وليس كل الحليب حليبا
بقلم: حمدي فراج
*
وكأني بهم يهنؤون بعضهم بعضا
لدى سماعهم ما تناقلته الأخبار من المانيا عن قطع ساقه، هذا الانجاز
الكبير والعقاب
الذي يستحق لأنه لم يرتدع ولم (يلم لسانه)، ولم يجد معه التحذير الأول
عندما اطلقوا
الرصاص على منزله قبل حوالي سنة، وكأني بهم يقولون: كنا نريد قطع
لسانه، فقطعنا
ساقه، والمرة القادمة سنقطع رقبته.
انهم لم يعرفوا انهم وان نجحوا في قطع
ساقه او رقبته، فانهم في حقيقة الأمر انما ساهموا وسارعوا في ادخال
نبيل عمرو الى
مصاريع التاريخ الفلسطيني الحديث من اوسع أبوابه، وشكلوا محاكمة ادانة
بالغة القسوة
بحق هذه السلطة التي دارت الشكوك حول وطنيتها منذ اليوم الأول لقدومها،
رغم انها
ظلت حتى اليوم مشروعا يعلق عليه عامة الناس املهم في التحرر والخلاص،
لا التحرر
والفساد.
(قصة)
قنص ساق نبيل عمرو، وهو رجل هذه السلطة، ستعيد للأذهان (قصة)
اطلاق النار على الدكتور عبد الستار قاسم بأربع رصاصات، وستعيد اعتقال
أصحاب وثيقة
العشرين، ومنع كتاب ادوارد سعيد من الأسواق الفلسطينية، وقصة اعتقال
الدكتور اياد
السراج بتهمة الاتجار بالمخدرات، وقصة اغلاقات الصحف وبعض المحطات
المحلية، عشر
مرات لتلفزيون الرعاة في بيت لحم الذي اضطلع بادارته. فاذا ما أضفنا
الى كل ذلك
عشرات السلوكات التي لا يمكن ولا بأي حال من الاحوال اعتبارها وطنية،
مثل تسليم
المناضلين، وكذا السلاح المناضل، للمحتلين، -آخرها قبل يومين في حاجز
الولجة ببيت
لحم- واعتقال قتلة الوزير زئيفي بحراسة امريكية، وهم أشرف بني هذه
الأمة على حد
تعبير شيخ حزب الله حسن نصر الله، والموافقة على ابعاد العشرات الى
الخارج ممن
انحشروا في كنيسة المهد، ثم قضايا الفساد التي يمكن التحدث عنها وبها
ومنها بلا
ادنى حرج يمكن التسبب به للفاسدين والمفسدين على حد سواء. الى ان يصل
الامر بنائب
مثل حسن خريشة فيكشف انه يتعرض للتهديد شبه اليومي.
سيعود نبيل عمرو، رمزا
وطنيا حقيقيا، يملأ الدنيا الفلسطينية، وربما العربية، وهو (يزكل) على
قدم واحدة،
والفضل في ذلك يعود للقناص الذي سيبقى في الجحر الذي خرج منه، تأكله
العتمة
والرطوبة الى أن يصبح كلدائن الحشرة والطحلبة والخفاش، لا يستطيع
الخروج الى شمس
الحقيقة ودفء الناس.
وعليه، فان ليس في هذا اية بطولة تذكر، بل هي خساسة،
يستطيع ان يقدم عليها أية مجموعة من الافراد، يستطيع فرد واحد ان يقتص
من عائلة
مشبوه بالضلوع في مثل هذه الخساسة، بالامكان التعرض الى أطفاله
ولمقربيه ممن لا حول
لهم ولا قوة تضاهي الرشاش ابو الدمدم .. واذا ما اسروا لبعضهم بعضا
انهم نالوا من
وزي، فان البطولة الحقة تتمثل في ان ينالوا من وزير عدو، كما فعل اربعة
فلسطينيين،
رضعوا من اثداء امهاتهم، محبوسين في سجن فلسطيني بحراسة امريكية، فليس
كل فلسطيني
فلسطينيا، كما انه ليس كل الحليب حليبا.
*
كاتب صحفي فلسطيني يقيم في مخيم
الدهيشة- بيت لحم |