معادلة القيادة بعد عرفات
شاكر الجوهري
رحم
الله ياسر عرفات..
لقد
ملأ الدنيا وشغل الناس ميتا, كما فعل ذلك حيا .. ولئن جاءت وفاته في
وقت ازدادت به الحاجة الى التغيير, فإن الشعب الفلسطيني شيعه, مغلبا
ايمانه بنهجه النضالي, على الإنتقادات التي ظلت توجه لسلبيات ادارته,
كما تجلى ذلك في العيون الدامعة على فراقه, المتمسكة بنهج النضال
والمقاومة حتى انجاز الحقوق المشروعة غير القابلة للتصرف ممثلة في
التحرير والعودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس
الشرقية.
كما
ان الدموع الحارة التي ذرفتها العيون كانت تخشى من أن لا يقتصر التغيير
المنتظر والمطلوب على اصلاح السلبيات الإدارية والمالية, وإنما أن
يتجاوز ذلك تحت شعارات الإصلاح, الى التفريط في الثوابت.
هذه
الخشية تنطلق من الشعور العميق بأن عرفات مات مسموما بفعل فاعل من
الدائرة الضيقة المخترقة حتى العظم, التي كان يحيط نفسه بها, ومن سابقة
أنور السادات الذي انقلب على كامل نهج عبدالناصر بعيد وفاته .. مفرطا
بالثوابت النضالية والقومية, ومنقلبا كذلك على نهجه وسياساته
الإقتصادية.
لقد
فعل السادات ذلك بعد أن كان يعلن تأييده الكامل والمطلق لكل ما يقوله
ويفعله عبدالناصر, فما الذي يمكن أن يفعله محمود عباس الذي كان يعارض
ما يقوله ويفعله عرفات في حياته..?!
ما
يدعو هنا لشيء من التفاؤل هو:
اولا: أن الإعتراض على سياسات للرئيس السابق في حياته يفترض أن يشي
بوجود قواسم مشتركة بين الخلف والسلف هي ما حال دون طلاق بائن بينهما,
حاصرا الخلاف على الأساليب والوسائل دون الأهداف. وهو خلاف يؤكد وجود
ديمقراطية الى الحد الذي يسمح بهذا.
أما
السادات الذي كان مأخوذا بالشعبية الكاسحة لعبد الناصر، فقد كان مضطرا
لإظهار التأييد التام وإبطان الإختلاف التام حتى لا يكون مصيره كمصير
من خالفوا القائد، ولو بنسبة واحد بالمئة, كانت كافية لتجاهل حقيقة
تأييده بنسبة 99 بالمئة، والإطاحة به ..!
ثانيا: أن عرفات خلف مؤسسات, تؤشر سلاسة انتقال القيادة في ظلها, إلى
قدرتها على الزام الخلف بنهج ومواقف الأغلبية.. وبعبارة أخرى, فإن أبو
مازن لا يملك القدرة التي كان يمتلكها عرفات على تجاوز قرار الأغلبية,
خاصة وأن هذه الأغلبية هي التي جاءت به, كما أكدت حضورها السابق بفضل
تاريخها, ولم يصنعها لا السلف ولا الخلف.
ثالثا: أن الأغلبية التي اختارت أبو مازن رئيسا لمنظمة التحرير
الفلسطينية, وقد تدفع به غدا الى رئاسة السلطة الفلسطينية، عبر تعديل
كيفية اختيار رئيس السلطة في القانون الأساسي الفلسطيني, اختارت كذلك
فاروق القدومي رئيسا لحركة "فتح", ما يعني الزام أبو مازن بمرجعيته
التنظيمية في "فتح" التي يحظى القدومي بدعم وتأييد ثلاثة عشر عضوا من
أصل ستة عشر عضوا فيها, وكذلك بأغلبية التمثيل الفصائلي في اللجنة
التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية .. بل والفصائل خارج المنظمة التي
طالب القدومي بتشكيل قيادة موحدة معها.
رابعا: أن المرجعية الفتحاوية, وكذلك مرجعية فصائل المقاومة الوطنية
والإسلامية هي مرجعية مسلحة لا مجرد مرجعية سياسية. وهي تستطيع أن
تفرض قرارها بقوة السلاح عند الضرورة.
إن
شكل القيادة البديلة التي صاغتها المؤسسات الفلسطينية جاء ليؤكد تكريس
النهج المقاوم والإصلاحي, دون التخلي عن الحل المرحلي من خلال تسوية
سياسية. وهو نهج من شأنه أن يدعم القضية الفلسطينية بقوة مضاعفة حين
تتم مكافحة فعلية للفساد, وحين لا تثير الضغوط الاميركية ـ الإسرائيلية
على فرد بعينه أي أمل بقدرته منفردا على التنازل والتفريط.
|