انتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد الفلسطيني الداخلي
غزة - خاص- المركز الفلسطيني للإعلام
في
تقريره السنوي والذي يرصد انتهاكات حقوق الإنسان على الصعيد الفلسطيني
الداخلي لعام 2004، طالب المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، السلطة
الفلسطينية بإصدار مرسوم رئاسي بوقف عمل محاكمة أمن الدولة وإجراء
الانتخابات بشكل دوري تجسيدا للديمقراطية، وشدد على ضرورة ضبط حالة
الفلتان و رفع القيود عن الجمعيات الخيرية .
ويوثِّقُ التقرير الحقوقي الصادر في (1/5/2005)، العديد من حالات
الاعتقال غير القانوني التي نفذتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية
المختلفة، التي تنتهك أحكام القانون الأساسي الفلسطيني، والذي ينص على
عدم جواز القبض على أحد أو تفتيشه أو اعتقاله، أو تقييد حريته، أو منعه
من التنقل دون إذن قضائي. وهو ما يشدد عليه أيضاً قانون الإجراءات
الجزائية رقم (3) لسنة 2001.
ورغم أن هذا العام شهد تراجعاً ملحوظاً في عدد حالات الاعتقال بشكل غير
قانوني، إلا أن عدم قيام السلطة التنفيذية بإغلاق هذا الملف بشكل نهائي
من شأنه أن يشكل تهديداً لأمن وسلامة المواطنين، وتقويضاً لمبدأ سيادة
القانون
اعتقال سعدات
يشكّل اعتقال أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
دليلاً على انتهاك أجهزة الأمن الفلسطينية للقانون وعدم احترام سيادته،
حيث أن سعدات لا يزال معتقلاً منذ 15 كانون الثاني (يناير) 2002 وحتى
اللحظة لدى أجهزة الأمن الفلسطينية في سجن أريحا المركزي، وذلك خلافاً
لقرار صدر عن المحكمة العليا الفلسطينية بتاريخ 3 حزيران (يونيو) 2002
بعدم قانونية اعتقاله، والإفراج عنه، وكان اعتقال سعدات قد تم استجابة
لضغوط أمريكية وصهيونية، حيث تزعم (إسرائيل) أن سعدات يقف وراء مقتل
وزير السياحة الصهيوني السابق رحبعام زئيفي في 17 تشرين أول (أكتوبر)
2001.
تنازع الصلاحيات
وبالرغم من شعور المركز بالارتياح إزاء عدد من خطوات الإصلاح في مجال
السلطة القضائية خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة، فما تزال هناك حاجة
للمزيد من الإصلاحات تأكيداً على استقلال السلطة القضائية، وقد بدأت
هذه الخطوات الإصلاحية بإصدار قانون السلطة القضائية في 18 أيار (مايو)
2002، وهو يعتبر أحد أهم الإنجازات القانونية، وجاء ليؤكد على استقلال
السلطة القضائية.
وبتاريخ 12 أيار (مايو) 2003، تم تعيين نائب عام جديد للسلطة الوطنية
الفلسطينية، وبتاريخ 14 أيار (مايو) 2003، أعيد تشكيل مجلس القضاء
الأعلى بما يراعي أحكام القانون المذكور، غير أن من الواضح، وفقاً
لمتابعة المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، وجود إشكاليات جدية بين كل من
وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى والنائب العام تتعلق بتنازع
الاختصاصات فيما بينهم. هذه المشاكل كانت وما تزال قائمة، غير أنها
برزت بشكل واضح مع تطبيق قانون السلطة القضائية.
ويدعم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تطبيق قانون السلطة القضائية دون
مساومة، ولكنه في الوقت ذاته يدعو إلى ضرورة إيجاد صيغ وحلول لأية
إشكاليات تضمن إدارة العدالة واستقلال السلطة القضائية باعتبارها واحدة
من ثلاث سلطات وليست تابعة لأية سلطة أخرى سواء إدارياً أو مالياً.
و
أعرب المركز عن ارتياحه إزاء التراجع الملحوظ خلال العام 2004 في عمل
محاكم أمن الدولة، امتداداً لقرار وزير العدل السابق عبد الكريم أبو
صلاح، بتاريخ 27 حزيران (يوليو) 2003 بوقف العمل بمحاكم ونيابة أمن
الدولة، إلا أن المركز ما يزال يشعر بقلق في هذا الجانب ويخشى من إعادة
العمل بها في أي وقت. ويرى المركز أن قرار وزير العدل غير كافٍ،
ويطالب بإصدار مرسوم رئاسي يلغي هذه المحاكم التي تشكلت بموجب مرسوم
رئاسي صدر في فبراير 1995.
مساس خطير بالديمقراطية
وفي
شهر آذار (مارس) 2004، انتهت أعمال الدورة الثامنة للمجلس التشريعي،
وبدأت أعمال الدورة التاسعة التي استمرت خلال العام، ونتيجة مباشرة
لإجراءات الاحتلال، لم تنتظم جلسات المجلس التشريعي ولجانه، ومع
الإدراك التام من قبل المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان لحجم المعيقات
والعقبات التي تعترض عمل المجلس التشريعي المتصلة بجرائم الحرب التي
تقترفها قوات الاحتلال، إلا أن تقييم أداء المجلس التشريعي خلال العام
2004 على مستوى المساحات المتبقية من عمله لم يكن بحجم التوقعات،
خصوصاً في مجالي التشريع والرقابة.
ورغم كل ذلك فإن أهم التحفظات على أداء المجلس التشريعي تتمثل في
استمرار تجاوز التفويض الشعبي المتمثل في انتخابات كانون الثاني
(يناير) 1996 والذي انتهي في شهر أيار (مايو) 1999. وعلى ذلك، انتهت
المدة القانونية لولاية المجلس التشريعي دون إجراء انتخابات جديدة.
غير
أن المجلس التشريعي قد مُددت فترة ولايته منذ العام 1999، بناءً على
قرار محكمة استئناف قضايا الانتخابات الذي صدر في 4 شباط (فبراير)
1999، ومنح بموجبه رئيس السلطة الوطنية الصلاحية في تقرير مدة ولاية
المجلس، وما إذا كان سيستمر في عمله أو يصار إلى عقد انتخابات جديدة،
وفي ضوء ذلك قرر الرئيس (الراحل) عرفات في حينه استمرار عمل المجلس
التشريعي بدون إجراء انتخابات تشريعية لأعضائه، وذلك في رسالة بعث بها
إلى المجلس التشريعي بتاريخ 7 آذار (مارس) 1999، وهو ما يُعتبر مساساً
خطيراً بالديمقراطية ومبدأ الانتخابات.
انتهاكات جهات مجهولة و معلومة
ورغم أن هناك تراجعاً في مستوى الانتهاكات الصادرة عن السلطة
الفلسطينية خلال العام 2004، إلا أن هذه الفترة شهدت تزايداً ملحوظاً
في الانتهاكات الصادرة عن جهات مجهولة أو معلومة، يرتبط بعضها بقوى
سياسية أو بأجهزة أمن، ولا يعتبر تراجع الانتهاكات الرسمية دليلاً على
تحسن حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، بقدر ما يعتبر ضعفاً في
المؤسسة الرسمية الفلسطينية بأجهزتها المختلفة، وهذا الضعف راجع بطبيعة
الحال إلى اعتداءات قوات الاحتلال المتكررة على المؤسسات الفلسطينية،
ومقرات الأجهزة الأمنية والسجون، خاصة وأن هذا التراجع لم يرافقه أية
تعديلات على القوانين الصادرة منذ تأسيس السلطة الفلسطينية، والتي
تتضمن مواد تتعارض مع المعايير والمواثيق الخاصة بحقوق الإنسان، إضافة
إلى ذلك فلم يتم إلغاء أي من المراسيم والقرارات التي تقيد حق
المواطنين في تبني الآراء التي يريدون والتعبير عنها.
وفيما يتعلق بتزايد الانتهاكات التي تقيد ضد مجهولين، فإن السبب الذي
يقف وراء تزايدها هو حالة الفوضى والفلتان الأمني الذي تعاني منه
الأراضي الفلسطينية، والصراعات الداخلية بين الأجهزة الأمنية
الفلسطينية، إضافة إلى أن القانون لا يزال مهمشاً، فحتى الجهات الرسمية
لا تقوم بتطبيق أحكامه، ولا يتم تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث،
كما ساهم تقاعس النيابة العامة عن ملاحقة الجناة في زيادة عدد هذه
الانتهاكات، و تفاقم حالة الفلتان الأمني التي تعيشها الأراضي
الفلسطينية.
انتهاك الحق الدستوري
وتنطوي الكثير من ممارسات السلطة الفلسطينية على انتهاك للحق الدستوري
في تكوين الجمعيات، كانت أبرز حالات الانتهاك للحق في تكوين وعمل
الجمعيات التي شهدها العام 2004 هو استمرار العمل بقرار تجميد حسابات
(39) جمعية خيرية وهيئة أهلية إسلامية في قطاع غزة على الرغم من صدور
قرار المحكمة في 21 آذار (مارس) 2004، القاضي بالإفراج عن أرصدة جمعية
الصلاح، ورغم ذلك فما لبثت السلطة التنفيذية أن عادت لتمارس انتهاكها
لهذا الحق، ولحق الجمعيات في العمل دون قيود إلا تلك التي يفرضها
القانون، بدل أن يتم التقيد بتنفيذ قرار المحكمة.
فقد
أصدرت سلطة النقد تعميماً في 27 آذار (مارس) 2004 طلبت فيه من جميع
المصارف العاملة في فلسطين التجميد التحفظي لحسابات (39) جمعية ومؤسسة
إسلامية عاملة في قطاع غزة، وتوالت إثر ذلك التعميم قرارات أخرى صادرة
عن سلطة النقد في محاولة للالتفاف على قرار المحكمة، والتظاهر بتنفيذه
مع استمرار تجميد أرصدة هذه الجمعيات، حيث صدر في 31 آذار (مارس)
التعميم رقم (48) الذي يذكر أن الصرف من حسابات الجمعيات التي شملها
التجميد يتم بناءً على قرار يصدر مباشرة عن وزير الداخلية، دون الحاجة
إلى موافقة سلطة النقد، وبعد هذا التعميم بأيام صدر التعميم رقم (56)
في 6 نيسان (أبريل)، الموجه لكافة المصارف باتخاذ الإجراءات اللازمة
لتنفيذ قرار المحكمة، وفي اليوم التالي صدر تعميم آخر إلى كافة المصارف
بضرورة الالتزام بالتعميم الصادر عنها رقم (48).
131 جريمة قتل
وشهد العام 2004 زيادة غير مسبوقة في حالات سوء استخدام السلاح التي
وثقها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، حيث أدى انتشار السلاح
واستخدامه في نزاعات فصائلية وعشائرية وشخصية إلى إصابة وقتل عدد كبير
من المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة. كما تم توثيق حالات أخرى
سقط فيها فلسطينيون أو أصيبوا نتيجة العبث بالسلاح أو سوء تخزينه، أو
نتيجة الإعداد لعبوات ناسفة أو زرع ألغام من قبل المقاومة الفلسطينية
في مناطق مأهولة بالسكان.
وقد
وثق المركز عدداً كبيراً من جرائم القتل والإصابات على هذه الخلفية بين
المواطنين الفلسطينيين، حيث بلغ عدد ضحايا هذه الظاهرة الخطيرة (131)
ضحية، كان بينها (72) ضحية في قطاع غزة و(59) ضحية في الضفة الغربية.
وتشير المعطيات إلى زيادة في عدد ضحايا هذه الجرائم خلال العام 2004
مقدارها نحو (250 بالمائة) مقارنة مع العام الماضي الذي شهد 53 جريمة
مماثلة، وهو بحد ذاته رقم مرتفع ومؤشر خطير عن هذه الظاهرة.
وتعكس هذه الأرقام حالة الفوضى التي تسيطر على انتشار السلاح، وعدم
خضوع حمل السلاح لضوابط ومراقبة فعالة من قبل السلطة الفلسطينية.
ومقارنة بالأعوام الأربعة الماضية فإن مجموع عدد الضحايا في تلك
الأعوام مجتمعة يبلغ (122) شخصاً، مما يدل على خطورة هذه الظاهرة
وتفاقمها بشكل كبير، ويدق ناقوس الخطر لضرورة التحرك بشكل سريع وعاجل
لمكافحة هذه الظاهرة والحد منها، واتخاذ إجراءات قضائية صارمة بحق
مرتكبيها.
توصيات و مطالب
وأعرب المركز عن ارتياحه للتطورات الايجابية التي طرأت على صعيد بنية
السلطة الفلسطينية التي أعقبت وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات
حيث اتسمت عملية انتقال السلطة بطابع سلمي وهادئ ومنظم، في تماثل تام
مع أحكام القانون، على صعيد منظمة التحرير ورئاسة السلطة الوطنية،
وجرت الانتخابات الرئاسية و المرحلة الأولى من الانتخابات المحلية.
ودعا المركز السلطة الفلسطينية إلى مواصلة الخطوات الايجابية الخاصة
بإجراء الانتخابات، والتطلع إلى إجراء الانتخابات التشريعية في موعدها
المقرر خلال العام 2005، واستكمال إجراء الانتخابات في بقية مجالس
الهيئات المحلية خلال العام ، و اتخاذ إجراءات فعلية تخدم إعادة
الاعتبار والهيبة لسيادة القانون ووقف كافة أشكال الاعتداءات على
القانون .
وطالبت بضبط حالة الفلتان الأمني والتحقيق الجدي في جميع حوادث إطلاق
النار على المواطنين من قبل المكلفين بإنفاذ القانون، وغيرهم، وتقديم
المتورطين للعدالة، وجدد مطالبته بأن تلتزم السلطة الفلسطينية
بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وفقاً لما جاء في الإعلانات والعهود
والمواثيق الدولية ذات الصلة، ومراعاة أن جميع الإجراءات والتدابير
التي تتخذها السلطة تتماثل مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتحترم
الحقوق الأساسية للمواطنين.
و
دعا المركز إلى إصدار مرسوم رئاسي بإلغاء محاكم أمن الدولة، علماً بأن
القرار الوزاري الذي أصدره وزير العدل الفلسطيني، لم يتم الالتزام به
وتم تجاوزه، وأكد على استقلال القضاء، بما في ذلك احترام قرارات
المحاكم الفلسطينية، ودعا إلى إصلاح الأجهزة الأمنية وتحديد اختصاصاتها
بدقة وتنظيم عملها في إطار سيادة القانون وفهمها لدورها الممثل بإنقاذ
القانون .
وطالب المركز إلى إخضاع السجون ومراكز الاعتقال لرقابة السلطة القضائية
وضمان عدم وجود أي معتقل فيها على نحو مخالف للقانون.
وشددت المؤسسة الحقوقية على ضرورة ضمان تمتع المواطن الفلسطيني بممارسة
الحق في حرية الرأي والتعبير وحق التجمع السلمي، وإعادة النظر في
التشريعات ذات الصلة، بما فيها قانون المطبوعات والنشر لعام 1995،
وكذلك إصدار تشريع لتنظيم عمل محطات الإذاعة والتلفزة الخاصة.
وطالب المركز باحترام الحق في تكوين الجمعيات ورفع القيود عن عملها
ونشاطها، بما في ذلك إلغاء قرار تجميد أرصدة الجمعيات الخيرية
الإسلامية في الأرضي المحتلة، واستبدال مرجعية التسجيل والإشراف على
الجمعيات الأهلية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل
|