احتضان الفساد وتنميته

 

لو تأملتم بواقعية متفائلة  ما في أوضاعنا في فلسطين مؤخراً - على سبيل نقد الذات- من هزيمة وتردٍ وتخلف ، وهيمنة للاحتلال ومخالبه السامة  ، وغربة نفسية عن الوطن والذات ، وما ينتشر بين الناس بسبب الفساد  والاحتلال  من فلتان  في السياسة والأمن ، وما ينطوي عليه الوضع العام من معطيات الفقر والبطالة  والعمالة والكبت مع السوبر  ستار عمار والرقص حوله، وأشياء أخرى وأخرى ... لوجدتم  أن الفساد هو العدو الرئيس لوطننا ، وشعبنا ، ومؤسساتنا، ومستقبلنا..والأخطر من الفساد والمفسدين أن يحتضن أصحاب سلطة ما  فاسدين صغارا أو كباراً ، فيقومون بتنمية فسادهم ورعايته بما يسهم  في هدر الطاقات كلها  إلى هاوية بلا قرار ..

هكذا نجد  الأوضاع العامة   في ظل استغلال  " أوسلو "تسير من السيئ إلى الأسوأ ؛ لأن  رءوسنا غدت تحت رحمة سكاكين مثلمة في أيدي الفاسدين المفسدين .. ويا لها من سكاكين سامة ، عندما تدمي  الشرايين النظيفة ؛ فتشلّ وجودنا وقدراتنا  وأمانينا !! 

كيف نحارب عدواً صهيونيا نازياً، ونحن مكبلون بعنكبوتية الفساد والمفسدين؟!أبإمكاننا أن ننجز مشاهد وطنية وثقافية واجتماعية واقتصادية نظيفة و فاعلة..وبين أضلعنا مفسدون؟! كيف نؤكد حضورنا  أينما وجدنا  وقد غدت مقاليد أمورنا  بين حوافر من يحتضنون شبكات الفساد المافياوية البشعة ؟ هل الرشوة ، والمحسوبية ، وسرقة المال العام ، وهدر الطاقات، وتزوير السلع ، ومافيا المخدرات، وهتك الأعراض ، والسمسرة ، والعمالة ، و..و.. قادرة  على  أن تكوّن وطناً  يفرض نفسه من خلال كرامة مواطنيه على الأعداء قبل الأصدقاء؟!

قد ندفن رءوسنا  في الرمل كالنعامات، ونقول :"نحن في مجتمع مثالي مناضل منتفض" ..حينها ستزداد أزماتنا ، وتتعمق مأساتنا،ونغترب في الاختلافات الصغيرة؛ فما بالكم بالمعقدة أو الكبيرة !!

تبدو المشكلة في المحصلة ليست في قلة الفاسدين أو كثر تهم ..وإنما في ظاهرة تماديهم وعمق تأثيرهم  أولاً، وفي  تموقعهم  في مواقع سلطوية حساسة ثانياً ، وفي احتضانهم وتنميتهم للفاسدين  الصغار على طريقة انتشار الأورام الخبيثة  في الخلايا النظيفة ثالثاً ، وفي  بلادة المسئولين  تجاه محاربة الفساد والمفسدين بسبب الخوف منهم أو من محسوبياتهم  أو غير ذلك رابعاً ، وفي كآبة الجمهور العام واستكانته  وفق أمثال شعبية : حط راسك ..وامش الحيط..خامساً ، وفي انخفاض مستوى جرأة أقلام  الكتاب والإعلاميين – لاكتئابهم أو يأسهم -  عن فضح الفساد  والمفسدين سادساً ، وفي  غياب المنهجية التربوية  التعليمية  التي تربي الفرد  في الأسرة والمدرسة والشارع والمؤسسة  على مبادئ محاربة الفساد  وفضحه  سابعاً، وفي موت ضمائر الفاسدين  وعدم اتعاظهم ثامناً، وفي غياب المؤسسات الرسمية والشعبية الفاعلة   في مكافحة الفساد وتتبع خيوطه المافياوية  للفتك به تاسعاً ، وفي عدم المساندة الشعبية  لمحاربي الفساد  وتركهم فرائس سهلة  لمخالب الفاسدين  وسلطاتهم البشعة  عاشراً ..!ّ!

كأنّ  قضية الفساد والمسدين أبسط مما نتوهم ، وأعقد مما نتوقع..ومع ذلك فالمشكلة  الكبرى ليست  في قلة أو كثرة الفاسدين ؛ وإنما فيمن يحتضن هؤلاء!!

ولا يملك المواطن المقهور، الموجوع، المغلوب على أمره، المغترب عن ذاته ،  المريض بأوهام الخوف والعزلة ، المعاني من الاحتلال السرطاني  ومن كل الأشياء من حوله ، اليائس من سياسة الإصلاح  على أيدي المفسدين، الدافع للضرائب كلها ...إلا أن  يعد نفسه ميتاً في مقبرة ، أو رأسا بين الرووس تحت سيف السيّاف أو لبنة في الحيط.. الحيط، ويارب السترة .. ودوما نقول اللهم لا نسألك رد القضاء ، ولكن نسألك اللطف فيه !! 

تقول الحكمة الشعبية: " القرد في عين أمه غزال" .وهنا لا ينبغي للغزال النظيف أن يغضب أو يشعر بالمهانة ؛ ما دام القرد سيبقى  في عيون الآخرين قرداً ، ولا اعتراض على مخلوقات اللهً.. في ضوء ذلك  كأننا لم نغضب  عندما رأينا الفاسد المدير السابق  لفرع الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة غزالاً في عين السيد  تيسون رئيسه في الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة؛ انطلاقاً من أن القرد وأمه لا يمكن على أية حال من الأحوال  أن يكونا - على سبيل الحقيقة لا المجاز - من فصيلة الغزلان ،و ليس بإمكان الغزلان أيضاً  أن تصير قروداً ،وإن كانت القرود تحل مكانها  على طريقة " تبدلت غزلانها بقرودها"!!  

منذ أن جاء السيد تطشان (مدير فرع الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة  السابق بالرياض) ليديرالفرع المذكور ، وخلال أكثر من أربع سنوات من حكمه الفاسد الجائر ، وهو يتصرف  على طريقة القرود ، يضع أموال الفرع  الذي هو فرع حكومي لأبناء الشعب الفلسطيني في حسابه الخاص ، يبذخ منه على نفسه ،ويتصور العاملين  في الفرع مجرد مسترزقين  يستغلهم بطرق عجيبة غريبة قد لا تتصورون بعضها..والأكاديميون  في رأيه يشمون الفلوس ويركضون وراءها كالكلاب، وير يد من الموظفين  أن "يبوسوا صرمايته" ليبقيهم في الفرع ، ويسعى إلى استغلال الجميع لمصالحه  الخاصة بطرق يعجز القلم عن وصفها ، ويرتشي، ويشتم بشتائم  أغرب من الغريبة؛ أكثرها من ابتكاره ، وفي الأعراض  تحديدا،و"يدهلس" بطرق  أعجب من العجيبة  حتى تظنه مولوداً من البراءة الخالصة؛ ويزوّر، ويفتن ، ويتسلّط ، ويسلّط ، وينتهز ، ويسرق ، ويغتاب ، ويتغيَّب عن الوعي ، ويدعي العبقرية والفهم ، ولا يعترف أنه  في الخامسة والسبعين ، مصراً على أنه ما زال في عمر أقل من الخامسة والخمسين ، وشهادته الجامعية - في تصوره - لا شهادة قبلها أو بعدها ؛ علما بأنها قد تكون مزورة في بعض الآراء!!

كان السيد تيسون رئيس  الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة، يدرك منذ البداية  أنه يحتضن فاسداً من الدرجة الأولى ، وأن هذا الفاسد  أو القرد مع تقديري لفصيلة القرود  في الغابة على   هذا التشبيه المجحف بحقها ؛لن يجر إلى رئيسه سوى  الكارثة فوق الكارثة ولو بعد حين..والسيد تيسون  بحكم منصبه الكبير ؛ حاكماً بالتسلط  لإمبراطورية تيسون العجيبة ؛ ليس بوسعه  أن يتخلى عن هذا القرد المدجن  الذي يراه غزالاً  مخلصاً في تحويل الحوالات المالية  من حساب تطشوني خاص  إلى حساب  تيسوني خاص ..فالكل كان يدرك  أن تمسك  السيد تيسون بالمدير الفاسد  تطشان مدة أربع سنوات عجاف كان   نابعاً  من مصلحة الفساد المشتركة بينهما على طريقة " غنيلي تأرقصلك" ؛ وهي مصلحة فساد بشعة، قد تأذى منها الأكاديميون ، والموظفون ، والدارسون ، وأبناء الجالية الفلسطينية ، وأهل البلد الطيب.. الكل كان يصرخ ، ويستغيث ..لكن لا حياة لمن تنادي ؛ فقد وضع السيد تيسون في أذنه الأولى بطوناً، وفي الأخرى زفتاً ..وغدا يقول عن تطشان  : " هذا أبونا في الأكاديمة الفلسطينية المفتوحة ".. ومع هذا الكلام الأبوي المشبع بالفساد ( مع التقدير للأبوة الخالصة من التزلف بألفاظها ) لا تستغربوا أن تروا العجوز تطشان يحمل أغراض رئيسه السيد تيسون من غرفة  الفندق الفاره إلى سيارة المطار؛  على الرغم من أن تطشان أكبر من تيسون بخمسة عشر عاما !!

يصر السيد تيسون  في خطاباته العديدة الفصيحة التي لا تخلوا من بعض الركاكة  في اجتماعاته بناس الفرع المقهورين المستسلمين  على الدفاع عن قردنة  فساد تطشان  التي طنطن ، بل غنى بها الجميع .. فغزلنها مغزل تيسون  أمام الآخرين السذّج  في رأيه ، والهدف من ذلك كله أن يحفاظ  الإمبراطور تيسون على ما يحوله  السيد تطشان  من مئات الآلاف  من الدولارات  في كل فصل دراسي إلى حسابات  يمتلكها  أو يتصرف بها تيسون..فالفرع على أية حال صار دكانة للتجار الفاسدين ..وآخر شيء  ينظر إليه  في الحسابات المادية  هو التعليم والتربية والأخلاق.

لا تشعروا  بالشفقة  عندما ترون السيد تيسون يتمسكن ؛  وهو يخطب أمام  الدارسين المحتجين على الأقساط الدراسية  العالية ، فيقسم  لهم أن فرع الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة بالرياض  بالكاد  يحلب  لهم ما يغطي مصاريفهم ..  فيصمت الدارسون  الموجوعون بوجع جيوبهم  على مضض ،  على الرغم من أنهم سمعوا كثيراً  عن  التحويلات الدولارية الضخمة  من حساب تطشان إلى حساب تيسون .. ثمّ من أين لهم  بالوثائق ، والبنك يحافظ على السرية ، وتيسون وتطشان  محترفان ،  و التحقيق يحتاج إلى خطالبات من مسئولين  يحتضنون كلاً من  تيسون وتطشان !! ولله في خلقه شئون.. إنّا لله وإنّا إليه راجعون  !!

قد تكون هذه الحكاية متخيّلة .. وحينها أقول :ماذا لدنيا  أكثر  من هذا الخيال النظيف لنبدأ به  الحقيقة؛ فالكتابة هنا يا سادة لا تؤمن بنظرية  المحاكاة الأفلاطونية .. بإمكانكم  أن تعدوها ولادة من حقيقة  الشعور والخيال المبدع  على طريقة كانت وهيغل وكولردج !!

ما كتب عن  فساد رئيس  الأكاديمية الفلسطينية المفتوحة  من خلال  مقالات وتعليقات  في صحف: دنيا الوطن  ، وشرق وغرب ، والوطن ،والحقائق ، وفلسطين الحرة  وغير ذلك  كفيل  بأن يسجنه على ذمة التحقيق .

أما  أن  يكون كل ما كتب  عنه مجرد هراء  في تصور بعض المسئولين؛ فإن هذا الموقف منهم تحديداً  يضعهم في دائرة الفساد والمفسدين ..فالإجرام بحق الوطن والمواطن يكمن -  في أعلى مستوياته – عندما  يحتضن بعض المسئولين عن قصد أو حسن نية رعاية الفاسدين ؛ مما يولد عنجهية  هؤلاء و جشعهم إلى السسلطة التي تسفح  دماء الوطن وأهله  ومنجزاته وماله على قارعة الطريق .

لا بدّ من تحديد الفاسدين ، والإشارة إليهم بأصابع الاتهام ، ومحاكمتهم ليكونوا  عبرة لمن  يعتبر ،  ومصيرا منتظراً  لمن لا يتعظ.. وحينها لا فائدة من الحديث العام عن فاسدين  على وجه التعميم ؛ وكأننا  نُنظِّر لهروبهم،  ونفضح  أوراقنا ، ونجعل الفاسدين  يتحوطون في ضوء كتابتنا ؛ لينجوا مما ينتظرهم   ، فيصير فسادهم مما لا يكشف بسهولة !!

كيف تحول الوطن العظيم بشهدائه، وأسراه ، وأيتامه ، وأرامله، وشرفائه،وزيتونه ، وأشعاره ، وحكاياته .. إلى مجرد  ساحة مقناص ، يصطاد فيها هؤلاء الفاسدون منافع زائلة ، وينجبون خرائب  بائدة، وقد شلت ضمائرهم البائسة في حلوقهم  !!

أكثر ما نخشاه : أن ينمو الفاسدون الصغار ، ليصيروا كبارا ، فيحتضنون فاسدين صغارا ، فيغدو الحبل  "الوسخ " جرارا ..وحينها أين يمكنكم أن تجدوا الوطن  وناسه الشرفاء ومنجزاتهم  العظيمة ؟!!

د. حسين المناصرة

روائي وقاص فلسطيني

  7/9/2005

 

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع