دعوة حركة فتح لحكومة وحدة وطنية
هل هدفها الحد من شعبية حماس
المتنامية؟
تقرير من إعداد: سري سمور – جنين-فلسطين
رفضت حركة المقاومة الإسلامية(حماس) دعوة اللجنة المركزية لحركة فتح
لتشكيل حكومة وحدة وطنية ،هذا الرفض جاء في الوقت الذي تعيش فيه مدينة
قلقيلية في شمال الضفة الغربية أزمة جرّاء رفض مجلسها البلدي إقامة
مهرجان للغناء والرقص على أرض المدينة وإعلان المجلس أنه يتلقى تهديدات
من جهات مجهولة لإجباره على التراجع عن موقفه،فيما اعتبرت أوساط في
السلطة الفلسطينية إضافة للقائمين على المهرجان(عادة مقربين من السلطة)
أن هذا المهرجان الغنائي إحياء للفلكلور وكسر للحصار ولا يجوز لمجلس
بلدية قلقيلية الذي تهيمن حماس على كافة مقاعده أن ينصب نفسه "حارسا
للفضيلة" ،يرد أعضاء المجلس بأنهم انتخبوا من جمهور محافظ كي يصونوا
القيم الدينية خاصة أن مدينة قلقيلية مدينة محافظة جدا مقارنة مع مدن
رام الله وبيت لحم وأريحا،والحقيقة أن هذه المسألة تصب في صالح حماس
على المدى المنظور رغم أن الزوبعة الإعلامية المثارة حول الخوف من
"طالبان فلسطينية" هدفت للحد من شعبية حماس المتصاعدة ،ذلك أن المجتمع
الفلسطيني بحاجة إلى مشاريع تقضي على الفقر والبطالة عبر إيجاد فرص عمل
للخريجين والعمال ولا زال الحزن مخيما بسبب ما ألحقته آلة الحرب
الإسرائيلية من قتل ودمار ،ومثل هذه المهرجانات تشكل عامل تنغيص على
ذوي الأسرى الذين يقبعون في سجون الاحتلال ،فما اعتقد أنه سيحد من
شعبية حماس هو في الحقيقة سيزيدها ،فحماس بهذه الخطوة ظهرت كمحافظة على
القيم الإسلامية (الرقص والغناء يكون مختلطا وماجنا في العادة) ومراعية
لمشاعر أهالي الأسرى والشهداء ،رغم أن بعض الأسرى وقعوا عريضة تحتج على
رفض حماس إقامة هذا المهرجان على أرض قلقيلية.
أساليب زادت من التأييد
ليس
ما سبق وحده هو ما رفع أسهم حماس في الشارع الفلسطيني،بل هناك الكثير
من الأساليب التي اتبعتها الأخيرة في منافستها لحركة فتح وهي الحزب
الحاكم في السلطة الفلسطينية ،في الوقت الذي شهدت فيه أساليب حركة فتح
المضادة ارتباكا وارتجالا بسبب صراعات المحاور داخل الحركة التي انطلقت
قبل أربعين سنة ،وتتجلى أساليب حماس بعدة محاور منها:-
·
إغلاق ملفات قتل فيها أشخاص: بعد مقتل يسرا العزامي على يد مسلحين من
حماس
سارعت الحركة إلى الإعلان أن المسلحين تصرفوا من تلقاء أنفسهم، وسارعت
الحركة إلى دفع دية مغلظة مع الاعتذار من ذوي المغدورة، علما أن يسرا
العزامي طالبة في العشرين من عمرها تنتمي للكتلة الإسلامية، الذراع
الطلابي لحركة حماس، وقد قتلت أثناء تنزهها مع خطيبها عندما شك
المسلحون في أمرها، وقد شنت بعض وسائل الإعلام حملة واسعة ضد حماس بعد
هذا الحادث، وتوقع البعض أن ينحسر تأييد الجمهور المتصاعد للحركة بعد
هذه الحادثة، ولكن اعتذار حماس ودفعها للدية بحضور أكاديميين وشخصيات
اعتبارية كان له أثر إيجابي وترحيب وسادت حالة ارتياح بعد إغلاق هذا
الملف، وقبلها قام الشيخ حسن يوسف أحد قياديي حركة حماس في الضفة
الغربية بكشف ملابسات مقتل مواطن من قرية كوبر قضاء رام الله على يد
مسلحين من حماس عن طريق الخطأ، وأيضا قام الشيخ يوسف بدفع الدية لذوي
القتيل، وإغلاق ملف المواطن من قرية كوبر كان له أيضا أثر طيب،ذلك أن
من يقتل متهما بالعمالة تعاني أسرته نبذا اجتماعيا وحماس برأت هذا
الشخص،هذا في الوقت الذي لم تعرف ملابسات العديد من القضايا الخاصة
بأوساط في السلطة الفلسطينية وحركة فتح ؛مثل إصابة عضو المجلس التشريعي
نبيل عمرو في ساقه مما أدى إلى بترها،ومقتل أحد الصحفيين في غزة
،واغتيال معيد في جامعة الأزهر في غزة أيضا،ومؤخرا مقتل سمير الرنتيسي
–رغم الكشف عن القاتل- في رام الله،ناهيك عن تزايد حالات الإخلال
بالنظام والقانون أو ما يعرف "بالفلتان الأمني" [السلطة الفلسطينية
طلبت عدم استخدام تعبير الفلتان الأمني ] ،وهي أمور عادة ما تكون
عناوينها خلافات بين أوساط في حركة فتح أو السلطة التي تهيمن الأخيرة
عليها،أو أن السلطة مسؤولة عن الكشف عن الفاعلين ومعاقبتهم علما أن
المنتسبين لأجهزة الأمن يزيد عددهم عن 57 ألفا،هذه المسألة (إغلاق
ملفات القتل) زادت من احترام الناس وتقديرهم لحركة حماس ،كونها حركة
تتمتع بالانضباط وحسن التنظيم،وكونها تعتذر وتعالج الأخطاء التي
يرتكبها بعض المنتمين إليها بصراحة ووضوح.
·
اختيار ذوي الكفاءة والمرونة في اختيار المرشحين: لدى حركة فتح أشخاص
متدينون وأيديهم نظيفة ولهم تاريخ وطني ويتمتعون بالعلم أو
الثقافة،ولكنها(أي فتح) تخفي هؤلاء ولا يظهر من رجالها إلا الجهلة أو
غير الملتزمين بالإسلام بل المعادين له أحيانا ومن تدور حولهم شبهات
عديدة،ولو سألنا طفلا صغيرا عن فرص فوز حركة فتح لأجاب أنه إذا كان في
قوائم مرشحيها سين أو صاد من الناس ففرصها في الفوز ضئيلة،ورغم ذلك نرى
فتح تختار أشخاصا هم محل خلاف لا اتفاق وكأنها في عالم آخر!
عند
حماس الصورة مختلفة،مؤخرا أعلنت أنها ستضمن أشخاصا مسيحيين في قوائمها
للمجلس التشريعي ،وبهذا أزالت عنها شبهة الطائفية،وأظهرت مرونة
وبراغماتية قد تبدو مفاجئة لفتح وغيرها،كما أنها تختار مرشحين متعلمين
ومناضلين وأصحاب أخلاق حسنة ومن الحاصلين على مؤهلات علمية مختلفة
،وتراعي البعد العائلي والإقليمي أيضا عند اختيار المرشحين ،وللعلم فإن
العديد من المواطنين انتخبوا وسينتخبون قوائم حماس كنوع من العقاب
لحركة فتح بسبب سوء أداء السلطة الفلسطينية طوال السنوات الماضية،وهناك
نقطة هامة أيضا وهي أن عناصر تنظيم فتح –بمعظمهم- يعملون في أجهزة
السلطة الأمنية ،وهذا أمر أدى إلى حالة من النفور الجماهيري لأن
المجتمع بطبيعته يجنح نحو القوى الشعبية لا الرسمية،وطالما دعا قادة من
فتح إلى إنقاذ التنظيم من حالة الاحتواء داخل السلطة كون السلطة مجرد
مشروع قابل للنجاح أو الفشل بينما التنظيم هو الأهم والأساس في المسيرة
الحركية،الحقيقة أن السبب مادي بالدرجة الأولى ،فرجال التنظيم بحاجة
إلى وظائف يعتاشون من رواتبها،كان بإمكان منظمة التحرير الفلسطينية
التي تهيمن عليها فتح تخصيص ميزانية لهؤلاء بدل تفريغهم للعمل في
مؤسسات السلطة مما أضعف التنظيم وساهم كثيرا في ترهل السلطة ومؤسساتها.
·
الحرص على رضا الشعب:حماس تهتم كثيرا برأي الشارع ولديها وسائل علمية
لاستقصاء رأي الجمهور وجس نبض الشارع،هذه الوسائل ليست استطلاعات الرأي
المفبركة أو المفصلة على مقاسات معينة،وكون حماس تهتم برضا الشارع
ورأيه فإنها لا تهتم كثيرا برأي كوندوليزا رايس أو أوروبا أو حتى بعض
الدول العربية؛حماس ترى أن رصيدها وتاريخها الماضي وحاضرها الحالي
ومستقبلها القادم هو في الشعب الفلسطيني،ولولا هذا التأييد الشعبي لما
سعت أوروبا إلى حوارها،وهي ترى أن أمريكا ستضطر إلى محاورتها مستقبلا
كما اضطرت لمحاورة فصائل المقاومة العراقية المسلحة،إضافة إلى ذلك فإن
حماس استخلصت العبرة مما حدث لفتح عندما سعت لإرضاء أطراف خارجية دون
الالتفات إلى الجمهور ،لقد خسرت فتح جزءا كبيرا من شعبيتها،ولم تدم
حالة رضا أمريكا عنها،حتى أن عرفات احتجز لسنوات في المقاطعة بمباركة
وموافقة أمريكية علنية.
·
عدم
التحول إلى حزب سياسي:حتى فتح لم تتحول إلى حزب سياسي بشكل رسمي،لكنها
غرقت في دوامة السلطة،و حماس ترى أن الشعب الفلسطيني أرضه محتلة ولا
مبرر لتتحول إلى حزب سياسي طالما بقي الاحتلال قائما،هذا في الوقت الذي
يكثر الحديث فيه عن قرب الانتفاضة الثالثة،علما أن الانتفاضة الثانية
لم تنتهي وان خفت حدتها،وحماس تدرك أن شعبيتها الكبيرة إنما حصلت عليها
بتضحيات جسيمة وبما ألحقته من خسائر في صفوف الإسرائيليين،وفي حال ألقت
السلاح دون رحيل الاحتلال عن الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل تام وتفكيك
المستوطنات،وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين من السجون الإسرائيلية(عددهم
أكثر من 8000 أسير) ،وضمان حرية الحركة الداخلية والخارجية،فهي كمن
يطلق النار على رأسه!ومن المفارقات العجيبة هنا أن عدد القتلى
الإسرائيليين أثناء انتفاضة الأقصى على يد مقاتلي فتح أكثر من عددهم
على يد مقاتلي حماس،وهذا أمر هام للحصول على شعبية في الشارع
الفلسطيني،ولكن فتح لم تستثمر هذه المسألة ،لأن قيادة السلطة وحركة فتح
بشكل عام لم تتبنى كتائب شهداء الأقصى ،بل لطالما اعتبرت الكتائب عبئا
عليها ،رغم أن هناك شبه إجماع أنه لولا كتائب شهداء الأقصى لما بقي
لفتح وجود على المستوى الشعبي،نبذ كتائب الأقصى والسعي لاحتوائها
وأحيانا لتشويه صورتها أظهر أن المقاومة المسلحة عند فتح مجرد حالة
استثنائية وليست قاعدة ونهجا استراتيجيا،بعكس النظرة إلى حماس التي كان
قادتها في الداخل والخارج وما زالوا يرحبون ويهللون للمقاومة
المسلحة،مما زاد من شعبية حماس بشكل واضح.
حكومة الوحدة الوطنية
في
ظل ما سبق،وفي ظل حالة الاحتقان السياسي والفوضى المتصاعدة،خرج اجتماع
اللجنة المركزية لحركة فتح الذي عقد في عمان بدعوة حماس والفصائل
الأخرى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية.
لم
يكن أمام فتح طريقة أخرى ،فتأجيل الانتخابات التشريعية ووضع الحركة
الداخلي الذي يشهد توترا شديدا وصراعات طفت على السطح وغير ذلك من
الأمور تجعل فتح في وضع صعب يتطلب منها القفز إلى الأمام،فكانت الدعوة
إلى حكومة الوحدة الوطنية،وبهذا تضمن فتح تأجيلا أطول لانتخابات المجلس
التشريعي،وتضع حماس في خانة الشريك فيما يجري فتضعف شعبيتها،وهي شعبية
استمد جزء كبير منها جرّاء البعد عن السلطة،وفي ذات الوقت ظنت فتح أن
رفضا من حماس-وهو ما حدث- يحرج الأخيرة ويظهرها كمن يرفض الوحدة
الوطنية وأنها ليست لديها الشجاعة للمشاركة في حياة الناس عبر وزارات
السلطة المختلفة!
ولكن حماس لم تفتها تفاصيل هذا المخطط،ففي ذات الوقت الذي رفضت فيه
فكرة الانخراط في حكومة وحدة وطنية،دعت إلى تشكيل لجنة وطنية للإشراف
على الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة،وهو ما رفضته السلطة حتى
اللحظة،موقف حماس كان متوقعا،فمشاركتها في سلطة ينخرها الفساد ،وتغزو
أجهزتها الأمنية الفوضى والارتباطات الخارجية،كما صرح وزير الداخلية
اللواء نصر يوسف،والتضحية بشعبية نالتها بدماء القادة والعناصر ،هكذا
مشاركة أشبه ما تكون بمن ينتقل للسكن في بيت آيل للسقوط أو يضع رأس
ماله في شركة مفلسة ومدينة لعدد كبير من الدائنين الغاضبين!
الكرة عادت إلى ملعب فتح التي يتحدث عن أزمتها قادتها وعناصرها
والمراقبين للوضع،ولم تتراجع شعبية حماس بعد رفضها عرض حركة فتح،لأن
استحقاق الانتخابات أقوى من أي صوت آخر،وبالتأكيد لو وافقت حماس على
عرض فتح لكانت ستتحمل مسئولية اخفاقات السلطة طوال العشر سنوات
المنصرمة!
جمادى الآخرة 1426هـ
تموز 2005م
سري
سمور
جنين-فلسطين (عضو تجمع الأدباء والكتاب الفلسطينيين)
0599376160جوال
|