هل تدق "فتح" كل أجراس الخطر؟؟
بقلم: أنور حمام
*
بعد
نتائج الانتخابات البلدية (في الضفة وغزة) والانتخابات الرئاسية كان
على حركة "فتح" أن تدق كل أجراس الخطر، ولكن الذي حدث على العكس من ذلك
تماما، فهي تسير نحو الانتخابات التشريعية بلا أي اعتبارات أو حسابات
دقيقة، تاركة مصيرها في مهب رياح عاتية، قد تعصف بها، وتجعلها خارج
حدود ما أنيط بها من دور تاريخي، وكأن مرحلتها التاريخية قد قاربت على
نهايتها. وبكل تأكيد إن حركة "فتح" أمام منعطف حقيقي، قد يودي بها
وبمشروعها، بل هي أمام رهانات وتحديات مقلقة قد تمس وجودها ومكانتها
وهيبتها وسمعتها وتأثيرها، خصوصا وأن الانتخابات التشريعية القادمة
تختلف عن سابقتها التي حدثت عام 1996 والتي تبارت فيها "فتح" مع نفسها
ومع ثلة من المستقلين، وفصائل صغيرة، ولكن من المفترض أن تشهد
الانتخابات المرتقبة تنافسا حادا بين مختلف التيارات والقوى السياسية
الفلسطينية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، وهذه المنافسة وحسمها
سيعني حسما للتوجهات المستقبلية الفلسطينية سياسيا واجتماعيا واقتصاديا
وغيرها من المستويات المجتمعية.
توجهات الناس باتجاه الأشخاص "المحترمين"..
بكل بساطة يذهب الناس الى صناديق الاقتراع، يبحثون عن شخص ينطبق عليه
مفهوم جديد- قديم وهو "مفهوم المحترم"، هكذا يعبّر الناس عن الشخص الذي
سيضعون ثقتهم به، قد يكون هذا الشرط (المحترمية) فوق الاعتبارات
التنظيمية والعشائرية والجهوية، فالناس قد نفضت يدها من شخصيات كثيرة
كانت حاضرة بكثافة على شاشات التلفزيون
والفضائيات، ولكنها كانت غائبة أمام هموم المواطن ومطالبه وأمنياته،
بالتالي ليس أمام حركة "فتح" متسع لمزيد من تضييع الوقت، بل ربما هي
مطالبة بعقد ورشة عمل كبيرة وداخلية للخروج بمجموعة من الأشخاص
المحترمين (على حد تعبير الناس)، ليكونوا مرشحيها للانتخابات، وللخروج
برؤية وبرنامج مؤهل وصادق ومقنع لحشد جمهور الحركة خلفها نحو التحدي
الحقيقي الذي تفرضه الديمقراطية الفلسطينية عبر صناديق الاقتراع.
إحدى المشاكل الكبرى التي تعانيها حركة "فتح" هي مشكلة داخلية بالأساس،
كيف سيتم إقناع أبناء الحركة أنفسهم بمرشحي الحركة، أسئلة كثيرة تثار
حول المعايير التي ستتبعها "فتح" في اختيار مرشحيها، والمعايير التي
سيتم إتباعها ليكون هذا الشخص مرشحا ضمن القائمة والآخر ضمن الدائرة
الانتخابية، كيف ستضمن "فتح" الذهاب إلى الانتخابات بقائمة موحدة تلقى
إجماع أبناء الحركة والتفافهم حولها، وما هي الآليات المرضية التي
ستتبعها "فتح" كي تحدد قائمة لمرشحي الدوائر بشكل يضمن عدم ترشح
أبنائها خارج القوائم كمستقلين.
سيناريوهات مقلقة:
من المؤكد أن "فتح" كحركة تحرير ليس أمامها في الأفق المنظور إلا
مجموعة ضيقة من الاحتمالات والسيناريوهات لا أحد يدري أيها سيتحقق،
وعلى كل حال لكل من هذه السيناريوهات مخاطره ونتائجه التي قد تكون
كارثية أو منقذه، ذات نتائج مفجعة أو ربما العكس، وبالتأكيد الحديث عن
السيناريوهات يجب أن يكون دون تغييب حقيقة أن الحقل السياسي الفلسطيني
هو نتاج لنوعين من الديناميكية، ديناميكية داخلية بما تحتويه من علاقات
وتجاذبات وعلاقات قوة ومصالح ورؤى ووسائل البقاء السياسي، إضافة
لديناميكية خارجية يتداخل فيها الإقليمي والدولي والعربي والإسلامي.
1-
سيناريو "ليس بالإمكان أفضل مما كان"
سيناريو لا يدرك بأن "فتح" أمام تحدي حقيقي، وهو سيناريو يحاول جاهداً
عدم الخوض بالحقائق، متستر بستار حديدي من الشعارات، والمقولات النظرية
التي عادة ما يتم إعادة إنتاجها لتتلاءم مع كل الأوقات، ولكنها تبقى
شعارات ومقولات بدون أي دلالات أو جدوى، ويعيش دعاة هذا السيناريو حالة
من الوهم السياسي إن صح التعبير يصل حد الغرور، وهو سيناريو لا يكاد
يرى الحقيقة كما يطرحها الواقع من وجود خصوم حقيقيين سيخوضون معارك
الانتخابات بكل قوة وحتى الرمق الأخير، وهو سيناريو لا يدرك مدى أهمية
أن تذهب للانتخابات بشخصيات ذات كفاءة وقدرة وإمكانيات، بل هو سيناريو
يقف في حدود ثلة من الشخصيات الفتحاوية التي طحنها الواقع، وملّ منها
الشارع الفلسطيني، والأخطر أن يتمادى دعاة هذا السيناريو بدعوتهم
للذهاب للانتخابات بشخوص فشلوا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أو شخصيات
غير مقنعة مطلقا للكادر الفتحاوي، أو شخصيات لطالما تلاعبت واستخفت
بعقول الفتحاويين قبل غيرهم، وكان لها دور بارز في تراجع شعبية الحركة.
والسؤال الكبير المطروح على هذا السيناريو هو كيف سيتم إقناع أبناء
الحركة بالقائمة غير المرضي عنها، وما هي الضمانات لكي يلتف حولها
جمهور فتح، وماذا لو حدث واختار عدد من أبناء فتح النزول كمستقلين
للانتخابات.
هذا
السيناريو يطرح أفقا مرعبا، يجعل الحركة أمام احتمالات صعبة للنجاح،
وأجزم أن هذا السيناريو سيدمّر حركة "فتح" من الداخل، وسيكون بداية
للعد التنازلي لدور "فتح" ولنجمها الذي أوشك على الأفول في ظل هذه
الافتراضات الصعبة.
2-
سيناريو "النهوض بواقع الحركة".
دعاة هذا السيناريو يقولون بأن الحركة عليها أن تنهض بواقعها الداخلي
أن كانت ستستمر في قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، وضرورة عقد ورشات
عمل كبيرة لأبناء الحركة من كافة المستويات، وحوار جدي، وإعادة صياغة
العلاقات التنظيمية بحيث يتم ردم الفجوة ما بين القيادة والقاعدة،
ويرى هذا السيناريو أن الأمر سيفضي إلى ذهاب الحركة للانتخابات بقوائم
جديدة (يتم انتخابها أو التوافق عليها)، وهذه القوائم بالضرورة ستحوي
أسماء لشخصيات أصحاب تاريخ نضالي مشرف، وأصحاب كفاءة ومقدرة، وبكل
تأكيد أشخاص لم تلوّث أيديهم بالمال العام ولم تثر حولها شبهات
بالفساد، وهؤلاء الأشخاص هم التعبير الحقيقي لنبض الشارع الفتحاوي
ومطلب المتعاطفين مع "فتح".
هناك حالة إجماع لدى أبناء الحركة بأن "فتح" مليئة بالمئات من هؤلاء
الأشخاص الذين يتمتعون باحترام عالي وبمكانة اجتماعية-نضالية تؤهلهم
بلعب أدوار سياسية مستقبلية، وهم أشخاص لديهم روابط متينة مع القواعد
الجماهيرية في المدن والقرى والمخيمات، وفي أوساط الطلبة والعمال
والنساء ولدى المثقفين ورجال الأعمال والنقابات والاتحادات والمؤسسات
الأهلية، هذا السيناريو يفترض إقصاء واستبعاد كل من أساء استخدام
السلطة في الفترة السابقة، وكل المتهمين بالفساد.
والسؤال الكبير كذلك المطروح على هذا السيناريو، هل هناك متسع من الوقت
للقيام بحالة نقد ذاتي جدية، وهل حقا إذا ما حدثت ورشات داخلية لأبناء
الحركة سيتم الالتزام بتوصيات هذه الورش، أو ستتحول هذه الورش للتفريغ
النفسي فقط؟؟
3-
سيناريو "أداء السلطة وانعكاسه على حركة فتح"..
السلطة شاء من شاء وأبى من أبى في نظر الغالبية العظمى من الشعب
الفلسطيني هي نتاج لحركة "فتح" التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية،
وهي في أحسن حالاتها حزب السلطة الأول، وبالتالي حركة "فتح" ستتحمل
حسنات وسيئات الأداء داخل إدارات وأجهزة ومؤسسات ووزارات السلطة، وفي
هذا الإطار هناك احتمالان لا ثالث لهما فيما يتعلق بأداء السلطة:
الاحتمال الأول: ستسعى السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة الى
الالتزام ببرنامجها الانتخابي المعلن، وسيشهد المجتمع الفلسطيني جملة
من الإجراءات والقرارات والتطورات الإيجابية على مستوى إصلاح البيت
الداخلي ومؤسساته، وسيرى الناس إقصاءً ومحاسبةً لثلة من الفاسدين،
وسيتم ضبط الأجهزة الأمنية وتعزيز دورها في حماية الإنسان الفلسطيني
وأمنه، وتعزيز فرص العمل، وتطبيق القانون، وإصلاح جدي لمؤسسة القضاء،
ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وسيحدث نوع من الرضى لأن ما تم
انتخابه قد كان صادقا وفيا لما طرحة في برنامجه الانتخابي.
هذا
الاحتمال يفترض تعاطفا شعبيا عارما مع السلطة، وتغير النظرة لها، وهي
بذلك ستدعم حظوظ حركة "فتح" باعتبار أن "فتح" هي قائدة مشروع التغيير،
وأيضا سيكون لدى أبناء "فتح" مبررات للمشاركة بفاعلية في عملية إنجاح
قائمة مرشحي حركة "فتح" في الانتخابات القادمة.
الاحتمال الثاني: أن لا يرتقي أداء السلطة لمستوى ما طرح من شعارات،
وأن لا يتم عمل خطوات حقيقية في قضايا الإصلاح ومحاسبة الفاسدين
وإقصائهم، وأن تبقى الأمور سياسيا تراوح مكانها، هذه الوضعية سوف تضعف
بكل تأكيد من حظوظ حركة "فتح" في الانتخابات التشريعية القادمة، لأن
"فتح" من جديد ستعود لتتحمل وزر أخطاء السلطة.
أخيرا:
هل حقا يدرك أصحاب القرار داخل حركة "فتح" حجم التحدي المطروح عليهم؟
هل حاول بعضهم البحث الجدي فيما يدور من حوارات ونقاشات داخل أوساط
أعضاء الحركة ومؤيديها ومناصريها؟ من المؤكد أنه قد آن الأوان أن تجلس
القيادة الفتحاوية وتصغي وتستمع وعلى أبناء "فتح" أن يتحدثوا بصراحة،
وربما على "فتح" أن تقوم بعملية مراجعة جدية، بوسائل علمية حقيقية،
ابتداءً من عقد ورشات داخلية لأبناء الحركة والذين تم اقصاؤهم في
المرحلة السابقة، وعقد لقاءات وزيارات ميدانية أو ربما يكون من الأجدى
استطلاع آراء أبناء الحركة بكل ما يدور، ويمكن أن يتم عمل استمارة
تقييم، أو صندوق اقتراحات، ولكن بكل تأكيد ليس هناك متسع من الوقت
لمزيد من الجلوس بدون تحرك، وربما ان ما تحتاجه "فتح" هو إطلاق العنان
للمبادرات الهادفة للنهوض بواقع الحركة، قد تبدو المبادرات والاقتراحات
فيها الكثير من الأحلام والخيال، ولكن ربما "فتح" أيضا أحوج ما تكون
الى خيال رحب مبدع (وليس مغامرة) ينشلها من احتمالات مرعبة وباهظة
الثمن.
*
باحث فلسطيني من مخيم بلاطة.
|