مكرمة من رئيس الوزراء بقلم: سالم غانم -غزة

في لقاء خاص مع تلفزيون فلسطين و قناة فلسطين الفضائية, دعا الأستاذ/ أحمد قريع رئيس الوزراء , دعا تلفزيون فلسطين إلى إفساح المجال أمام الرأي الأخر. صحيح أنها دعوة جاءت متأخرة و لكنها تستحق الثناء و لكن…


أنتم و أنا نعرف أننا لسنا في أوروبا أو في أمريكا حيث وسائل الإعلام بأشكاله المختلفة متاحة للجميع من حيث الملكية و الإدارة و القدرة على تمرير الرؤى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية لجمهور المشاهدين من خلال وسائل الإعلام. و عليه تبقى ملكية وسائل الإعلام عندنا خاصة المرئي منا حكراً على الحكومة.


و لكن هل معنى امتلاك الحكومة لوسائل الإعلام هو أن تكون هذه الوسائل مجرد منبر لنشر أخبار الحكومة و الترويج لسياساتها و تعديد إنجازاتها ليل نهار دون أن تترك مساحة و متنفس فيها للرأي الأخر. صحيح أن الفضاء أصبح مزدحما بالسواتل التي تبث إلى الأرض بكل اللغات و الاتجاهات, و لكن يبقى للتلفزيون المحلي نكهته الخاصة في نقل أخبار الوطن و ما يدور فيه. و الغريب عندنا أن هذه الوسائل بدأت تنحى في اتجاه خطير لتصبح معه مجرد ماكينة دعاية لاتجاه سياسي معين بل لفصيل معين رغم محاولتها الظهور بمظهر التوازن في حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة!


و هل يتعارض تسمية وسائل الإعلام و بضمنها التلفزيون بالسلطة الرابعة مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي هو المدخل الأساس للديمقراطية و سيادة القانون؟


و هل يبقي شيء من الاستقلالية للسلطة الرابعة إذا كانت هيئة الإذاعة و التلفزيون و الفضائية هي إحدى الهيئات التي تملكها الحكومة ( السلطة التنفيذية) و يتم تمويلها من قبل الخزينة العامة ممثلة في وزارة المالية.


في ظل الإصلاحات التي تمت بمبادرة من وزارة المالية و حسب متطلبات البنك الدولي و من خلفه الدول و الجهات المانحة, أصبح من الممكن و بشفافية تامة الإطلاع عبر موقع الوزارة الإلكتروني, أصبح من الممكن الإطلاع على النفقات الحكومية على مختلف القطاعات (مراكز المسئولية ).
و لقد ظهر في الموقع أن عدد الموظفين العاملين في الهيئة فقط حسب شهر نوفمبر من العام 2003 قد بلغ ( 1018) موظف و موظفة .في حين كان عدد موظفي وزارة الداخلية مثلاً (1695) و وزارة العدل (114) و أن مجموع النفقات ( التشغيلية و التحويلية و الرأسمالية ) حسب بيان نفقات شهر نوفمبر لسنة 2004 و هو أخر تقرير متاح عبر الموقع قد بلغ (310,956) شيكل جديد مع ملاحظة أن النفقات الرأسمالية كانت (صفر) في حين بلغت الرواتب لنفس الشهر (2,662,554 ) شيكل جديد براتب متوسط (2615) شيكل. هذا في حين بلغ مجموع رواتب موظفي الحكومة عن نفس الشهر (324,309,759 ) شيكل جديد لجميع موظفي السلطة البالغ عددهم (131.109) موظف أي براتب متوسط (2473) شيكل جديد.


إذاً الحكومة لم تبخل على هذا القطاع الحيوي و وفرت له موارد لا بأس بها و لكن يبدو أن غياب الرؤية و الرسالة و التنظيم و الإدارة الجيدة و غياب أو انعدام الرقابة الذاتية و الخارجية هي بعض أسباب وصول أداء التلفزيون الفلسطيني إلى ما وصل إليه اليوم.


و أريد هنا التعريج قليلاً على جودة المواد و البرامج التي يقدمها التلفزيون من نشرات الأخبار خاصة تلك التي تبث باللغة العبرية و المفروض أنها نشرة موجهة و يظهر فيها مذيع النشرة و هو يقرأ الأخبار بلغة عبرية تقترب من لغة العهد القديم أو لكنة اليهود السفارديم الذين قدموا لتوهم من اليمن السعيد.
حتى نشرات التاسعة التي تقرأ علينا برتابة تفقدنا الاهتمام و لحن في اللغة يؤذي الأذان و يذكرني بالرقيب اللغوي في تلفزيون العراق قديماً و مدى حاجتنا إلى مثله رغم أن الكثير منا قد ضاق ذرعاً بكثرة الدكاترة (بلا سماعة ) في اللغة العربية و علومها. كما يظهر في هذه النشرات المذيع أو المذيعة و قد نام أو نامت تقريباً على منصة تقديم النشرة وتأخذ أو يأخذ غفوة خلال عرض الصور . و قد يحاول بعضهم مقاومة النعاس بتحريك رأسه مع كل همزة و تنوين. و تحرص معظم مذيعات النشرة علي ارتداء ملابس "كاجوال" شبابية و تصفيف شعرهن بطريقة تخالف مقتضيات الحال و تخرج أحياناً عن قواعد اللياقة المطلوبة في مذيعات النشرة كما نشاهدها في القنوات الأخرى ( الظهور بالملابس الرسمية). أما الصور الثابتة و المتحركة فحدث و لا حرج فهي دائما باهتة (بدون فلتر) و تذكرنا بصور الميه تبعت زمان أو صور "البولارويد" الفورية بعد مدة.


أما مقدم البرنامج الجديد "أخر الكلام" و الذي نحسب من أسم برنامجه أننا سنحصل على الجواب الشافي مع انتهاء الحلقة فإذا به يثير أسئلة و استفسارات أكثر من الأجوبة و التوضيحات رغم محاولته فعلاً أن يفعل ذلك و لكن دون جدوى و أقترح عليه أن يبدل اسم البرنامج إلى "نبتدي منين الحكاية؟"


و النقطة الثانية هي حول " عدالة الوصول إلى وسائل الإعلام و التفاعل معها". فلقد حفظ معظمنا الشخصيات التي يستضيفها المذيعون و المذيعات في برامجهم الحوارية ( الأرخص من حيث التكلفة ) بسبب التكرار. و تحس فيها أن المذيع أو المذيعة هو المتحكم في الضيوف و لا يتيح لهم بدعوى ضيق الوقت التعبير عن رأيهم بحرية. و لا يتم الإعلان عن هذه البرامج مسبقاً و لا يفتح باب المشاركة للجمهور و الإعداد الجيد. فتجد نفسك في مواجهة حوار متخصص إلى حد ما يتعامل مع عناوين عريضة بعيداً عن تفاصيل حياتنا الدقيقة.


قد يصدق قول البعض أن الزمان الذي كان فيه وجود تلفزيون وإذاعة وطنية هو أحد رموز الاستقلال و السيادة قد ولى ولعل تجربة غياب تلفزيون لبنان عن الساحة ( لأسباب تمويلية) لفترة طويلة هو تأكيد لهذا القول ومع ذلك فقد ظل لبنان حراً سيداً مستقلاً .


و إن كان و لابد لنا من هيئة للإذاعة و التلفزيون فلابد أن تكون مستقلة عن الحكومة من حيث ملكيتها و إدارتها و رسالتها الإعلامية و السياسية و أن تكون منبراً للجميع و ليس حكراً على السلطة أو على فصيل بعينه.


بقلم: سالم غانم
غزة-فلسطين

 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع