مثقف الفساد
ياسر عبد ربه وسري نسيبة ...نموذجا !
بقلم : خالد بركات
حين يغيب الشعب الفلسطيني ، أو يُغيبّ الجمهور ، تحضر السلطة
الفلسطينية بكامل زيهّّا، تماما مثل قانون الليل والنهار، الاول يطرد
الاخر، تاتي وتطرد العقل والشعب معا، والسلطة الفلسطينية هي اسطورة
مثقلة بالاحاجي والهبل واوهام المثقف الجديد ، المثقف الوطني الذي
يُكثر في الحديث عن الوطن لكنه في الحقيقة لا يقول أي شئ! ويظل يعلك
لغة هلامية عمياء لا اصل لها ، ويقبل بتسليع الانسان والوطن والثورة
والمراة والارض والكرامة والشهداء، كل شئ بالنسبة اليه قابل للبيع
والشراء والعرض والطلب، وكل حالة فلسطينية نبيلة ومقاتلة ، يمكن ان
تخضع لمنطق السوق والصفقة التجارية ، منذ جرش وعجلون التي لا يذكرها
احد، مرورا بصفقة صبرا وشاتلا في بيروت وصولا لاتفاق العار في اوسلو و
كنيسة المهد وصفقة المقاطعة وبيع الاسمنت للعدو، لا فرق هنا بين صفقة
" سياسية" واخرى " اقتصادية" . ان للمثقف الاسلوي فلسطينه الخاصة به،
وهي ليست سوى دونمات ومناطق وبيزنس. ولانه تاجرٌ "ديموقراطي " ويعرف
السوق جيدا، برّر كل كوارثه باستعارات هزيلة ومقلوبة عن الواقعية
السياسية ومعنى الاصلاح الديموقراطي :
هذا المثقف الفلسطيني هو بوق الفساد الشامل ، والناطق الرسمي باسم
مؤسسة الخراريف الفلسطينية.
ياسر عبد ربه وسري نسيبة ...نموذجا !
ياسر عبد ربه هو النموذج الاوضح لمشهد ونظرية " التحول الفلسطيني
الثوري " من اليقين الى اليقين او من اليمين الى اليمين، ومن أين
تاتيه ينفعل ويطرب ويحاورك . انه نموذج المثقف الذي يقبل القسمة على كل
الارقام والجهات، ويدافع عن اتفاقياته الكثيرة مع العدو اكثر من دفاعه
عن المخيم وعودة اللاجئين، بل انه يدافع عن حصته في صفقة شارك فيها على
حساب المخيم واللاجئين ، وعبد ربه ، مثل غيره من مثقفو السلطة
الفلسطينية و م ت ف ، كان مع "الثورة"، ثم صار مع "اليسار الثوري "
ثم انقلب عليه وصار مع قيادة م ت ف ثم مع فتح - عرفات، ثم مع عرفات
بلا فتح، وفي الحقيقة انه لم ينقلب على احد بل ظل ينط من تيار لاخر
بحسب المصلحة الشخصية ومن يدفع له اكثر.
كان السيد ياسر عبد ربه يحمل لقب " نائب الامين العام " في تنظيم "
يساري " هو الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين، وكان يدخن السيجار
الكوبي على طريقة الشهيد الاممي ارنستو تشي جيفارا. لكن الفرق بين
جيفارا الثوري وعبد ربه الاوسلوي هو الفارق الكامل بين الحقيقة
والوهم، وبين الثورة ونقيضها. كان جيفارا يقول : " ادخن كثيرا لكي
اقتل الجوع والذباب"، وهذا معناه انه كان يجوع مع الثوار ويحيا مع
المقاتلين في جبال المايسترا بكوبا ، وظل يقاتل حتى استشهد في غابات
بوليفيا النائية ، فالوطن بالنسبة للطبيب الثوري ، القادم من
الارجنتين، هو الدفاع عن كل فقراء العالم والانتصار لكرامتهم وحقوقهم
اينما كانوا. لكن السيد عبد ربه لن يتنصر لمقاومة الشعب العراقي
مثلا فمن لا خير له في اهله لن يكون له خيرا في اي شئ وهو المشغول
في تسويق وبيع الناس وثيقة جنيف سيئة الصيت والسمعة!؟
ويذكر الشاعر الفلسطيني المعروف عزالدين المناصرة، كيف كان الشهيد
غسان كنفاني يرفض نشر قصائد ياسر عبد ربه حين كان الاخير في القاهرة ،
و كان كنفاني يرأس هيئة تحرير مجلة الهدف ، وحين ساله المناصرة عن
السبب قال له غسان : " هذا رجل يكتب الشعر من اجل فلسطين وليس من اجل
الشعر يا مناصرة"
وكأن كنفاني اراد ان يقول : ان حب الوطن لا يؤكده مديح الوطن ، بل
تؤكده ممارسة ثورية واعية تدافع عن الانسان والوطن والثقافة
المقاومة. وبين مفهوم الوطن النقيض، شربت غولدا مائير نخب استشهاد
غسان كنفاني بينما شرب الصهيوني بيرز مع عبد ربه واخرون نخب اتفاق
اوسلو ووثيقة جنيف!
تخيلوا؟ ياسر عبد ربه يقرض الشعر؟ ان بامكانه ان يقرض اي شئ الا الشعر
..هذه مهزلة!
وبلا اي شعور بالذنب، يطل مثقف كل الازمنة على شاشات الفضائيات
العربية ليوجه رسالة سلام الى " جميع الاخوة والاخوات من ابناء الشعب
الفلسطيني" و يطالبهم بالكف عن العنف والارهاب ، و يقترح عليهم
السياسي الفلسطيني تبني مشروعه الاكثر واقعية : وثيقة جنيف ، مشروعه
الوطني الجديد ، الذي ولد من رحم مشروع اوسلو والذي بدوره كان نتيجة
مشروع اخر عرف "بالمرحلية " ، مشاريع وطنية كثيرة هي في الاصل، سلسلة
متصلة من الهزائم الفلسطينية الرسمية امام الكيان الصهيوني ونفط العرب
، هزيمة شاملة صنعتها طبقة فلسطينية تبيع الطحين الفاسد للفقراء في
الوطن وتنتظر فرصتها السانحة للانقضاض على حق العودة!
يهرب المسؤول الفلسطيني الفاسد الى دروب اخرى لا تفضي الى المخيم
واوجاعه الكثيرة، دروب معتمة ونقيضة في ان ، لا تفلت من بين يديه
مدينة او عاصمة، من اوسلو الى جنيف الى لندن وباريس الا وطالتها هامته
الصغيرة، وان تعذر ذلك، وكان لا بد من اجتماع مع العدو في الوطن، فانه
يذهب الى منتجعات البحر الميت وفنادق تل ابيب ، يتنقل مخبولا بين
عواصم العالم، يقفز من (..) لاخر، ليفتش عن سوق جديدة لبضاعته
الفاسدة ، لقد ادمن المثقف – السياسي منطق الصفقة - القضية، منذ ما
قبل حصار بيروت ، لكنه أدمن منطق البيع والشراء، و كفاح المؤتمرات في
فنادق الفايف ستار ، واحترف كل سياسة هجينة تدعو الى السلام وتعزيز
التعاون مع العدو!
اما الدكتور سري نسيبة ، وهو المثقف الفلسطيني المعروف و "الديموقراطي
جدا"، فانه لا يذهب الى المخيم ويحاور اللاجئين فيه حول افكاره
"الابداعية" عن حقهم في العودة ، والدولة المؤقتة ! تخيلوا كلمة
مؤقتة؟! فلا علاقة تربط بين من يعيش في المخيم و"موضوع " حق العودة
او حتى الوطن، فالقانون الدولي والسياسة ، بل والمعرفة بشكل عام ، هي
امور بعيدة عن اختصاص اللاجئين والفقراء ، ان مهمة المخيمات ،
الوحيدة ربما، هي الموت وجلب المنح والصفقات التجارية للقيادة
الفلسطينية، اما القرار الوطني المستقل فهو من اختصاص شريحة فلسطينية
لا هم لها غير التامر على حق العودة.
ورغم ذلك، فان السيد سري نسيبة لا يدافع عن اي شئ بما في ذلك القانون
الدولي الذي يتحدث عنه كثيرا، بل يختار المثقف الاكاديمي ان يكون
الاداة التي تطعن الفلسطيني والقانون الدولي في ان ، يختار الهروب من
وجه المخيم الفلسطيني الى ندوات عالمية ومؤتمرات لا تنتهي ، يمولها
العدو الصهيوني احيانا ، ودول الغرب والمنظمات غير الحكومية ، وهي
مؤتمرات يشارك فيها كل القوم، العجر والبجر،(...) كل القوم ، الا
المخيم!
مرة اخرى ، لماذا لا يذهب سري نسيبة الى المخيم؟
يتحدث نسيبة عن وطن لا علاقة له بالشعب الفلسطيني ولا بالاسباب التي
كافح من اجلها الفلسطيني. يدعو نسيبة الى التخلي عن حق العودة وقبول
الدولة المؤقتة المنزوعة السلاح ، والمنزوعة السيادة والكرامة في ان .
فلا حاجة للسلاح اذا كانت الهزيمة مطلقة وشاملة، حتى لو كان هذا "
السلاح " هو مجرد بندقية بسيطة تدافع عن كرامة المخيم وتثار له حين
تدنسه دبابات موفاز . وبدل ان يدافع الاكاديمي "الحر " عن حامل
البندقية وعن حق الشعب في مقاومة المحتل، ( كما يدعو القانون الدولي
على الاقل ) يقفز نسيبة الى تبني الرواية الصهيونية ويهجم على
الفلسطيني ويطالبه بوقف العنف و" عسكرة الانتفاضة" وهذا ما يهدي كوفي
عنان مبررا فلسطينيا جديدا يجعله يبيع جلده هو الاخر ويدين العمليات
الفدائية ضد قوات الاحتلال. وبين نسيبة وكوفي عنان وظيفة مشتركة في
خدمة الاستعماري والتحايل حتى على قانونه الدولي!
لن يذهب السيد سري نسيبة الى المخيم ، فهو يدرك سلفا، انه لن يجد من
يستقبله هناك، ولن يقام له اي احتفال ، وان حدث ودخل الى المخيم ، فقد
لا يخرج منه الا على حمّالة، انه يعرف في يقينه حقيقة "هؤلاء المجانين
من اللاجئين " وقد وصفهم مثقف اخر باوصاف اخرى لا تذكر، كل ذلك
لانهم انتصروا لكرامتهم وحقهم في العودة وكسروا البيض على راس خليل
الشقاقي!
يختار المثقف الفلسطيني الفاسد ان يحاور جمهورا اخرا بعيدا عن المخيم ،
جمهور يكره "موضوع اللاجئين" بل ويعتبرهم " المشكلة " ، ولا يسال
الغرب : كيف بدات تلك " المشكلة " ، لانه متورط فيها وفي تفاصيل
المجزرة حتى اخمص قدميه، لذلك فهو يفتش عن اصوات " فلسطينية " جاهزة
ومقبولة تعطيه حلولا " فلسطينية" او " فلسطينية- اسرائيلية مشتركة" في
احسن الاحوال، شرط ان لا يكون عنوان الحديث هو حق العودة للاجئين .
الغرب المسيطر لا يتعب كثيرا فالاصوات الفلسطينية المعروضة للبيع
جاهزة ، وهذا ما يجعل العلاقة بين المثقف الفلسطيني الفاسد وجمهوره
الغربي هي اقرب للعلاقة بين الامريكي مع كلبه او قطتة ، تبدو انسانية
جدا ، لكنها لن تمنع صاحب الكلب من توبيخه وتاديبه ، ولن تنفي علاقة
التبعية و حقيقة من يسيطر، وكلما كان الكلب مطيعا يمنحه السيد كل
الاوسمة والالقاب ...ويرضى عليه.
|