هيئات دولية تتحرك فجأة في مخيمات اللاجئين

 

تعود فجأة قضية اللاجئين، لتبرز على الصعيد الفلسطيني، بطريقة جديدة لافتة للنظر. جهات دولية علمية عديدة، تتحرك فجأة لعقد ندوات تثقيفية تنشغل بسؤال واحد: ماذا يريد اللاجئون الفلسطينيون وما هي خياراتهم؟

لم يسبق لقضية اللاجئين الفلسطينيين أن طرحت نفسها كقضية مستقلة، أو منفصلة عن الإطار العام للعمل النضالي الفلسطيني، فلم يوجد مطلقا منذ تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 حتى اليوم، اجتهاد يعمل على أساس أن هناك الشعب الفلسطيني من جهة، واللاجئون الفلسطينيون من جهة أخرى. كان العكس دائما هو الصحيح، فاللاجئون الفلسطينيون هم جزء أساسي من الشعب الفلسطيني، وهم يشاركون شعبهم في النضال من أجل حقوقه الوطنية، ويوجد «حق العودة» داخل إطار هذه الحقوق الوطنية بشكل طبيعي. حدث هذا حين تكونت وانطلقت الحركة الوطنية الفلسطينية من الخارج، من خلال تجمعات الفلسطينيين (اللاجئين) في البلاد العربية. وحدث ثانية حين تركز العمل النضالي الفلسطيني في الداخل، في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين عام .1967 وكان «مجتمع المخيمات»، إن صحت التسمية، جزءا أساسيا من حركة النضال الفلسطيني من أجل طرد الاحتلال، ومن أجل حق العودة. ولم يحدث قط أن وضع «مجتمع المخيمات» نفسه في طرف، ووضع الشعب الفلسطيني في طرف آخر. لم يحدث قط أن قال «مجتمع المخيمات»: اسمع أيها الشعب الفلسطيني، أنا أريد كذا وكذا، بل ربما يصح القول إن «مجتمع المخيمات» كان القاطرة التي تحرك العمل النضالي وتقوده نحو دحر الاحتلال، ونحو بناء الدولة الفلسطينية المستقلة، ونحو حق العودة. برز ذلك بوضوح في الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، وفي الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، وأصبح الكل في إطار العمل النضالي الفلسطيني في بوتقة واحدة.

وقد طرأ تحول نوعي على عمل اللاجئين الفلسطينيين حين اقترب موعد مفاوضات الحل النهائي (عام 1999 ـ 2000). فلما كانت مفاوضات الحل النهائي تتضمن البحث في مستقبل قضية اللاجئين، وكان الكل على معرفة ودراية برفض إسرائيل القاطع لبحث قضية عودة اللاجئين من حيث المبدأ، فقد بادر اللاجئون الفلسطينيون بشكل عفوي إلى تنظيم أنفسهم في هيئات ومؤتمرات، تؤكد حق العودة كشرط أساسي لتسوية إسرائيلية ـ فلسطينية، واتسمت هذه التحركات بأنها تحركات شعبية، وبمبادرات شعبية، بعيدة عن السلطة الفلسطينية، وبعيدة عن الفصائل الفدائية، ومن دون أن تكون معادية لها. لقد كانت تحركات تعبر عن المجتمع المدني الفلسطيني في أماكن وجوده. ويندر الآن أن تذهب إلى أي مدينة عربية، أو إلى أي مدينة أوروبية أو أميركية، ولا تجد فيها لجنة تعمل من أجل حق العودة. وقد عقدت هذه اللجان مؤتمرات متعددة، كبيرة وصغيرة، صاغت فيها رؤاها ومطالبها، ومن يطلع على تلك الرؤى والمطالب، يكاد يجد فيها لغة سياسية وقانونية وإنسانية وأخلاقية واحدة، تطالب بحق العودة إلى الأرض والوطن باعتباره حقا طبيعيا من حقوق الإنسان.

وقد أحدث هذا التحرك الشعبي الواسع من قبل اللاجئين الفلسطينيين تأثيره الواضح على المفاوض الفلسطيني، فذهب إلى كل جلسة مفاوضات مع الإسرائيليين أو الأميركيين وهو يدرك زخم موضوع اللاجئين ومركزية شعار حق العودة في حياتهم ومطالبهم، وشذ عن ذلك بعض الأفراد الذين تحولوا إلى منبوذين بسبب دعوتهم إلى التخلي عن حق العودة. ونستطيع أن نقول الآن إن حركة «حق العودة» في أوساط اللاجئين (5 ملايين نسمة) هي المعلم السياسي الفلسطيني البارز بعد توقيع اتفاق اوسلو 1993، وهي الإضافة النوعية إلى العمل النضالي الفلسطيني.

نخلص من هذا إلى القول بأن اللاجئين الفلسطينيين قد تحركوا، وتجمعوا، وعبروا عن أنفسهم، بهيئات موجودة علنا، ومنظمة ديمقراطيا، كما عبروا عن أنفسهم بآراء واضحة، وبدراسات معمقة، وبحجج سياسية وأخلاقية وقانونية.

ولكن رغم كل ذلك، فإننا نشهد حاليا تحركا لافتا للنظر، يثير الدهشة والتساؤل، تقوم به هيئات دولية (بواجهات فلسطينية)، تعود بنا مرة ثانية إلى نقطة الصفر لتسأل: ماذا يريد اللاجئون الفلسطينيون؟ وتعود بنا مرة ثانية إلى نقطة الصفر لتقول: يستحق اللاجئون الفلسطينيون أن يشكلوا هيئات ومنابر تعبر عن مطالبهم ورغباتهم. يتجاهل هذا التحرك الدولي النشاط الشعبي الفلسطيني الهائل القائم على مستوى العالم كله، بواسطة اللاجئين الفلسطينيين أنفسهم، ويتجاهل هذا التحرك الدولي الرأي العام الجازم والقاطع الذي عبرت عنه هذه النشاطات، والمطالبة كلها بحق العودة، وتصر على أنها ستبدأ العمل لمعرفة ماذا يريد اللاجئون الفلسطينيون، وضرورة بناء الهياكل التي يعبرون من خلالها عما يريدون. وإذا كان من حق هذه الهيئات الدولية أن تعتبر نفسها في موقع بعيد، يستدعي منها أن تذهب إلى اللاجئين وتسألهم، فما هي حجة الأشخاص الفلسطينيين المشاركين معهم؟ هل هم غرباء عن مجتمعهم حتى أنهم لا يعرفون ماذا يريد اللاجئون الفلسطينيون؟ هل هم مستشرقون يدرسون عينات من اللاجئين الجاهلين المتخلفين ليعلموهم كيف يفكرون بشكل سليم؟ نقول كل هذا من أجل أن نلفت النظر إلى بعض النشاطات الدولية الدائرة في هذا الصدد الآن.

أولا: مشروع «كيفيتاس» الذي يعرف نفسه في موقعه على الإنترنت كما يلي «مقره كلية نيفلد، جامعة أكسفورد، ويموله الاتحاد الأوروبي..... سينشئ هذا المشروع أنواعا محددة من الهياكل والآليات التي يحتاجها اللاجئون الفلسطينيون، ومجتمعات الشتات، خارج الضفة الغربية وقطاع غزة». وتدير هذا المشروع شخصيات أكاديمية فلسطينية، تحول أحدهم خطيبا في مسجد في الدنمارك ليبشر بأفكاره.

ثانيا: مؤسسة «بانوراما» الكندية، والتي تعرف نفسها على موقعها في الإنترنت بأنها تأسست عام 1972، وهي تخدم أجندة الحكومة الكندية. وقد قامت هذه المؤسسة أخيرا بعقد ورشات عمل لمجموعة من شباب مخيمي قلنديا والجلزون في الضفة الغربية، لدراسة وقياس مدى الوعي للحلول المقترحة حول حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وذلك بناء على دراسات أعدها باحثون فلسطينيون ويهود. والمعروف أن كندا هي من أكثر الدول استيعابا للمهاجرين والعمل على توطينهم. والمعروف أيضا أن كندا تترأس لجنة اللاجئين في المفاوضات في «المفاوضات المتعددة الجنسيات» التي رافقت مؤتمر مدريد، وقد أزالت هذه اللجنة من جدول أعمالها الإشارة إلى القرار 194 الخاص بحق العودة، بناء على طلب الوفد الإسرائيلي.

إن الجديد في عمل هذه المشاريع، أنها تخرج لأول مرة من إطار العمل الأكاديمي، وتذهب مباشرة إلى مخيمات اللاجئين لمخاطبتهم، قافزة حتى من فوق كل اللجان الشعبية العاملة في إطار حق العودة.

لماذا؟ لماذا هذا النشاط وبهذه الطريقة؟ لماذا يتم تجاهل الهيئات القائمة ومواقفها؟ لماذا يتم درس الموضوع وكأنه يتم للمرة الأولى؟ لماذا يتم التعامل مع اللاجئين وكأنهم جهلة، وعليهم أن يتعلمون، وعلينا أن ندرسهم كما يدرس العالم الجراثيم في المخابر؟

أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات، وخوف كامن أن الهدف الرئيسي من وراء كل ذلك هو القول للاجئين الفلسطينيين، هناك بدائل أخرى مغرية غير حق العودة، ونحن جئنا لنعرضها عليكم، ولنعلمكم كيف تصلون إليها بالهجرة أو بالتوطين.

بلا ل الحسن

الى صفحة بدون تعليق

الى الصفحة السابقة

هذا الموقع لايمثل اي مجموعة أو حزب أو حركة إنما يهتم بقضايا الشعب الفلسطيني، وما يعرض لايعبر بالضرورة عن رأي الموقع