هل هي انتفاضة ثالثة في غزة ؟
بقلم : محمد رمضان
حينما اندلعت انتفاضة الأقصى سرت في غزة مقولة تقول بأن هذه الانتفاضة
كانت موجهة إلى السلطة, و قد نجحت السلطة في توجيهيها نحو احتلال يهودي
استيطاني بغيض يجثم منا فوق الصدور .. و لئن كان مثل هذا الكلام صحيحا
فانه كان على السلطة أن تعي هذا الدرس و تستفيد منه قدر الإمكان و أن
تستغله في إصلاح ما أفسد الدهر كما قال شاعرنا المبجل. لكن سلطتنا
المبجلة لم تكلف نفسها حتى مجرد عناء التفكير في هذه الأمور و كأن
الرعية أناس يرضون بكل الأوضاع مهما تدهورت أشكالها و اضمحلت مواردها.
إن تغاضي السلطة بكافة مؤسساتها و أفرادها الذين يمثلونها عن فهم
السيكولوجية "الغزاوية" و التي ثبت على مدار التاريخ أنها تأبى الذل و
تعاند الضيم و هي فوق ذلك حاضرة البديهة سريعة الخاطرة, تفهم الشاردة و
تحلل الواردة, ان هذا التغاضي عن الفهم هو الذي قادنا إلى ما نحن فيه,
و هو أمر غير محمود, و لا نتمناه, فحياتنا و دماؤنا و أرواحنا هي أغلى
ما نملك, و لن نفرط بها رخيصة.
دعونا نقف وقفة متأنية حول الوضع الراهن في غزة و نقرأ بتؤدة أبجديات
الإشكاليات التي تعاني منها غزة و التي وصلت بها في نهاية المطاف إلى
ما هي عليه الآن.
أولى هذه الإشكاليات: تردي الوضع السياسي و الاقتصادي و الأمني و
الاجتماعي و ذلك في تقاطعية غريبة و يندر أن تحدث في مكان واحد و لكنها
حدثت في غزة.
ثانيها: تهميش المثقفين الحقيقيين و إفساح المجال لأبواق محسوبة و
معدودة و غير قادرة على أداء الرسالة المنوطة بها لجمهور أقل ما يقال
فيه أنه مثقف و فهمان و لا تنطلي عليه سفاسف الأمور.
ثالثها: تهميش المخلصين و المتخصصين عن تولي المناصب الرفيعة و المؤثرة
و التي يكون الاحتكاك فيها بشرائح مجتمعية واسعة و هذا يتكرر على مستوى
السياسة الخارجية و برغم ضعفها الفاضح.
رابعها: انتشار البطالة كورم سرطاني بنسبة تزيد عن 70% و ذلك منذ
الشهور الأولى لاندلاع انتفاضة الأقصى.
خامسها : انتشار الواسطات و المحسوبيات بطريقة تدعو للاشمئزاز و
"القرف" من قبل المواطن العادي و الذي لا يستطيع الوصول إلى الأبراج
العاجية التي يقيم فيها هؤلاء.
سادسها : الترهل الفاضح في الأجهزة المختلفة سواء كانت إدارية أو
سياسية أو أمنية و إهمال مصلحة المواطن العادي بل و عدم أداء المهام
المنوطة بها على الوجه الأكمل.
سابعها : البطالة المقنعة و المنتشرة بطريقة غير مسئولة و تؤدي إلى
استنزاف الموارد دونما إنتاج حقيقي يفيد الوطن و المواطن و يعمل على
خلق فرص عمل جادة و حقيقية.
ثامنها : انسداد موارد الرزق لعشرات الآلاف من المواطنين و ذلك لأسباب
عديدة ليس هنا مجال حصرها, و جزء كبير منها معروف لصناع القرار و لكن
دون تحريك ساكن من أجل الحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
تاسعها : عدم الاستجابة لدعوات "الإصلاح" و محاربة الفساد و التي تنادي
بها جهات و شخصيات مختلفة سواء في الداخل أو في الخارج و تتمتع هذه
الجهات و الشخصيات بمصداقية كبيرة لدى المواطن الفلسطيني العادي.
و عاشرها : عدم أخذ موضوع العملاء بجدية, و هو الأمر الذي دعا الكثيرين
من أبناء الشعب إلى التشكك في ماهية و حقيقة الأسباب التي تمنع الأجهزة
المختصة من اتخاذ مثل هذه الإجراءات و التي كان بإمكانها وضع حد لكثير
من المثالب التي تعاني منها السلطة.
حادي عشر : حواجز الاحتلال التي تغلق الطريق الرئيسي في قطاع غزة مما
يؤدي إلى تعطيل المصالح و الخدمات الأساسية ووصول مواد التموين
الرئيسية.
ثاني عشر : مشاكل المعابر و الخروج إلى مصر و التي زادت عن حدها و
بطريقة غير أقل ما توصف به أنها غير إنسانية.
ثالث عشر : الارتفاع الفاحش في أسعار الكثير من السلع الأساسية و السبب
معروف و ليس في حاجة إلى مزيد من التفصيل.
رابع عشر : التلاعب بطريقة غير مقبولة في خدمة التيار الكهربائي و قطعه
لساعات طويلة دون إنذارات مما أدى إلى تعطيل الكثير من الأجهزة
الكهربائية و المصانع و المحلات التجارية لأسباب واهية و غير مقنعة.
خامس عشر : التأمين الصحي و المواصلات و المستشفيات و المدارس و
التعيينات و غير ذلك الكثير, كل ذلك في حاجة إلى إصلاح و الطريق معروف
و السبيل واضح.
و في نهاية المطاف فإننا نناشد كافة "أولي الأمر" و المخلصين و
الغيورين و المثقفين و العلماء و الحريصين على مصلحة هذا الشعب و
مقدراته بكافة أنواعها و أشكالها أن يتقوا الله في أمانة بأعناقهم
سيسألون عنها يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم,
اللهم فاشهد.
محمد رمضان ـ فلسطين
|