إطلالة على مصالحة عرفات عباس الرجوب دحلان

 أحمد فهمي*

24/08/2004

يشهد مكتب ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله تحرك محموم للم شمل فرقاء الأمس
حسب ما بدا عنوانا للازمة الفلسطينية الداخلية، وأصبح أعداء الأمس أصدقاء الغد على اقل تقدير، ففي عالم السياسة من يخلق الأزمة هو الوحيد القادر على حلها، فهل نستطيع الجزم أن الخلافات الفلسطينية أصبحت الآن من خلفنا ؟ وإذا كان كذلك، ماذا بعد ؟أسئلة كثيرة ولكن الإجابة واحدة وهو أنها أزمة افتعلها الجميع لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية من جديد لمواجهة مرحلة حساسة تعيشها القضية الفلسطينية ضمن غلبة واضحة لفئة دون الأخرى وإعادة تشكيل ميزان قوى داخلي لا يستثني أحدا ووضع الجميع في دوائر الاختبار هكذا يعرف البعض المرحلة الجديدة وفي النهاية البقاء ثم البقاء للأقوى وليس للأفضل في كل الأحوال .إذن من يخرج ذو نفوذ وسلطة حقيقية سيكون محامي الدفاع عن القضية برمتها في كل المحافل والمكتوب ربما يتضح من عنوانه.
لم يعد يدور الحديث في مكتب عرفات عن خيانة أو انقلاب، فالوضع ضمن الصبغة الأمنية تحت السيطرة، الكل في أحضان وكنف عرفات تحت ناظريه، إذن إما آن له أن ينام قرير العين فكلهم في الجيبة !!!!

كان الصراع قبل شهر من الآن بين الشعب الفلسطيني وعرفات على حد زعم فئة وُصفت بأنها متاسرلة بالصوت والصورة، وبين المتاسرلين والرئيس المنتخب للشعب الفلسطيني ياسر عرفات على حد ما يؤكده رجالات عرفات ، وضمن ما يراه الغلبة من ذوي الحياد وأصحاب النظرات الثاقبة انه صراع لانتزاع السلطة من عرفات بمساعدة إسرائيلية وأمريكية وذوي المصالح في المنطقة.الآن تغير الوضع فقد أصبح الصراع خفيا متقوقع ليصبح داخل مكتب عرفات وبتغطية إعلامية محدودة جدا ، ولكن رؤوسا وحيتات تتصارع لانتزاع الصلاحيات التي يمنحها لهم الختيار فعنوان المرحلة الجديدة هو الصراع على المناصب داخل السلطة العرفاتية وليس لانتزاع السلطة من عرفات لتوزيع المناصب .

بالأمس السيد محمد دحلان قدم إلى رام الله وبرفقته خمسة عشر مرافقا مدججين بالأسلحة الرشاشة والذين اخترقوا بكل سهولة عن حاجز ايرز وعشرات الحواجز الأخرى بين غزة ورام والله وقام بزيارة محمود عباس ومن ثم رافق روحي فتوح متوجها إلى مكتب ياسر عرفات ضمن حماية مشددة
في نفس التوقيت عرفات يستدعي موسى عرفات وصائب العاجز لمعادلة التجربة الكيميائية ولكي لا يطغى طرف على الآخر ففي الحين الذي احتضن فيه الدحلان يضع الاثنين الذين يعترض الدحلان على تعيينهما بجانبه، وكأنه يريد أن يقول له هؤلاء رجال امن غزة أيضا وهم الآن أقوياء، نعم الموقف تغير، كنت أنت تدخل إلى مكتبي في السابق بشرعية انك رجل الأمن في غزة ولكن الموقف اختلف الآن. ومن جهة أخرى وهذه لم يقلها للدحلان فان عرفات يوفد جبريل الرجوب غريم دحلان الأساسي في كل المراحل وأقوى رجالات الأمن وأفضلهم على الإطلاق يوفده إلى كل الدول الصديقة ويشرف على الخطة الأمنية المصرية الإسرائيلية حول فك الارتباط في غزة.

وقد عمد الرجوب أن يهاجم الدحلان " الأمير تشارلز " على حد قوله بشكل لم نعهده من قبل، وعندما سئل الرجوب عن عدم رد الدحلان على هذه الاتهامات وخصوصا انها من الرجوب رد قائلا إن الدحلان ليس بمقدوره الرد لأنني عميد وهو مقدم، فلنعد إذن إلى الرتب العسكرية وضرورة الالتزام بالانضباط العسكري.
لم يدل الرجوب بتلك التصريحات حول الدحلان من فراغ فهو وضمن ما يُنظر إلى تصريحاته المهمة جدا تنبع وتعبر عن لسان حال عرفات ويده الطولى على الأقل في هذه المرحلة وملك الأمن في الضفة الغربية ورجال الأمن لا يكذبون يقول احدهم إخلاصا لمهنة الدقة في المعلومة وخير دليل على ذلك أن تصريحاته تنشرها كل الصحف العالمية ذات الثقل الكبير، فإما أن يصدق وإما أن يمتنع عن التصريح.

على كل، ما هو متوقع أن يتم منح الدحلان وزارة دولة لشئون الأمن أو منصب أمين عام مجلس الوزراء والتي هي بكل الأحوال النائب الأول لرئيس الوزراء فإذا تم ذلك فانه ووفق المعادلة الفلسطينية شديدة التعقيد سيقدم عرفات على خلط الأوراق من جديد عن طريق تفعيلة دور موسى عرفات وصائب العاجز في غزة كرجال امن أقوياء وإطلاق العنان لجبريل الرجوب في الضفة الغربية وعودة الأمور إلى المربع الأول، وبذلك ستكون المهمة صعبة جدا أمام وزير الأمن الجديد القديم.
الآن وللتخفيف من الزخم الإعلامي القوي حول مصالحة الدحلان مع الرئيس عرفات فقد عمد عرفات بتكليف عضو اللجنة المركزية صخر حبش للتمهيد لمصالحة هي المنشودة بالنسبة لعرفات مع محمود عباس رئيس الوزراء السابق والعقل المدبر للإحداث التي اجتاحت الضفة والقطاع على حد ادعاء بعض الوسائل الإعلامية.

المهم أن الدحلان أصبح الآن هو الرجل الثانوي وعباس يرأس الوفد الفلسطيني للحوار مع الفصائل في القاهرة وبذلك تكون مصر أيضا خلطت أوراقها من جديد وعرفت مفاتيح اللعبة السياسية للتفرد بكل معنى الكلمة وذلك بعد التلميحات المصرية ومغازلة عرفات أن الفصائل الفلسطينية جاهزة للتوقيع ضمن اتفاقات الجنتلمن .

من جديد كعادته شارون يفقد السيطرة على الموقف ولكن ليس في الملعب الفلسطيني فحسب وإنما في عقر بيته ونقطة الربط أن الشيء الوحيد الذي على أساسه تنازل الفرقاء الفلسطينيون ووحدوا كلمتهم ضمن وفد فتح والاتفاق المزمع الإعلان عنه هو الذي فرق الليكود وجعل شارون على حافة الهاوية لا يستطيع أن يقتل نفسه سياسيا ويخسر حزبه وفي المقابل لا يستطيع أن يدير ظهره للولايات المتحدة الأمريكية التي تطالبه بضرورة الانسحاب من غزة وكلا الموقفين لا يُحسد عليهما شارون وإنما جنت على نفسها براقش السياسة هي الأم ولكن عندما تختلط الأمور حابلها بنابلها ويصبح القول للعسكر حتى في الحرب فانه تكون هنا الكارثة ومخرج شارون الوحيد هو تنفيذ تهديداته لإيران على الأرض ولكنها مغامرة غير محسوبة تماما والحقيقة أن عمر شارون الافتراضي قد انتهى فعلا.
بما انه كذلك فكل المتاسرلين بالضرورة لا معنى لهم ضمن الرؤيا الشارونية فانه اذا وقع راسي فلتتساقط كل الرؤوس وهذا ما يفسر تعجيل دحلان بالمصالحة غير المشروطة مع عرفات.

إذن عرفات قاد الأمور بكل بساطة إلى خانة الآحاد التي يجيد السيطرة عليها تماما وبعيدا عن التعقيدات التي قد تشتت المحللين والمراقبين إلى حقيقة مفادها إبقاء الصراع على ما هو عليه وذلك في ظل الوضع الإسرائيلي المتدهور ولكن بصورة أخرى وذلك بقلب الحقائق أو ما هو كائن بالفعل من صراع داخلي ومطالبة بالإصلاح والذي يجعل من عرفات طرف في الصراع وكل الأطراف ملوثة وهذا سياسيا غير لائق براس الهرم الفلسطيني إلى أن يكون صائد ماهر يجمع كل الشباك والخيوط لحيتان تتصارع على المناصب الحساسة ولكنها في النهاية تعود إليه وهنا المعجزة العرفاتية وهو أن لا يكون بشكل أو بآخر طرف في صراع أو محل خلاف وليكن بعدها ممنوع الخطأ ولكن لا ضرورة لمحاسبة من اخطأ.

إن معالم المرحلة القادمة بكل ضبابيتها ستفرز تعزيز دور عرفات كقائد فعلي ورمزي للشعب الفلسطيني ومحمود عباس رئيسا للجنة الحوار الداخلي والمشرف على حوار الفصائل في مصر ودحلان وزير شئون الأمن وجبريل الرجوب ربما يكون غير راض عن هذه الترتيبات وأعضاء اللجنة المركزية يتذمرون وتعود لتتشكل الاصطفافات من جديد ولكن هذه المرة الرجوب لن يلزم بيته لأنها ضمن ما هو واضح حتى الآن ستكون العزلة الأبدية إذن فليعد لتفعيل جيوبه التي اعتمد عليها واثبات الذات من جديد.

الصورة النهائية تشير إلى أن عرفات أدرك الأمر مبكرا بضرورة تعجيل كل هذه الخطوات قبل اجتماع التشريعي الذي بات واضحا انه يدبر أمر بليل لياسر عرفات ويكون قد تجنب أي احراجات متوقعة له على الصعيد الداخلي أو الخارجي من خلال التعجيل بهذه اللقاءات التي توزن ذهبا في هذا الوقت وما بقي على كل من لم يلحق بمركب المناصب إلا أن يجهز نفسه قريبا لانتخابات فلسطينية على شتى المستويات وليحكم بيننا صندوق الاقتراع.

---------
*
صحفي مقيم في فلسطين

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع