مشهد فلسطيني مخجل


2003/09/03

عبد الباري عطوان


ما تشهده فلسطين المحتلة من صراعات بين الرئيسين ياسر عرفات، ومحمود عباس ابو مازن امر يندى له الجبين ويبعث على الاسف الشديد.
فبينما تواصل القوات الاسرائيلية غاراتها على المدن الفلسطينية، وتغتال القيادات الميدانية لحركة المقاومة الاسلامية، وتقتل الاطفال وتدمر المزروعات، نرى ان الشغل الشاغل، والمعركة الاهم هي كيفية انتزاع صلاحيات من الرئيس عرفات، او افشال تعيين ابو مازن لموظف كبير في شؤون الموظفين.


الازمة التي يستعصي فهمها على المواطن الفلسطيني المطحون والمنهمك في جنازات الشهداء في الضفة والقطاع، انتقلت من اروقة رام الله الى الساحة العالمية، فنحن في زمن العولمة، وسمعنا ان الولايات المتحدة الامريكية ارسلت انذاراً الى الرئيس عرفات بعدم المساس برئيس الوزراء، وضرورة عدم وضع العراقيل في طريق مهمته، وانها لن تقبل بغيره، ولن يكون احد قبله او بعده، واطلق شاؤول موفاز وزير الدفاع الاسرائيلي تهديدا صريحا بان ايام عرفات في المقاطعة (مقر السلطة) باتت معدودة، وان قرار طرده موضع دراسة وقد يصدر في غضون ايام!


لا نعرف كيف يقبل السيد ابو مازن البقاء في منصبه في ظل مثل هذه التهديدات الاسرائيلية والتحذيرات الامريكية لشخص من المفترض ان يكون رئيسه ورفيق دربه، مثلما لا نفهم قبول الرئيس عرفات الانجرار الى مثل هذا المستنقع، وفي مثل هذا التوقيت، وتحمل كل هذه الاهانات.
السيد ابو مازن اصدر قرارا بطرد موظف، واستبداله بآخر، فتدفق المسلحون من تنظيمه اي فتح واحتلوا المبنى وحموا الموظف المطرود، ومنعوا دخول البديل. فاذا كان رئيس الوزراء لا يستطيع طرد موظف، فما الفائدة من وجوده، وكيف سيستطيع انتزاع تنازلات من شارون او غيره، ويعيد ستة ملايين لاجيء الى يافا وحيفا وعكا، ويطهر السلطة من الفساد وينزع اسلحة حركات حماس والجهاد؟


واذا كان الرئيس عرفات لا يستطيع عزل رئيس الوزراء وتعيين آخر مكانه، فأي سلطة هذه التي يتربع على قمتها، وعن اي قرار مستقل يتحدث؟
علينا ان نعترف صراحة بان حكومة السيد محمود عباس لم تفشل فقط، بل اصبحت مشروع فتنة فلسطينيا، والحد الادنى المطلوب منها هو الاستقالة اعترافا بهذا الفشل.


فالذي افشل هذه الحكومة طبيعة مهمتها في تطبيق مشروع امريكي غير قابل للتطبيق، وليس الرئيس ياسر عرفات ومحاولاته وضع العصي في دواليبها فقط. فمن الطبيعي ان يتآمر عرفات على رئيس وزراء فرض عليه فرضا، وجاء لانتزاع صلاحياته، وما تبقى من اسنانه، واحالته الى التقاعد بطريقة مخجلة ومهينة، وسيظل يتآمر حتى وهو في قبره، فهذه هي طبيعته والا لما استطاع البقاء حتى هذه اللحظة.


السيد ابو مازن يوحي بان فشله يعود بالدرجة الاولى الى عدم تعاون عرفات معه، واعطائه الصلاحيات التي يريدها، أي توحيد اجهزة الامن تحت لوائه. بينما السبب الحقيقي والاساسي لهذا الفشل هو اغتيالات شارون للفلسطينيين وانتهاكاته للهدنة، ودعم الولايات المتحدة المطلق له.
الادارة الامريكية تخلت عن ابو مازن في وضح النهار، ولم تقدم له اي مساعدة حقيقية تعزز مكانته، وتحشد الدعم الشعبي الفلسطيني خلفه، وتخفف من جرائم شارون واستفزازاته، فهي لم توقف بناء السور، ولم تمنع الاغتيالات وانتهاك اتفاق الهدنة، وفوق كل هذا وذاك كافأت شارون باعتماد ضمانات قروض تصل قيمتها الى عشرة مليارات دولار!


المجلس التشريعي الفلسطيني سيجتمع يوم غد، ليس لبحث معاناة الشعب الفلسطيني وتخفيفها، وكيفية تعزيز المقاومة، ووضع خطط لتحرك سياسي على الساحتين الدولية والعربية لفضح الجرائم الاسرائيلية، وانما لايجاد مخرج للازمة التي وضعه فيها رئيساه وحل معضلة الصلاحيات.
صلاحيات لماذا، وعلى ماذا، فهل بقيت هناك سلطة، او قوات امن، او وزارات، حتى يتم التنافس عليها؟ لم يبق من هذه السلطة غير اوهامها فقط، مجرد غرفتين في مبنى ثلاثة ارباعه منهارة بفعل عدوان اسرائيلي سابق.


مجلس امن قومي لماذا، وعلى ماذا، وما هي فائدته، والقوات الاسرائيلية تصطاد المقاومين مثل العصافير، وكأنها تعرف كل اسمائهم وتحركاتهم، مثلما تعرف بطن راحتها. ما فائدة هذا المجلس واعضائه وقواته اذا كان لم يوقف جاسوسا، ولم يعتقل متعاونا، ولم يحم طفلة من الاغتيال؟
المجلس التشريعي الفلسطيني لم ينتخب من قبل الشعب الفلسطيني حتى يتحول الى سرادق مصالحة ، وبيت عشائري لحل الخلافات بين من لا يقدرون الظرف وحساسيته، ولا يعرفون معنى الوطنية الحقيقي.


هذا المجلس يجب ان يسحب الثقة من حكومة ابو مازن، ليس انتصارا لموقف عرفات، وانما لان هذه الحكومة فشلت في مهمتها، ولم تحقق ما وعدت به، فهذه هي مهمات البرلمانات المنتخبة في العالم، والا ما معنى وجودها. وحكومة ابو مازن ليست اول حكومة في العالم يحجب البرلمان الثقة عنها.
ويكون افضل اذا ما قرر المجلس ايضا حل نفسه، والسلطة التي يمثلها، ويحمّل امريكا واسرائيل المسؤولية، وينزع القناع الزائف عن واقع الضفة والقطاع، ويدفع اسرائيل الى تحمل مسؤولياتها كقوة احتلال، من حيث توفير الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء وامن ووظائف والحد الادنى من العيش الكريم لثلاثة ملايين فلسطيني يخضعون لاحتلالها بمقتضي المعاهدات الدولية.


نريد مجلسا ورئيسا، للسلطة او للوزارة، يتحلى بشجاعة الشهداء، ويرتقي الى مستوى صـــدقهم وتفانيهم، ويقدم استقالته احتجاجا او قرفا او يأسا، او تواضعا، او اعترافا بفشل. فما يجري في اوساط السلطة هو مهزلة ومذلة، ويجب ان لا يستمر.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع