"مبروك" : " ديمقراطيتان" في الشرق الأوسط

 

بقلم / الأستاذ عبد الرحمن فرحانة

 

على الفور وقبل إعلان النتائج الرسمية الأولية لانتخابات الرئاسة الفلسطينية أعلن "مدير" مختبر الجودة والنوعية  للديمقراطية الأمريكية – بوش -  بأن الانتخابات كانت حرة ونزيهة ، ولم ينس الإمبراطور الأمريكي أن ينعم على "الوالي" الجديد بالرضى الإمبراطوري وأن يعده بالهبات والعطايا .

 

شهادة الإمبراطور تعززت بتزكية فورية من قبل أصوات صهيونية داخل "الولاية المدللة" في الشرق الأوسط ؛ إذ وصفت الانتخابات الفلسطينية بأنها التجربة الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي ، وعلى العرب أن يتعلموا من الديمقراطية الثانية الجديدة التي تدشنت في الشرق الأوسط ، بعد الديمقراطية الأولى "إسرائيل" طبعاً. ومع هذا الرضا المزدوج يكون الرئيس الجديد قد منح كرت العبور لحلبة السياسة الدولية والإقليمية ؛ ليتحرك في الميدان المحلي الفلسطيني وفق المقاس، وربما تصل الإملاءات درجة نفّذ فقط "ولا اجتهاد في النص" ، "والوالي" الجديد يمتلك قدرات فائقة للتكيف والانضغاط مع هذا الأسلوب الإمبريالي الحديث .

 

لاغرابة فيما يحدث في المشهد الفلسطيني ، لأنه يأتي في سياق اللحظة التاريخية المشحونة بالحملة الإمبريالية الحديثة المكثفة التي يقودها "الصليبيون الجدد" ، وما رام الله إلاّ محطة على طريق الدمقرطة الأمريكية التي تشرع في صياغة المنطقة ثقافياً وجيوسياسيا. رام الله رغم المسافة ليست بعيدة عن كابل بنكهتها الأمريكية ، وكرزاي يذكرنا هناك بالنموذج الانسيابي المرن الذي يجمع بين الاصالة في لباسه التقليدي فقط ، وبين الإنكسار – عفواً- المرونة اللازمة للتعاطي مع طلبات الإمبراطور في واشنطن . أما بغداد في ذات السياق فما زالت تقاوم جيوش الإمبراطور . ولا يعني هذا أن بلاد بيت المقدس رغم ميول "الوالي الجديد" القيصرية أنها ستخضع لجنكيزمان الأمريكي .

 

الحالة الفلسطينية التي من المفترض أنها تعيش نسق تحرري وبالتالي تلزم أعضاء النظام السياسي الفاعلين فيها أن يتوفر لهم شرعية ثورية – نضالية . المطلوب حالياً أن يعاد إنتاج هذه الشرعية وخلق معيارية جديدة هي الانتخاب لصياغة شرعية ديقراطية بدلاً منها . ولذلك فقد كثر الكلام حول تحضر الشعب الفلسطيني وقدرته على إنتاج ديمقراطية ، وإثباته ذلك للعالم من خلال العملية الانتخابية . وكأن معركة الشعب الفلسطيني هي الديمقراطية وليست تحرير الوطن .

ما جرى ويجري هو حرف العقل السياسي الفلسطيني عن قضيته الأساسية ، وهي تحرير الوطن – الأرض ، وإشغاله بـ"فتنة الدولة" التي لم ُيبق الاحتلال أرضاً لكي تقام عليها .

 

العقل السياسي الفلسطيني الرسمي منذ أن أفتتن بلعنة التسوية إلتصق بمفردات الدولة والسيادة والإستقلال ، ونسي أن هذه مفردات لا قيمة لها بدون الأرض – الحيز الجغرافي للوطن . بل أصبحت موضوعة التحرير عند البعض وكأنها شيء من اليوتوبيا السياسية .

 

 ما نعنيه أن هنالك تسلسل منطقي تراتبي بين هذه المفردات الوطنية ، أولها الوطن وتحريره ومن ثم الدولة التي ستقوم عليه وتوابعها من مثل السيادة والاستقلال. اللهم إلاّ إذا الهدف هو مسخ الحلم الفلسطيني إلى سجادة رئاسية حمراء وعلم يرفرف في فضاء دولة كانتونية وفق الحلم الشاروني . وربما يرى البعض أنه يمكن المزاوجة بين موضوعتي الوطن والدولة ، فليكن ذلك ولكن وفق التراتبية الآنفة ، وفي المحصلة ليس لصالح الدولة على حساب الوطن .

 

مجمل ما ذكر آنفاً لا يعني أننا ضد الدمقرطة ولا نعادي حلم الدولة ، ولكن الاختلاف فقط في جدول الأولويات ، وهو خلاف ليس شكلياً كما يظن ، بل هو جوهري ، لأن صورة الواقع عند تفكيكها توضح أن فريق التسوية يبيع الأرض من أجل الدولة ، وعنده الجرأة إذا توفر المناخ المناسب أن يفاوض حول أهم ثوابت الأجندة الوطنية الفلسطينية مقابل ظل دولة . ويؤكد "قداسة" فكرة الدولة دون غيرها من المفردات الوطنية الأخرى في ذهنية المفاوض الفلسطيني ما ذكره وزير الخارجية الصهيوني الأسبق شلومو بن عامي في كتابه "جبهة بلا دعم" عن موقف قريع المتصلب في المفاوضات الفلسطينية الصهيونية حول الدولة ، إذ ينقل عن قريع قوله" انها حقنا الطبيعي، ولسنا بحاجة الى موافقتكم لقيامها» ، بينما يصفه بالمرونة الزائدة في أمور تتعلق بالمستوطنات وحق العودة وسائر المفردات الوطنية التي تمس وجود الشعب الفلسطيني .

 

بقي أن نذكر(أبو مازن) باعتباره "زعيم الديمقراطية الثانية الجديدة" بالشرق الأوسط . طالما أنك انتقلت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، فلا يسكرك خدر النصر ، ولا تخدعنّك سجادة الرئاسة الحمراء في المقاطعة ، ولا يسحرك أثاث مكتبك الرئاسي الجديد ذو الألوان الفاتحة بحسب وصف صديقك الكاتب الصحفي الصهيوني برنياع ، فأنت لست رئيساً لكل الفلسطينيين ، إنما أنت رئيس السلطة الفلسطينية . ولا تظنن أنك مفوض من قبل الشعب الفلسطيني . فقد انتخبت من قبل جزء منه ، وبنسبة أنت تعرفها أكثر من غيرك، ولا داع لمناقشة ذلك.

 

نعترف أنك قد فزت كمرشح أوحد فرضك العجز العربي ، وقد خلا الأفق السياسي إلا منك لأنك عراب التسوية المناسب ، وباعتبار الأباطرة لا يقبلون سواك.

و مع كل ذلك تذكر أن المقاومة قدر فلسطيني غلاّب ، وكذلك الحقوق الفلسطينية فهي نار مؤججة تحرق أصابع كل من يقترب منها بغية التلاعب بها.

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع