مصير السلطة الفلسطينية

 

بقلم: أحمد عمرابي

صحيفة البيان الإماراتية 1/11/2004

 

غياب عرفات سوف يعني نهاية جيل فلسطيني. بحساب التاريخ البعيد هو جيل «منظمة التحرير».. وبحساب التاريخ القريب هو جيل أوسلو. وفي كلا الحالين لم يعرف زعيم فلسطيني له شعبية تضارع شعبية عرفات. فكيف يكون المشهد الفلسطيني إذا غاب عنه عرفات؟

 

ابتداءً سوف يتلاشى آخر ما تبقى من السلطة الوطنية الفلسطينية. لقد بدأت السلطة الفلسطينية تفقد مبرر وجودها عند أواخر عقد التسعينيات عندما تحولت إلى أداة تنفيذية للجهاز الأمني الإسرائيلي لملاحقة الناشطين الفلسطينيين بعد أن اتضح أن وعود أوسلو الإسرائيلية ليست سوى وعود لإطالة أمد الاحتلال الإسرائيلي بخلق واجهة فلسطينية للقوة الاحتلالية.

 

وبعد ذلك كان صعود اليمين الإسرائيلي إلى السلطة بزعامة بنيامين نتانياهو أولاً وأرييل شارون لاحقاً إيذاناً بنسف البنية التحتية للسلطة الفلسطينية حيث أن اليمين الإسرائيلي يرفض أوسلو أصلاً وما أفرزت من نتائج على الأرض. واكتملت عزلة السلطة الفلسطينية عندما نأت بنفسها عن الانتفاضة الشعبية التي تحولت إلى مقاومة مسلحة كمقدمة لاتخاذها موقفاً عدائياً صريحاً ضد المقاومة في مرحلة لاحقة.

 

مع هذه العوامل والضربات استطاعت السلطة الفلسطينية حتى الآن أن تبقى على قيد الحياة. ولكن ما كان لها أن تحافظ على هذا البقاء لولا بقاء ياسر عرفات.

 

إن الشخصيات التي تكون منها السلطة الفلسطينية الآن كلها من صنع عرفات. وإذا غاب أبوعمار فإنها سوف تفقد سبب وجودها السلطوي تلقائياً. فليس من بين هذه الشخصيات أي واحد له قاعدة شعبية.

 

وإذا كان بعض منهم يتمتعون بقدر من القبول الشعبي حالياً فلأن أسماءهم ارتبطت بشخص عرفات الذي لا يزال رغم زلاته التاريخية الرمز الوطني الأعظم للشعب الفلسطيني.

 

وفي حال غياب عرفات فإن هذا القبول الشعبي الضئيل لشخصيات السلطة سوف يتلاشى ليفسح المجال لاتهامات الفساد والخيانة المتداولة حالياً بين فئات الشعب الفلسطيني. ومن المشكوك فيه أن تتمكن تلك الشخصيات من الصمود أمام عاصفة الاستهجان الشعبية.. خاصة أنها غير متضامنة داخل فريق واحد.

 

فهناك من ناحية فريق المخضرمين مثل قريع وأبومازن.

 

وعلى ناحية أخرى فإن هناك فريق المستشارين الخصوصيين الذين يتعاملون مع عرفات مباشرة في تجاهل كامل لفريق المخضرمين. ومن أبرز هؤلاء المستشارين أبوردينة ومحمد رشيد. وهناك فريق محمد دحلان.

 

وإذا كان من المتوقع نشوب صراع سلطوي بين هذه الفرق فور غياب عرفات فإنه صراع لن يطول لأنه لن يكون له بعد شعبي.. فجماهير الشعب الفلسطيني تبغضهم جميعاً.

 

على أن الخصم الأكبر لمجموعة شخصيات السلطة الفلسطينية بمختلف فرقهم يتمثل في الجيل الجديد لمنظمة «فتح» الذي ترمز إليه شخصية مروان البرغوثي الذي يقيم حالياً وراء القضبان داخل سجن إسرائيلي.

 

إن نقطة الاحتكاك الأساسية بين شباب فتح وفريق السلطة الفلسطينية هي نهج المقاومة المسلحة. فبينما تمارس فتح الكفاح المسلح عن طريق ذراعها القتالية «كتائب شهداء الأقصى» فإن رجالاً مثل أبومازن وقريع ينددون علناً بالانتفاضة المسلحة.

 

وحتى الآن لم يوجه «شهداء الأقصى» سلاحهم نحو رموز السلطة الفلسطينية احتراماً للرئيس عرفات. وإذن فما الضمان أن هؤلاء الاستشهاديين لن يستخدموا السلاح ضد السلطة في حال غياب عرفات عن المشهد؟

 

لذا فإن غياب عرفات عن المشهد الفلسطيني قد يؤدي إلى بلورة مشهد جديد تماماً. ذلك أن تلاشي السلطة الفلسطينية سوف يمهد لقيام تحالف عريض يجمع «فتح» مع فصائل المقاومة الأخرى خاصة «حماس» و«الجهاد» لتكوين جبهة سياسية لسد الفراغ الذي ينشأ بسبب زوال السلطة.

 

ولنعد إلى الأذهان أن قيادات وعناصر فصائل المقاومة بما فيها «شهداء الأقصى» هم من سكان الأرض المحتلة بينما جاءت قيادات السلطة الفلسطينية من الخارج. وفي غياب عرفات فإن التذمر المكتوم في الداخل ضد عناصر فريق أوسلو القادمين من الخارج قد يتفجر ليعجل بمصير السلطة الفلسطينية.

 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع