السلطة لا مشكلة بشأنه، المشكلات موجودة في الشركات التي تعمل باسم السلطة، وقد تم تنظيم عملها في عهد حكومة أبو مازن، لكن النظام الذي وضع لم ينفذ تنفيذا كاملاً.
أما الشركات الخارجية التي يشغلونها، وتستثمر فيها المليارات باسم السلطة، فهذه لا توجد أي رقابة على عملها. إنها مليارات سائبة..!
نحن لدينا من يتحرك من موقع لآخر في العالم بواسطة طائرة خاصة، حيث يتابع الإستثمارات والأموال، وغير ذلك، دون اشراف من أحد، أو حتى معرفة لحجم هذه الأموال.

** تعني بذلك خالد سلام..؟
ـ لا ارغب بذكر اسماء. من أقصده معروف في الساحة الفلسطينية.

** هو خالد سلام..؟
ـ فعلاً.

** هل اتجاه حكومة أبو مازن لوضع اليد على هذه الشركات كان من اسباب الإطاحة بها..؟
ـ حكومة أبو مازن أطيح بها لسبب اساسي هو أنها بدأت الإصلاح بشكل عملي على الأرض، وبدأت عملية تنفيذ القوانين والأنظمة، وبدأت بوضع سياسات للوصول إلى سلطة محترمة من قبل الشعب الفلسطيني، فكانت جبهة الفساد في الداخل هي أول من حارب هذه الحكومة. أما الموقف الرئيسي الذي احبط هذه الحكومة فكان موقف شارون واميركا اللذان لم يقدما لحكومة أبي مازن شيئا. ذبحوه بقدر ما مدحوه، واعتبروه وكأنه اخاهم في الرضاعة، ولم يقدموا له على أرض الواقع شيئا يدعم هذا الإتجاه. ولأن هذا المنهج القانوني يتناقض مع المزاج الشخصي لبعض القيادات والفاسدين والمفسدين في السلطة، حدث الصدام.

** كانت هناك عملية خلط بين عملية الإصلاحات المالية والإقتصادية والخط السياسي، لقد انتهج خطا سياسيا لا يحظى بشعبية ساهم في اسقاط حكومته..؟
ـ هو مارس خطا سياسيا سبق أن اتخذته الحكومة السابقة، لكنه حاول تنفيذه بصورة أكثر وضوحاً. والأسلوب الذي عبر عن هذا الموقف لم يكن مرضيا للجماهير، أو بعض الجهات. ليس لأنه خرج على النص، لأنه لو حدث ذلك لما قبلنا به، وأنا كنت وزيراً في حكومة أبو مازن، ولا أقبل من أي كان أن يخرج عن الثوابت. لكن الموضوع طرح بطريقة أدت إلى هذا الفهم.

سأطلب التحقيق مع قريع

** الآن عين رئيس حكومة هو نفسه متهم بالفساد..؟
ـ من قبل من ..؟

** بثت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي شريطاً يصور توجه سيارات الخلطة الإسمنتية من مصنع القدس للخلطات الإسمنتية الجاهزة الذي يملكه أبو علاء في أبو ديس إلى مواقع البناء في مستوطنة جبل أبي غنيم..؟
ـ هذا الأمر لم يعرض على المجلس التشريعي. وليس معنى ذلك أنه غير موجود، لكن هذه الأمور لم تتأكد من خلال تحقيق. ولا بد من متابعة هذا الموضوع لسبب اساسي هو ضرورة معرفتنا للحقيقة. وإذا كان هناك فاسد يجب أن تطاله المساءلة وأن يوقف عند حده. وإذا لم يتم التأكد من ذلك يجب أن يبرأ هذا الإنسان، لا يجوز أن يكون رئيس وزراء وهو متهم.

** أنت ما زلت عضوا في المجلس التشريعي، لم لا تطلب فتح التحقيق في هذه القضية..؟
ـ سأطلب هذا، بعد أن انتهينا من الملف السابق. وسأطلب عرض الشريط الذي بثه التلفزيون الإسرائيلي، ونسأل الأخ أبو علاء. فإما أن يكون هناك شيء من هذا الأمر ليعلن للملأ، وإما أن يكون كل هذا غير صحيح، ويتوجب كذلك اعلانه للملأ حتى يبرأ الرجل. ولا يجوز أن يكون رئيس الوزراء موضع اتهام.

** متى ستتقدم بهذا الطلب..؟
ـ أنا متأكد أن هناك من سبقني بطلب التحقيق، لكن إذا تبين عدم وجود طلب تحقيق، فإني سأتقدم به فور عودتي للأراضي الفلسطينية.

** أبو علاء شخصيا أبلغ الدكتور حسن خريشة جهوزيته للمثول امام التحقيق..؟
ـ لقد أبلغ أكثر من جهة بذلك، ولم يرفض المثول للتحقيق وتقديم جميع المعلومات والإجابة على جميع الأسئلة.

** ولكن يقال أنه نقل ملكية المصنع من اسمه لإسم أحد اشقائه..؟
ـ هذا موضوع آخر، والتحقيق يظهر كل الحقائق. وبطبيعة الحال فإنه لا بد من نقل ملكية المصنع من اسمه لاسم آخر بعد أن أصبح رئيسا للوزراء لعدم جواز عمل مسؤولي السلطة في العمل الحر. سيحقق في هذا الأمر كاملاً.

تحويلات سها عرفات

** لم لا تطلب كذلك اجراء تحقيق بشأن الأموال التي حولت للسيدة سها عرفات..؟
ـ سنتابع هذا الأمر مع وزير المالية، وهناك من يتابعه مع الوزير، ونحن ننتظر الجواب.

** من وزير المالية..؟
ـ نعم.. وإذا قال الوزير أن لا علم له بهذا الأمر فسيكون هناك استفسار بطرق أخرى.

** هل وجهتم سؤالا برلمانيا لوزير المالية..؟
ـ لم نسأله بعد، لكنه طلب من بعض اخواننا في اللجنة المالية أن يسألوا. وسنتابع هذا الأمر كذلك في لجنة الرقابة للإستفسار عن مدى صحة هذه المعلومة، لأنه لم يصلنا حتى هذه اللحظة أي اخبار غير تلك التي نشرتها الصحف الفرنسية.

** قبل أيام كان في عمان ميشيل بارنييه وزير خارجية فرنسا، و قال إن العدالة الفرنسية تلقت معلومات تفيد بحدوث تحويلات تثير الشبهة، والعدالة الفرنسية تأخذ مجراها في هذه القضية..؟
ـ لا معلومات لدي بشأن التفاصيل.

** نجحت بعضوية اللجنة المركزية لحركة "فتح" وحاربك عرفات، ولم يعد انتخابك في المؤتمر العام الأخير الذي انعقد اواخر الثمانينيات في تونس.. لماذا..؟ ما هي النقطة الخلافية..؟
ـ هناك منهج فردي أنا ضده.. أنا ضد المنهج الدكتاتوري، منهج عدم الإلتزام بالقانون، وعدم الإلتزام بالثوابت.. منهج "الجلا جلا" لا اقبله منه أو من غيره.

ولكن من قال أنني لم أنجح في انتخابات اللجنة المركزية في المؤتمر العام الخامس..؟
لقد خرجت قيادات انابيب من ذلك المؤتمر.. خرجت من انابيب الكمبيوتر، ولم نعتمد على تصويت اعضاء المؤتمر. ومع ذلك سكت، وهنأت جميع الذين اعلن فوزهم، واستمريت.

** ما الذي تعنيه بقيادات الأنابيب..؟
ـ حصل تزوير في الكمبيوتر أدى لإخراج قيادات ناجحة، وتفويز قيادات كانت ساقطة من حيث الأصوات والأخلاق، وكذلك سياسيا وماليا، وعلى جميع المستويات.
لقد خرجت من ذلك المؤتمر قيادات انابيب مثل اطفال الأنابيب. وهذا معروف داخل "فتح"، وعليك أن تسأل. ومن جهتي لم يسبق لي أن تحدثت عن ذلك في يوم من الأيام، لكني مضطر الآن لأن اقدم لك الاجابات الصحيحة وأنت تسألني لغايات التوثيق التاريخي، فأقول لك إن بعض قيادات الأنابيب كان يتبجح قائلا إن هذا المؤتمر سيعقد بهدف اخراج أبو شاكر من عضوية اللجنة المركزية.

وزير في حكومة عرفات

** لكن عرفات عينك وزيرا في حكومته.. لماذا فعل ذلك..؟
ـ لأنه يريد أن يستوعب جميع الناس.. يريد أن يستوعب جميع الإتجاهات، وأنا رفضت الوزارة لعدة سنوات. وأخيراً، ونزولا عند رغبة أبناء "فتح"، كما أزعم، قبلت الوزارة لعدم جواز أن تبقى الساحة بهذا الشكل، وأن على كل أن يبدأ الإصلاح من موقعه. وأنا أشهد لياسر عرفات أنه لم يتدخل في عملي حين كنت وزيرا للعمل في حكومته، وأنه لم يمنعن عن القيام بكل الإصلاحات، ومحاربة كل فساد كان موجودا في الوزارة. وذات الشيء حدث حين توليت وزارة الزراعة. أذكر ذلك له، وأقول أني قمت بما قمت به من اصلاحات دون عراقيل منه.
لا بد أن نذكر ايجابيات الرجل في ذات الوقت الذي نكشف فيه ونعارض حمايته للفساد.
ارجو أن تعلم أنني اتحدث عن السلطة باعتبارها سلطتنا.. سلطة الشعب الفلسطيني، ولأنها سلطة الشعب الفلسطيني نريدها أن تكون أروع سلطة واشرف سلطة.. سلطة يفتخر بالإنتساب لها كل مواطن، ويتشرف أنه جزء منها وأنها سلطته. وحين نتحدث عن الرئيس، فإننا نتحدث عن رئيس الشعب الفلسطيني.. نريده أن يكون أفضل رئيس، وأحسن وأنظف رئيس. وبالتالي، فإنه حين يخرج عن هذا الإطار، يكون من حقنا ومن واجبنا أن نقول له هذا خطأ، وهو ليس فوق الأنبياء، ولا فوق الصحابة الذين كانوا يقولون لجمهورهم "لا بارك الله فيكم إن لم تقولوها، ولا بارك الله فينا إن لم نسمعها". ولذلك، فإننا معه دون تردد أو تحفظ حين يتخذ اجراءا صحيحاً، لكننا ضد الخطأ الذي يرتكبه. ولن نخشى في الله لومة لائم. وهذا هو منهجنا، منذ كنت عضوا في "فتح" أو في لجنتها المركزية، أو خارجها، أو عضوا في المجلس التشريعي، أو وزيراً، أو رئيسا للمجلس التشريعي.. أو مجرد مواطن إن لم أبق عضوا في المجلس التشريعي غداً.
  
**
نأتي الآن إلى رئاستك للمجلس التشريعي. كيف أصبحت رئيسا له..؟ هل وافق ياسر عرفات على توليك هذا الموقع..؟
ـ لقد سكت حين عبرت عن رغبتي في ترشيح نفسي، وأنا كذلك رجل ملتزم في حركة "فتح"، وقد رفضت أن ارشح نفسي إذا كان للجنة المركزية للحركة، أو للرئيس عرفات اعتراض، لأنني لن احارب ياسر عرفات واقاتله واخوض صراعا معه حول الكرسي. لن يحدث هذا يوما. حتى حين تم اخراجي من عضوية اللجنة المركزية لم أثر أي اعتراض.
أما في ما يتعلق برئاسة المجلس التشريعي، فقد قال الرئيس عرفات يومها أنه لا مرشح له. وكان هذا أيضا موقف اللجنة المركزية. وعندما علمت بهذا سألته هل لديك مانع في أن اترشح، اجاب بالنفي. سألته ثانية هل لديك مانع في أن ارشح نفسي غداً، فأجاب ثانية بالنفي. وهكذا رشحت نفسي وفزت برئاسة المجلس، ولم يتدخل لصالحي أو ضدي.
في المرة الثانية حدث من وراء الستار ما ليس له علاقة بالديمقراطية.

** ما الذي حدث..؟
ـ سامحني في هذا.

** يتردد أن الرئيس عرفات دفع مبلغ اثني عشر مليون دولار لأعضاء المجلس التشريعي من أجل ضمان عدم تجديد انتخابك لرئاسة المجلس، ما مدى صحة ذلك..؟
ـ أنا لم أشرف على المبلغ الذي دفع. لقد سمعت هذا الكلام، لكنني التزمت بقرار حركة "فتح" ولم ارشح نفسي.

** هنالك من يقول أن قرار الحركة أصبح يباع ويشترى..؟
ـ أنا لا أقول ذلك. وأنا لم ارشح نفسي لرئاسة المجلس التشريعي ولم انافس أحداً في انتخابات الدورة الحالية، حتى يظهر الأمر على هذا النحو أو غيره.

** تحدثت قبل قليل عن حجم الأموال التي توظف في شركات استثمارية، وقدرتها بالمليارات، وهي لا تخضع لإشراف "فتح" أو منظمة التحرير أو السلطة. ما حجم هذه الأموال تحديداً..؟
ـ لا أحد يعرف.

** ما تقديرك..؟
ـ لا أعرف. هنالك من يقدرها بمئات الملايين، وهنالك من يقدرها ببضعة مليارات، ويجب أن نعرف حجم هذه الأموال.

** وعدم معرفتكم هو شكل من اشكال الفساد..؟
ـ هو الشكل الأساسي الواضح للفساد. كيف تكون هناك مليارات يملكها الشعب الفلسطيني ولا نعرف مكان وجودها..؟! ما هذه المسخرة..؟! السلطة التي لا تعرف دخلها ومصروفها، ولا تضع موازنة واضحة لها اسمها سلطة مسخرة.. سلطة عصابات نرفضها لا يمكن أن نقبل بها. ما هذا..؟

** إذا أنت لا تقاتل من أجل الكراسي، وإنما تقاتل في مواجهة الفساد..؟
ـ هكذا أزعم. من يزعم غير ذلك ليتفضل ويبين اسباب مزاعمه.

** وتقاتل كذلك في مواجهة الأخطاء..؟
ـ الأخطاء نسعى لتصحيحها. هنالك فرق بين الفساد وبين الأخطاء. ثم هل توجد هنالك سلطة حتى نخطىء..؟! هل يوجد وزير حتى يخطىء..؟ هل انا لا أخطىء..؟ نحن نتحدث عن خطايا لا عن اخطاء.

خطايا الرئيس

** ما هي الخطايا التي تنسب الآن للرئيس عرفات..؟
ـ أنا لا أتحدث عن شخص الرئيس عرفات.. أنا أتحدث عن نظام.. عن منهج..

** ما هي خطايا هذا النظام وهذا المنهج..؟
ـ أولا: الدكتاتورية التي تتحكم بالأجهزة والإدارات وبكثير من الأمور، وخاصة الأمور المالية.
ثانيا: الفساد المالي الذي يبدأ بعدم معرفة حجم دخل السلطة الفلسطينية بصورة كاملة وواضحة، وطريقة الصرف..

** وعدم وجود موازنة..؟
ـ توجد موازنة، لكنها تتضمن فقط جزءا من الدخل، ولا تتضمن كل الدخل.
ثالثا: هناك من الفاسدين والمفسدين الموجودين في قمة هرم السلطة ترعاهم القيادات العليا للشعب الفلسطيني.
رابعا: والأخطر من كل هذا أنه بقوة الدكتاتورية الفاسدة، يتم تجميد قرارات المحاكم.. تجميد القانون، والسلطة تصبح للقوة.. للعصابات.. للمزاج.. كيف يمكن تصور عدم تنفيذ قرارات تصدرها محكمة العدل العليا..؟!
هل تعلم أن القرار الذي اصدرته المحكمة بحق محافظ سلطة النقد لم ينفذ حتى الآن..؟! كيف يحدث هذا..؟ قرارات محكمة عليا لا تنفذ..؟ من يقبل بهذا..؟!
توجد قرارات عديدة تتعلق بعدة قضايا لم تنفذ.
نحن مجلس تشريعي مهمتنا تشريع القوانين ومتابعة تنفيذها. ما قيمة القوانين إن لم تنفذ..؟ اناس معروفون بالفساد تتم حمايتهم والدفاع عنهم..! كيف يمكن أن نقبل هذا..؟ هذا لا يليق ولا يمكن أن نسكت عنه. الشعب الفلسطيني ضرب أروع مثل في النضال والجهاد والتضحيات. شعبنا يقدم الدم يوميا، وما زال الفاسدون المفسدون يرتعون في السلطة، ثم نسأل لم الشعب بعيد عن السلطة..؟ سلطة غير محترمة لا يمكن أن يقبلها الناس، ولا يمكن أن يقتربوا منها. لا تصدق ما يقال. الجمهور والناس في واد والسلطة في واد آخر، ولا يعفى من المسؤولية عن ذلك المؤيد أو المعارض. كلنا مسؤولون عن هذا.

تنازل دون مفاوضات

** الخلاف بين رئيس السلطة وحكومة أبو مازن كان إذا حول مسألة الإصلاحات والفساد والصلاحيات التي يتم من خلالها العمل والتنفيذ. وبرزت كذلك نقطة خلافية تتعلق بكيفية التعامل مع مسألة المقاومة والمساومة.
الآن يتضح أن رئيس السلطة يسير على ذات النهج السياسي فيما يتعلق بالتسوية السلمية وتقديم التنازلات فيما يخص العلاقة مع اسرائيل..؟
ـ حكومة أبو مازن، بصفتي كنت وزيرا فيها، لم تتنازل عن حق اللاجئين في العودة. ولم تتنازل عن السور الغربي في القدس. ولم نعط الإسرائيليين مستوطنات. لم نتحدث مطلقاً عن شيء من هذا، والآن يتحدث كبار المسؤولين بمنتهى السهولة ويقولوا أنهم لا يطلبون عودة اللاجئين.. ما الثمن..؟! الحائط الغربي للأقصى، هو حائط البراق يوجد بشأنه حديث نبوي. إذا لم نسترد القدس، لم نتنازل لهم عن حائط البراق..؟ يجب أن نجلس على الطاولة ونعرف مالنا وما علينا.. نريد أن نعرف حقوق شعبنا بكل صراحة، وبدون مزايدة.

** هي تنازلات تقدم دون تفاوض..؟
ـ تنازلات دون تفاوض ومرفوضة حتى من قبل الإسرائيليين. لا تفاوض.. لا مسؤولية، وما زال محاصراً، وهذا نرفضه ولا يمكن أن نقبل به.
أكبر مأساة للشعب الفلسطيني أن يظل الرئيس عرفات محاصراً.. هذا أكبر طعن للقضية الفلسطينية.

** لماذا..؟
ـ لأننا نذبح بحجة أنه محاصر، وأنه لا يستطيع أن يفعل شيئا. فليخرج ويتحرك.. يريد أن يحقق السلام، فليتفضل. يريد أن يقود مقاومة، فليتفضل.

** التنازلات التي يقدمها الرئيس الآن تخفض مستوى خط الشروع بلا اسباب أو مبررات.. ودون وجود عملية تفاوض. في ضوء هذا الوضع إلى أين تسير القضية..؟
ـ قالت العرب منذ زمن بعيد "إنك لا تجني من الشوك العنب"، عجبي من اناس يحملون صناديق الشوك ويريدون أن يأكلوا منه العنب.. من يزرع الشوك يحصد شوكا، ومن يزرع العنب يحصد عنباً. هذه المسيرة، بهذه القيادات العليا التي تحمي الفساد لن تحقق انجازات للشعب الفلسطيني، تستطيع أن تحقق تنازلات في منتهى السهولة، لكنها لا تستطيع أن تحقق انجازات. وبالتالي، لا شك أن وضعنا مأساوي يحتاج إلى وقفة كبيرة ومسؤولة، ولا يكفي أن نقول عبر الإعلام أننا قمنا بما هو ملقى على عاتقنا. الموضوع خطير جدا.. جدا.. جدا.. ويجب أن يتحرك جميع المسؤولين والقيادات الوطنية في الشعب الفلسطيني من أجل وضع حد لهذه المآسي التي تجري على الأرض.

لا انتخابات

** هنالك دعوة لعقد مؤتمر عام لحركة "فتح"، هل تتوقع انعقاده. وفي حال الإنعقاد، هل تتوقع أن تتحقق من خلاله الوقفة الجماعية التي تدعو إليها..؟
ـ أنا ادعو لعقد مؤتمر عام للحركة، واجراء انتخابات. وحرية تنظيمية، واعادة صياغة وبناء الحركة، لكنه في ظل هذا المنهج، الذي احاربه، لا أتوقع شيئا.
إذا كان الرئيس ومن معه يسيرون على طريق تحقيق هذه الإصلاحات، فأنا مستعد لأن أسير معه من أي موقع، لكنه في ضوء ما يجري، وفي ضوء هذا المنهج السائد أقول لك لن ينعقد مؤتمر عام للحركة، ولن تجري انتخابات بلدية (اجريت المقابلة قبل أن يعلن أحمد قريع رئيس وزراء السلطة تأجيل اجراء الإنتخابات البلدية). ولن تجرى انتخابات تشريعية أو رئاسية. وأنا اطالب بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية وبلدية وحركية داخل حركة "فتح". وادفع في هذا الإتجاه، لكن المنهج السائد لا يؤدي إلى انتخابات.

** إذا كيف ستتحقق هذه الوقفة. كيف سيتم وقف المسيرة المتجهة صوب الهاوية..؟
ـ أولا وقف النزيف، وأن ندفع باتجاه اجراء انتخابات رئاسية، وأن تجرى انتخابات تشريعية، واعادة تأهيل الحركة وتنفيذ قراراتها.. اتخذت الحركة عدة قرارات، فلتنفذ.

**ما هي القرارات التي تعنيها..؟
ـ القرارات التنظيمية والمالية، والقرارات المتعلقة بالرقابة الحركية، اعادة صياغة وبناء الحركة.. المنهج السياسي، وتوضيح المنهج الذي يجب أن نتبعه.
اتخذ المجلس الثوري في دورة انعقاده الأخيرة عدة قرارات معقولة، وموضوعية، على جميع الأصعدة. لكن كل هذه القرارات، وكالعادة، ركنت جانبا.

** لنفترض أنه اجريت انتخابات وأعيد انتخاب ياسر عرفات رئيسا..؟
ـ سنعامله كرئيس.

** لكنه سيعاملكم في هذه الحالة كما يعاملكم الآن. بمعنى أن كل الإصلاحات التي تطالبون بها لا يمكن أن تنفذ..
ـ وما هو النضال..؟
هل النضال أن يجد الإنسان كل شيء جاهزا..! إذا كان كل شيء جاهز، فهذا يعني أن تكون فلسطين محررة وننصب من انفسنا بعد ذلك مناضلين. يجب أن يستمر النضال دون تردد سواء انتخب ياسر عرفات من جديد أو انتخب شخص غيره.. يجب أن نظل وراء الفساد حتى نقضي على جذوره.

سأنافس عرفات

** حين تطالبون بالإصلاح، وتتهمونه بأنه يحمي الفساد ويمارسه، ثم تتفقوا في ذات الوقت على اعادة انتخابه رئيسا، فكأنكم تنتخبون الخصم الذي تريدون مواجهته..؟
ـ في المرة السابقة رشح ياسر عرفات لرئاسة السلطة باسم حركة "فتح"، وترشحت مقابله المرحومة سميحة خليل، ولم تنجح.
حتى "لا نضحك على بعض".. ما لم تكن الإنتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن تزوير الأجهزة، لا يمكن أن نعتمد على انتخابات. ولذلك، الأساس أن نعمل مجتمعين على أن تكون هناك حرية وشفافية ونزاهة في الإنتخابات.

** هل تريد القول أن تزويراً حدث في الإنتخابات السابقة..؟
ـ نعم.. حدث بعض التزوير، وقد اعلنت ذلك في حينه عبر الإذاعة الفلسطينية، والمذيع الذي أجرى معي المقابلة "الله يعلم وين صار"..!
اعلنت ذلك، وكنت اتمنى أن يأتي إلي أحد ويسألني لم أقول ذلك، لأن الوثائق التي تثبت التزوير موجودة لدي.

** أنت تتحدث هنا عن انتخابات المجلس التشريعي..؟
ـ نعم.

** الآن، إذا حدثت انتخابات وكان هناك من ينافس ياسر عرفات، وقد اعلن الدكتور عبد الستار قاسم اعتزامه المنافسة على الرئاسة، ماذا تتوقع..؟
ـ الجمهور هو الذي يقرر نتائج الإنتخابات، وليس أنا.

** لماذا يرفض ياسر عرفات الإصلاح..؟
ـ هذا منهج. هو يرفض الإصلاح، هو يرفض تنفيذ الإصلاح. المجلس التشريعي أقر برنامجا للإصلاح، وقد أصبح هذا البرنامج برنامج الحكومة وحظي بموافقة الرئيس عرفات، لكنه يرفض تنفيذ هذا البرنامج. نحن ينطبق علينا قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".
ليس شعبنا فقط هو الذي يمقتنا، إنما الله كذلك يمقتنا لأننا نقول ما لا نفعل.

شعبنا يرفض الكرزايات

** ألا تفكر في ترشيح نفسك لرئاسة السلطة..؟
ـ إذا تأكدت من أن هناك امكانية لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، ووجدت أن هناك تأييد من القوى الوطنية والإسلامية ومن جماهير الشعب الفلسطيني لترشيحي، وتأكدت من أنه بإمكاني أن أخدم هذا الشعب من خلال مثل هذا الموقع، فإني سأفكر في الأمر جدياً.

** إذا توفي الرئيس عرفات الآن فجأة، ما الذي تتوقع حدوثه على صعيد هيكلية قيادة "فتح" ومنظمة التحرير، ورئاسة السلطة..؟
ـ نظريا يحل رئيس المجلس التشريعي محل الرئيس بصفة مؤقتة، وتجرى انتخابات جديدة خلال ستين يوما. غير أنه يؤسفني القول أن صاحب القرار في هذه الحالة ليس الشعب الفلسطيني، ولا السلطة الوطنية الفلسطينية، ولا المؤسسات الفلسطينية. إذا قامت اسرائيل بما تعودت القيام بها وسكتت اميركا، فإنها ستغرق الساحة بالدماء. لذلك فإن المطلوب أولا أن تحدد اميركا ما إذا كانت تريد الديمقراطية للشعب الفلسطيني كما تزعم..؟ وهذه ممكنة ولها وسائلها. هل تريد اميركا أن يغرق الشعب الفلسطيني في الدماء حتى يقول كل العرب والمسلمين عنا أننا كلاب لا نستحق فلسطين..؟ هذا أيضا ممكن.
هل بالإمكان أن نقوم كشعب فلسطيني من خلال المؤسسات القائمة، بغض النظر عن رأينا فيها، بترتيب امورنا..؟ نستطيع ذلك إن شئنا، ولكن للأسف الشديد، فإن المنهج الذي نسير عليه الآن من خلال السلطات العليا في القيادة الفلسطينية هو أنه بعدنا الدمار والطوفان، ولا نريد أن يبقى بعدنا شيء..! كل الشواهد تقول هذا.

** السؤال هو عن شكل الدمار المتوقع..؟ من بين هذه الأشكال، كما قلت، أن تريق اسرائيل الدماء.. أن تريق الدماء من أجل ماذا..؟
ـ من أجل تفتيت الشعب الفلسطيني والقضاء على آماله.. ممنوع أن تكون هناك سلطة، أو قيادة، أو تنظيم أو حكومة، أو أمل بدولة.

** بمعنى اعادة الإحتلال..؟
ـ اعادة الإحتلال مع عدم وجود قيادات فلسطينية وسلطة فلسطينية. أما الإحتلال فقد أعيد فعلاً.

** بمعنى  الغاء المشروع الوطني الفلسطيني..؟
ـ طبعا.. الغاءه من الأساس. وهم ضد المشروع الوطني الفلسطيني سواء فعلوا هذا أم لا. المشروع الوطني الفلسطيني مشوه ولا يلبي طموحات الشعب الفلسطيني. الحديث الذي يجري الآن في الساحة هو أن ينسحب شارون من بعض مناطق غزة أو لا ينسحب..؟!

** وماذا عن الأشخاص الذين يروج أنهم جاهزون لوضع يدهم في اليد الإسرائيلية من أجل اسكات المقاومة الفلسطينية واقامة سلطة فلسطينية بديلة وجديدة تتماشى مع المخطط الإسرائيلي..؟
ـ لن يحلم أحد بهذا. ولن يستطيع أحد القيام بهذا. وسيكون عبارة عن وصمة عار في تاريخ شخصه ومجموعته وشعبه. ولا أظن أن عاقلا يمكن أن يقبل القيام بهذا الدور مطلقاً، لا من بين القيادات الموجودة، ولا من بين قيادات يمكن اختراعها. لقد شب الشعب الفلسطيني عن الطوق، وقدم دماء غالية جداً وكبيرة جداً، ولا يمكن أن يقبل بأن يحكمه الجواسيس والعملاء والكرزايات. هذا مستحيل.
يمكن أن يحتلوا الشعب الفلسطيني بقوة السلاح، أما أن يقبل الشعب الفلسطيني بأن يحكم من قبل الذين يفرضهم الإسرائيليون، اؤكد لك أن هذا لا يمكن أن يحدث.

تحول سياسي

** تحول "حماس" من العمليات الإستشهادية إلى اطلاق الصواريخ، بم تفسره..؟ هل ينم عن تحول سياسي، أم هو تعبير عن اصابة الجهاز العسكري للحركة بالضعف..؟
ـ أعتقد أنه تحول سياسي.

** ما مقدمات هذا التحول..؟ ما مؤشراته..؟ ما قراءتك له..؟
ـ بالتأكيد أن "حماس" عرفت حجم القوة في الساحة، وجسامة التضحيات التي قدمتها، خاصة على صعيد القيادات. ولا بد من اعادة النظر بأسلوب عملهم السابق الذي لم يؤد إلى تحرير. وليس معنى ذلك وقف المقاومة، لكن العقلانية بدأت تأخذ هامشا أكبر. لقد بدأ الجماعة يفكرون بطريقة عقلانية، أنا سعيد بها، وهذا تقدم ملحوظ. وقد قمت بطريقة غير معروفة، بدور في هذا المجال، أدى إلى الهدنة الثانية.. هدنة الـ52 يوما. وهذا نموذج اعتبره راقيا، بل من أرقى النماذج للوحدة الوطنية الفلسطينية. وبالطبع، فإن اسرائيل لا تريد هدنة أو سلاماً.
الذي يقوم بهذا الدور مسؤول، ويحرص على المصالح العليا للشعب الفلسطيني. علينا أن ننمي هذا المنهج، وأن تكون الحوارات مستمرة بصدق، أكثر الحوارات التي تجري الآن، ولا أقول كلها، هي نوع من الآلاعيب السياسية.

** هل قمت بهذا الدور انطلاقا من خلفيتك السابقة كعضو في جماعة الإخوان المسلمين..؟
ـ لا. لا مطلقاً..عضويتي السابقة في جماعة الإخوان المسلمين لا تعني شيئا بالنسبة لي بعد أن أصبحت عضوا في حركة "فتح".
أنا لم أتخل عن افكاري الإسلامية، لكنني تخليت بكل تأكيد عن أي تنظيم آخر غير "فتح".

** بمعنى أنك تحظى بثقة "حماس" جراء خلفيتك التنظيمية السابقة..؟
ـ مطلقاً. أنا لا أعرفهم. أنا لم أقابل الشهيد الشيخ أحمد ياسين في حياتي، ولم اقابل الشهيد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي. التقيت بهم بشكل عابر، لكن علاقتي كانت رائعة وممتازة، وأتشرف بها مع الشهيد المهندس اسماعيل أبو شنب، وقد حدثت بيننا لقاءات، وكانت لديه عقلانية احترمها، بالرغم من امكانية الإختلاف.
اللقاء معه كان لقاءا وطنيا وسياسيا لا علاقة له بأي تنظيم، حيث كنت التقيه بدافع وطني، بوصفي عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضوا في لجنته السياسية في ذلك الوقت. هذا واجبي وكنت اقوم به بهدف الدفع باتجاه القناعات التي تمت. وكان هنالك أناس مكلفون بهذا، واستمروا في عملهم، واعلنوا عنه، أما انا فلم أعلن عنه قبل الآن، ولا يمكن أن أعلن لكوني غير مخول بهذا.
والآن أنا على استعداد لمواصلة العمل بذات الطريقة، وعلاقتي مع "حماس" ممتازة. أنا علاقتي ممتازة مع الجميع.

يدعم المناضلين ويسلمهم..!

** بعد أن تعرضت كتائب عز الدين القسام وقيادات "حماس" لضربات اسرائيلية متتالية، ومؤلمة، يبدو أن التركيز بدأ ينصب الآن على كتائب شهداء الأقصى، التي اصدرت بيانا مشتركا مع كتائب ابطال العودة اواخر الشهر الماضي يتهم قيادات في السلطة بالتواطؤ مع العدوان الإسرائيلي في حادث استشهاد نايف أبو شرخ قائد كتائب شهداء الأقصى في منطقة نابلس. ماذا تقول..؟
ـ لا أريد أن أعلق على هذا لسبب واحد هو أن مرجعية هذه الكتائب ليست من الشجاعة بحيث تعلن عن نفسها، أو تتبناها. احيانا تؤيدها، واحيانا تقف ضدها. ولا شك أن هناك من القيادات من يقف ضدهم، وانا أرفض هذا المنطق رفضاً قاطعاً، ليس لأنني اؤيد هذا، ولكنني أقول أنه إما أن نتبناهم، أو أن نتفق واياهم على اسلوب نضالي آخر. أما الوضع الحالي فهو مرفوض.
تصدر بيانات متعددة من جهات متعددة.. احيانا تصدر بيانات باسم الكتائب تنفي بيانات صادرة باسم الكتائب.

** لأن هناك جهات متعددة تصدر بيانات باسم الكتائب، وبعض هذه الجهات لا علاقة له بالكتائب..؟
ـ طبعاً. أنا اعرف هذا لأنني على علاقة جيدة بكل المناضلين. ولكنني ارفض رفضا قاطعاً أن يترك هؤلاء المناضلين في الشارع، وكأن مهمتهم تنحصر فقط في أن يستشهدوا، ومهمة الآخرين التحدث عنهم وانتقاد تصرفاتهم.
هذا لا يجوز، هؤلاء ابناءنا يجب أن نتبناهم وأن يكونوا جزءا من عمل السلطة وخطة السلطة النظيفة الشريفة.. السلطة التي تريد أن تقيم دولة الشعب الفلسطيني، وهم جزء اساسي من المناضلين.

** كيف تقيم تجربة كتائب شهداء الأقصى..؟
ما الذي جعل هذه الكتائب تنبثق عن "فتح"..؟ ألم يكن بإمكانهم أن يقاتلوا باسم "فتح" دون اللجوء لاستخدام اسماء أخرى..؟
ـ مع الأسف الشديد، أنت تدخل في حقل الألغام. وأنا أقول كان الله في عونهم. ورحم الله شهداءهم الذين هم شهداءنا، أكرر مع الأسف الشديد  أن هناك من يعلن أنه كشف للإسرائيليين عن 36 عملية، وسلم القائمين عليها من مناضلين فلسطينيين لإسرائيل.

** ولكن نفس الذي يعلن هذا هو نفسه الذي يزعم أنه يقف وراء كتائب شهداء الأقصى..؟
ـ ألم أقل لك قول الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"..؟
هل يجوز أن يحدث في شعب من الشعوب، أو في ثورة من الثورات، أو في حركة من الحركات، أو في سلطة من السلطات، أو حكومة من الحكومات، أن تكون مرة مع مناضلي كتائب شهداء الأقصى، وأن تبيعهم في مرة أخرى..؟!
أين نعيش نحن..؟ أي منطق هذا..؟
هؤلاء يجب أن ندعمهم كمناضلين ومجاهدين، أو أن نستوعبهم ضمن خط السلطة الذي نعلن عنه ونتمسك ونلتزم به. أما أن نعطيهم من جهة ونبيعهم من جهة أخرى..! لا يمكن أن اقبل بهذا الكلام، وأرفضه، وأكرر كان الله في عونهم، ورحم الله شهداءنا وشهداءهم.

** لكن هؤلاء يرفضون الإنخراط في اطار السلطة الموصومة من قبلهم بالفساد والإفساد..؟
ـ حين نتحدث عن السلطة، كما قلت لك، فإننا تعني سلطة نظيفة وشريفة.

** إلى متى عليهم الإنتظار لحين أن تصبح السلطة نظيفة وشريفة..؟
ـ هذا مرهون بإرادتنا. نحن كلنا في البلاء سواء.

طالبنا بالإصلاح قبل الأوروبيين

** تجري حاليا انتخابات داخل التنظيم، والتقارير الواردة من قطاع غزة تفيد أن التيار الإصلاحي يحقق فوزا كبيرا في هذه الإنتخابات، لكن المفاجأة تكمن في أن التيار المعني هنا بـ"الإصلاحي" هو الذي يقوده العقيد محمد دحلان. هل هذا تيار اصلاحي من وجهة نظرك..؟
ـ بغض النظر عن الأسماء، التوجه بالإجماع هو نحو الإصلاح، وكل شخص في الساحة يركب هذه الموجة. ولا شك أنه حتى بعض الفاسدين اسمعهم يتحدثون عن الإصلاح، لتغطية انفسهم وتبرير تصرفاتهم.
ولكن، بغض النظر عن الأسماء، استطيع أن اؤكد أن هذا التيار، وهذا العنوان، هو الأساسي والرئيسي داخل "فتح"، بغض النظر عن تقييمنا للأسماء المطروحة.

** التقارير الواردة من غزة تقول إن انصار عرفات يفشلون فشلا ذريعا في مواجهة انصار دحلان في الإنتخابات الجارية.
ـ والله إنني لا أدري ما هو المقصود بجماعة ياسر عرفات. الناس الشرفاء المناضلين سيكون لهم دور اساسي في هذه المسيرة، فإذا تبناهم ياسر عرفات، اؤكد لك أنهم سينجحوا، وإذا تبنى آخرين بمواصفات يرفضها شعبنا فلن يكون لهم مكان في انتخابات شريفة نزيهة في أي مؤسسة من المؤسسات.

** حذرت اللجنة الرباعية مؤخراً أحمد قريع رئيس وزراء السلطة من أنه ما لم يتم العمل بموجب الإصلاحات المطلوبة، فإن الدعم الآتي من دول اللجنة الرباعية للسلطة سيتوقف..؟
ـ الحقيقة أن هذه ليست بالمرة الأولى التي يقال فيها مثل هذا الكلام. موضوع الإصلاحات هو موضوع فلسطيني أولا، وليس موضوعا اوروبيا، ولا اميركيا، وإنما جاءت مواقف الدول الأوروبية واميركا لاحقة للموقف الفلسطيني الذي يدعو للإصلاح وتنظيم البيت الفلسطيني وتنظيفه. وعلى رأس هذه الأمور الناحية المالية، والشفافية فيها، وتحديد دخل السلطة الفلسطينية بصورة قاطعة، والموازنات التي توضع للإنفاق وتنمية الشعب الفلسطيني.
هذا قرار فلسطيني، للأسف الشديد، لم ينفذ بصورة كاملة حتى الآن، ولا بد من تنفيذه. ولقد سبق للدول الأوروبية أن حذرت أكثر من مرة من أننا لا نستطيع أن نواجه شعبنا ولا البرلمانات في بلادنا ما لم نعرف كامل المبالغ التي تدفعها للسلطة.. أين تذهب، وكيف تذهب، وما هو دخل السلطة وانفاقها..؟ كل هذا يجب أن يكون في صورة واضحة على الطريقة التي تعامل بها شعبنا ويعاملنا بها.
هذا هو منطق الدول الأوروبية، وهو منطق صحيح لأنه يتوافق مع المنهج الفلسطيني في الإصلاح.

** المعلومات تقول أن دول الإتحاد الأوروبية كانت اوقفت مساعداتها في آذار/مارس الماضي.. هل هذا صحيح..؟
ـ كان الموقف الأوروبي يلح باستمرار على ضرورة تنفيذ الإصلاحات، وكان يحذر باستمرار من هذا الأمر، وهذه ليست المرة الأولى.

** بثت احدى الفضائيات مؤخرا أن قريع أبلغ اللجنة الرباعية أن عرفات هو الذي يجهض كل محاولة للإصلاح، وأنه لا جدوى من الإصلاح بوجوده..؟
ـ اشك أن يصدر مثل هذا الكلام عن الأخ أبو علاء، واستطيع أن اؤكد أنه لا يقول مثل هذا الكلام، لأنه حين يطلب منه اتخاذ موقف يجيب بأن هذه صلاحية الرئيس. هو صريح بالإعلان عن عدم امتلاكه صلاحيات كافية

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع