جاي يا نسوان جاي!!

  بقلم  ..صلاح البردويل

 

قالت إحداهن: لماذا نظل هنا واقفات ننتظر أمام أعين المصلين الغادين والرائحين من المساجد؟ لماذا لا نبحث لنا عن زاوية بعيدة عن أعين الناس؟ قالت أخرى: وهل ارتكبنا عيباً -لا سمح الله- حتى نخجل مما نحن فيه؟ هل ذنبنا أننا حُرمنا أن نصل إلى بيوتنا ونقضي العيد بين أطفالنا في يوم عيد الله؟! وعلّقت ثالثة : "إني أراهم أمام عيني ينتظرون ، بلا ملابس جديدة ولا ألعاب، إني أراهم أمام عيني ينتظرون لحمة العيد، فلا يجدون ، وقالت أخرى: والله ما تمنيت في حياتي أن يكون لي جناحان فأطير بهما من فوق هذا الحاجز الملعون مثلما تمنيت اليوم. ردّت صاحبتها: وهل تظنين أن جنود الحاجز يرحمون العصافير التي تطير في السماء؟ فما بالك إذا رأوك تطيرين بالوزن الثقيل؟! ستخرج لك طائرات الإف 16 وتسقطك حطاماً ، وعندها ستكونين مثل صاحبة المثل: لا صيفة صيفت...

ضحكت جماعة النسوان نصف ضحكة، أتبعنها تنهيدات ودمعات وتمتمات مملوءة بالغيظ والحزن على حالهن، فقد مضى عليهن أكثر من عشرة أيام قبل العيد، وها قد مر عيد الأضحى، ولم يستطعن اختراق حاجز التفاح غربي مخيم خان يونس للوصول إلى بيوتهن وأطفالهن في مواصي خان يونس.

بدأ سرب النساء يتحرك شرقاً بعيداً عن زحمة سيارات الأمن الوطني التي حلت فجأة في منطقة الحاجز بعد غياب طويل وبدأ الجنود ينزلون منها بشكل أبعد ما يكون عن الاستعراض، فلم يكن أحدهم يشبه الآخر، لا في لون ملابسه ولا في هيئة بصطاره، ولا حتى في طاقيته، ولا في طول بارودته، كأنما هم بقايا جيش جارت عليه عوامل البطالة، وأهلكته عتمة الرؤية في زمن تضاربت فيه الأقاويل والأفاعيل وتلبدت فيه غيوم المصلحة وحنكة السياسة مع طلقات المقاومة.

نظرت إحداهن إلى عربات الأمن المرتصة في المكان الذي كن يجلسن فيه وقالت موجهة كلامها إلى أحد الجنود الذي ارتكز على العربة: هل جئتم لفتح طريق المواصي؟ قال: لا أعرف، قالت: إذن جئتم للتمسيق؟ قالت: نعم، التمسيق الأمني ، عندها ابتسم الجندي، ونادى على أصحابه ليشاركوه الضحك على الكلمة، مما أغضب المرأة، وهاجمتهم بكلمات صعبة، ليزدادوا ضحكاً على ضحكهم، فماذا بوسعهم أن يفعلوا لامرأة مجروحة؟! ، قال أحدهم مازحاً: جئنا بهذه البواريد لنحرر لكم المواصي ونقتلع الحاجز من جذوره، ولنعيد للناس بناء بيوتهم هذه التي نُسفت نسفاً، ولنبني لكم على شاطئ البحر بيوتاً جميلة، أو نسلمكم بيوت المستوطنين، فما رأيك في هذا الكلام؟ نظرت إحداهن إلى سيارة أخرى للأمن قادمة من الشرق فقالت: صدقت، النصر يأتي من الشرق يا خالتي، ومن أجل هذا انتخبنا حماس في الشرقية، قالت ثالثة: قبل أن تحرروا البلاد، وتحافظوا على أشلاء لحوم أطفالنا من قذائف الدبابات، وقبل أن تحفظوا لنا لحوم وجوهنا التي تسقط خجلاً ونحن نتسكع في الشوارع انتظاراً لفتح الحاجز ، فقط ما نريده أن تساعدونا في إيجاد بيت نحفظ فيه أنفسنا، وترتاح جثتنا من هذا العناء، قال: الحرية أهم من كل شيء ، قالت: فاقد الشيء لا يعطيه وكانت جرافة تابعة للأمن الفلسطيني تجرف أكوام الحجارة التي سدّت ما تبقى من طريق البحر؟ فنظر الجندي إلى الجرافة وقال: هل ترين ماذا نفعل؟ إننا نشق الطريق إلى الحرية، قالت: عن طريق التمسيق الأمني  قال: نعم، وماله التمسيق الأمني؟ ليس عيباً أن يمسّق الواحد من أجل أن يشق طريق الحرية، قالت: هل أفطرت اليوم؟ قال: لا ، فناولته رغيفا في يدها، وقالت: توكل على الله، ثم انطلقت مع سربها متجهة إلى الشرق وهي تقول: آه يا رجليّ من طول الطريق قال: انتظري، أين الغموس؟ قالت: وأين الحرية؟ قال: سننتظر، قال: لا تنتظروا هنا في البرد بلا هدف طريق الحرية معروف يا ولدي.

وقبل أن تكمل المرأة كلامها صرخ الأطفال الذين جاءوا من جهة الحاجز: المستوطنون طردوا وفد التمسيق، المستوطنون خربوا سيارات الأمن الوطني، الحقوا .. المستوطنون هجموا، شدّ العساكر كل واحد على بارودته وأخذ كل واحد زاوية، ونادى صاحبنا على النسوان: جاي يا نسوان جاي!!

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع