إنتفاضة
الأقصى تدخل عامها الخامس
في عامها الرابع.. انتفاضة الأقصى في سطور
خاص/ المركز الصحافي الدولي:(بتصرف)
أنهت انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الثامن والعشرين من أيلول/ سبتمبر
2000، عامها الرابع، لتدخل في العام الخامس، بعد أن سجلت جملةً من
التتويجات النضالية والملاحم البطولية، وفي المقابل أثقلت بالجراح التي
استنزفت من قوتها، خصوصاً وأنها عانت من فكي كماشة أحكما عليها، وكانت
إسرائيل هي المصارع الأساسي في حرب الانتفاضة، أو ما يمكن تسميته حرب
"الاستنزاف"، أما الولايات المتحدة الأمريكية، فكانت تشكل عدواً آخر
ربط مصير إسرائيل به، وأغدق الشرعية والإرادة الدولية بلاءاته
المعهودة، وامتنع عن قول الحق لصالح الانتفاضة، ولصالح القضية
الفلسطينية، التي عانت الكثير من "خجل واستحياء" المجتمع الدولي عن
تقديم خدمته لإنهاء الصراع وإلزام الدولة المعتدية إسرائيل على تطبيقها
لاستحقاقات السلام الذي وفرته أجواء اتفاقية أوسلو الموقعة بتاريخ
13/9/1993، بحضور كل من الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي
الراحل اسحق رابين.
في
عامها الرابع، تعرضت انتفاضة الأقصى للعديد من محاولات الشطب والتصفية
الإسرائيلية، وخلال تلك الأعوام الهامة كرست حكومة الاحتلال الإسرائيلي
سياسة العنجهية واستخدام العنف اللا شرعي، وكثفت من ممارساتها ضد
السلطة الوطنية الفلسطينية، وعلى رأسها الرئيس ياسر عرفات، ولم ينته
الأمر فقط عند حدود السلطة، وإنما مارست إسرائيل كل ما يتصل بالعدوان
وما ينفي صفتها جزءاً من السلام المطلوب، وتجلى في تلك المرحلة
العصيبة، بروز دخول التيار الأمريكي الذي تحرك بشكل ملحوظ بعد أحداث
الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، حيث سعى لخلق بؤر توتر في الشرق
الأوسط، وضيق الخناق فلسطينياً على تحركات السلطة الوطنية، وعلى
المقاومة، حتى باتت الأخيرة بكفاحها ومواصلتها لدحر الاحتلال، صمام
الأمان للمشروع الوطني الفلسطيني بالحفاظ عليه وتأكيد شرعيته.
خلال هذه السنوات المتتالية، توالت إسرائيل في كسر إرادة الشعب
الفلسطيني وطرح صيغ استسلامية، رفضتها السلطة والشعب الفلسطيني، وتتابع
ذلك حدوث سلسلة من الأحداث الهامة، التي كان أهمها، حصار الرئيس ياسر
عرفات في مقره برام الله وحتى إشعار آخر، وبناء جدار الفصل العنصري في
أراضي الضفة الغربية، وانطلاقة خطة خارطة الطريق التي تبناها الرباعي
الدولي وأصدرها في أواخر العام 2002، وسوقت بعدها إسرائيل خطة فك
الارتباط والانفصال أحادي الجانب من قطاع غزة، والتي طرحها شارون في
ديسمبر 2003، بديلاً لخارطة الطريق التي أعطى (شارون) لنفسه الحق في
إصدار 14 تحفظاً عليها ثم الإعلان رسمياً عن موتها.
وخلال تلك المحطات الهامة، مارست إسرائيل جملة من الانتهاكات وأعمال
القتل وتدمير المنازل والتهام الأراضي، وتكثيف الاستيطان بحجة ما يسمى
الحفاظ على "المصالح الإسرائيلية" وبدعوى توفير "الأمن"، تخللها حملة
إسرائيلية شعواء بضرب كل البنى الفوقية والتحتية لمقومات وعوامل الصمود
الفلسطينية، كما تخللها حرب إسرائيلية إعلامية هدفت إفقاد السلطة
هيبتها ومصداقيتها أمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي.
قراءة في الإحصائيات..
لو
فحصنا في إحصائيات الانتفاضة وفي أعداد الانتهاكات الإسرائيلية، لقلنا
إن إسرائيل كثفت من عدوانها الشامل والكامل بشكل غير مسبوق عن
الانتفاضة السابقة التي وقعت في العام 1987، ذلك أن حكومة الاحتلال
الإسرائيلي أدخلت كل ما يتصل بالترسانة العسكرية والوسائل الحربية،
ناهيك عن مواصلتها سياسة "الأرض المحروقة" وإفراغ الأراضي الفلسطينية
بكل ما يتوفر من عوامل الصمود بالإضافة إلى زعزعة السلطة، وإضعافها
وإخراجها من معادلة التوازن السيادي وخفض من مستوى هيبتها أمام شعبها.
فقد
بلغ عدد الشهداء منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى 29/9/2004، أكثر من
3529 شهيداً، يضاف إليهم 151 شهيداً لم يتم تسجيلهم بسبب الإجراءات
الإسرائيلية، وأكثر من 290 شهيداً ضحية جرائم الاغتيال الإسرائيلية،
بالإضافة إلى إصابة أكثر من 42022 مواطناً، ووجود حوالي 7400 أسير في
سجون الاحتلال الإسرائيلي، حسب تقرير صادر عن مركز المعلومات الوطني
الفلسطيني بالهيئة العامة للاستعلامات.
هذا
عدى عن عمليات التدمير التي ألحقتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في كافة
الأراضي الفلسطينية، حيث بلغ عدد المنازل المدمرة بشكل كلي عن تلك
الفترة وحتى نهاية العام الرابع للانتفاضة أكثر من 6757 منزلاً، أما
عدد المنازل التي تضررت بشكل جزي، فبلغ أكثر من 59338 منزلاً.
وبلغ إجمالي مساحة الأراضي التي تم تجريفها أكثر من 68728 دونماً،
بالإضافة إلى اقتلاع أكثر من 1145145 شجرة.
كما
بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 287 ألف عامل، ووصلت نسبة الفقر في
الأراضي الفلسطينية جراء الإغلاق والحصار الإسرائيلي إلى 67.7%. ووصل
عدد الحواجز العسكرية الإسرائيلية التي زرعها الاحتلال منذ 1/10/2001
(2726) نقطة عسكرية جديدة.
من
خلال فحص الإحصائيات، يتبين أن الاحتلال الإسرائيلي مارس كل وسائل
التدمير والترهيب والقمع، ويتبين أيضاً أن الاحتلال عمد إلى إحداث حالة
"إرباك" للانتفاضة وإيصالها بالعدوان المستمر حتى تحدث خلل في التوازن
ثم خلل في الصمود، يعقبه إنهاء الانتفاضة، كمرحلة أولية لإنهاء الثوابت
الفلسطينية، بالشروع في فرض صيغة سلامية هلامية تلبي متطلبات المفاوض
الإسرائيلي، وتخضع المفاوض الفلسطيني لمزاجية حكومة الاحتلال.
يمكن استخلاص وإبراز أهم الأحداث الرئيسية التي أفرزها الاحتلال
الإسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وحتى وقتنا الحاضر، ذلك أن بعض
تلك الأحداث أصبحت تشكل منعطفاً خطيراً على القضية والكيانية
الفلسطينية، لما تكرسه من وقائع على الأرض لا يمكن تجاهلها.
عملية السور الواقي..
في
التاسع والعشرين من آذار/مارس 2002، أطبقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي
بقرار شاروني، حصارها الشامل والكامل على الأراضي الفلسطينية المحتلة
في الضفة الغربية، فيما اعتبر حدثاً مهماً هو الآخر، أفرزه الضوء
الأمريكي الأخضر بضرب ما يسمى "الإرهاب".
ففي
ذلك اليوم، اجتاحت أرتال من الآليات العسكرية بشكل كامل، مدن وقرى
الضفة الغربية، بالإضافة إلى مقر الرئاسة الفلسطينية في رام الله، وفي
المقابل التزم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن الذي بارك عملية
الاجتياح تلك، بعدم مقابلة الرئيس ياسر عرفات، بالرغم من تناقضه وحديثه
عن "رؤية" أمريكية تتضمن وجود "دولة فلسطينية" تكفل أمن إسرائيل.
واستمرت إدارة بوش منذ إعلانها الحرب على التصريح بأن "المقاومة
الفلسطينية للاحتلال الإسرائيلي إرهاب"، "وأن أمريكا تتفهم ما تقوم به
إسرائيل من ممارسات عدوانية إجرامية دفاعاً عن نفسها"، كما دأبت
إسرائيل على المجاهرة بأن "ما تقوم به من جرائم هو مشاركة في الحرب ضد
الإرهاب".
في
مساء الحادي والثلاثين من شهر آذار لعام الاجتياح (2002)، تحدث شارون
قائلاً للإسرائيليين: "إن إسرائيل ستخوض حرباً شاملة ضد الإرهاب الذي
ينظمه ويدبره رجل واحد هو ياسر عرفات". وقال: "إن الرئيس الفلسطيني هو
عدو إسرائيل والعالم الحر"، وحدد انتماء إسرائيل بأنه للغرب والعالم
الحر.
كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية يوم 30/3/2002، على لسان المعلق
العسكري أليكس فيشمان مخطط الاجتياح وهو "احتلال المدن الفلسطينية
تدريجياً، والبقاء فيها مدةً طويلة، وتستمر المرحلة الأولى من الاجتياح
أسبوعاً، يقوم أثناءه الجيش الإسرائيلي خلال وجوده في المدن الفلسطينية
بتدمير البنية التحتية للسلطة الوطنية الفلسطينية، والدخول إلى
المباني، وتنفيذ الاعتقالات من منزل إلى منزل، ويتم استدعاء الاحتياطي
الإسرائيلي، ثم تحاول إسرائيل في الأسبوع الثاني إنهاء السلطة بمتابعة
حصار رئيسها، وإيجاد من يتولى القيادة المحلية وينشغل بقتال المعارضة
الإسلامية، فتزداد فرص نشوب حرب أهلية فلسطينية".
منذ
اليوم الأول للاجتياح، صرح وزير الخارجية الأمريكي كولن باول قائلاً:
"لا يمكن مباشرة الحديث السياسي قبل أن يتوقف العنف". معلناً إعطاء
الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر والمزيد من الوقت لإسرائيل كي تقوم
باجتثاث المقاومة الفلسطينية في جبهة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي
مساء الخميس بتاريخ 4/4/2002، وهو اليوم السابع للاجتياح، اضطر الرئيس
بوش أمام صمود المقاومة الفلسطينية، واستشعار خطر تطور الهجوم
الإسرائيلي إلى حرب شاملة في المنطقة أن يخطب طالباً انسحاباً
إسرائيلياً من المدن الفلسطينية، ثم أن يعلن عن إرسال وزير خارجيته
كولن باول إلى المنطقة بعد أسبوع، بما يعني عملياً إعطاء مجرم الحرب
شارون أياماً سبعة أخرى في استباحة المدن والمخيمات والشعب الفلسطيني.
وقد
أشار بوش لأول مرة إلى اعتماد المسار السياسي إلى جانب المسار الأمني،
الأمر الذي اعتبره بعض المعلقين تحولاً استراتيجياً، ملاحظين أنه كان
في عيد الفصح قد صرح في مزرعته بأن "أمريكا تتفهم التحركات الإسرائيلية
وتدرك الأسباب وراءها، وعلى عرفات أن يقدم المزيد".
قبل
ذلك التصريح بقليل، انعقدت القمة العربية في بيروت في السابع والعشرين
من آذار/ مارس 2002، أي قبل الاجتياح الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية
بيومين، حيث قدم في تلك القمة مبادرة سلام عربية طرحها ولي العهد
السعودي الأمير عبد الله وتبنتها الجامعة العربية، وتدعو من خلالها
إسرائيل للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وفق قرارات
الشرعية الدولية 242، و338، وإنهاء دوامة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي،
مقابل إقامة علاقات طبيعية عربية مع إسرائيل.
المفارقة غير الطبيعية، أن الحكومة الليكودية الشارونية دارت ظهرها
للعرب أجمع ولمبادرة الجامعة العربية، وأصرت الانسياق وراء التحالف
الأمريكي ضد ما يسمى بـ"الإرهاب"، أملاً في تحقيق- بل إن شئت قل- فرض
السلام الإسرائيلي على الفلسطينيين خصوصاً، والعرب عموماً دون تقديم
التنازلات الإسرائيلية "المؤلمة" فيما يتعلق بانسحابها من الأراضي
العربية المحتلة، وكان بالإمكان قراءة الموقف الإسرائيلي بشأن جبهة
الصراع مع الفلسطينيين في تصريحات شارون، التي قال فيها بعيد ذلك
الاجتياح المشؤوم: "ما لم يشعر الفلسطينيون بأنهم مهزومون، فإن العودة
إلى مائدة المفاوضات تظل مستحيلة، وحين ينهزمون يكون عليهم أن يقبلوا
ما نعرضه".
وعقب المبادرة السعودية لمجلس الأمن بالانسحاب الإسرائيلي الكامل من
الأراضي التي احتلتها عام 1967 مقابل علاقات جوار جيدة، تبنى المجلس في
قراره رقم 1397 الصادر في مساء الثلاثاء 12 مارس/آذار 2002، قراراً
مفاجئاً يؤكد رؤية قدمتها الولايات المتحدة لدولة فلسطينية تعيش جنباً
إلى جنب مع إسرائيل داخل حدود آمنة ومعترف بها. ثم أصدر مجلس الأمن
القرار 1402 في 30 آذار/مارس 2002 يدعو إسرائيل للانسحاب من الأراضي
الفلسطينية ومنها رام الله وتطبيق وقف إطلاق النار وخطة تينيت الأمنية
تمهيداً لتطبيق توصيات ميتشل.
ورغم إصدار المجلس القرار 1403 الذي يطالب فيه بتنفيذ قراره السابق
1402 دون إبطاء، إلا أن إسرائيل ضربت بعرض الحائط جميع القرارات
واستمرت المواجهات الدامية بين الطرفين ارتكبت فيها إسرائيل جرائم بشعة
ضد الإنسانية ومنها مجزرة جنين، فوافق مجلس الأمن الدولي بالإجماع في
القرار 1405 الذي اتخذه في 19 نيسان/أبريل 2002 على إيفاد بعثة من
الأمم المتحدة لتقصي حقيقة ما يجري في مخيم جنين التي فشل في اتخاذ
موقف بشأنها نتيجة الرفض الإسرائيلي استقبال فريق الأمم المتحدة لتقصي
الحقائق في ذلك المخيم.
لم
تتوانى إسرائيل في فرض هيمنتها على الضفة فقط، ذلك أنها حاصرت كنيسة
المهد في بيت لحم في تلك الفترة لمدة 39 يوماً، وانتهى ذلك الحصار
بانتهاج سياسة الإبعاد التي شكلت أولى السياسات التي اعتمدتها حكومة
الاحتلال بشكل جماعي بعد انتفاضة عام 1987، حيث تم في 10/5/2002، إبعاد
39 مناضلاً من كنيسة المهد، إلى خارج الضفة، 26 أبعدوا إلى قطاع غزة،
والـ13 الآخرين توزعوا في دول أوروبية عديدة.
جدار الفصل العنصري..
في
16/6/2002، أقدمت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على بناء جدار إسمنتي في
الضفة الغربية، يعزل القرى والمدن عن بعضها ويمزق من وحدتها
الديمغرافية الجغرافية.
جدار الفصل العنصري، أو جدار الضم والتوسع، ناله ما ناله من ردود
الأفعال الصاخبة، سواء الفلسطينية المحلية أو العربية أو الدولية. يبلغ
طول الجدار حوالي 620 كيلومتراً إن لم يكن أكثر، متجاوزاً بشكل كبير
طول خط الهدنة الممتد بين الضفة الغربية وإسرائيل بعد توقيع "اتفاقية
رودس" عام 1949 بين إسرائيل والدول العربية المجاورة، وبلغ طول الخط
نحو 350 كيلومتراً، أما سبب الزيادة في طول الجدار العنصري والذي تشرع
إسرائيل في إنشائه، يعود إلى كثرة التعاريج والالتواءات الناتجة عن
التداخل بين المدن والقرى الفلسطينية. ويبلغ ارتفاعه في بعض المقاطع من
8-16 متراً.
لقد
شكّل بناء جدار الفصل العنصري مفترق طرق وعر أمام أمل الالتقاء
الفلسطيني الإسرائيلي ولو في المستقبل، ذلك أنه كرس سياسة العزل، حتى
أن بعض المصادر الإسرائيلية تقول إنه سيشكل مستقبلاً الحدود
الإسرائيلية، تلك التي لا تمتلك حتى الآن حدوداً متعارف عليها، أملاً
في قضم المزيد من الأراضي الفلسطينية.
لا
تتوقف خطورة الجدار في كونه عازلاً وقاضماً للأراضي، ذلك أنه في إطار
المساعي التوسعية الإسرائيلية، يشار إلى بناء جدار في القدس الشرقية،
والهدف من ذلك هو تهويد القدس، كما تهويد العديد من القرى والأراضي
التي انضوت داخل حدود الدولة العبرية والتهمها ذلك الجدار.
بعد
المطالبة الدولية لإسرائيل بوقف بناء الجدار العنصري، و"الفيتو"
الأمريكي الذي وقف بالمرصاد لكل محاولة تدويل قضية الجدار ورفعه أمام
مجلس الأمن، والامتناع عن التصويت، انتقل ملف الجدار إلى محكمة العدل
الدولية بلاهاي للبت في مشروعيته، والتي اتخذت قرارها رقم 131 بتاريخ
9/7/2003، واعتبار الجدار العنصري غير شرعي وغير قانوني، ويجب على
إسرائيل إزالته وهدم ما تم بناؤه من ذلك الجدار، وتعويض المتضررين عن
بنائه.
لقد
شكل ذلك القرار، الصفعة القوية التي ضربت فيها الشرعية الدولية
إسرائيل، ذلك أن قرار لاهاي توجه بعد الإجماع الدولي بعدم شرعية
الجدار، إلا أن حكومة الاحتلال شككت بالقرار، واستمرت في بناء الجدار
العنصري، حتى بلغت مساحة الأراضي الفلسطينية التي تمت مصادرتها لصالح
الجدار منذ 29/3/ 2003، حوالي (208705) دونماً.
خطاب بوش ومفترق الطرق..
بعد
العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية، قدم الرئيس الأمريكي جورج بوش
الابن في 26/6/2002 في خطاب له، رؤيته حول الصراع الفلسطيني
الإسرائيلي.
عملياً ذهب الرئيس بوش إلى ما هو أبعد من ذلك، حينما أشار إلى دولة
فلسطينية مؤقتة، لحين اكتمال نموها، وربط ذلك بتغيير في القيادة
الفلسطينية يتبعه عملية تغيير أخرى في المؤسسات الحكومية وإعادة
هيكلتها بحيث تستجيب للحلول الأمريكية الإسرائيلية المطروحة، والأهم من
كل ذلك أن تعمل بكد على محاربة ما يسمى بـ"الإرهاب" الفلسطيني بأدوات
فلسطينية.
بعد
ذلك تلقفت إسرائيل ذلك الخطاب الأمريكي، ونادت بضرورة قيام السلطة
الوطنية بالإصلاحات واستحداث منصب رئيس وزراء فلسطيني يحد من صلاحيات
الرئيس عرفات، على اعتبار أن عرفات يشكل العقبة المحورية في طريق البحث
عن أفق سياسي سلمي، حسب ما تدعيه إسرائيل.
السلطة الوطنية الفلسطينية تأقلمت مع التغيرات الدراماتيكية الدولية،
فقررت استحداث منصب رئيس وزراء، ولكن بشكل تعالجه المؤسسة التنفيذية
والتشريعية، حتى صار المنصب مسموحاً في الإطار السيادي الفلسطيني، الذي
قرر تعيين محمود عباس (أبو مازن) رئيساً للوزراء في يوليو 2003، ثم
تبدّل وتشنج المناخ الفلسطيني الذي تغير مع إمعان شارون في مواصلة
الحرب ضد الفلسطينيين.
بعد
تلك الفترة، اغتالت إسرائيل القائد في حركة المقاومة الإسلامية حماس
إسماعيل أبو شنب، يوم الخميس بتاريخ 21/8/2003، أعقبها بعد ذلك، محاولة
لاغتيال مؤسس حركة المقاومة السلامية حماس، الشيخ أحمد ياسين في
6/9/2003، بالإضافة إلى محاولة اغتيال القيادي في الحركة الدكتور محمود
الزهار في 10/9/2003.
وقبل ذلك سعت إسرائيل لضرب كل ما يتصل بمحاولة السلطة استعادة هيبتها
في الساحة الفلسطينية، وهو ما جعل رئيس الوزراء السابق محمود عباس
للاستقالة من منصبه في منتصف شهر أيلول/ سبتمبر 2003، نتيجة انسداد
الأفق السلامي الإسرائيلي، بالإضافة إلى بروز معوقات على الصعيد
الداخلي الفلسطيني.
الموقف الأمريكي بالمختصر، ظل يراوح في مكانه المعهود لحساب إسرائيل،
وتارةً يغض الطرف عن أعمال إسرائيل العنصرية كبناء الجدار العنصري،
وتكثيف الاستيطان، وتارةً أخرى يرفع "الفيتو" في وجه أي قرار أممي
يتعلق بتوبيخ أو إلزام إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية.
ثم
إن الموقف الأمريكي يصر على عدم التعامل مع السلطة الوطنية الفلسطينية،
حتى تنصاع لمتطلباته بمحاربة ما يسمى "الإرهاب" وضرب بنى المقاومة،
والسعي الجاد نحو الإصلاح بشقيه الإداري والمقاومي.
خارطة الطريق..
محطة مهمة، أنتجتها الظروف الدولية آنذاك، باختلاق صيغة توفيقية تلبي
الاستحقاقين الفلسطيني والإسرائيلي. ففي أواخر العام 2002، أعد الرباعي
الدولي الذي يضم روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم
المتحدة، بإعداد تصور لحل القضية الفلسطينية سمي بـ"خارطة الطريق".
وقد
تم تعديل ذلك التصور أكثر من مرة استجابةً لضغوط إسرائيلية، وما زالت
واشنطن تمحو ما تشاء منه وتثبت وتبدي فيه وتعيد.
ولا
تختلف "خارطة الطريق" عما سبقها من مبادرات سلمية، وعلى رأسها اتفاقية
أوسلو، سوى أن هذه المبادرة تحوي المزيد من الجداول الزمنية لتسيير
مسار تسوية القضية الفلسطينية.
إلا
أن تلك الصيغة "اللا توفيقية" اصطدمت بأربعة عشر تحفظاً طرحها شارون،
ثم أعلن عم موتها أكثر من مرة، حتى كان موتها بشكل رسمي في 5/9/2004،
والاستعاضة عنها بخطة الانفصال أحادي الجانب والانسحاب من قطاع غزة.
افترضت خارطة الطريق تجميد الاستيطان، ووقف الانتفاضة والشروع في
المفاوضات، تمهيداً لقيام الدولة الفلسطينية في العام 2005، على 3
مراحل، لكن لم يلتزم شارون بها جملةً وتفصيلاً، ووسع من عمليات
الاستيطان في الضفة الغربية.
السلطة الوطنية رحبت بخارطة الطريق وأعلنت التزامها بها، لكن الحكومة
الإسرائيلية وجدت في تلك الخارطة مفترق طرق، وليس طريق واحدة.
خطة فك الارتباط...
لم
تكن خطة "فك الارتباط" التي أعلن عنها شارون ليلة الخميس 19/12/2003،
في خطابه بمدينة هرتسليا الإسرائيلية، سوى صيغة اعتبرت استراتيجية،
تهدف إلى ضرب المشروع الوطني الفلسطيني، وإلغاء وشطب ما تم توقيعه
وتوفيره من المعاهدات السابقة، الموقعة بين الطرفين الفلسطيني
والإسرائيلي.
فحوى خطة الانفصال أحادي الجانب، في أنها انسحاب إسرائيلي من جانب واحد
وبدون التفاوض مع السلطة، من مستوطنات قطاع غزة، وانسحاب جزئي آخر من 4
مستوطنات في الضفة الغربية.
السلطة الوطنية لم تقبل تلك الخطة، لأنها لا تأتي في إطار خارطة
الطريق، ثم إن الليكوديين والمتطرفين والمستوطنين من اليمين
الإسرائيلي، رفضوا تلك الخطة، التي أعلن عنها شارون، ثم "قصقصها" حتى
يتجنب الوقوع في الخلاف مع حزبه وجمهوره.
الخطة تقلصت قدر المستطاع، وهي الآن تعالج بما يتناسب والتوافق
الإسرائيلي الأفقي الشعبي، والعمودي الرسمي، وحتى ذلك فإن شارون وسع من
تكثيف الاستيطان وأعلن مؤخراً عن بناء أكثر من 1900 وحدة استيطانية
موزعة في مستوطنات الضفة الغربية، من ضمنها "أرييل" و"معاليه أدوميم"،
وربما هو يسعى الآن لأسرلة الضفة على حساب الانسحاب المزمع من غزة، حسب
ما تقرر في العام 2005.
ومنذ الإفصاح الإسرائيلي عن خطة الفصل، شنت حكومة الاحتلال جملة من
اعتداءاتها الشاملة والمكثفة على الضفة والقطاع، هدفت تكسير عوامل
المقاومة والصمود الفلسطينية، وربط المصير الفلسطيني بالمزاجية
والإرادة الإسرائيلية.
ومن
أهم تلك الأحداث التي أنتجتها آلة الحرب الإسرائيلية، استهداف زعيم
حركة المقاومة الإسلامية حماس، الشيخ أحمد ياسين، في قصف صاروخي
إسرائيلي فجر 22/3/2004، ثم أعقبها اغتيال قائد حماس في قطاع غزة
الدكتور عبد العزيز الرنتيسي في 17/4/2004، ثم اشتداد الأزمة بافتعال
سياسات إسرائيلية تحريضية تطال الرئيس عرفات، وتهدف من ذلك، تقبل
المجتمع الفلسطيني والدولي لأي عمل إسرائيل مرتقب ضده. وحتى اللحظة، ما
زالت إسرائيل تشوه من صورة الرئيس عرفات أملاً في الحصول على الضوء
الأخضر لإزاحته.
مع
مرور العام الرابع على انتفاضة الأقصى، تبدلت أحوال السلطة كثيراً،
وبقيت تعاني من تبعثر النظام العربي الرسمي، وعدم قدرته على إلزام
إسرائيل بتطبيق قرارات الشرعية الدولية، وهو نفس موقف المجتمع الدولي
الذي شغل دور المراقب أو المتفرج على الانتهاكات والاعتداءات
الإسرائيلية للشعب الفلسطيني وقيادته، دونما التحرك الفعلي على الأرض
وإحقاق الحقوق حسب ما تنص عليه قرارات الأمم المتحدة.
|