الارتفاع الى مستوى المسؤولية
اذا
كان ابناء الشعب الفلسطيني - على اختلاف فئاته وتنظيماته ومواقعه في
السلطة او المعارضة - مطالبين بالارتفاع الى مستوى المسؤولية ، خلال
الظروف الطبيعية الاعتيادية التي لم يمر بها الفلسطينيون حتى الان مع
الأسف، فإن المرحلة الصعبة والمصيرية التي يجتازها هذا الشعب، تتطلب من
ابنائه بذل جهود مضاعفة وتحمل تضحيات جسيمة من اجل تخطي هذه المرحلة،
بكل ما يحيط بها من تحديات ومخاطر تتهدد القضية الوطنية، التي يفترض ان
الجميع شركاء في النضال المبذول من اجل تسويتها بشكل عادل، على النحو
الذي يأمله ابناء هذا الشعب ويتوقعون الى انجازه.
وقد اثبت الفلسطينيون انهم قادرون بالفعل على الصمود والتحمل خلال
الظروف الصعبة التي يمرون بها منذ بداية الاحتلال الاسرائيلي ولا سيما
اثناء السنوات الاربع الماضية، فلم تضعف عزائمهم ولم يستسلموا امام
المخططات الاسرائيلية التي كان هدفها الاول والاخير كسر ارادتهم
الوطنية، وتركيعهم واستلاب تصميمهم على انهاء الاحتلال والاستيطان،
وانما على العكس من ذلك تماما، فقد التقت كلمتهم واجمع رأيهم على نبذ
المصالح الضيقة، والاهواء الانانية والمادية - عدا عن مجموعات من
المنتفعين الذين يجد المرء امثالهم في كل الشعوب، ممن يستغلون مآسي
الشعب والوطن للاثراء على حساب قضيته، والمتاجرة بنضاله، والرقص على
اشلاء ضحاياه.
ومن المؤكد ان هذه المجموعات الانتهازية قد فقدت كل احساس بالانتماء
الى الشعب وقطعت كل ارتباط لها بالوطن وقضيته، وحصرت كل همها وجهودها
في تكديس الثروات، وفرض النفوذ والجري وراء سراب المناصب والمزايا، وهي
في ذلك كله عزلت نفسها عن هموم الشعب وقضاياه، وتطلعاته الثابتة،
واختارت ان تقف على الجانب الاخر من ساحة الصراع : فكانت حربا على
الشعب وعونا للطامعين باذلال المواطنين، وحرمانهم من فرحة الحياة
والامل بالمستقبل.
واذا كانت المساءلة والمحاسبة في ظل الظروف المأساوية التي يحياها
شعبنا نوعا من المستحيل فإن المطلب الاول في هذا المجال بالذات هو
تعزيز المؤسسات القضائية، ومنحها الصلاحيات الكافية والمتطلبات
اللوجستية لاداء مهامها وفقا لاحكام القانون وعلى اسس حضارية تكفل
مساءلة عادلة وعقابا رادعا لمن اوقعتهم انانياتهم وجشعهم في حبائل
الفساد والانحراف واستغلال المواطنين والتلاعب بمقدراتهم، والالتفاف
حول مستقبلهم.
وعلى المواطنين جميعا ان يرتفعوا الى مستوى المسؤولية في تعاملهم فيما
بينهم وان لا يأخذوا القانون بايديهم او يلحقوا الضرر والاذى بالمؤسسات
والدوائر الرسمية التي تعد من الاسس الراسخة للبنية التحتية للدولة
الفلسطينية العتيدة: اذ لا يمكن قيام مثل هذه الدولة من الصفر، او من
وسط حالة الدمار الشامل للمؤسسات، ولا بد من الحفاظ على الهياكل العامة
والرسمية، مهما اتصف اداء بعض العاملين فيها وفقا لوجهات نظر قطاعات
معينة من المجتمع بالتقصير او السلبية او حتى الفساد والتسيب
والمحسوبية.
صحيفة القدس |