مراكز بلا مسجلين .... لماذا وإلى متى؟
بقلم: تيسير نصرالله *
المتابع لمراكز تسجيل الناخبين في الضفة الغربية وقطاع غزة يلاحظ عدم
إقبال المواطنين على تسجيل أنفسهم، رغم مضي أكثر من عشرة أيام على بدء
عملية التسجيل، وقد يختلف البعض عند تحليله لهذه الظاهرة التي تبدو
غريبة، وفي بعض الأحيان مفاجئة، في البحث عن أسبابها المختلفة. إن
موضوع عدم ذهاب الناس لمراكز التسجيل يجب أن يؤخذ على محمل الجد لدى
مراكز القرار، وخاصة مجلس الوزراء ولجنة الإنتخابات المركزية وكافة
القوى الوطنية والإسلامية، ويجب البحث عن الأسباب الحقيقية التي تقف
وراء ذلك والعمل على معالجتها، ولا أعرف إن كان هناك متسع من الوقت
لمعالجة ذلك، علينا اولاً أن نبحث عن الأسباب ، وأن نستمع لأراء
المواطنين الذين يتحدثون بجرأة شديدة ويوجهون إنتقاداتهم للمرحلة
السابقة ، وكأنهم بعدم ذهابهم لمراكز التسجيل يحاكمون تلك المرحلة بكل
تفاصيلها ومرارتها، ويعلنون عدم رضاهم عن ممارسات كثيرة حصلت فيها من
قبل السلطة التنفيذية أو أعضاء في البرلمان الفلسطيني، وسأحاول ذكر بعض
هذه الأسباب من خلال إثارة بعض الأسئلة والإستفسارات :-
1- هل هو تقصير لجنة الإنتخابات المركزية في الترويج لعملية التسجيل
وعدم وصول إعلاناتها لأكبر فئة من الناس، خاصة وأن عملية التسجيل هذه
المرة تختلف عن المرة السابقة، حيث يتوجب على المواطن أن يذهب بنفسه
لمراكز التسجيل عكس ما تم سابقاً بزيارة بيوت الناس وتسجيلهم فيها بعد
إحصائهم، وإعتماد هذه القوائم في عملية الإنتخابات، قد يكون هذا
التغيير أحد الأسباب.
2- أم هو الواقع المأساوي الذي يعيشه شعبنا بعد أربع سنوات من عمر
الإنتفاضة وما رافقها من قتل ودمار وبطالة وفقر وعدوان إسرائيلي مستمر،
وإنشغال الناس بأمور أهم من عملية التسجيل، فهم لم يداووا جراحهم
النازفة حتى الآن، وقد يشكك البعض في التوقيت بأنه يأتي في ظروف غاية
في التعقيد والصعوبة لإلهاء المواطنين عن قضاياهم الرئيسية في مواجهة
العدوان الإسرائيلي.
3- أم هو الإحباط واليأس والتردد الذي يعيشه الناس نتيجة معايشتهم لبعض
أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين في الدورة الأولى والذين خانوا
الأمانة من وجهة نظر المواطنين الذين إنتخبوهم، حيث يتهم البعض منهم
بأنه أدار ظهره للمواطنين منذ اليوم الأول وتبخرت وعوداته وبرامجه
الإنتخابية مع أول موجة هواء خفيفة في شتاء عام 1996 ولم يعودوا يروا
وجهه، فهو إما أنه صار وزيراً أو مسؤولاً كبيراً في مراكز الإحتكار
والإستثمار أو مشغولاً في شراء الأراضي والعقارات, وإكتشف فجأة أن مهنة
المقاول أسهل من مهنة النائب. ويتهم البعض الآخر بأنه إكتفى بإستغلال
موقعه الجديد في أول مجلس تشريعي فلسطيني ليوظف أقرباءه وأنسباءه
والمقربين من أنسبائه والمحسوبين عليه في وزارات وأجهزة السلطة، لا عمل
له سوى الإنتظار ضمن طوابير المنتظرين للجلوس على طاولة الرئيس والحصول
على توقيعه لشراء ذمم المواطنين بعد أن باع ذمته هو طبعاً. إن عدم
قيام بعض اعضاء المجلس التشريعي بدورهم النيابي على اكمل وجه ادى الى
إنتشار ظاهرة الفساد والإحباط، مما خلق حالة من عدم الثقة بإمكانية
التغيير من خلال الذهاب مرة اخرى لصناديق الإقتراع.
4- أما السبب الرابع فإنه يتعلق بأعضاء حركة فتح الذين يعتقدون بأن
قوائم مرشحي الحركة للإنتخابات ستأتيهم جاهزة وستفرض عليهم فرضاً من
قبل مراكز القرار العليا في الحركة، حتى وإن جرت إنتخابات داخلية شكلية
لإختيار مرشحي الحركة، كما حدث في المرة السابقة حين لم تلتزم قيادة
الحركة بنتائج الإنتخابات الداخلية تحت ذرائع وحجج لم تكن مقنعة
للغالبية العظمى من أبناء الحركة.
5- وقد يكون عدم تحديد موعد محدد لإجراء الإنتخابات، أو حتى إمكانية
إجرائها أحد الأسباب الكامنة وراء هذا التباطؤ بعدم الذهاب لمراكز
التسجيل، فالبعض يريد أن يرى ظروفاً مناسبة وأجواءً مهيئة غير تلك التي
نعيشها الآن والتي لا تصلح لممارسة الديمقراطية على أصولها وبدون أي
تاثيرات سلبية او تدخلات في امزجة الناس ومواقفهم وآرائهم.
إن الأسباب التي أدت الى هذا الإحجام كثيرة، ولكل مواطن مبرراته، كما
لكل فصيل أسبابه، ولكنها كلها تصب في خانة واحدة وهي عدم ثقة المواطن
المثقل بهموم الإحتلال والإستغلال بالنظام السياسي الحالي، وعدم قناعته
بحجم التغيير الذي من الممكن أن تحدثه الإنتخابات في الواقع الفلسطيني،
وعدم ضمان تكرار تجربة الإنتخابات التشريعة عام 1996.
وبغض النظر عن كل تلك الأسباب فلا بد من الفصل بين التسجيل في سجل
الناخبين من جهة وعملية الإنتخاب من جهة أخرى، فالتسجيل يحفظ للمواطن
حقه في المشاركة بإختيار ممثليه في البرلمان أو المجلس البلدي أو
القروي، وعدم التسجيل يحرمه من ممارسة هذا الدور، وبالتالي يفقد دوره
في المساهمة في إحداث التغيير بغض النظر ان كان هذا التغيير سلبي ام
إيجابي، على إفتراض أن الإنتخابات ستجرى، وليس بالضرورة أن كل من يسجل
إسمه في سجل الناخبين يمارس الإنتخاب فهذا قراره وحقه يستخدمه بإرادته
أو لا يستخدمه، لا احد يجبره على ممارسة هذا الحق، بينما كل من لا يسجل
إسمه يحرم نفسه تمامًا من ممارسة هذا الحق، ويخرج نفسه من دائرة إهتمام
المرشحين. لذا فلا أرى مشكلة في تسجيل المواطنين لأسمائهم في مراكز
التسجيل المنتشرة في مختلف مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وعندما
يتقرر موعد الإنتخابات وتتهيأ الظروف المناسبة لإجرائها فسيكون لكل
حادث حديث.
·
عضو المجلس الوطني الفلسطيني- مخيم بلاطة.
أمين 16/09/2004
|