لحديون رغم أنوفنا

البروفيسور عبد الستار قاسم

يلاقي الدكتور إبراهيم حمامي هجمة واسعة بسبب وصفه قادة السلطة الفلسطينية باللحديين الذين يدافعون عن أمن الصهاينة. ولم يسلم الدكتور من الأوصاف المشينة والسباب. وهنا أطرح أمام المدافعين عن الاتفاقيات مع إسرائيل والالتزام بالأمن الإسرائيلي النقاط التالية:

أولا: الاتفاقات مع الكيان الصهيوني مناقضة تماما لكل المواثيق الفلسطينية وعلى رأسها الميثاق الوطني الفلسطيني. لقد تمت الاتفاقيات والإجراءات الأمنية خلافا للميثاق، ولم يعدّل الميثاق إلا بعد التطبيق. الشعوب التي تحترم نفسها لا تتجاوز قوانينها ومواثيقها التي شفعتها بقسم عظيم وغلفتها بدماء الشهداء. كيف للذين يدافعون عن السلطة والاتفاقيات أن يبرروا عملية إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني بعد تطبيق الاتفاقيات؟ أليست هذه جريمة مرعبة بحق هذا الشعب الذي يقدم التضحيات؟

ثانيا: اعتبرت منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها ياسر عرفات أن كل من يعترف بإسرائيل خائنا؛ وكل من يقبل بقرارات الأمم المتحدة خائنا؛ وكل من يقبل بالحكم الذاتي خائنا؛ وكل من يتنازل عن أي جزء من فلسطين أو أي حق من حقوق شعب فلسطين خائنا؛ وكل من يتعاون مع الكيان الصهيوني أمنيا خائنا؛ وكل من يمد يده للكيان الصهيوني لأي سبب كان، عربيا كان أو فلسطينيا، خائنا. الأدبيات حول هذه الأمور من مواثيق وتصريحات وندوات ومحاضرات متوفرة بكثرة وتملأ المكتبات العامة والخاصة.

منظمة التحرير وقياداتها فعلت ذلك يا حضرات السادة.

ألم تهاجم منظمة التحرير السادات واعتبرته خائنا وهجرته مع بقية الدول العربية؟ ألم تقرر المجالس الوطنية الفلسطينية خيانة السادات والابتعاد عن مصر الرسمية؟ ألم يفرح قادة فلسطين يوم تم اغتيال السادات؟ ألم ترفض قيادات فلسطين طرح السادات بكامب ديفيد بخصوص ما يتعلق بفلسطين؟ ألم يكن طرح السادات أفضل مما ورد في اتفاقيات أوسلو وطابا؟

الإجابات عن هذه الأسئلة موثقة تماما، وبإمكان أي شخص تناولها من مخازن المعرفة.

ولم ينج سعد حداد قائد جيش لبنان الجنوبي والذي خلفه أنطوان لحد من التخوين الفلسطيني. أتت إسرائيل بسعد ونصبت بعده أنطوان لحد لحراسة أمن إسرائيل. أتاحت إسرائيل للحديين عملية إدارة الشؤون الداخلية للبنانيين في جنوب لبنان، وفتحت سوق العمل في إسرائيل وقدمت مساعدات لتمكين لحد من القيام بمهامه الأمنية. انصب هم إسرائيل على المسألة الأمنية ولم تكترث كثيرا بالإجراءات الداخلية الخاصة بالشؤون اليومية. كان لحد حارسا فاشلا على أمن إسرائيل، لكن إسرائيل احتفظت به لأن وجود العميل بالنسبة لها أفضل من عدم وجوده.

في كل بحثها عن حلول سلمية مع العرب، تحرص إسرائيل أولا وأولا وقبل كل شيء أن يكون لدى العربي المقابل الاستعداد ليكون حارسا على أبواب مملكة إسرائيل. إنها جاهزة للحديث عن باقي الأمور إذا توفر الشرط هذا. هكذا سارت الأمور مع مصر ومع الأردن ومع لبنان في اتفاقية أيار/1983. وعلى هذا الأساس تحاول إسرائيل استكمال المحادثات مع سوريا ولبنان. وانطلاقا منه وعلى قاعدته قبلت التفاوض مع منظمة التحرير ووقعت على اتفاق أوسلو. جوهر اتفاق أوسلو كما هو جوهر كل اتفاقات إسرائيل مع العرب أمني. الاتفاق يستمر إذا قام الجانب العربي بواجباته الأمنية وأثبت أنه حارس أمين على الأمن الإسرائيلي، ويتم تجاوزه إذا فشل الجانب العربي لسبب أو لآخر.

حاولت السلطة الفلسطينية أن تقوم بمهام الحراسة منذ عام 1994، نجحت في بعض المواطن وفشلت في مواطن أخرى. النظام الهاشمي مثلا حارس أمين وناجح، أما السلطة الفلسطينية فلم تستطع الوفاء بكل التزاماتها الأمنية بسبب وجود المقاومة الفلسطينية. الآن تريد إسرائيل أن تجرب السلطة الفلسطينية ثانية، إنما برعاية عربية أيضا بخاصة من الجانب المصري. وافقت إسرائيل على تجاوز بعض بنود اتفاقية كامب ديفيد التي تمنع الجيش المصري من التواجد في عمق سيناء وسمحت لمصر بإرسال بعض الوحدات العسكرية للانتشار على طول الخط الفاصل بين مصر وفلسطين. هذا من أجل تعزيز قدرة السلطة الفلسطينية على ضبط المقاومة الفلسطينية.

صحيح تماما أن أعدادا كبيرة من أفراد الأجهزة الأمنية شرفاء ويرفضون حراسة إسرائيل، ومنهم من انضم للمقاومة سرا وساعد أبناء المقاومة من مختلف الفصائل. وصحيح أن منهم من اضطرته الظروف المادية للعمل في أجهزة أمنية تخدم إسرائيل. لكن الحديث حول اللحديين لا يمس هؤلاء، وإنما يمس القيادات التي ارتضت لنفسها مثل هذه الأدوار المخزية.

هذه القيادات لا تكتفي بأدوار الحراسة، بل هي أيضا التي أغرقت الشعب الفلسطيني بالفساد والإفساد.

لا يوجد سبب لمهاجمة الدكتور إبراهيم حمامي، وأرى أن كل من يدافع عن الذين يقومون بأدوار أمنية ينطبق عليهم تصنيف تراث منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح. وإذا كان هناك من يخجل من القيام بهذا الدور، فلا أحد يرغمه على البقاء في موقعه. وفي كل الأحوال، من الأفضل أن تسمى الأشياء بوجهها الحقيقي حتى نوفر على أنفسنا عناء الخلاف.

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع