الانتخابات الفلسطينية والشرعية

 

ضجيج... وفحيح.. وازدحام في الفراغ.. وثعابين تتلوى في حفلات الرقص الفانتازي ، وليس من غائب في هذا الكرنفال سوى الشعب، الذي تغيبه سدنة السياسة الفلسطينية والنظم العربية.

مات عرفات .. من يخلفه.. الوراثة السياسية والصراع على ورم السلطة.. الأموال .. فتح وسهى عرفات .. ومحمد رشيد ( خالد سلام ) اليهودي العراقي القادم من نفس نسيج ضباب عرفات ، الذي ذهبت معه كل الأسرار العالقة، وتم التكتم على مرحلة كاملة من تاريخ شعب اختزله شخص في ظل الشخصية العربية الرسمية، تاركا ألف سؤال دون جواب ، وأحاجي دون فك لشيفرتها أو رموزها.

وفتح المحكومة بكهنتها ، وكبيرهم اليوم عباس البهائي ، تَغْطُس في إثم النجاسة نكاية  بالطهارة. وتجمع على أن يكون عباس صورة عرفات الأكثر تشوها، مرشحها للرئاسة ليحل محل عرفات ، وهذا الأخير كما البعض الأخر ومن في الصورة كلهم من صنائع عرفات أو من إنتاجه. وهم صورة لإعادة إنتاج الأفكار ولكن بصيغة أكثر تشوها ، كونهم الصورة لأصل غير مكتمل. ومع ذلك فما بين الأصل والصورة فارق كبير. حيث ان اعادة انتاج الشيء بالضرورة هو أكثر تشوها من أصله.

وفي هذا الاتجاه تكمن افضلية الفصيل .. الحزب .. التنظيم .. عند القبائل السياسية وترجح كفته على صالح الوطن والقضية.

والسؤال لايجاز الحالة الفلسطينية الراهنة ، رغم استنكاري لكرنفال ما يسمى انتخابات الرئاسة ، أو غير ذلك في ظل الاحتلال أو ظروف القضية والمسارات التي تمر بها. الا يمكن ان يتفق الفلسطينيون على مرشح دون تدخل الكوتة الفلسطينية المتأكلة، وتكون أكثر قبولا لدى الشارع ولدى الفعاليلات الشعبية والثقافية والسياسية؟ وانه لا يمكن ان يكون الا من الحزب أو التنظيم الأقوى والأدسم مالا والوسع صيتا..؟

أم ان العقل السياسي الفلسطيني ما زال يقف عند حدود الفاكهاني ولم يغادره بسلوكه رغم مغادرته له في الزمان والمكان، ورغم التحولات والتطورات التي طرأت على الحالة الفلسطينية والعربية والعالمية. ولكنه ما زال محكوما بمصالح وامتيازات الفصيل والتنظيم ، حتى التحالفات الفلسطينية فانها ما زالت على ذات الضفاف البيروتية والمملكة الفاكهانية، أي في بناء تحالفات تغذي امتيازات ومصالح قيادات هذا التنظيم وذاك الفصيل، ما زالت تحالفات مصلحية تحكمها عقلية القبيلة السياسية، مصالح التنظيم ما زالت فوق مصلحة القضية والشعب والوطن.

كثيرا ما نسمع عن انتقادات جانبية من فصيل أو من مثقف ، او كاتب أو صحفي، ويتحدث كل منهم عن مساويء الاحتكار السياسي ، وعن الفلتان والزعرنة ، وعن الالتفافات والتأمر والعلاقات المشبوهة ، ولكنه عند ( الحزة واللزة ) كما يقول المثل ، لا نسمع منه غير كيل المدائح السلطانية، وتصمت الأكثرية، الا من غضب الله عليهم برفضهم لكل التسويات مع عدو لا يفهم غير لغة الابادة والاحلال والتحلل، وذلك تحت شعار عدم نشر الغسيل الوسخ، حتى لو ضاعت فلسطين. وفي الجانب الأخر دائما ما تكون عينهم على تأثيرات صندوق ( النقد ) الفلسطيني ( الصندوق القومي الفلسطيني ) والعين الأخرى على المكاسب السياسية التي توفر له الامتيازات الأخرى ، من مقعد هنا وموقع هناك ...

باختصار... ان العقل السياسي الفلسطيني ما زال محكوما بمفهوم ونهج ( الكوته ) الفلسطينية.ذلك المفهوم الذي كان وما زال مسيطرا على العقل الفلسطيني، فما زالت فتح تريد النصف زائد واحد ( عنزة ولو طارت ) ، غير أبهين بكل التحولات التي طرأت على الساحة الفلسطينية ، وقدرة بعض الفصائل على تجاوز حالة فتح ، كما حماس والجهاد ، وكذلك انعدام رؤية بعض الفصائل الأخرى الا بالمايكروسكوب، ( الفصائل الميكروسكوبية أو المجهرية ) ، أو تحول البعض الأخر الى حالة اعلامية فحسب ، حتى انهم يدفعون لبعض الاعلاميين وبعض الفضائيات للقاء مع أمين عام هنا أو كادر هناك، أو تصريح أو ما شابه ذلك .. والكل يهدد أو يصيح أو يخشى من أي حالة قادمة ، وكان يحصل وما زال أيضا تحت شعار( المسكينة ) الوحدة الوطنية.

وأمام الحالة الفلسطينية الراهنة، واللعب المفضوح فيما يخص الأخ مروان البرغوثي، وتهديدات عباس زكي بفصله ومحاولة الطيب عبد الرحيم بالتشكيك به وانسحاب أو رفض حماس والجهاد والشعبية كبرى الفصائل الفلسطينية الفاعلة في مواجهة العدو الصهيوني إلى جانب كتائب الأقصى من أية علاقة لها بانتخابات الرئاسة الفلسطينية أو الترشيح لها، فان الحالة تتحول إلى شكل فانتازي أكثر من كونه عملية انتقال للسلطة عبر صناديق الاقتراع واللعبة الديمقراطية.

وذلك للأسباب التالية:

أولا : أية انتخابات تتم تحت حراب الاحتلال هي انتخابات غير شرعية. تماما كما يجري في العراق هذه الأيام.

ثانيا : غياب أكبر الفصائل الفلسطينية والمؤثرة بالساحة على المستويين الشعبي والكفاحي، عن المشاركة، هو بحد ذاته إبطال للشرعية الانتخابية، وتعتبر انتخابات غير شعبية بقدر ما هي انتخابات فرض رؤية لحزب السلطة ومواليها من بعض الفصائل الميكروسكوبية.

ثالثا :ان مرشح فتح ( محمود عباس ) هو المرشح الأكثر تفويضا من العدو الصهيوني، والولايات المتحدة الأمريكية، والقوى الاستسلامية في الساحة الفلسطينية من كونه مرشح الشعب والحائز على ثقة الشعب. فان السيد عباس كان قد أعلن عن توجهاته منذ توليه رئاسة الوزراءفيما سبق، وموقفه من الانتفاضة وما أطلق عليه من عسكرة الانتفاضة، فأسقطه الشعب، حتى السيد عرفات رغم كل مواقفه لم يكن راضيا عن توجهات عباس فساعد على إسقاطه، بينما يعود اليوم ليحل محل عرفات على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكأن من رشحه يريد إنهاء كل ما تبقى في وعد القضية الفلسطينية. واليوم وما أن أخذ التفويض من الحزب الذي ينتمي إليه حتى كان أول خطواته وتصريحاته هو الاستجابة لاشتراطات العدو الصهيوني في وقف ما يسمى التحريض من قبل الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني. وقد لاقى ذلك الأمر استهجانا من قبل الصحفيين الفلسطينيين بالداخل وكذلك من جموع الشعب الفلسطيني.  

رابعا : ان تجربة الاحزاب العربية والفلسطينية جزء منها، أثبتت فشلها في مقدرتها على التعبير عن الحالة الشعبية، وتشهد غزة والفلتان الأمني والقتل والعصابات والفساد وغياب السلطة حتى اثناء وجود عرفات خلال السنوات الأخيرة. ولذلك فانها انتخابات القوى الفلسطينية المشاركة في هذه المهزلة ، وليست ديمقراطية ولا هي نابعة من ارادة الشعب.

خامسا : وفي هذا السياق تطرح هذه الانتخابات مسالة الشرعية ، هل هي شرعية التسويات التي أثبتت فشلها، وشرعية الاستسلام وما يتبعها من مصطلحات مغلفة بما تسمى اليوم الواقعية.. أم هي شرعية المقاومة لعدو لم يحترم عهدا ولا ميثاقا ولا حتى أدنى الاتفاقات، بما فيها ما يسمى بخارطة الطريق ، بل كان وما زال يمعن بالقتل والتدمير والاغتيال والابادة وهدم البيوت وتجريف الاراضي كلما قدم الطرف الفلسطيني تنازلا جديدا، ومرحلة شارون ومن قبله نتنياهو وغيرهم أثبتت للجميع فشل وبطلان هذا النهج الاستسلامي الارتهاني.

سادسا : من الأجدر بهذه القيادة التي قادت المقاومة من فشل الى فشل من أيلول وتجربة الأردن الى بيروت وتجربة لبنان الى تجربة المنافي من تونس الى ..... الى تجربة سلطة الحكم الذاتي المحدود جدا، الى تجربتها الراهنة التي لم تستطع فك نفسها من رهن الاعتقال لما يزيد عن ثلاث سنوات في مقاطعة لا تزيد عن بعض الكيلو مترات المربعة، بمن فيهم ألئك الأمناء العامون الذين فرضوا أنفسهم على فصائلهم وعلى الشعب لأكثر من زمن أي رئيس عربي في سلطة عربية ما .

من الأجدر لهؤلاء ترك القيادة لجيل الشباب ، ولجيل يقاوم وقادر على الاستمرار بالمقاومة ، ومنها وبها يرفض الاعتراف ، جيل لم يذق طعم الهزائم التي جرعتنا اياها هذه القيادات رغم كل الذرائع والمسوغات التي تسوقها لتبرير فشلها وعدم قدرتها .

وهناك ما هو أكثر فظاعة من كل ما ذكرنا، وهو وجود أكثر من شعب فلسطيني، أو أن هناك فلسطيني مواطن من درجة ( أ ) وفلسطيني من درجة ( ب ) ، ففلسطيني الداخل من حقه أن يرشح نفسه وينتخب وله حق المواطنة الأولى، وأما فلسطينيي الخارج فليس من حقهم الترشيح أو حتى الانتخاب، فهؤلاء في عرف السلطة والأحزاب الموالية ليس الا حفنة من اللاجئين ( البدون ) كما ( بدون الكويت ).ولم يقف الأمر عند هذه الحدود بل تجرأ البعض ممن هم من أطراف السلطة على المساومة عليهم وعلى حقوقهم الشرعية والتاريخية كما فعل ياسر عبد ربه وبعض المستوزرين الأخرين في كوبنهاجن وما تلا ذلك في عمان وغيرها. فهؤلاء ورقة المساومة الأخيرة للحصول على فتات سلطة هزيلة منزوعة السيادة وحتى ورقة التوت.فمتى يستفق عقل القيادة الفلسطينية التي ننوء بحملها الى واقع الحال الفلسطيني والمتغيرات التي طرأت على الوضع العام فلسطينيا وعربيا ودوليا.

 

وجيه مطر

كاتب وباحث,عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب و الصحفيين الفلسطينيين و رئيس فرع ليبيا ,عضو المجلس القومي للثقافة العربية

matar_nahif@hotmail.com

  12/19/2004

 

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع