7/11/2004

من دس السم لعرفات من بين مقربيه..؟

ضغوط اسرائيلية واميركية وعربية لإضعاف فرص القدومي بالخلافة

ـ عباس استأذن القدومي لعقد اللجنة المركزية واعضاءها جلسوا وفقا للتراتبية والأقدمية

ـ هاني الحسن تصدى للطيب عبد الرحيم رافضا اعتبار أبو مازن قائدا لحركة "فتح"

ـ دحلان غادر باريس إلى غزة بعد تأكده من استحالة نجاة الرئيس ليرتب اموره مع حلفائه

 

شاكر الجوهري/عمان

من سمم الرئيس الفلسطيني، ومن سيخلفه، وما مصير اموال الشعب الفلسطيني المودعة أو المستثمرة فقط بمعرفته الشخصية، أو من قبل اشخاص ليسوا موضع ثقة أحد سواه، مثل محمد رشيد (خالد سلام).

هذه هي الأسئلة الرئيسة المطروحة الآن في وقت تؤكد فيه المصادر الطبية أن لا أحد يستطيع أن يسمم عرفات غير واحد من الدائرة الضيقة المحيطة به، والمخترقة من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية، وأخرى عربية، وهو ما كان يعرفه عرفات ويعمل على ادامته، مكتفيا بين فترة وأخرى بوصم أحد مقربيه، أمام مقربيه الآخرين بالتجسس، ودون أن يتخذ أي اجراء احترازي من الناحية العملية ازاء أي من هؤلاء الجواسيس..!

وتؤكد مصادر قيادية فلسطينية أن الجاسوس الذي زرق جسم عرفات بالسم الإسرائيلي هو بالضرورة واحد من طاقمه الضيق الذي اصطحبه معه إلى باريس، في رحلة الموت، أو الشفاء، الذي بات مؤكدا أنه بعيد المنال.

في هذا الخضم، تلاحظ المصادر القيادية الفلسطينية ما يلي:

اولا: سبق للولايات المتحدة الأميركية (ادارة بوش) أن ابلغت عرفات من خلال مستشاره الإعلامي نبيل أبو ردينة، الذي كان ارسله في زيارة سرية لواشنطن، باعتباره شخصية مقبولة لديها، بأنه ما لم يقدم ما هو مطلوب منه من تنازلات، فإن وجوده سيصبح غير ذي جدوى بالنسبة لها.

ثانيا: أن اسرائيل حصلت منتصف تشرين اول/اكتوبر الماضي على اقرار نهائي من الرئيس جورج بوش لقانون محاسبة اعداء السامية، سواء أكان هذا العداء قولاً أو فعلاً.

ثالثا: بناء على ما سبق، تتساءل مصادر قيادية فلسطينية عما إذا كان ارئيل شارون حصل على ضوء أخضر اميركي بقتل عرفات من خلال السم..؟!

تضيف المصادر أن الأطباء الفرنسيين الذين يعالجون الرئيس الفلسطيني يكتفون فقط بإعطائه صفائح دم بديلة عن صفائح دمه التي تتكسر. وأنهم يواصلون ذلك في محاولة لكسب الوقت بانتظار امكانية التوصل إلى نوع السم الذي زرق به عرفات، والمضاد المناسب الذي يجب أن يقدم لهم من الجهة المصنعة لهذا السم، وهي قطعاً اسرائيلية، فيما تواصل اسرائيل في الإتصالات السرية الجارية معها، رفض الإعتراف بمسؤوليتها عن مرض الرئيس الفلسطيني.

مغادرة دحلان

في هذا السياق جاءت تصريحات أحمد قريع رئيس وزراء السلطة السبت، التي أبدى فيها اعتقاد القيادة الفلسطينية بأن عرفات تعرض لزرق السم في جسمه، وذلك في خطوة علنية ضاغطة على اسرائيل كي تقدم العلاج.

كما كان لافتا التصريح الذي أدلى به نبيل أبو ردينة الناطق الرسمي باسم عرفات أمس (الأحد) وأعلن فيه أن العقيد محمد دحلان هو المكلف الوحيد بالتحدث باسم الرئيس.

ما يلفت في تصريح أبو ردينة أنه هو نفسه، لا دحلان، المتحدث باسم الرئيس، وأن الرئيس الداخل في غيبوبة عميقة، ليس في وارد تكليف أحد بأن ينطق بلسانه..!

ثم إن تصريح أبو ردينة يأتي معاكسا تماما لما صرح به فاروق القدومي، أمين سر حركة "فتح"، من أن الأطباء الفرنسيين هم وحدهم المخولون الآن التصريح عن حالة عرفات.

القدومي في باريس لا يمثل نفسه، فهو إلى جانب كونه أمين سر حركة "فتح"، أي المسؤول الأول في الحركة، موجود في باريس بطلب من عرفات نفسه قبل أن يدخل في الغيبوبة، وبتكليف من القيادة الفلسطينية باعتباره المرشح الأول لخلافة الرئيس.

رابعا: أن محمد دحلان غادر باريس أمس متوجها إلى غزة التي يرجح أن يصلها اليوم.

دحلان الطامح العلني بالخلافة، والذي سبق له أن هدد عرفات في تموز/يوليو الماضي باتخاذ اجراءات اصلاحية قبل 10 آب/اغسطس، وإلا فإنه سيعاود تمرده في غزة، لا يمكن أن يغادر باريس لو كان خلص إلى بصيص أمل واحد باحتمال شفاء عرفات من المرض الغامض الذي يفتك به، كما تقول المصادر القيادية الفلسطينية، التي ترجح أن تكون عودة دحلان إلى غزة هدفها العمل مع انصاره على الاستحواذ، إن لم يكن على كامل السلطة الفلسطينية، فعلى حصة رئيسة من كعكتها، بالتفاهم والتنسيق مع حليفه الأساسي روحي فتوح، رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني الذي ينص القانون الأساسي على توليه رئاسة السلطة لمدة ستين يوما في حالة شغور المنصب لحين انتخاب رئيس بديل، وعمل على تعديل القانون الإنتخابي الفلسطيني، الذي لم يصدر بعد، لينص على حق رئيس المجلس التشريعي بالترشح لمنصب الرئيس في هذه الحالة.

وتعيد المصادر إلى الأذهان أن فتوح هو الذي رعا مصالحة دحلان مع عرفات مؤخراًَ.

الحسن يتصدى لعبد الرحيم

ويعتبر الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة، وعضو مركزية "فتح" جزءا من تحالف دحلان ـ فتوح. ولذلك تلاحظ المصادر أن تصريح القدومي الذي حصر حق التصريح عن حالة عرفات بالأطباء الفرنسيين، صدر بعد أن استأنف عبد الرحيم نشاطه وتصريحاته الإعلامية بعد فترة انقطاع طويلة بأمر من عرفات، بالتحدث عن حالته الصحية، محاولا فرض نفسه ناطقا رسميا باسم الرئاسة من موقعه كأمين عام الرئاسة، وإن كان أمضى الفترة الطويلة السابقة مجمداً.

التباينات لا تقتصر فقط على التصريحات الإعلامية، لكنها تتجاوز ذلك إلى الإجتماعات الرسمية، كما حدث في الإجتماع الذي عقدته اللجنة المركزية لحركة "فتح" وحضره اعضاءها المقيمون في الداخل برئاسة محمود عباس، النائب الأول لأمين سرها فاروق القدومي.

مصادرنا الموثوقة تؤكد أن هذا الإجتماع لم يعقد إلا بإذن من القدومي، حيث امتنع عدد من اعضاء اللجنة عن تلبية دعوة عباس قبل أن يهاتف القدومي ويأذن بعقد الإجتماع. وبالفعل، إتصل أبو مازن بأبي اللطف، بالرغم من القطيعة التي تسود علاقتهما منذ أمد طويل، واستأذنه عقد اجتماع لأعضاء المركزية في الداخل لمناقشة المستجدات، فوافق القدومي، وأبلغ أبو مازن أنه يدعو اللجنة لعقد اجتماع آخر في الخارج برئاسته.

أبو مازن لم يكن بإمكانه جمع المركزية دون موافقة القدومي في ضوء انحياز غالبية اعضائها لأمين السر في خلافه، كما في تنافسه على الخلافة مع عباس. وهؤلاء هم سليم الزعنون، هاني الحسن، أحمد قريع، محمد راتب غنيم، صخر حبش، عباس زكي، محمد جهاد، نصر يوسف، انتصار الوزير (أم جهاد)، حكم بلعاوي، زكريا الآغا، اضافة إلى عبد الله الإفرنجي الموجود في المانيا. أما أبو مازن فإنه يحظى فقط بتأييد الطيب عبد الرحيم ونبيل شعث.

في هذا الإجتماع فاجأ الطيب عبد الرحيم، وأبو مازن، الحضور بمحاولة التصرف وكأن الأخير هو الرجل الأول في اللجنة المركزية. بل إن عبد الرحيم تحدث عن أبي مازن بصفته أمين سر الحركة، فكان أن سارع هاني الحسن إلى لفت نظره إلى أن فاروق القدومي هو أمين السر. كما رفض الحسن قول أبي مازن أنه على اعضاء اللجنة في الداخل اتخاذ القرارات المتعلقة بالوضع الناجم عن مرض عرفات. واعترض هاني الحسن على محاولة تولي امانة سر اللجنة المركزية وكالة، ممثلة بأبي مازن، توزيع الصلاحيات. ولفت إلى أن المناصب يجب أن تظل كما هي إلى حين اعلان وفاة الرئيس. وفي هذه الحالة تجرى انتخابات لاختيار رئيس جديد للسلطة، أما أمين سر الحركة فهو منتخب من المؤتمر العام صاحب الصلاحية في الإبقاء عليه أو استبداله.

وتضيف المصادر أن هاني الحسن وصخر حبش وعباس زكي على اتصال دائم مع القدومي حيث يضعونه في صورة التطورات أولا بأول.

الخلافة للقدومي

وتولي قيادة "فتح" اولوية كبرى للتراتبية حسب الأقدمية. ولذلك، فإلى جانب ابقاء مقعد عرفات شاغرا في الاجتماع الذي عقده اعضاء المركزية في الداخل، فقد جلس أبو مازن أولا يليه سليم الزعنون ثم هاني الحسن، وهكذا.

مسألة خلافة عرفات تبدو الآن محكومة إذا بالنظام الداخلي، والقوانين واللوائح، فيما ستخضع مسألتي من سمم الرئيس، وأين هي أموال الشعب الفلسطيني للتحقيق الذي يفترض أن ينصب على دائرة واحدة، هي الدائرة الضيقة التي كانت تحيط بعرفات، وتدير بعض الأموال بمعرفته، ومتهمة كذلك بأن أحدها هو من دس السم له.

وإذا كان يصعب استباق نتائج تحقيق لم يبدأ بعد، فإن مسألة الخلافة واضح أنها تكاد تكون محسومة لصالح فاروق القدومي. فقيادته لحركة "فتح" لا تحتاج لقرار جديد أو انتخاب، ذلك أنه أمين سر الحركة، وهو الرجل الأول فيها، حيث لا ينص نظامها الداخلي على وجود رئيس لها.

وجراء الدعم والإحترام اللذان يحظى بهما من الغالبية الساحقة لأعضاء اللجنة المركزية، فإنه سيكون لا شك مرشح "فتح"، وهي التنظيم المقرر، لرئاسة اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. واللجنة التنفيذية هي صاحبة الولاية في اختيار رئيسها، دون حاجة لعقد اجتماع للمجلس الوطني أو المجلس المركزي الفلسطيني، وهي (التنفيذية) مشكلة اساسا من ممثلين للفصائل الفلسطينية التي تقيم اوطد العلاقات مع القدومي، وتثق به أكثر مما كانت تثق بشخص عرفات، الذي كانت تنتخبه فقط احتراما لقرار "فتح"، كفصيل أكبر.

بالطبع، فإن رئيس اللجنة التنفيذية يجب أن يكون عضواً فيها، ولا ممثل لـ"فتح" في اللجنة غير القدومي ومحمود عباس. وبالتالي فإن الإختيار يجب أن يقع على احدهما والمرجح فوزه في هذه الحالة هو القدومي.

وبشكل تلقائي، فإن القدومي يضحى هو المرشح الأوفر حظاً لتولي رئيس دولة فلسطين، وهو الموقع الذي يتم انتخاب من يشغله من قبل المجلس الوطني، أو المجلس المركزي الفلسطيني، كما حدث حين انتخب عرفات لهذا المنصب.

ادارة للداخل ومرجعية في الخارج

ولكن، هل يقرر القدومي الدخول إلى الأراضي الفلسطيني، ليتولى مهامه القيادية الجديدة..؟

المصادر المقربة منه تقول أن لا معلومات لديها بشأن نواياه في هذه الحالة، لكنها تلفت في ذات الوقت إلى أن القدومي صاحب مدرسة كانت ترى منذ البداية أن تظل منظمة التحرير الفلسطينية، من خلال لجنتها التنفيذية، تدير الشؤون السياسية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك المفاوضات مع اسرائيل وغيرها من الأطراف المعنية بالحل، فيما تنحصر مهام السلطة الفلسطينية في ادارة الشؤون الحياتية للشعب الفلسطيني. وتضيف المصادر أن هناك قرار صادر عن المجلس المركزي الفلسطيني بهذا المعنى، غير أن شغل عرفات لرئاسة المنظمة والسلطة معا هو الذي أحدث التداخل طوال الفترة الماضية.

مصادر أخرى تكشف عن أن الأمور لن تسير بالسهولة واليسر النظريين، كما أشير اليهما سابقاً، ذلك أن ضغوطا اميركية واسرائيلية، ومن بعض العواصم العربية، تمارس الآن على اعضاء مركزية "فتح" بأمل اضعاف فرص القدومي بالخلافة، لصالح أبي مازن لكن المراهنة تظل قوية على استقلالية القرار الوطني الفلسطيني.. الشعار الذي طالما تمسك به عرفات والقيادة الفلسطينية.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع