المناخ بانتظار عود كبريت ليشتعل..

جرائم القتل والخطف تتفشى في الأراضي الفلسطينية وسط سلاحٍ فوضوي يهدد أمن المجتمع

غزة- كتب علي البطة

فجأة توقفت سيارتان وسط شارع يعج بالمارة والسيارات صباح الثلاثاء، 14 حزيران.. ترجل منها عدد من المسلحين، أطلقوا الرصاص بكثافة صوب سيارة ثانية فقتلوا اثنين من ركابها الثلاثة، أصابوا الثالث الذي تمكن من قتل أحد المهاجمين...

 المهاجمون يختطفون المصاب وينقلوه بسياراتهم على وجه السرعة، يقيدوا يديه، ويفرغوا عدة رصاصات في جسده قبل أن يلقوه جانب جدار مقبرة...

مجموعة القتلة هم أبناء اخوة المقتول احمد عبد العزيز (55 عاما) وولديه محمد (25 عاما) ورزق (26 عاما)، فيما القتيل الرابع عبد العزيز دنيال عبد العزيز (30عاما) من المهاجمين.

مسلسل رعب.. هل حصل ما حصل في عالم الخيال والأفلام؟ أم في العالم الحقيقة؟  يتواصل المسلسل.. يوم الأحد.. الشرطة تلقي القبض على قتلة ماهر قطري في رام الله بعد ساعات من قتله، وتلقي القتل على مجموعة شباب قتلوا طفل في مدينة رفح، وتلقي القبض على قتلة طفل صغير برصاصة طائشة في رفح أيضا، واثنان يختطفان اثنين في أريحا، وفتاة في بداية العشرينات يقتلها أبوها بالبطيء تنقذها الشرطة قبل أن يجهز عليها...

.. إطلاق نار يأتي من كل صوب وحدب لا تعرف مصدره، إن عرفت ليس بامكانك سوى الهرب طلباً للنجاة من موت سهل سريع.. سلاح منتشر في يد الصغير والكبير بحجة مقاومة الاحتلال، احد المحرمات التي لا يجوز لك الحديث فيه وحوله، كل سلاح يقولون سلاح مقاومة.. المقاومة تقول: سلاحنا بعيد عن الفوضى القائمة.. السلطة: سلاحنا تائه في أيدي فرسان الساحات الخالية من العدو...

حوار بين عنصري أمن وسط رام الله يشتد الحوار إلى جدل فتلاسن، تطور الموقف اشتبكا بالأيدي، اتصل كل شاب بمجموعة من زملائه في الجهاز.. جاء كل طرف بسلاحه وعتاده إلى ساحة المعركة.. اخذ العشرات من المسلحين مواقعهم وسط المدينة.. اندلعت اشتباكات ضارية بالأسلحة النارية.. ساحة حرب حقيقية.. لا يعرف سكان المدينة ما الخبر.. من منزل إلى منزل ينتقل المسلحون بأسلحتهم النارية الجاهزة للإجهاز على الخصم.. بصعوبة يتم السيطرة على الموقف.

في ذات اليوم لكن ليلا.. اشتباكات أخرى وسط مدينة غزة العاصمة الثانية بعد رام الله.. المستهدف فيها رئيس أقوى الأجهزة الأمنية "الأمن الوقائي" العميد رشيد أبو شباك.. تمتد الاشتباكات من منزل أبو شباك إلى مقر جهازه "القلعة الحصينة" في تل الهوى بالمدينة..

تسأل المواطن الفلسطيني البسيط الذي أنهكت قواه خمس سنوات من حرب مدمرة قادتها إسرائيل ضد الفلسطيني الأعزل لتعزله من كل شيء إلا كرامته ووطنيته، فيأتي من يهدد الوطنية والكرامة من الداخل.. تسأل المواطن المنهك ما الخبر.. تسمع الإجابة.. فلتان أمني، البلد خربت، السلطة تعبانة، الأجهزة الأمنية أصبحت شللية، القانون غائب، الناس تفرغت لبعضها البعض، غابة سلاح، زعرنة، بلطجية، عربدة، فوضى، لا رقيب، لا حسيب، الأخلاق اضمحلت، القيم ضاعت، المبادئ ماتت، ووو.......

أحمد ابن الجامعة يراقب المشهد عن قرب.. إذا كانت النار تصل إلى مقربة من رئيس جهاز أمن، فماذا يقول المواطن العادي الذي لا حول له ولا قوة.. ويضيف: إذا كان وزير الداخلية المسؤول عن الأجهزة الأمنية يقول لك: هناك من يتاجر –من قادة الأجهزة الأمنية- بكلّ شيء بدءاً من الدماء حتى المخدرات، فماذا عسى المواطن أن يقول؟!!

هذه الأحداث الدموية كلها وقعت جملة واحد في بحر الأسبوعين الأخيرين كانت نتيجتها مقتل حوالي عشرة من الفلسطينيين.

من المسؤول عما يجري؟ وأين دور السلطة والأجهزة الأمنية؟ والى أين سيصل الحال بالفلسطينيين؟ هل تنتهي الحكاية إلى أخبار حزينة؟

وزير الداخلية الفلسطيني اللواء نصر يوسف الذي فتح النار على كل الأجهزة الأمنية وقادتها، بوصفه لكثير منهم بالبلطجية والعصابات، يقول: إن هناك مراكز قويّة كثيرة تعيق عمل الأجهزة لفرض سيادة القانون.. عازياً الجزء الأكبر من الفلتان الأمني الخطير إلى ضعف القضاء المدني الفلسطيني، إلى جانب انتشار الفقر في المجتمع الفلسطيني. فضلا على كميات السلاح الكبيرة المنتشرة في الساحة الفلسطينية، الذي اخذ شرعيته خلال الانتفاضة.

ويتساءل الدكتور رياض المالكي رئيس مركز "بانوارما" لتعميم الديمقراطية في رام الله عن الصفة التي يمكن أن يطلقها على حالات الفلتان الأمني الـمتكررة في فلسطين؟ هل هي عصيان أم تمرد تقوده مجموعات أو أفراد من داخل جسم السلطة أو خارجها؟ وكيف نفسر أسلوب وطريقة تعامل السلطة مع مجمل تلك الحالات؟ هل هو ضعف متعدد الـمجالات في السلطة أم قوة عددية وعسكرية لدى العصاة والـمتمردين تبطل إمكانيات السلطة الـمتوفرة؟ أم هي محاولة مسؤولة لدى السلطة في تجنب الانجرار نحو الـمواجهة الداخلية مهما كان شكلها أو صانعها؟، وهل تجددت حالات العصيان والتمرد بمظاهرها الـمسلحة بعد أن تأكد لصانعيها تهرب السلطة الـمؤقت من مثل هذا الاستحقاق، وبالتالي تعاظمت حالات الاستغلال إلى درجة وصلت بالغالبية أن تنتهز تلك الفرصة الفريدة والـمؤقتة للاستفادة منها زمنياً لدى كل من لديه قضية يسعى لحلها أو ثأر قديم يسترده أو طمع يأمل بسلبه.

ويرجع الكاتب عبد الله عواد فقدان الأمن إلى خمسة أسباب:

أولاً: ليس في ضعف الأجهزة أو ضعف امكاناتها كما تقول الرواية الرسمية وإنما لأنها مشغولة بنفسها في خلافات وتنازع على الصلاحيات، وعلى الرتب. وبطالة وفساد وشللية وبحث جنوني عن المصالح الخاصة.

ثانياً: إن القيادات التي عاشت وتعايشت مع مرحلة الفلتان والفساد بكل أنواعه والعلاقة الشخصية والفوضى لا يمكن لقيادات كهذه أن تكون قادرة على تحقيق الأمن حتى لو تم تجهيزها بكافة الامكانات، فالإرادة دائماً تتقدم على الامكانات.

ثالثاً: عدم وجود قضاء، رغم وجود قوانين، فالقضاء موضوع على الرف، وتتدخل فيه عوامل شخصية ومصلحة، وسلطة الأجهزة التنفيذية بكافة أنواعها وأشكالها رسمية وعائلية وشللية، أعلى من سلطة القضاء، فأية قوانين وأي قضاء في العالم يفرج عن قتلة بكفالة!.

رابعاً: إن مجتمعاً وسلطة وفصائل ينخرها الفساد الأخلاقي والإداري والمالي، من الطبيعي أن يكون "الأمن المفقود" سيد الموقف، حتى لو تم توحيد ليس الأجهزة الأمنية فقط وإنما كل القوى والفصائل والعائلات والشلل.


خامساً: دون القوة، والعقاب الرادع للآخرين، والضرب بشدة على كل من يمس الأمن الداخلي، فإن تحقيق الأمن سيظل حلماً ووهماً وأملاً يراود "الغلابة" من الناس.

يتساءل البروفسور عبد الستار قاسم، استاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية بنابلس بمرارة: "من هم هؤلاء الذين يخرّبون الأمن الداخلي الفلسطينيّ؟" فيجيب: "إذا تتبّعناهم نجدْ أنهم إمّا أفرادٌ في الأجهزة الأمنية، أو من الذين يتقاضون رواتب من السلطة، أو من أصدقاء السلطة وأقربائها وأبنائها".

ويذهب قاسم إلى أن السلطة ومنذ قدومها وهي تتعمّد السكوت عن هؤلاء وربما دعمهم وتشجيعهم من خلال المال وتسهيل نقل السلاح، وواضحٌ أنّ هناك قادة في أعلى المستويات مشاركون، بل ويرعون هذه الظاهرة الخطيرة.

ويحذر قاسم بشدة من تصاعد الانفلات الأمني الملاحظ في الأيام الأخيرة. ويشير، إلى أن من أعظم المصائب التي تحلّ بالشعب الفلسطيني هي أنْ يشعر المرء أنّ أمنه الشخصي وممتلكاته الخاصة مهدّدة؛ و"أنْ يشعر أنّ هناك من يمكن أنْ يقتله أو يعتدي عليه بالضرب أو يدمّر ممتلكاته، أو أن تصيبه رصاصة طائشة. هذا ما يسبّبه الآن الزعران والجواسيس الذين يطوفون بأسلحتهم شوارع قرانا ومدننا يعربدون على الناس ويشيعون الخوف والرعب في نفوس المواطنين".

وأضاف قاسم: "يخشى الفلسطينيّ الآن الكلام فيما قد لا يعجب أحد البلطجية، ويخشى أحيانا المطالبة بحقّه حتى لا يهدّده المسلحون، حتى أنّه لا يقوى على إطلاق زامور السيارة لتنبيه سائقٍ يقف وسط الشارع خوفاً من السحل أو كسر العظام".

 لكن ماذا بامكان السلطة الفلسطينية أن تفعل أمام هذا الخطر الداهم في ظل عجز الأجهزة الأمنية الفلسطينية عن حماية نفسها وقيادتها ؟

يقول توفيق أبو خوصة الناطق باسم وزارة الداخلية والأمن الوطني إن السلطة نفذت حكم الإعدام بداية الأسبوع بحق أربعة مجرمين على خلفيات جرائم قتل ارتكبوها في سياق محاربة الانفلات الأمني. ويضيف إن عملية الإعدام "هي خطة في سياق كامل من خطوات أخرى أمام ارتفاع معدلات الجريمة والاعتداءات والمخالفات والخروج على القانون"
ويشير أبو خوصة إلى أن نحو ثلاثين جريمة قتل سجلت منذ أوائل العام الحالي، منوها إلى انه رقم "غير عادي وغير معقول" قياسا إلى الوضع العام.
ويكشف احد المسؤولين في وزارة الداخلية عن "منح الرئيس الفلسطيني قادة الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة، متعهداً لهم بدعم سياسي ومادي ومعنوي بلا حدود من اجل تطبيق القانون وإنهاء حالة الفوضى".


لكن أبو خوصة يخشى من أن "لا يتم تحقيق نتائج قياسية ما دام الاحتلال الإسرائيلي يقف في وجه تقدم الفلسطينيين وتطورهم".

أمام الخطر المحدق بالشعب الفلسطيني خشية انزلاقه في مستنقع حرب داخلية، دق رجال القضاء والقانون ناقوس الخطر في كل المدن الفلسطينية، وتحركوا لأول مرة في مسيرتين شارك فيهما المئات، لمطالبة السلطة التنفيذية باتخاذ إجراءات لوضع حد لظاهرة الفلتان الأمني في الأراضي الفلسطينية، محذرين، من مغبة تواصل مظاهر فوضى السلاح، وأخذ القانون باليد.

وطالبوا السلطة التنفيذية ممثلة بأجهزتها الأمنية والشرطية بالعمل الجاد والمسؤول لوقف أعمال "الزعرنة"، مؤكدين أنه لا مناص أمام الجميع إلا الالتزام بسيادة القانون وتطبيقه.

نائب نقيب محامي فلسطين المحامي عادل أبو جهل قال إن المسيرة جاءت من أجل دق ناقوس الخطر الذي يهدد الجميع دون استثناء لان حالة الانفلات الأمني، وفوضى السلاح لها مخاطر جمة على كل المجتمع الفلسطيني.

الدعوات والنداءات والصرخات من المواطن إلى السلطة التنفيذية، جاءها الرد عليها بتهديد احد أهم أركان السلطة التنفيذية رئيس الوزراء الفلسطيني احمد قريع بتعليق عمل حكومته إذا استمرت حالة الانفلات الأمني الذي تشهده الأراضي الفلسطينية منذ أشهر طويلة!!!

فيما رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس غادر الأراضي الفلسطينية لارتباطاته السابقة بمواعيد رسمية، في وقتٍ تسير البلاد نحو مجهول يقتضي لإيقاف غوله تكاتف كل المؤسسة الفلسطينية الحاكمة والفصائلية داخل غرفة طوارئ للخروج من الجروح الصعبة قبل أن تمتد وتشتد وتثبت جذورها في الأرض، حينها لن تنفع كل النداءات والاستغاثات والصرخات، فالبلاد تعيش على برميل بارود بانتظار شرارة يخشى من قدومها المفاجئ.. فهل يتحرك المسؤولون؟ ويقفوا عندما حدود مسؤولياتهم؟ قبل انتهاء المسؤولية؟؟؟ 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع